زاهية بنت البحر
13/12/2006, 01:41 AM
أم عامر صديقة قديمة ..مثقّفة .. نبيلة وذات أخلاق حميدة ..تخاف الله , وتحب الخير لكل من حولها, تشاركهم أفراحهم , وأتراحهم لكنّها فضوليّة تحشر نفسها في أشياء لاتعنيها..شيء آخر كان يتعبها ,وأهلَها هوتفكيرها في شتّى الامور, وإبحارها في التّفسيرات المختلفة لما يواجهها في الحياة لاتسكت على كبيرة ولاصغيرة دون أن تشبعها تفسيرًا وتأويلا حدَّ مضايقة الآخرين منها ..حقيقة هي متميزة جدًا لكنَّ تميزها هذا لم يكن في صالحها عائليا ولا اجتماعيا.
امرأة يراها الجميع أنموذجا نادرًا في هذا الزمن .. ربما كان وضعها الخاص كلها على بعضها بشكل عام -على ضيق البعض منها -هو الذي جعلها محبّبة إلى معارفها.
قالت لي ذات يوم بمحادثة هاتفية :
صدّقيني , كانت صدفة تلك التي سمعت فيها المكالمة التي دارت بين سيّدتين لاأعرف عنهما من قبل شيئا.
سألتها:وكيف التقطت تلك المكالمة؟
أجابت:كنت أحاول الاتصال بعيادة زوجي لأمر هام , وحدث أن تشابكت خطوط الهاتف مع بعضها بعضا , وهذا أمر يحدث كثيرا, وهو يستهوي البعض منّا.
سألتها:أكان من الضّروري أن تستمعي إليهما؟
ردّت بارتباك وخجل: في بادئ الأمرهممت بإغلاق السّماعة .. لكن ما سمعته بعد ذلك أثار انتباهي..
تألمت كثيرا وأنا أتابعهما..لاأخفي عليك أنني كنت في بعض اللحظات أبكي من هول ما أسمع.
سألتها بسخرية:أتبكين وأنت تسترقين السّمع, وتتنصّتين على أناس لاتعرفينهم؟!!يالرقّة قلبك ياصديقتي!!!
أجابتني بحياء ممزوج بالألم:هذا ما حدث.. الحوار أثار فضولي , وأنا على ثقة لو أنَك كنت مكاني لفعلتِ ما فعلتُ.
قلت لهابثقةأكبر من ثقتها : لاأظنّ ذلك, لأنني ببساطة لاأحبّ أن أتجسس على النّاس, وبالمقابل لا أحبّ أن يتجسس عليّ أحد ..لكلّ منّا أسراره الخاصة التي لايريد أن يطّلع عليها الآخرون..
قالت بجدية وحماس :لاأخالفك الرّأي .. لكنّ حديث هاتين السّيدتين شيء لايصدّق , ولا يقبل به عاقل ..
قلت لها :ومع ذلك لاشأن لك بهما لقول الله تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)
فقالت : صدق الله العظيم
فقلت لها :فلم فعلت ذلك اذن ؟
أجابتني هذه المرّة بشيء من الحدّة:سأحدّثك بما سمعت, ولسوف تقرّين بأنّ ماسمعته هو مأساة حقيقية , ومشكلة اجتماعية متفشّية يجب التّخلص منها.
فقلت لها : ربّما كان الأمر كذلك ..لكن رغم
فقاطعتني بصوت عال : بل أجزم بذلك خاصّةإذا جاءت الفعلة النّاقصة ممن يدّعي الثّقافة والعلم, ويتّخذ من التّدريس مهنة له ..إنّهم ينشئون أطفالنا وشبابنا على مبادئهم الخاطئة, وسيكونون أمتدادًا لهم في المستقبل بطريقة أو بأخرى, بربك أجيبيني كيف يكون ذلك؟
أجبتها بشيء من الأسى :قد يفلسف بعض المتعلمين النّاقصة, فيجعلونها في صالحهم, وبذلك فانّهم يتفوقون على الجهلة, ومن هم أقل منهم نصيبا من الفهم ,والعلم ياصديقتي.
سألتني بغضب:لماذا إذن يعلمنا الأهل مبادىء الأخلاق الحسنة؟
أجبتها ساخرة: كي نتنصّت على المكالمات الهاتفية.
