المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دام صوتك شعرا



لطفي منصور
27/08/2008, 07:56 PM
أقدم هذه الدراسة النقدية لبرنامج أمير الشعراء للشاعر فراس عمر حج محمد

دام صوتك شعرا
على مدى أسابيع عشرة، من عمر حياتنا الطافحة بالبؤس والقهر والموت المجاني، ولدت لحظات من الضوء الباهر، كانت تشع مساء كل خميس، وبالتحديد الساعة 9:30؛ ليكون لنا موعد مع الشعر في برنامج "أمير الشعراء"، فتصدح حناجر الشعراء شعرا صافيا عذبا شمولا مسكرا، فتتعطر الأجواء برذاذ من السحر الحلال، من قلب الإمارات عبر قناتي"أبو ظبي" وقناة" شاعر المليون" إلى عالم مترامي الأطراف فتجعله "عربي اليد واللسان"، لقد استمتع جمهور الشعر بشجي الشعر طالبا المزيد المزيدَ من نهل الشراب وكأسه، وكأنه لا يفتأ مرددا:

لا ترتوي من عروق الشعر خمرتها حتى تصبّ من الآمال آمالا
إنها فعلا آمال تحيا للشعراء الشباب، الذين لم يكن لهم سبيل على أحد من المشاهدين أو المستمعين، فلا يظهرون، مستكنين تحت رماد نفوسهم المتحرقة لتخرج ما عندها، فهي ذات مواهب خلاقة، وذلك لأن حياتنا الثقافية كحياتنا السياسية- عدا هذا البرنامج- تعاني من الشللية والحزبية والطائفية.
يأتي هذا البرنامج لينتشل هؤلاء التبر من بين ركام الخمول، ليكونوا حديث الشارع والناس، بعيدا عن أصنام الشعر وأوثانه، ممن سموا بـ"شعراء كبار"، وهو بذلك يعيد نوعا من التوازن إلى الحياة الثقافية، التي كان منتجوها غارقين في الخاصية والفنية وادعاء الحداثة الموهومة، التي لا يعنيها سوى نفسها، التي ضربت نطاقا حول الذات، مستعدة لشنقها في قوالب كلام لا يحتاج إلى العرافين لفك رموزه، بل يحتاج لجدتي لتسجر بصفحات كتبه طابونها، ليكون هناك رغيف خبز بلدي أشهى مما كانوا يأفكون!!
لقد غاب الجمهور ردحا من الزمن تحت مسميات كبرى وصغرى، وأصبحت تلك" النخبة" تصنع كلامها لترجع هي لتمضغه وتمجه، فطبعت شعرها لنفسها، ولتصطف الكتب الأنيقة في طباعتها على أرفف المكتبات، فقط ليسجل ذلك الشاعر أن له كذا كتابا مطبوعا، ولكن كم له من القراء!!
وضع مزر بلا شك، يأتي برنامج "أمير الشعراء" ليقلب ذلك كله، فتكون أعظم أدوات صناعة النجم في خدمة أبناء الشعب، ممن يعانون مشاكله ويعالجون أحلامه، لتنطلق مرددة الوجع الحالم بالتغيير، مجسدا بجمال التعبير، طافحا بالخيال المحلق بالواقع، صانعا خيوط شمس المستقبل، بكلام يخرج من القلب ليستقر في القلب.
ومع كل تلك الأيادي البيضاء، إلا أن المرء قد يسجل آسفا بعضا من ملحوظات، يرى في وجودها في هذا البرنامج إساءة له، فقد أوشكت تلك الهنات أن تشوش جمالياته، وتثلم قيمته الفنية الراقية.
وأول ما أبدأ به أمرٌ كان بالإمكان تجنبه، وهو بالتالي أولى ألا يكون موجودا، وهو الأخطاء النحْوية، فقد وقع مقدم البرنامج، ولجنة التحكيم، والشعراء، كلهم أجمعون بسقطات نحوية، كان الأولى تجنبها، وأنا هنا لا أتحدث عن الحديث الحي المباشر الذي كان يميل نوعا ما إلى العامية، ولكنني أتحدث عن بعض المقاطع المسجلة، فالأولى أن يعاد تصويرها، ومنتجتها ليُتَخَلص مما فيها من عورات اللحن.
وقد عظم الأمر كثيرا وساء، أن تنحو ألسنة النقاد المشحوذة بسليط النقد على الشعراء، نحو الخطأ البين، فكيف يكون ذلك، وهم من هم من تمكن من العربية؟ ولعل من أهم أدوات الناقد أن يتقن أدوات الشعر،لاسيما اللغة، نحوها وصرفها وأساليبها البلاغية والدلالية.
كيف يكون منهم ما كان، وهم نقاد لهم وزنهم في الساحة الأدبية والنقدية والأكاديمية، إنهم لا عذر لهم:

فـكيف لشاعر أن iiيستقيما
فـحلو الشعر لا يحلو بفيه
فـلـو كانت بلاغته iiبطبع
فـيـا نـقـاد قافية تجلى


إذا مـا كـان نـاقده عقيما
وهـذا الفحل ينطقه iiسقيما
تـجنبَ ذاكم العيبَ iiالذميما
فقد عاد الصواب لكم غريما
وقريبا عن ذلك، ما قاله الشاعر القديم:

النحو يصلح من لسان الألكن والمرءَ تكرمه إذا لم يلحنِ
وإذا طلبت من العلوم أجلها فأجلها منها مقيم الألسنِ
ماذا سيقول علي بن بشار في هؤلاء وأمثالهم، وهو الذي أقام أساس احترامه للناس بناء على صحة لغتهم :

رأيتُ لسانَ المرءِ رائدَ iiعقلِهِ
ولا تَعدُ إصلاحَ اللسانِ iiفإنهُ
ويُعجبني زِيُّ الفتى iiوجمالُهُ

وعنوانَهُ فانظُر بماذا iiتُعنونُ
يُـخـبِّـرُ عما عندَهُ iiويُبَيِّنُ
فيسقطُ من عينيَّ ساعةَ يلحنُ
وأما مقدم البرنامج، فهلا احتاط للأمر، وأعد للموقف عدته، وهو يقرأ أبياتا مشهورة لشعراءَ قدماء، قد أعدها مسبقا، حتى أنه قد تلعثم غير مرة في قراءة تلك الأبيات، ولم يلق التصحيح والتصويب على فعلته، لا عاجلا، ولا آجلا وراء الكواليس، فما عذرك يا "إياد نصار"، والبيت عندك موفور بضابطه!!
على الرغم من أن لهذا الإعلامي حضورا مميزا جذابا على المسرح بشخصيته المرحة التي كسرت لحظات كثيرة من الجمود والترقب الباهت.
وأما شعراؤنا الأفاضل، نجوم البرنامج، فلعله لم يسلم منهم واحد من الوقوع في الأخطاء النحوية، وكما قلت سابقا لا أتحدث عن الحديث المباشر، بل عن المادة المسجلة قبل موعد البث الحي، فلماذا الوقوع في الخطأ، وهم من هم كذلك، أساتذة للغة العربية وباحثون، وصانعون للغة المحركة للنفس المنعشة للروح، لعلها الفجوة الكبيرة بين اللغة الرسمية واللغة المعتادة، في ازدواجية لغوية لا تنبئ عن تحسن منظور في الواقع اللغوي على المدى القريب.
والسؤال الذي يقف صارخا: لماذا لم يكن هناك إعادة لتصوير تلك المشاهد، لتخرج في حلة مرْضيّ عنها، إننا نتابع برنامجا للشعر الفصيح، يبث إلى الفضاء الرحب، فيتلقاه عشرات الملايين من المشاهدين، فتراهم، العارفين منهم، يندبون لغة مضيعة، تذبح بسكين أهلها!!
وأما ثاني تلك الملحوظات، فتتجسد حول أداء النقاد أنفسهم، فعلى الرغم من أن هناك ملحوظات نقدية في العمق وصائبة وضرورية، وكانت نقدا بناء تستحق الدراسة، فيما بات يُعرف "بنقد النقد"، إلا أن المرء لا يستطيع أن تمر عليه بعض من تلك المواقف، إلا ولا يعيد التفكير فيها مرة أخرى.
وقبل أن أسجل ما حاولت التفكير فيه، أقول: إن نقد النقاد للشعراء لم يكن ارتجاليا وليد لحظة الإلقاء، بل كان معدا سلفا، فالقصائد كانت بين أيدي النقاد قبل ميعاد الحلقة، على الأقل قبل ثلاثة أيام، بمعنى أن الناقد قد عالج النص قبل البث المباشر، وقد لاحظ الجميع أن النقاد كانوا مدونين لتلك الملحوظات، فقط كانوا لها قارئين بصورة أو بأخرى.
