المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الأول من الباب الثالث عشر والأخير من كتاب (تلاش)لممتاز مفتي مع هوامشه



إبراهيم محمد إبراهيم
20/08/2008, 07:48 AM
الجزء الأول من الباب الثالث عشر



سلطان عجيب
وصلني خطاب من أحد القراء يقول فيه : إنك لم تلق الضوء في مقالاتك " البحث " هذه (1) عن التناقض بين العلم والدين .
العلم والدين :
والحقيقـة أن هنـاك خطـأ في الفهم فيما يتعلق بالعلم ، فنحن نعتقد أن ما نطلق عليه " SCIENCE " هو العلم ، وهذا تجاوز في الفهم منا ، فهذا الذي نطلق عليه " SCIENCE " ليس علماً ، إنما هو طريقة لمعرفة وفهم حقيقة ما ، لكننا ربما عن حسن نية لم نستوعب هذا الأمر جيداً .
والحقيقة أن الله تعالى وضع حكمته في الكائنات من حولنا وفرقها فيها ، وقد قسمنا نحن هذه الحكمة إلى أقسام ودرجات كنوع من التسهيل على أنفسنا في الفهم والاستيعاب . على سبيل المثال حكم " بكسر الحاء وفتح الكاف " الله في النباتات ، حكم الله في الأسماك ، حكم الله في الطقس والأفلاك . لنفترض أننا نجمع حكم الله المتعلقة بالنباتات بطريقة علمية ، عندئذ سيكون هذا علم يختص بالنبات ، وهو ما نطلق عليه " BOTANY : علم النبات " ، ونحن نطلق على هذه الطريقة بهذا الشكل مسمى " علم " في لغتنا الدارجة ، وهو خطأ ، فهذا المسمى ليس علماً ، وإنما هو طريقة خاصة بالبحث في النباتات تم استنباطها بأسلوب علمي . افترض أنك تريد أن تصنع " البسبوسة " (2) ، فإنك أولاً ستقوم بتحمير " الدقيق " في " السمن " ، ثم تضع عليه بعد ذلك " الشربات " الذي أعددته سابقاً لهذا الغرض ، وهكذا تكـون قد صنعت " البسبوسة " ، فـ " البسبوسة " في ذاتها شيء ، والطريقة التي أعددتها بها شيء آخر ، وهكذا الأمـر بالنسبـة للفيزيـاء ، فهي ليست " علماً " ، وبالتـالي فإن مـا نطلـق عليـه " SCIENCE " ليس علماً ، ولا نهاية له أيضاً ، إنما هو طريقة للعمل تطبقها حيث تريد .
أسير الحواس الخمسة :
سادتي ، إن حواسنا محدودة ، وهي التي نفهم من خلالها ما يحيط بنا،فحاسة " السمع " لدينا مثلاً محدودة ، ونحن لا نستطيع أن نسمع الأصوات الخافتة جداً ، كما أننا لا نستطيع أن نسمع الأصوات ذات الترددات المرتفعة جداً ، ونفس الأمر بالنسبة لحاسة " البصر " ، فنحن نستطيع أن نرى بعض الأشياء ،ولا نستطيع رؤية البعض الآخر،وقد قال القرآن الكريم " وجعلنا من الماء كل شيء حي " (3) ، وتعجب الناس ، كيف يكون هذا !. إنه سائل يشـرب ، فكيـف يمكـن خلـق المخلـوقـات من هـذا السائل . وبعد قرون تم اكتشاف " الميكروسكوب " ، ولما رأينا الماء من خلاله وجدناه مليئاً بالكائنات الحية .