ردت بحزن : سامحك الله على هذه الشّتيمة الذكية ..أجزم بأنك عندما تسمعين بعضا مما سمعت منهما ستلتمسين لي عذرًا.
قلت لهاعاتبة :ليس المهم في التماس الأعذار, وفلسفة الأمور أن تجدي لنفسك مبررًا لما فعلتِ.
فقالت بصوت يرتجف ضيقا وحزنا :ورغم ذلك سأحدّثك بما سمعت.
أجبتها محبطة:إذا كان لابد من ذلك فهات ماعندك .
تنهدت بألم ثم قالت:أشعربحاجتي للكلام لقسوة ماأعانيه من مشاعر شتّى, وتأبى نفسي المعذّبة السّكوت عليه.
أحسست بمعاناتها القاسية فقلت لها: تحدّثي ياصديقتي وأريحي نفسك من همِّها الثقيل .
قالت بشيء من الارتياح: باختصار ,هما سيّدتان ,كانتا تعملان بالتّدريس ,إحداهما مدرسة فنون تشكيلية ,والثّانية لمادة اللغة العربيّة.
قلت لها:يفترض في مثل حالتهما أن تكونا رقيقتي الشّعور لأنّ الأدب والفنّ يهذّبان النّفس الانسانيّة.
ردت محتجّة :لم ألمس في حديثهما شيئا مما ذكرت .. هما في العقد السّادس من العمر , متقاعدتان منذ سنتين إحداهما تدعى أمّ فادي , والأخرى لم ألتقط اسمها, ولكن الأولى تفكر أكثر من الثّانية التي كما يبدوللسامع استهتارها بأمور كثيرة .
قلت ضاحكة:لهما أخوات كثيرات في مجتمعاتنا , فأين المأساة ؟
أجابتني بعد أن أطلقت زفرة حرّى: حسنا سأخبرك بها, دخلتُ الخطّ عليهما مصادفة, والمرأة السّاخرة تقول: هل يعقل ياأمّ فادي أن أزوّج ابنتي لرجل متزمّت مازال يتمسّك بعقليّة قديمة بالية ؟ تصوّري من أجل منشفة كاد أن يوجد مشكلة !
ردّت أمّ فادي : هذه الأشياء لاتهم مادام الرّجل يملك سيّارة وبيتا واسعا, ومكتبا فخما , وله دخل محترم ,والكمال كما تعرفين لايكون إلا لله.
قالت الأخرى:لكنّه قد يسبب لها بعض المشاكل في المستقبل .
فقالت أمّ فادي : مهما يكن حاله يبقى أمره أسهل بكثير من أن تتزوّج من رجل فقير , وتسكن معه في بيت أهله, وكما تعرفين شباب اليوم ليس لديهم القدرة على فتح بيت للعروس من بابه إلى محرابه , عريس ابنتك لقطة رغم ماتسمينه عيوبًا.
قالت الأخرى:ابنتي جميلة جدًا وهو لايملك رصيدًا جماليًا, إضافة للغيرة التي تسكنه , تصوّري يريد أن يمنعها من الذّهاب الى الداّئرة التي تعمل فيها, ويحرمنا من الرّاتب الكبير الذي تتقاضاه من الوظيفة ..عقليته لاتعجبني ياأمّ فادي, إتّه دقّة قديمة, فلا يحبّذ خروج المرأة من البيت إلا للضرورة القصوى.
قالت أمّ فادي:ليس من الضّروري أن تخرج معه في الطّريق , فلتخرج معك أثناء غيابه ,ولكن للحق أسألك :هل هناك أجمل من أن تكون ابنتك سيّدة بيت محترمة ؟الوظيفة لمن هي بحاجة للمال .
قالت الأخرى :ربّما, ولكن رغم ذلك فانّ أسرته مازالت متمسكة بالتّقاليد القديمة, وتنظرإلى الفتاة المتحررة نظرة أخرى.
ضحكت أمّ فادي قائلة: بإمكانها عدم مخالطتهم ,المهم الآن ..السّيّارة, والمال ..الجاه, والعزّ , والفخفخة,إنّه عريس لقطة لايجود العمر بمثله .
