المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وليمة



صبيحة شبر
12/12/2006, 10:13 PM
وليمة

الوضع رهيب ، والقسوة بالغة الفظاظة ، لقد أرعبني وقلب قنا عاتي ، لم أكن أحسب أن الإنسان ، المخلوق العاطفي الرقيق ، يمكن أن يقدم ، وبملء إرادته ، على عمل تقشعر لهوله الأبدان ، ومن قام بهذا العمل الرديء والآثم ؟ انه ولدي ، الابن العاق الذي ربيته يوما بعد يوم ، سهرت على راحته ورعايته ساعة بعد ساعة ، قام هذا الابن بطعني وبأعصاب باردة ، وبدون أي شعور بالتردد
هالني ما أقدم عليه ولدي ذاك ، لم أمنحه العلم فحسب ، بل غرست في نفسه المباديء السامية والعواطف المرهفة ، لكن الذي أثار فزعي ، وولد حزنا بالغا في نفسي أن المشاعر الرقيقة التي غرستها في نفس ابني لم تثمر ، وأن الشجرة التي تعهدتها بالعناية والسقاية والاهتمام ، قد ماتت قبل أن تورق أغصانها ، أحاول أن أخبيء حزني وأستر لوعتي وخيبة أملي ، وأنا أجد ولدي العائد توا من السفر يقدم على قتل حبيباتي ، حمائم جميلة رقيقة ، زاهية الألوان ، كانت تملأ علي المنزل سرورا وتبدد شعوري بالوحشة ، وتقلل من إحساسي بالوحدة وذلك الهاجس الذي ما انفك يلازمني بأنني مخلوق غير مرغوب فيه ، قد أنهكته السنون وابتعد عنه الأصحاب والأحباب ، وفارقته شريكة العمر إلى الرفيق الأعلى ، فلم يبال ولده الوحيد بآلامه وأوجاعه ولم يكلف نفسه أن يطمئن على أحواله أو يستفسر عن أموره ، كل ما كان يطلبه أن تصل إليه الحوالة المالية مطلع كل شهر ، ولم يكن يدري كيف أتمكن من تهيأة المال المطلوب وأنا المتقاعد العجوز العاطل عن العمل ،وما شأنه هو ؟ كل همه الحصول على المال لا غير ، لقد فرحت بقدومه ، وحدثت نفسي بأن متاعبي سوف تزول وأن شعوري المؤلم بالوحدة والغربة لن يستمر إلى الأبد ، وسأودعه إلى غير رجعة
ما إن وصل ولدي إلى بيتي ، وقبل أن يريح نفسه من وعثاء السفر كما يقولون أعجب بحماماتي
- ما أجمل هذه الحمامات يا أبي ، إنها بمنتهى الروعة ، ألوانها بديعة بين الأبيض والسماوي والرمادي
- إنهن صديقاتي بابني
- كيف استطعت أن تجمع هذا العدد ، وبمثل هذا الجمال ؟
حدثت ولدي عن بناتي ، وأنني أجد سعادتي قربهن ، وأنهن متلهفات على صحبتي ، لا يظهرن مللا من وجودي مهما استطال هذا الوجود ، لقد اعتدن على الترحيب برؤيتي في الصباح ، ما أن أغادر سريري ، حتى أهرع إلى الفناء ، وأجدهن أمامي مرحبات باشات يرفرفن فرحا وطربا ، ويعزفن بأجنحتهن سرورا ويطرن قريبا مني ابتهاجا ، وأنا مستبشر أشكر الله على نعمه الجليلة وأسأله أن يديمها علي ، فأنا وحيد في هذه الدنيا وحماماتي مصدر هنائي وسر بهجتي
عندما وصل ولدي وسألني عنهن ، أطلت الحديث عن مزاياهن ، وعن الخصائص التي تتمتع بها كل واحدة منهن ، وكنت أحسب أن ولدي سيشاركني اهتمامي ، ولكن الذي أثار نقمتي وبدد فرحي أنه أراد أن يقتلهن وأمامي
- لكنها قسوة بابني ،كيف تذبح هذه الطيور الوديعة من أجل أن تقيم وليمة لأصدقائك ؟ يمكننا أن نشتري اللحم من كل الأنواع
- إني أريد هذه الحمامات ، لقد وعدت أصدقائي أن أقدم لهم حماما محشوا في وجبة الغداء
اقترحت على ابني أن يشتري ما شاء من الحمام وأن يذبحه لوجبة المدعوين ، لكنه أبى إلا حماماتي
لم أكن أظن أن الولد إذا كبر وشب وبلغ مبلغ الرجال يقضي على حياة أبيه ، ويئد شعوره بالسعادة ، وكثيرا ما حدثني بعضهم عن عقوق الأبناء ، فلم يكن بمقدوري أن أحسب أن ولدي سيكون ضمنت هؤلاء الأبناء العاقين ، كنت أظن أنه سيرحم عجزي ويعطف على شيخوختي ، فيبقي على حماماتي ، فهن انسي وفرحي
أخذ يمسك الواحدة منهن وهي وادعة مستسلمة تتكيء على كتفي ، أو تقف على رأسي او تلقط الحب من يدي ويربطها بيديه ، وهي تنظر الي بعتب تود أن تصرخ وتعلن عن احتجاجها وثورتها ، لكن يدي ولدي قويتان ، الدموع تسيل من عيون حماماتي ، وأنا واقف لاأستطيع أن أقدم لها نجدتي وانقذها من براثن هذا الابن القاسي ذي القلب المتحجر ..... والدموع كانت تسير مني مدراراعلى وجنتي ، وتصل الى فمي ، كنت أحاول جاهدا أن لا يرى ولدي دموعي ، فمن يدريني ؟ قد يتهمني بالجبن والخنوع ، لم أستطع أن أنظر إلى حماماتي الحبيبات وهن يذبحن ، بل كنت أبعد عيني إلى الجهة الأخرى ، وبقيت مسلوب الإرادة أمني النفس إن لا يبيد ولدي كل حماماتي ، حتى أتى على آخر حمامة ، فقمت بمغادرة الفناء إلى غرفة نومي ، بقيت حزينا أفكر بالمصير المأساوي لحماماتي وكيف إنني مخلوق ضعيف لم يستطع دفاعا عن بناته الضعيفات ، وأنني غير جدير بالحياة ، فكم تكلمت عن الشجاعة وعن حرية تقرير المصير ، وإذا بي أكتشف أنني رعديد وجبان ، وأنني عاجز عن حماية من يأويه منزلي ،وبقيت أشعر بالضعف والهوان ، حتى قررت أن أبدأ من جديد وأشتري زوجا من الحمام ، آتي به إلى بيتي ، ليشاركني حياتي ويبدد شعوري بالوحدة