العلاج بالمثل " الهوميوباتيك " (4) :
ومن البديهـي أن لا تستـوعب طـرق العلـم كل شيء ، خـذ طب العلاج بالمثل " الهوميوباتيك " كمثال ، فقد كان هناك رجل هو إلى الدراويش والزهاد أقرب ، ويدعى " هانيمان " ، وقد واتته فكرة هذا الطب بلا سابق إنذار ، وهذا أيضاً أمر عجيب ، إذ أن العلم متى أتى كان مجيئه عن طريق الإلهام . على سبيل المثال تتوهج في ذهن أحد حقيقة ما ، فيركز هذ الشخص اهتمامه بهذه الحقيقة ، ويفكر فيها ويتأملها ويبحثها إلى أن يفهم هذه الحقيقة بوضوح . وهذا بالضبط هو ما حدث مع " هانيمان " ، إذ توهجت في ذهنه حقيقة ما ، وهي أن الدواء الخالص يكون أثره قليلاً ، ولكن إذا خلط هذا الدواء الخالص بالماء وخفف به فإن فاعليته تزيد . وأخذ " هانيمان " يتأمل هذه الحقيقة ويجري عليها التجارب ، ثم بدأ يعطي مرضاه الأدوية المخففة بدلاً من الأدوية المركزة ، فحقق ذلك نتائج مبهرة .
وبدت هذه الطريقة في نظر المعالجين بالطب التقليدي مثيرة للضحك والسخرية ، ولهذا قالوا للباحثين : عليكم أن تفحصوا هذا الأمر في مختبراتكم لتروا هل الدواء المخفف أكثر تأثيراً بالفعل من الدواء المركز أم لا ؟!. وتم تقديم الأدوية المخففة إلى العلماء في المختبرات ، وفحصوها بأدواتهم ، وتم تخفيف أدوية " الهوميوباتيك " إلى درجة لم تعد معها المعدات المعملية قادرة على إثبات وجود الدواء في الماء ، ولهذا أعلنوا أن المحلول الموجود أمامهم هو ماء خالص ، ويخلو من أية عناصر دوائية .
أمر مضحك :
والطريقة العلمية تكون في بعض الأحيان مضحكة ، إذ لا تستطيع على سبيل المثال رؤية النتائج ، وقد أعطى " هانيمان " هذا الدواء المخفـف إلى عدد من المرضى وشفوا مما هم فيه تماماً ، والطريقة العلمية لا تنظر إلى النتائج التي حققها الدواء ، وهل فيه قوة شفاء أم لا ، وإنما تنظر فقط فيما إذا كان هذا يتفق مع الطريقة العلمية أم لا . وكانت النتيجة أن أعلن المعالجون بالطب التقليدي أن " الهوميو باتيك " ليس طريقة علمية للعلاج ، ومع ذلك ظل طب الهوميو باتيك " العلاج بالمثل " مستخدماً ، ويلقى رواجاً يوماً بعد يوم ، ولا يزال أصحاب الطب التقليدي يصفونه بأنه علاج غير علمي .
ثم حدث أمر عجيب ، إذ أرسلت شركة من شركات الأدوية دواءاً إلى عدة معامل في وقت واحد ليفحصوا أثره على جسم الإنسان . وأخذ أساتذة التحاليل يراقبون أثر هذا الدواء يوماً بعد يوم ، ولم تختلف النتيجة . وذات يوم فحصت إحدى المتخصصات في التحاليل الدواء فأصابتها دهشة عظيمة ، إذ زاد أثر الدواء إلى أكثر من الضعف ، ولم تصدق ما حدث ، ففحصت الدواء ثانية وثالثة ، وكانت النتيجة في كل مرة أن الفعالية تضاعفت ، فتحدثت إلى زملائها ، ودهشوا جميعاً ، وقالوا ربما خلط أحد هذا الدواء بشيء آخر . ولما فحصوا مقدار الدواء وجدوه حقيقة قد زاد . وبعد البحث تبين أن أحداً ما خلط الدواء بالماء ، وبناءاً عليه ظهر سؤال جديد هو هل تزداد فاعلية الدواء إذا خلط بالماء ؟!. وللإجابة على هذا السؤال زادوا نسبة الماء في الدواء ، ثم فحصوه ، فوجدوا أن فاعلية الدواء تزداد بالفعل إذا ما خفف بالماء ، وكرروا التجربة والفحص مرات عديدة . وحين تأكدوا من هذه الحقيقة نشروها تفصيلاً في مجلة علمية متخصصة .
ولما رأى تجار الدواء التقليدي ذلك أصابهم القلق ، إذ لو تم الاعتراف بطب الهوميو باتيك كطريقة علمية للعلاج فإن ذلك سيصيبهم بخسارة فادحة .