قالت الأخرى:لكنّه يكبرها بعشرين عاما .
همست أم ّفادي :لم يعد هذا الامر مهما الآن أمام المعطيات الأخرى ,المهم هل ابنتك موافقة على الزّواج منه؟
ردّت بحرقة: نعم وهذا أكثر مايغيظني منها.
سألتها أمّ فادي بخبث: لماذا؟
ردت الأخرى: لأنّ ابنتي فتاة بسيطة من السّهل السّيطرة عليها.
قالت أمّ فادي : ولكنّك من أشدّ النّساء مكرًا ..لن تبخلي عليها بأقوى الدّروس ..أنت أستاذة في مثل هذه الأمور, أم نسيت كيف أخذت والدها من أهله . وعاش معك كما تريدين؟
أجابت بدل وقد علت ضحكتها :لا ..لم أنسى ذلك ولكن
قاطعتها أم ّفادي قائلة:لاتخافي عليها مادامت لها أمّ مثلك أبشّرك ولي الحلاوة , فلاأهل العريس , ولا أحد من النّاس يستطيع مسّها بسوء مادمتِ على قيد الحياة .
ضحكت المرأتان بصوت عال , ومالبثت أم ّفادي أن سألت الأخرى:ماأخبار أهل زوجك ؟
أجابتها بقسوة : لعنهم الله وقطع أخبارهم .. جاءت حماتي لزيارتنا هذا الصّيف ,فمكثت عندنا تسعين يوما .
سألتها أمّ فادي بدهشة : ألم تمت حماتك بعد ؟
ردت الأخرى : انّها متمسّكة بالحياة, تخاف أن يهرب منها شبابها ,أخذهاالله, وأراحنا منها.
قالت أمّ فادي : ظننتها ماتت.
قالت الأخرى : قاتلها الله , لقد ضايقني وجودها معنا في البيت .. تسعون يومامرّتْ تسعين سنة أذقتها خلالها المرّ وهي صابرة .. صامدة تتحمل الألم, ولاتخبر ابنها شيئا مما أفعل بها .
قالت أمّ فادي بتعجّب: أحقّا ما تقولين ؟
أجابت : نعم انّها حيزبون , تحبّ ابنهاوأحفادها كثيرا ,وأنا أكرهها بقدر محبّتها لهم وأكثر.
أمّ فادي : ليأخذها الله عمّا قريب,وكيف تخلّصت منها ؟
أجابت : اختلقت لها مشكلة وضربتها أمام ابنها وأحفادها وشتمتها ثمّ طردّتها بعد أن هددت زوجي بمغادرة البيت ,فانصاع لرغبتي مضطرًا , وأعادها إلى بيتها في المدينة الثّانية .
أمّ فادي : خيرًا فعلت , ولكن هل وقف زوجك مكتوف اليدين وأنت تضربين أمّه؟
أجابت بسخرية: لم يكن بإمكانه فعل شيء, فقد تصنّعت أنني أصبت بانهيار عصبي ,فخرجتْ من بيتي ذليلة .. مقهورة , ودموعها تتدفّق من عينيها .. بينما راح ابنها يخفف عنها ببعض الكلمات الطّيبة .
قالت أمّ فادي بإعجاب : مرحى لك, إنّك امرأة قوية أمام زوج ضعيف .
ضحكت الأخرى قائلة : إنّه يحبني بجنون, ويخشى أن أتركه .
قالت أمّ فادي : يالك من شيطانة ماكرة ,لاتخافي على ابنتك لانّها ستكون مثلك مع زوجها وحماتها في المستقبل .
قالت الأخرى: لاأظن ذلك فهي ضعيفة ومسالمة, وهذا عيبها الذي يعذبني .
قالت أمّ فادي : المهم الآن موافقتها على العريس, وما يأتي بعد ذلك محسوم أمره.
قالت الأخرى :ربما .
سألتها أمّ فادي : لم تخبريني بعد ,هل وجدت لابنك عروسًا ؟
أجابت الآخرى : مازلت في رحلة البحث الشّاقة هذه ,أريد له عروسا تعيش معنا في البيت , فأنا لاأستطيع أن أبتعد عن ابني يومًا واحدًا.
قالت أمّ فادي بحنان كبير: وأنا مثلك .