صبيحة شبر

الشربينى خطاب
13/12/2006, 12:42 AM
الأستاذة / صبيحة شبر
النص يطرح مجموعة من العلاقات الحيانية بين أم وأبنها وبين الحمام الذي ربته وتلك العلاقات متضاضة بين الأبن و الأم من ناحية وبين الحمام والإبن من ناحية أخري فالمشاعر النبيلة التي تحكم تصرفات الأم مع حمامها علي النقيض فهي عند الأبن علاقة نفعية يحكمها العقل وعند الأم علاقة عاطفية حانية تحكمها المشاعر الإنسانية ، ربما تكون هذه الحمامات ترمز إلي بناتها فهي تنظر إلي عملية ذبحها عجز منها في الدفاع عنهن 00 احتمال {{إنني مخلوق ضعيف لم يستطع دفاعا عن بناته الضعيفات ، وأنني غير جدير بالحياة }فالفكرة التي التقطتها الكاتبة ، بحثت لها عن قالب أو معادل موضوعي تطرها من خلاله فكانت الحمامات الرمز 0 والقسوة الأبن والجانب الضعبف الأم

معتصم الحارث الضوّي
13/12/2006, 08:34 PM
الأستاذة صبيحة المحترمة
أبدعت يا سيدتي كعهدنا بك دائماً .. آه كم يحمل هذا الإنسان العربي من معاناة يضخها عبرات و زفرات حرّى .. واصلي يا سيدتي إبداعك و نحن جمهورك المتعطش ننتظر و نطمع في المزيد .