خادمة أصحاب المصالح :
على أية حال اتضحت حقيقة أن الطرق العلمية ليست كاملة ولا حتمية ، ولقد جعلنا مما نطلق عليه " SCIENCE " خادمة ، أو وسيلة لفهم حكمة الله تعالى واستيعابها ، وجاء الغربيون فأعطوا إهتماماً كبيراً لهذا الـ " SCIENCE " ، وإلا فإن مكانة الـ " SCIENCE " الآن ليست مثلما كانت عليه من قبل ، إذ كانت مهمته في السابق هي البحث في أسرار الكائنات ، يعني " حكمة الله " ، ومحاولة الوصول إلى الأشياء البناءة . أما اليوم فقد أجبر على البحث عن الأشياء المخربة تحقيقاً لمصالح الحكومات والتجار ومن هم على شاكلتهم ، ولم يعد العالم " بكسر اللام " يقوم بعمله طبقاً لرغبته ، إذ تشتريه الحكومات ، وإن رفض أن يشتريه أحد اعتقلوه واحتجزوه . وبالإضافة إلى الحكومات فإن التجار أيضاً يوظفون العلماء لتحقيق مصالحهم المشروعة وغير المشروعة .
هذا وقد ساعدت الحضارة الغربية على تأجج نيران المصالح الشخصية باتخاذها من الاقتصاد معياراً للحياة وهدفاً لها . على سبيل المثال عندما ظهر " التنويم المغناطيسي " وبدأ في الانتشار تعرفنا معه على طاقة جديدة في الحقل الإنساني ، وهي أن الإنسان يستطيع أن ينقل أفكاره إلى عقل إنسان آخر ، وأجريت تجارب كثيرة على هذا الأمر . مثلاً أجلسوا صديقين على مسافة بعيدة بينهما ، ووضعوا أمام كل منهما أوراق " كوتشينة " ، فتناول أحدهما ورقة " البنت " ، ثم حاول بطريقة شعورية واعية أن يأخذ صديقه الذي يجلس على بعد أميال منه ورقة " البنت " أيضاً ، بمعنى نقل فكرة فرد إلى عقل وذهن فرد آخر ، ويمكن تطوير هذه الطاقة في أشكال بناءة متعددة ، لكن لا قيمة للعلم أو الأخلاق أو الروحانيات في ظل جو المصالح الشخصية هذا الذي خلقه الغرب ، ولهذا لم يلتفت أحد بعد ذلك إلى هذه الطاقة ، طاقة التواصل عن بعد .
سلاح " فارمانجرز " :
وفي النهاية فكر أحد الروس في الأمر ، فرأى أنه يمكن توظيف هذا التواصل عن بعد في الأعمال العسكرية ، وذلك حين تنقطع وسائل الاتصال بين وحدتين عسكريتين مثلاً ، ولا توجد صورة أخرى لإعادة الاتصال ثانية .
وقد سمعنا أن الروس يواصلون أبحاثهم في العلوم الروحانية والنفسية ، ولكن ليس بهدف تحصيل علم ، وإنما بهدف استخدامها كقوة عسكرية . ومن الواضح أن التطور العلمي طبقاً للنظام الغربي لا يؤدي إلى رفاهية الإنسان ، وإنما يخلق بداخله تشتتاً فكرياً وقلقاً وحسرة ، ويتضح من أقوال الذين أسلموا حديثاً أن هذا التشتت الفكري يزداد في الغرب .
الحاجة إلى الدين :
لقد ملّ أهل الغـرب من دوامة العمل والتفريح هذه ، وأصبحوا يشعرون بحاجة إلى الدين ، فالحياة بغير الدين بمثابة صخب بلا معنى ، مجرد صخب وضجيج ، والأديان السائدة في الغرب أشبه ما تكون بالحكايات الأسطورية .
في الماضي البعيد لم يكن العقل والفكر قد ارتقيا بالصورة التي هما عليها الآن ، وكان الناس يصدقون القصص والحكايات الخرافية . أما الآن فقد اختلف الواقع ، ولم تعد حكايات اليهودية والمسيحية مقبولة لدى الناس في العصر الحديث ، لأن هذه الأديان تنفي العقل . وبالإضافة إلى هذا فإن المكانة التي يتربع عليها القساوسة والرهبان تتنافى مع مبادئ الديموقراطية ، ولهذا فإن الغربيين لا يقبلون هذين الدينين الرائجين في بلادهم ، وهذا يعني أنهم لا يجدون طريقاً للخروج من دوامة العمل واللهو والعبث وعبادة المصالح الشخصية ، والقليل جداً منهم يتيسر له الحصول على معلومات عن الإسلام بمحض الصدفة ، لكنهم لا يثقون في هذه المعلومات ، وتكون النتيجة أنهم يبدأون في التحقق منها ، وعندما يتبينون الحقيقة تصيبهم الدهشة .