قالت الأخرى :أضأتُ حياته بسنين عمري, ومن الصّعب جدا أن أقدمه للعروس على صحن من ذهب , قد أجن اذا أخذته مني أمرأة ثانية ,إنّه إبني ..إبني .
قالت صديقتي : هنا فقط لم أستطع أن أتمالك نفسي فقلت للسّيدة الّتي ضربت حماتها وأذلّتها أمام ابنها وأحفادها: وأنت ألم تأخذي زوجك من أمّه؟
فسألت أمّ عامر بغضب :وماذا قالت لك ؟
أجابت : لم تقل شيئا ,سمعتها تشهق شهقة خرست بعدها,بينما سألتني أمّ فادي : هل كنت تتنصّتين علينا ؟
أجبتها :نعم ,لقد سمعت كلّ ما دار بينكما من حديث .
سألتني أمّ فادي : ولماذا لم تشعرينا بوجودك معنا على الخطّ ؟
أجبتها: لأنّ حديثكما كتم أنفاسي ,أنتما لاتعرفان الرّحمة ,أهكذا تعامل أمّ ربّت ابنها, وقدمت عمرها في سبيل سعادته ؟ يالفظاعة ماحدث!!!
قالت أمّ فادي بشيء من الاعتذار :ولكنّني لم أوافقها تماما على ماكان منها أليس كذلك ؟ ثمّ أغلقت السّماعة.
سألت أمّ عامر بأسى : أحقّا ما ذكرتيه ؟ إنّه أمر فظيع وبشع جدا..
اختنق صوت أمّ عامر بالدّموع وهي تقول : نعم هو كذلك , وهناك أشياء أخرى لم تسعفني ذاكرتي بقولها .
عندئذ سمعتُ صوت رجل عبر الهاتف يقول : كفكفي دموعك ياسيّدتي ..سأعرف كيف أستعيد كرامة أمي ..تلك الزّوجة المستهترة بالقيم, والّتي ضربت حماتها , ماهي الا زوجتي .
فقلت لصديقتي :يا إلهي أسمعتِ ,هناك من كان يتنصّت علينا ,باي...
بقلم
يكفيكم فخرا فأحمد منكم***وكفى به نسبا لعزّ المؤمن
http://tkfiles.storage.msn.com/x1piYkpqHC_35kBLm45a4sqVxenty8f4sEIMS2T2_3thsHysNJ _6GMz4sLEpq0nJYbk-kL17rgwygOhy0XVwZ6PWHJqpwvOW737A4RKos0sGww
امرأة يراها الجميع أنموذجا نادرًا في هذا الزمن .. ربما كان وضعها الخاص كلها على بعضها بشكل عام -على ضيق البعض منها -هو الذي جعلها محبّبة إلى معارفها.
قالت لي ذات يوم بمحادثة هاتفية :
صدّقيني , كانت صدفة تلك التي سمعت فيها المكالمة التي دارت بين سيّدتين لاأعرف عنهما من قبل شيئا.
سألتها:وكيف التقطت تلك المكالمة؟
أجابت:كنت أحاول الاتصال بعيادة زوجي لأمر هام , وحدث أن تشابكت خطوط الهاتف مع بعضها بعضا , وهذا أمر يحدث كثيرا, وهو يستهوي البعض منّا.
سألتها:أكان من الضّروري أن تستمعي إليهما؟
ردّت بارتباك وخجل: في بادئ الأمرهممت بإغلاق السّماعة .. لكن ما سمعته بعد ذلك أثار انتباهي..
تألمت كثيرا وأنا أتابعهما..لاأخفي عليك أنني كنت في بعض اللحظات أبكي من هول ما أسمع.
سألتها بسخرية:أتبكين وأنت تسترقين السّمع, وتتنصّتين على أناس لاتعرفينهم؟!!يالرقّة قلبك ياصديقتي!!!
أجابتني بحياء ممزوج بالألم:هذا ما حدث.. الحوار أثار فضولي , وأنا على ثقة لو أنَك كنت مكاني لفعلتِ ما فعلتُ.
قلت لهابثقةأكبر من ثقتها : لاأظنّ ذلك, لأنني ببساطة لاأحبّ أن أتجسس على النّاس, وبالمقابل لا أحبّ أن يتجسس عليّ أحد ..لكلّ منّا أسراره الخاصة التي لايريد أن يطّلع عليها الآخرون..