عاطر التحية و التقدير
معتصم الحارث

زاهية بنت البحر
14/12/2006, 07:10 PM
صبيحة شبر أختي الغالية أديبتنا المبدعة
لاأدري لما تأثرت جدًا بموقف الأب الطيب المسكين , وهو يرى ابنه يذبح اليمامات البريئة ..تصورته يغمض عينيه , ويضم كتفيه بانحناءة ظهرٍ تشعر بالرحمة المتشحة بالحزن ,وكفاه تعتصران القلب ألمًا على ذبح السلام بمدية ابن عاق, شرَّع قلب أبيه لوحش الحزن المفترس ,فراح ينهش به أمام فلذة كبدٍ لايخشى الله بمن رعاه صغيرًا فأنكر رحمته كبيرًا..
القصة مليئة بإسقاطات كثيرة تحتاج لناقد فذ يكتشف كنوزها الأدبية الثمينة
دمت مبدعة إنسانة راقية الشعور
أختك
بنت البحر

اشرف الخريبي
17/12/2006, 11:27 AM
الأستاذة صبيحة

تحياتى
لفت نظرى فى النص انه يطرح مقدمة طويلة نسبيا كان يمكن ان تتخلل الأحداث عبر السرد الانسانى
الذى يعدد العلاقات سواء بين الأم والأبن او بين الحمام والأبن والأم ويمنح بذلك تواصلا بين هذه العلاقات مع سردك البسيط الهادىء الشاعرى وهذا النص يقدم قيمة انسانية وحياتية
من الجميل ان نؤكد على وجودها دوما

شكرا لك
اشرف

صبيحة شبر
17/12/2006, 08:25 PM
الأستاذة / صبيحة شبر
النص يطرح مجموعة من العلاقات الحيانية بين أم وأبنها وبين الحمام الذي ربته وتلك العلاقات متضاضة بين الأبن و الأم من ناحية وبين الحمام والإبن من ناحية أخري فالمشاعر النبيلة التي تحكم تصرفات الأم مع حمامها علي النقيض فهي عند الأبن علاقة نفعية يحكمها العقل وعند الأم علاقة عاطفية حانية تحكمها المشاعر الإنسانية ، ربما تكون هذه الحمامات ترمز إلي بناتها فهي تنظر إلي عملية ذبحها عجز منها في الدفاع عنهن 00 احتمال {{إنني مخلوق ضعيف لم يستطع دفاعا عن بناته الضعيفات ، وأنني غير جدير بالحياة }فالفكرة التي التقطتها الكاتبة ، بحثت لها عن قالب أو معادل موضوعي تطرها من خلاله فكانت الحمامات الرمز 0 والقسوة الأبن والجانب الضعبف الأم
الاخ المبدع الشربيني خطاب
اشكر لك قراءتك الجميلة التي اسعدتني
لقد قلت العلاقات الانسانية القائمة على التعاطف
والمحبة وقامت بدلا منها الصلات القائمة على المصالح المالية
تبهجني قراءاتك التي تضفي على نصوصي القا جديدا
مودتي الخالصة ايها العزيز
وتقديري الكبير

صبيحة شبر
17/12/2006, 08:28 PM
الأستاذة صبيحة المحترمة
أبدعت يا سيدتي كعهدنا بك دائماً .. آه كم يحمل هذا الإنسان العربي من معاناة يضخها عبرات و زفرات حرّى .. واصلي يا سيدتي إبداعك و نحن جمهورك المتعطش ننتظر و نطمع في المزيد .

عاطر التحية و التقدير
معتصم الحارث
الاخ العزيز معتصم الحارث
جميل ان تضفي على نصي معاني جديدة
بان تربطها بما يعانيه المواطن العربي
الذي تزداد ايامه سوءا
اشكرك بالغ الشكر على الثناء العطر
دمت بخير وهناء