محمد صلى الله عليه وسلم :
على سبيل المثال يقول أحد الغربيين الذين أسلموا حديثاً : رغم أنني لم أكن مستريحاً لهذه الحياة التي لا هدف لها ولا غاية ، إلا أنه لم تكن هناك طريقة للتخلص منها ، ولهذا كنت أعيش كبقية الناس ، وكانت طبيعة عملي تقتضي أن أطالع سير العظماء ، ولم أكد ابدأ في مطالعة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم حتى قرأت جملة جعلتني أنتبه وأتحفز ، لقد قرأت آية تقول أن يا أيها النبي قل لهم إنني إنسان مثلكم (5) .هذه الجملة أصابتني بالدهشة ؛ ما هذا الذي يقوله الله . وهل يقوله للمسلمين ، ويقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي فضله على سائر بني الإنسان !. لقد وخزتني هذه الآية في أعماق قلبي ، فكيف يقول الله للشخص الذي جعله سيداً للعالمين أن قل إنني إنسان مثلكم !. إن كل من بعث من قبل الله في الأديان الأخرى إما قديس أو ابن الله ! . دعك من هؤلاء ، بل إن الذين يقومون بأمر الدعاء في الكنيسة عندنا ويسمون بالقساوسة تفوق مكانتهم مكانة عامة الناس . ولهذا أيها السادة وقفت هذه الآية في حلقي ، وودت من قلبي لو استطعت أن أعرف أكثر عن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم ، فقرأت عدة كتب عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكلما تقدمت في مطالعاتي وزدت فيها كلما أغرقتني الحيرة وغمرتني الدهشة .
سلطان عجيب :
· إنني لست شخصاً فوق البشر .
· ليس عندي مفاتيح خزائن السماوات .
· أنا إنسان مثلكم (6) .
هذه الجمل حيرتني وأدهشتني ، فلم أسمع مثلها أبداً من مصلح ديني . قلت لنفسي : يا ألله ، ما هذا الدين الذي يتـوافق تماماً مع العقل الإنساني !. ثم طالعت سيرة محمد صلى الله عليه وسلم بعمق . لقد كان الحاكم الآمر الناهي بين العرب ، وكان زعيم المسلمين ، وأكثر الناس في منطقته احتراماً ومكانة ، ومع ذلك لم يكن في بيته خادم . كان يقوم بعمله بيده ؛ يرقع ثيابه بنفسه ، ويصلح حذاءه بنفسه ، ويعلف الحيوانات بنفسه ، ويعيش حياته كرجل عادي .
لقد شعرت أن شخصيته صلى الله عليه وسلم امتزجت بها قيم المساواة والديموقراطية والرحمة امتزاجاً مثلما يمتزج عبق الورد به . لقد تأثرت بشخصيته صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنني دخلت في الإسلام دون أن أعرفه ، ودون أن أقرأ القرآن . لقد شعرت أن مثل هذا الشخص لا يمكن أن يكذب أبداً ، لا يمكن أن تخدعه نفسه أبداً ، ولهذا فإن الدين الذي ينادي به دين صادق بالضرورة .
شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه :
· ليس المسلمون فقط هم الذين تأثروا بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه ، وإنما تأثر به غير المسلمين أيضاً .
· كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً هاشاً باشاً .
· لم يغضب ( لنفسه ) أبداً ، ولم يقهقه أبداً .
· كان صاحب وقار عظيم .
· كان يبدأ الآخرين بالسلام ، ولا ينتظر منهم أن يبادءوه به .
· كان يبادر بالسلام على الصغار .
· كان يعامل الخدم والعبيد والموالي بلين وتحمل .
· يمد إليه زائره يده لمصافحته فيمسك بها ويحادثه ، ولا يترك يده حتى يفعل الزائر ذلك بنفسه .