قالت بجدية وحماس :لاأخالفك الرّأي .. لكنّ حديث هاتين السّيدتين شيء لايصدّق , ولا يقبل به عاقل ..
قلت لها :ومع ذلك لاشأن لك بهما لقول الله تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)
فقالت : صدق الله العظيم
فقلت لها :فلم فعلت ذلك اذن ؟
أجابتني هذه المرّة بشيء من الحدّة:سأحدّثك بما سمعت, ولسوف تقرّين بأنّ ماسمعته هو مأساة حقيقية , ومشكلة اجتماعية متفشّية يجب التّخلص منها.
فقلت لها : ربّما كان الأمر كذلك ..لكن رغم
فقاطعتني بصوت عال : بل أجزم بذلك خاصّةإذا جاءت الفعلة النّاقصة ممن يدّعي الثّقافة والعلم, ويتّخذ من التّدريس مهنة له ..إنّهم ينشئون أطفالنا وشبابنا على مبادئهم الخاطئة, وسيكونون أمتدادًا لهم في المستقبل بطريقة أو بأخرى, بربك أجيبيني كيف يكون ذلك؟
أجبتها بشيء من الأسى :قد يفلسف بعض المتعلمين النّاقصة, فيجعلونها في صالحهم, وبذلك فانّهم يتفوقون على الجهلة, ومن هم أقل منهم نصيبا من الفهم ,والعلم ياصديقتي.
سألتني بغضب:لماذا إذن يعلمنا الأهل مبادىء الأخلاق الحسنة؟
أجبتها ساخرة: كي نتنصّت على المكالمات الهاتفية.
ردت بحزن : سامحك الله على هذه الشّتيمة الذكية ..أجزم بأنك عندما تسمعين بعضا مما سمعت منهما ستلتمسين لي عذرًا.
قلت لهاعاتبة :ليس المهم في التماس الأعذار, وفلسفة الأمور أن تجدي لنفسك مبررًا لما فعلتِ.
فقالت بصوت يرتجف ضيقا وحزنا :ورغم ذلك سأحدّثك بما سمعت.
أجبتها محبطة:إذا كان لابد من ذلك فهات ماعندك .
تنهدت بألم ثم قالت:أشعربحاجتي للكلام لقسوة ماأعانيه من مشاعر شتّى, وتأبى نفسي المعذّبة السّكوت عليه.
أحسست بمعاناتها القاسية فقلت لها: تحدّثي ياصديقتي وأريحي نفسك من همِّها الثقيل .
قالت بشيء من الارتياح: باختصار ,هما سيّدتان ,كانتا تعملان بالتّدريس ,إحداهما مدرسة فنون تشكيلية ,والثّانية لمادة اللغة العربيّة.
قلت لها:يفترض في مثل حالتهما أن تكونا رقيقتي الشّعور لأنّ الأدب والفنّ يهذّبان النّفس الانسانيّة.
ردت محتجّة :لم ألمس في حديثهما شيئا مما ذكرت .. هما في العقد السّادس من العمر , متقاعدتان منذ سنتين إحداهما تدعى أمّ فادي , والأخرى لم ألتقط اسمها, ولكن الأولى تفكر أكثر من الثّانية التي كما يبدوللسامع استهتارها بأمور كثيرة .
قلت ضاحكة:لهما أخوات كثيرات في مجتمعاتنا , فأين المأساة ؟
أجابتني بعد أن أطلقت زفرة حرّى: حسنا سأخبرك بها, دخلتُ الخطّ عليهما مصادفة, والمرأة السّاخرة تقول: هل يعقل ياأمّ فادي أن أزوّج ابنتي لرجل متزمّت مازال يتمسّك بعقليّة قديمة بالية ؟ تصوّري من أجل منشفة كاد أن يوجد مشكلة !
ردّت أمّ فادي : هذه الأشياء لاتهم مادام الرّجل يملك سيّارة وبيتا واسعا, ومكتبا فخما , وله دخل محترم ,والكمال كما تعرفين لايكون إلا لله.