صبيحة شبر
17/12/2006, 08:33 PM
صبيحة شبر أختي الغالية أديبتنا المبدعة
لاأدري لما تأثرت جدًا بموقف الأب الطيب المسكين , وهو يرى ابنه يذبح اليمامات البريئة ..تصورته يغمض عينيه , ويضم كتفيه بانحناءة ظهرٍ تشعر بالرحمة المتشحة بالحزن ,وكفاه تعتصران القلب ألمًا على ذبح السلام بمدية ابن عاق, شرَّع قلب أبيه لوحش الحزن المفترس ,فراح ينهش به أمام فلذة كبدٍ لايخشى الله بمن رعاه صغيرًا فأنكر رحمته كبيرًا..
القصة مليئة بإسقاطات كثيرة تحتاج لناقد فذ يكتشف كنوزها الأدبية الثمينة
دمت مبدعة إنسانة راقية الشعور
أختك
بنت البحر
المبدعة العزيزة زاهية بنت البحر
الاباء والامهات حين يكبرون تتضخم لديهم الرغبة في المحبة والحنان
وقليلا ما يفطن الابناء الى تلك الحاجة الا بعد فوات الاوان
واظن انه لايمكن للابن ان يدرك مدى معاناة الاب
الا بعد ان يصبح ابا هو الاخر
وهكذا الدنيا لانعرف قيمة الشيء الا بعد ان نفقده
تعجبني مشاركاتك ايتها العزيزة
فهي تدل على دراية بالنفس الانسانية وعلى ثقافة واسعة
تحياتي لك ايتها العزيزة وعظيم مودتي

صبيحة شبر
17/12/2006, 08:36 PM
الأستاذة صبيحة

تحياتى
لفت نظرى فى النص انه يطرح مقدمة طويلة نسبيا كان يمكن ان تتخلل الأحداث عبر السرد الانسانى
الذى يعدد العلاقات سواء بين الأم والأبن او بين الحمام والأبن والأم ويمنح بذلك تواصلا بين هذه العلاقات مع سردك البسيط الهادىء الشاعرى وهذا النص يقدم قيمة انسانية وحياتية
من الجميل ان نؤكد على وجودها دوما

شكرا لك
اشرف
الصديق المبدع اشرف الخريبي
تبهجني كثيرا قراءاتك لقصصي
فهي رغم قصرها غنية جدا بالمعاني الكبيرة
اشكر لك تقييمك الرائع
مودتي الخالصة ايها الاخ العزيز

ايمان حمد
17/12/2006, 11:55 PM
الأديبة الرقيقة / صبيحة شبر

عجيب هذا النص ..اول مرة ارى مثله
افكر فى هذا الأبن العاق الذى لم يكتف بأخذ مال ابيه دون ان يسأل عنه بل واصل قطع امل ابيه فى ان يحيا مع بديل صنعه بارادته ليقيم علاقات انسانية معها تذكره انه ما زال حيا

قد قتل ابيه قبل ان يقتل الحمائم هذا العديم الشفقة

سرد جميل يوضح القسوة واللارحمة من ناحية ومحاولة اقناع النفس بان الأمل باقى " محاولة شراء حمائم جديدة " يتواصل معها ثانية

كم منا بترت احلامه على ايدى معدومى الشفقة

وانا مع اخى الخريبى فى ان المقدمة كان طويلة بلا مبرر
كما انك احسنت الصور الجمالية فى النص اثناء عملية الذبح !

تحيتى لفكر راقى

وتحية انسانية سامية

صبيحة شبر
18/12/2006, 12:24 AM
الأديبة الرقيقة / صبيحة شبر

عجيب هذا النص ..اول مرة ارى مثله
افكر فى هذا الأبن العاق الذى لم يكتف بأخذ مال ابيه دون ان يسأل عنه بل واصل قطع امل ابيه فى ان يحيا مع بديل صنعه بارادته ليقيم علاقات انسانية معها تذكره انه ما زال حيا

قد قتل ابيه قبل ان يقتل الحمائم هذا العديم الشفقة

سرد جميل يوضح القسوة واللارحمة من ناحية ومحاولة اقناع النفس بان الأمل باقى " محاولة شراء حمائم جديدة " يتواصل معها ثانية

كم منا بترت احلامه على ايدى معدومى الشفقة

وانا مع اخى الخريبى فى ان المقدمة كان طويلة بلا مبرر
كما انك احسنت الصو الجمالية فى النص اثناء عملية الذبح !

تحيتى لفكر راقى

وتحية انسانية سامية
الاخت العزيزة
اسعدني رايك الجميل
وكما قلت ان الابن قتل اباه مرتين
يجب ان يفكر الانسان ببدائل تمنحه الحنان
ان استحال التواصل بين بني الانسان
شكرا لك على كلماتك الرقيقة
ودمت بخير