· كان يلبي نداء من يناديه بكل عطف ، أياً كانت مكانته وحيثيته .
· كان يقابل من يغلظ له القول بابتسامة ولا يرد عليه ، وإنما يصبر ، فقد كان حياؤه نموذجاً يحتذى .
· كان قوياً في ميدان الجهاد ، ثابتاً فيه بقدر ما كان ليناً في مجالسه وأحاديثه .
· كان قوياً صلباً في مبادئه .
· كان ينادي بالعدل والإنصاف ، ومع ذلك فإنه كان يعتقد بأفضلية الرحمة كلما أتيحت الفرصة لها .
· دخل مكة حين دخلها كفاتح ، وارتعدت فرائص سادة قريش . كانوا يعرفون ما أوقعوه من ظلم به ، وكانوا خائفين ، لكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم إنه لن ينتقم منهم ، ودعا الله أن يعفو عنهم ويغفر لهم .
· كان صلى الله عليه وسلم أول قائد في التاريخ الإنساني ، وأول مشرع خلّص المرأة من استبداد الرجل ، وأعطاها حقوقاً مساوية للرجال .
لقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة حق الإرث قبل أربعة عشر قرناً من الزمان ، بينما المرأة في الغرب لا تزال محرومة من هذا الحق ، وأكدت تعاليمه صلى الله عليه وسلم على حقوق النساء لدرجة أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الجنة تحت أقدام الأمهات .
آراء غير المسلمين :
وبالرغم من التعصبات التي نشرها أعداء الإسلام عن الإسلام بين الكتّاب الغربيين ، إلا أن هناك بعض الكتّاب المنصفين الذين لم تؤثر فيهم مثل هذه التعصبات . على سبيل المثال الكاتب المعروف " كار لايل " ، والذي تحدث عن محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه " البطل وعبادة البطل " ، وفيما يلي اقتباس صغير منه . يقول :
" هذا الرجل الذي يسكن البادية ، ذو العيون السوداء ، والجبين المنير ، والهمة العالية ، والنفس الكريمة ، والمحب للناس المخلص لهم ، كان تفكيره بعيداً كل البعد عن مسألة الجاه والسلطة حتى قبل أن يعطى منصب النبوة ، وكان الآخرون يتبعون الخرافات وما لا حقيقة له ، ويرضون بذلك أنفسهم ، لكن نفس محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن لترضى بمثل هذه الأمور . كان يقف وحيداً تماماً في هذا العالم ، وتموج في فكره وعقله أسئلة لا حصر لها من قبيل : من أنا ، وما هذه الدنيا ، وما الحياة ، وما الغاية منها ، وما هو الموت ، بماذا أؤمن ، وماذا أفعل . وظل يصحب تساءلاته هذه حائراً وحيداً بين صخور جبل " حراء " الصلدة ورمال الصحراء الممتدة . وفي النهاية وجد الإجابة ، واختارته العناية الإلهية لقيادة بني الإنسان " .
مريم جميلة :
السيدة مريم جميلة سيدة أسلمت حديثاً ، وكانت قبل إسلامها من عائلة يهودية ، ثم جاءت إلى باكستان بعد إسلامها ، وهي اليوم تقيم في منطقة " سنت نكر " بمدينة " لاهور " ، وتزوجت من رجل مسلم يدعى " محمد يوسف خان " ، وتعيش معه كربة بيت حياة إسلامية ، وهذه السيدة تكتب كثيراً عن الإسلام . تقول في كتابها " الإسلام والمجتمع الغربي " إن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لم يكن وحده الذي يعيش حياة بسيطة ، وإنما كان أهل بيته أيضاً يعيشون معه هذه الحياة . تقول " ذات يوم قال سيدنا علي رضي الله عنه لأحد تلاميذه : تعال أقص عليك قصة السيدة فاطمة البنت الحبيبة لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . كانت فاطمة تطحن الغلال بنفسها كل يوم ، وتدير الرحى حتى امتلأت يداها بثوراً بسببها ، وتحضر الماء كل يوم من البئر في قربتها حتى تلبي احتياجات بيتها ، وتنظف بيتها بنفسها كذلك كل يوم . وذات مرة حدث أن كان هناك بعض أسرى الحرب في المدينة المنورة ، فقلت لفاطمة : اذهبي إلى أبيك والتمسي منه أن يعطيك امرأة من أسرى الحرب تساعدك في أعمال البيت . وبناءاً على قولي هذا ذهبت إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكنها وجدته محاطاً بالسائلين والمحتاجين من كل جانب ، وكانت فاطمة خجولة بطبعها ، لهذا لم تستطع أن تقول شيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعادت إلى البيت . وفي اليوم التالي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا وقال : يا فاطمة ، ما الذي جاء بك إلي بالأمس ؟!. ولم تجب فاطمة على سؤاله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أحنت رأسها خجلاً . عندئذ تكلمت أنا مع رسـول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : يا رسول الله ، إن فاطمة تطحن الغلال بالرحى كل يوم من أجل الخبز حتى امتلأت يداها بالبثور ، وتحضر الماء كل يوم من البئر بقربتها حتى ظهرت الحبوب على جسدها ، وتظل طيلة اليوم منهكة في أعمال البيت ، وقد أشرت عليها أن تذهب إليك وتلتمس منك أن تعطيها امرأة من أسرى الحرب تساعدها في أعمال البيت . ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام صمت لبرهة ثم قال لفاطمة : اتق الله يا فاطمة ، واقرئي عند نومك سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين ، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين ، وسوف تساعدك التقوى أكثر من الخادمة .
سادتي ، إن لدينا بالإضافة إلى القرآن الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم ، وكما أن القرآن كتاب لا مثيل له فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أيضاً إنسان لا مثيل له ، والقرآن بمثابة أحكام الله في صورة ألفاظ وكلمات ، ومحمد صلى الله عليه وسلم بمثابة أحكام الله في صورة عمل وتطبيق .
سادتي ، ما أسعد أولئك الذين يعشقون العقل ، ويتخذون منه مرشداً لحياتهم ، إنهم أناس مباركون . أدعو الله أن لا يضع أحداً في مشكلة روحانية أو غيبية ، وإلا انتهى الاعتماد على العقل ، وفقدنا في الوقت ذاته الروحانيات أيضاً ، إذ يصدق عليه قول الشاعر :
· دعك من الدير والحرم ، فأنا لم أعثر حتى على الطريق إلى البيت .
فطري ، وفوق الفطرة :
ذات يوم قلت لـ " قدرت الله شهاب " : يا سيدي ، لقد فقدت نفسي منذ أن دخلت في هذه التجربة الروحية ، فقد كنت غاية في العقل قبلها ، أعتمد على العقل ، وأحب الحقائق ، وأعيش في اطمئنان وسكينة . قال " شهاب " : إن تلك التقسيمات التي قمنا بها من قبيل " فطري " و " غير الفطرة " كلها بسبب قصور أفهامنا ، فالأمور التي يفهمها العقل أطلقنا عليها " أمور فطرية طبيعية " . وما لم يستطع عقلنا الإحاطة به اعتقدنا أنه " فوق الفطرة " و " غيبي " ، والذنب كله ذنب عقولنا ، وإلا فلا وجود لما هو فوق الفطرة أو ما وراء الطبيعة ، فكل شيء فطري وطبيعي ، وسيأتي يوم تنكشف فيه كل الأسرار لعقولنا ، ويبدو كل شيء " فطرياً " و " طبيعياً " .
العلم والإيمان :
سألته : أتعني بفوق الفطرة " الروحانيات " ؟!. قال : الروحانيات ليست أموراً منفصلة مستقلة بذاتها ، فالدنيا والروحانيات وجهان لعملة واحدة ، ونحن الذين فصلنا بينهما بلا سبب أو داع .
لا أذكر من هو ذلك المفكر الذي قال إن " الإيمان أعمى " . لقد صـدق في قوله هذا ، وإيماني أنا أيضاً أعمى ، فأنا أؤمن بكل ما يقول القرآن من أعماق قلبي رغم أن في القرآن الكريم أشياء كثيرة لا أستوعبها . وكان الشيخ " نور " يقول : لا بد للإيمان من العلم . على سبيل المثال أنا لا أستوعب موضوع الثواب والعقاب ، فنحن نعتقد أن العدل مبني على مبادئ وأسس ، مبادئ وأسس لا تتغير ، وتطبق على كل شخص دون استثناء ، حتى ولو كان في مرتبة متقدمة من مراتب الرقي ، وهذا سوء فهم منا .