قالت الأخرى:لكنّه قد يسبب لها بعض المشاكل في المستقبل .
فقالت أمّ فادي : مهما يكن حاله يبقى أمره أسهل بكثير من أن تتزوّج من رجل فقير , وتسكن معه في بيت أهله, وكما تعرفين شباب اليوم ليس لديهم القدرة على فتح بيت للعروس من بابه إلى محرابه , عريس ابنتك لقطة رغم ماتسمينه عيوبًا.
قالت الأخرى:ابنتي جميلة جدًا وهو لايملك رصيدًا جماليًا, إضافة للغيرة التي تسكنه , تصوّري يريد أن يمنعها من الذّهاب الى الداّئرة التي تعمل فيها, ويحرمنا من الرّاتب الكبير الذي تتقاضاه من الوظيفة ..عقليته لاتعجبني ياأمّ فادي, إتّه دقّة قديمة, فلا يحبّذ خروج المرأة من البيت إلا للضرورة القصوى.
قالت أمّ فادي:ليس من الضّروري أن تخرج معه في الطّريق , فلتخرج معك أثناء غيابه ,ولكن للحق أسألك :هل هناك أجمل من أن تكون ابنتك سيّدة بيت محترمة ؟الوظيفة لمن هي بحاجة للمال .
قالت الأخرى :ربّما, ولكن رغم ذلك فانّ أسرته مازالت متمسكة بالتّقاليد القديمة, وتنظرإلى الفتاة المتحررة نظرة أخرى.
ضحكت أمّ فادي قائلة: بإمكانها عدم مخالطتهم ,المهم الآن ..السّيّارة, والمال ..الجاه, والعزّ , والفخفخة,إنّه عريس لقطة لايجود العمر بمثله .
قالت الأخرى:لكنّه يكبرها بعشرين عاما .
همست أم ّفادي :لم يعد هذا الامر مهما الآن أمام المعطيات الأخرى ,المهم هل ابنتك موافقة على الزّواج منه؟
ردّت بحرقة: نعم وهذا أكثر مايغيظني منها.
سألتها أمّ فادي بخبث: لماذا؟
ردت الأخرى: لأنّ ابنتي فتاة بسيطة من السّهل السّيطرة عليها.
قالت أمّ فادي : ولكنّك من أشدّ النّساء مكرًا ..لن تبخلي عليها بأقوى الدّروس ..أنت أستاذة في مثل هذه الأمور, أم نسيت كيف أخذت والدها من أهله . وعاش معك كما تريدين؟
أجابت بدل وقد علت ضحكتها :لا ..لم أنسى ذلك ولكن
قاطعتها أم ّفادي قائلة:لاتخافي عليها مادامت لها أمّ مثلك أبشّرك ولي الحلاوة , فلاأهل العريس , ولا أحد من النّاس يستطيع مسّها بسوء مادمتِ على قيد الحياة .
ضحكت المرأتان بصوت عال , ومالبثت أم ّفادي أن سألت الأخرى:ماأخبار أهل زوجك ؟
أجابتها بقسوة : لعنهم الله وقطع أخبارهم .. جاءت حماتي لزيارتنا هذا الصّيف ,فمكثت عندنا تسعين يوما .
سألتها أمّ فادي بدهشة : ألم تمت حماتك بعد ؟
ردت الأخرى : انّها متمسّكة بالحياة, تخاف أن يهرب منها شبابها ,أخذهاالله, وأراحنا منها.
قالت أمّ فادي : ظننتها ماتت.
قالت الأخرى : قاتلها الله , لقد ضايقني وجودها معنا في البيت .. تسعون يومامرّتْ تسعين سنة أذقتها خلالها المرّ وهي صابرة .. صامدة تتحمل الألم, ولاتخبر ابنها شيئا مما أفعل بها .
قالت أمّ فادي بتعجّب: أحقّا ما تقولين ؟
أجابت : نعم انّها حيزبون , تحبّ ابنهاوأحفادها كثيرا ,وأنا أكرهها بقدر محبّتها لهم وأكثر.
أمّ فادي : ليأخذها الله عمّا قريب,وكيف تخلّصت منها ؟
أجابت : اختلقت لها مشكلة وضربتها أمام ابنها وأحفادها وشتمتها ثمّ طردّتها بعد أن هددت زوجي بمغادرة البيت ,فانصاع لرغبتي مضطرًا , وأعادها إلى بيتها في المدينة الثّانية .