ولكن ما أريد تسجيله هنا أن تلك الملحوظات كانت جزئية تأثرية في الأعم الأغلب، تتناول بعض جوانب توظيف اللغة والصورة الشعرية، والمعنى وتكراره، والقافية والموسيقى، وتتمحور جلها حول عناصر العمل الفني الشكلية تقريبا، قد أعادتنا إلى صورة النقد الجاهلي والإسلامي، ولم تظهر في هذا النقد صورة الناقد الأكاديمي الذي يقدم صورة نقدية متكاملة، لنخرج في نهاية المطاف بتصور عام حول شعر الشاعر فيما قدمه من نصوص، ما خلا إشارات بسيطة مجملة.
وقد نجد لهم العذر في ذلك احتراما للوقت المخصص لكل واحد منهم، وطبيعة الجمهور المتابع، الرابض في مسرح شاطئ الراحة، أو المتسمر أمام الشاشة في البيت، فلا يعنيه أكثر مما سمع، ولكن الأمر المهم أين دراسات هؤلاء النقاد الجادة لتجارب هؤلاء الشعراء، إن كانوا فعلا كما يقولون عنهم شعراء يزينون الساحة الشعرية، ويشعلونها بكل جميل؟؟ فلماذا لم نسمع عن دراسات نقدية لهؤلاء النقاد لشعر شعراء الموسم الأول؟ أم أن السامر قد انفض، وتفرق القوم، وشغل نقادنا بـ"كبار الشعراء" ونسوا هؤلاء، وذهب مديحهم لهم أدراج الرياح؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه أكثر من تسلية؟؟
ومن بين النقاد من كان متمحلا في نقده، عارضا عضلاته النقدية في مجالات النقد الجديد المعتمد على مقولات الغربيين، محاولا تطبيق بعض المقولات النقدية والفكرية على أشعار أولئك الشعراء، وأقصد هنا بالذات د. علي بن تميم، فقد شعرت في مرات كثيرة أنه يفسر النصوص على غير ما تحتمل، محاولا تخطئة الشعراء بناء على فهمه، وفهمه فقط هو السليم، وكأنه أوتي مفاتيح المعاني!! لكنه في النهاية لم يكن مجاملا، مجاملة الأستاذ نايف الرشدان صاحب الموتيف المشهور في البرنامج " دام صوتك شعرا".
وماذا على النقاد لو أنهم قدموا نقدا إيجابيا واكتفوا بالتعليق الأبيض، الذي يثلج الصدر، ويعطي النص حقه من المتانة والقوة والمُكنة الشعرية، أم أنه لا بد من النقد الأسود، وأنه لا بد من استخراج العيوب، ولو بالتأويل!! وفي هذا السياق أثني على موقف الشاعر الكويتي حمد السعيد، عضو لجنة التحكيم في برنامج شاعر المليون، الذي كان يكتفي بالثناء على الشعراء، وإن كان الأمر واضحا بينا يوجه لهم ما رآه من نقد وجيه وبناء دون تمحل أو استعراض للمقدرة الفنية على الرغم من أنه شاعر.
وآخر الملحوظات أتناول فيه أسلوب مقدم البرنامج"الإعلامي والفنان الأردني إياد نصار"الذي لم يكن ذا تصرف حكيم مع الشعراء في إعلان تأهل أحدهم أو خروجه، أو تقديمه مع زملائه، وخاصة في أبيات المجارة لأبيات سابقة لشاعر قديم، فقد كان يخاطب أحدهم موحيا إليه أنه هو المقدَّم، وإذا به بنبرة صوت عالية يقدم آخر، لاعبا بالأعصاب، كاسرا للتوقع الوشيك.
ومع كل ما سبق ذكره، فإن هذا البرنامج له من الفضل ما له على الشعر والشعراء والحياة الثقافية، يكفيه فضلا أنه نقل الشعر من جحيم احتكار "كبار" أدعيائه إلى بساطة التذوق، وأعاد بيرق الشعر إلى جمهوره، ليؤدي الشعر وظيفته، ويتابع الشاعر رسالته؛ فأعظمْ به برنامجا جديرا بالاحترام، وليكن هناك التفات إلى ما لاحظته مع غيري؛ لنصل إلى ما وسعتنا قدرتنا لنصعد في سلم الكمال، لنقول:
إنه ما زال هناك شيء جميل في حياتنا!
فليحيَ الشعر ونقاد الشعر
وليدم الصوت الإبداعي الإنساني صادحا بالشعر.