منذ فترة طويلة حين كنت أدرس في الكلية ، اصطحبنا أستاذنا ذات مرة إلى مستشفى الأمراض العقلية حتى نرى أحوال المرضى فيه ونفهمها ، وقابلنا المشرف على المستشفى وطاقم العاملين به بترحاب شديد ، وشرحوا لنا أن المريض العقلي عادة لا يميل إلى العنف والتشدد ، ويقابل زواره بلطف . ولهذا لا داعي للقلق ، المهم أن نحرص على أن لا تصدر منا حركة تخيفه ، لأنه إن خاف صار عنيفاً . كما شرح لنا طاقم العاملين بالمستشفى أشياء أخرى هامة . وبعدها خرجنا في جولة بالمستشفى . وكان أول رجل التقينا به في حديقة المستشفى . كان يسير حاملاً دلواً مليئاً إلى منتصفه باللبن .
هوامش
1 - هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو في الحقيقـة مجموعة من المقالات نشرت في الصحف الباكستانية على حلقات ، ثم جمعت بعد ذلك في كتاب .
2 - في الأصل " حلوه " وهي نوع من الحلويات يصنع من دقيق أقرب ما يكون إلى دقيق " البسبوسة " ، ولذلك أطلقت عليه في الترجمة " بسبوسة " حتى لايحدث لبس لدى القارئ إذا ما أبقيت على مسماها الأردي " حلوه " ، فقد يظن القارئ أنها " الحلوى " على العموم وليس نوعاً خاصاً من " الحلوى " .
3 - الأنبياء – آية رقم 30 .
4 - الهوميو باتيك : العلاج بالمثل ، ومؤسسه هو الدكتور هانيمان الألماني . ولد هانيمان في مقاطعة سكسونيا بألمانيا عام 1755م ، واسمه بالكامل هو " صمويل كرسشن فريدريك هانيمان " :Samuel Christain Friedrick Hanemann ، كان يجيد ثماني لغات ، ودرس الطب في النمسا ، وأكمل دراسته عام 1779م . وقد اخترع هانيمان هذا طريقة العلاج هذه بعد أن أصبح طبيباً بإحدى عشرة سنة ، وأخذ يجرب طريقة العلاج هذه على نفسه وأقاربه لمدة ست سنوات متصلة ، وبدأ ينشر أبحاثه وفلسفته في هذا المجال لأول مرة عام 1796م ، ونشر أول كتاب له في هذا الميدان عام 1810م ، وكان بعنوان : Organon of Rational Medicine ، وله مؤلفات أخرى هامة ، وتوفي عام 1843م بفرنسا . وقد سبقت الإشارة إلى مفهوم العلاج بالمثل . الشكر الجزيل للسيد الدكتور / عامر منهاس الباكستاني المتخصص في هذا الطب على إمدادنا بهذه المعلومات القيمة .
5 - الإشارة إلى قوله تعالى " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ريه أحداً " – سورة الكهف – آية رقم 110 .
6 - هذه المعاني كلها نجدها في قوله تعالى " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون " – الأنعام – آية رقم 05 .

د محسن سليمان النادي
21/08/2008, 12:07 PM
السلام عليكم
موضوع رائع
سوف اعيد مطالعه الكتاب بشكل معمق
انما هي ملاحظه
الهميوباتيك
homeopathy
تترجم على انها الطب التجانسي
اي العلاج بنفس الجنس المسبب للمرض
وتنقل هميوباثي كما هي
فعلى جوجل تجد الكثير من المقالات عن الطب التجانسي
او الهميوباثي
وهنالك مؤلفات بالعربيه ايضا عنها
دام قلمك د ابراهيم
ودمتم سالمين

إبراهيم محمد إبراهيم
02/10/2009, 07:47 AM
أشكركم د . محسن النادي على هذا المرور الكريم وعلى التوضيح العلمي ، وقد ترجمت هوميو باثيك على أنه العلاج بالمثل ولكن لا أدري إن كان يعطي المعنى الذي ذكرتموه أم لا ، على كل حال أنتم بالتأكيد الأصح لأنكم متخصصون ، فأشكركم جزيل الشكر