أمّ فادي : خيرًا فعلت , ولكن هل وقف زوجك مكتوف اليدين وأنت تضربين أمّه؟
أجابت بسخرية: لم يكن بإمكانه فعل شيء, فقد تصنّعت أنني أصبت بانهيار عصبي ,فخرجتْ من بيتي ذليلة .. مقهورة , ودموعها تتدفّق من عينيها .. بينما راح ابنها يخفف عنها ببعض الكلمات الطّيبة .
قالت أمّ فادي بإعجاب : مرحى لك, إنّك امرأة قوية أمام زوج ضعيف .
ضحكت الأخرى قائلة : إنّه يحبني بجنون, ويخشى أن أتركه .
قالت أمّ فادي : يالك من شيطانة ماكرة ,لاتخافي على ابنتك لانّها ستكون مثلك مع زوجها وحماتها في المستقبل .
قالت الأخرى: لاأظن ذلك فهي ضعيفة ومسالمة, وهذا عيبها الذي يعذبني .
قالت أمّ فادي : المهم الآن موافقتها على العريس, وما يأتي بعد ذلك محسوم أمره.
قالت الأخرى :ربما .
سألتها أمّ فادي : لم تخبريني بعد ,هل وجدت لابنك عروسًا ؟
أجابت الآخرى : مازلت في رحلة البحث الشّاقة هذه ,أريد له عروسا تعيش معنا في البيت , فأنا لاأستطيع أن أبتعد عن ابني يومًا واحدًا.
قالت أمّ فادي بحنان كبير: وأنا مثلك .
قالت الأخرى :أضأتُ حياته بسنين عمري, ومن الصّعب جدا أن أقدمه للعروس على صحن من ذهب , قد أجن اذا أخذته مني أمرأة ثانية ,إنّه إبني ..إبني .
قالت صديقتي : هنا فقط لم أستطع أن أتمالك نفسي فقلت للسّيدة الّتي ضربت حماتها وأذلّتها أمام ابنها وأحفادها: وأنت ألم تأخذي زوجك من أمّه؟
فسألت أمّ عامر بغضب :وماذا قالت لك ؟
أجابت : لم تقل شيئا ,سمعتها تشهق شهقة خرست بعدها,بينما سألتني أمّ فادي : هل كنت تتنصّتين علينا ؟
أجبتها :نعم ,لقد سمعت كلّ ما دار بينكما من حديث .
سألتني أمّ فادي : ولماذا لم تشعرينا بوجودك معنا على الخطّ ؟
أجبتها: لأنّ حديثكما كتم أنفاسي ,أنتما لاتعرفان الرّحمة ,أهكذا تعامل أمّ ربّت ابنها, وقدمت عمرها في سبيل سعادته ؟ يالفظاعة ماحدث!!!
قالت أمّ فادي بشيء من الاعتذار :ولكنّني لم أوافقها تماما على ماكان منها أليس كذلك ؟ ثمّ أغلقت السّماعة.
سألت أمّ عامر بأسى : أحقّا ما ذكرتيه ؟ إنّه أمر فظيع وبشع جدا..
اختنق صوت أمّ عامر بالدّموع وهي تقول : نعم هو كذلك , وهناك أشياء أخرى لم تسعفني ذاكرتي بقولها .
عندئذ سمعتُ صوت رجل عبر الهاتف يقول : كفكفي دموعك ياسيّدتي ..سأعرف كيف أستعيد كرامة أمي ..تلك الزّوجة المستهترة بالقيم, والّتي ضربت حماتها , ماهي الا زوجتي .
فقلت لصديقتي :يا إلهي أسمعتِ ,هناك من كان يتنصّت علينا ,باي...
بقلم
يكفيكم فخرا فأحمد منكم***وكفى به نسبا لعزّ المؤمن
http://tkfiles.storage.msn.com/x1piYkpqHC_35kBLm45a4sqVxenty8f4sEIMS2T2_3thsHysNJ _6GMz4sLEpq0nJYbk-kL17rgwygOhy0XVwZ6PWHJqpwvOW737A4RKos0sGww