فراس حج محمد

فراس عمر حج محمد
28/08/2008, 08:20 AM
الأخ الكريم أبا فادي

الشكر الجزيل لك على هذا النقل للموضوع وآمُل أن يعجب القراء والشعراء في منتدياتنا منتديات واتا الحضارية
شكرا لك مرة أخرى
ودام صوتك شعرا:fl::fl::fl::fl:
أخوك: فراس حج محمد

م . رفعت زيتون
13/10/2008, 01:39 AM
..
.
أكيد أنه سوف يعجبنا

خصوصا هذا الرصد الرائع للتفاصيل منك أخي الكريم

وكذلك اسلوبك الجميل ولغتك القوية وهذا ليس جديدا عليك فقد عهدناك هكذا

ولو أنني لي وجهة نظري في موضوع التلعثم أحيانا في الحديث

فربما لو كنا أمام هذه الحشود من المتفرجين وخصوصا

من هم وراء الشاشات ربما ذلك يجعل المتحدث

أقل تركيزا وأكثر توترا ولا أدري ن

كنت قدْ جربتَ ذلك الموقف

أخي الحبيب كنت رائعا هنا

ولأخينا أبي فادي أجمل تحيه

..
.

فراس عمر حج محمد
14/10/2008, 09:45 AM
..
.
أكيد أنه سوف يعجبنا

خصوصا هذا الرصد الرائع للتفاصيل منك أخي الكريم

وكذلك اسلوبك الجميل ولغتك القوية وهذا ليس جديدا عليك فقد عهدناك هكذا

ولو أنني لي وجهة نظري في موضوع التلعثم أحيانا في الحديث

فربما لو كنا أمام هذه الحشود من المتفرجين وخصوصا

من هم وراء الشاشات ربما ذلك يجعل المتحدث

أقل تركيزا وأكثر توترا ولا أدري ن

كنت قدْ جربتَ ذلك الموقف

أخي الحبيب كنت رائعا هنا

ولأخينا أبي فادي أجمل تحيه

..
.

أخي الكريم:
لك كل الود،
هؤلاء الأساتذة معتادون على اللقاءات الجماهيرية، ولا عذر لهم هنا
وإن كنتُ مع القول"التمس لأخيك عذرا"