المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توطئة من اجل مناقشة سبل تحسين أوضاع مقابر المسلمين



عزيز باكوش
06/09/2008, 04:36 AM
عزيز باكوش
هنا بفاس ، وربما بمناطق أخرى من بلاد العرب ،وضع موتانا من المسلمين مخجل جدا ، وقبورهم تنبش، وشواهدها تحطم ، وأضحت مقابر المسلمين خربا مهجورة، ومعقلا لصناعة كل أشكال الانحراف والصياعة وتخصيب الوضاعة في غياب تدبير حكيم لشأنها ،وانتفاءه من أجندة المنتخبين والسلطات الوصية .
فعلى مدى عقود مرت ،ماتزال فكرة تحسين أوضاع مقابر المسلمين وإعادة هيكلة فضاءاتها مع انتداب حراس دائمين، وأسوار عالية تحميها من العبث وسلوك الانحراف، من القرارات التي لم تتخذ بعد ، في خضم ثقافة الاحتجاج، وموجة الاعتصامات ، وموضة التدين والاسلمة ، هل سمعتم يوما بتنظيم وقفة احتجاجية ضد تردي مقابر المسلمين؟؟؟؟؟

كلنا يعرف أن الموت ظاهرة تطال جميع الكائنات بما في ذلك البشر. والثابت هو أن كيفية تشييع الموتى ودفنهم تختلف باختلاف حضارة الشعوب وثقافتهم.
قبور النصارى التي يمكن معاينتها داخل البلاد أو مشاهدتها من خلال السينيما أ و البرامج الوثائقية في بلاد أوروبا أو غيرها” من الماء لهيه” تبدو جميلة جدا في الغالب ، متناسقة نقية،مخضرة, منظمة و تحف بها باقات الورود من كل الجوانب.وتعمر شواهدها سنين بل قرون عدة . الخزف والمرمر النفيس يؤطر حواشي كل قبر فيها. صور وتواريخ أسماء الموتى مزركشة و منقوشة بخطوط رائعة في الجمال. عندما تدخل الكاميرا إحدى المقابر المسيحية يحس المتفرج بالهدوء قد عم كل أرجاء المكان,بما في ذلك نفسه, بل يخترق المقدس بسرعة خيال المتلقي إلى ملكوت الروح , ومن حيث لا يدري يشرع في الإحساس بالفلسفة , والسؤال الأبدي. قبور النصارى في الدول المستعمرة" بفتح الميم "أيضا لا تشد عن هذه القاعدة. أما إذا كان المشاهد عربيا, فان ذاكرته ستشرع للتو في طرح أسئلته المعتادة من أجل فهم دوافع الاهتمام المبالغ فيه من طرف المسيحيين بمقابرهم ككفار لن يلجوا الجنة ، بينما تعم مقابر المسلمين الفوضى بكل أشكالها. وقطعا ستجد الجواب الجائز أبدا، نحن أصحاب الآخرة وهم أصحاب الدنيا.
فلماذا لا نكرم موتانا بالشكل الذي يليق بهم ووفق ما تدبجه ثقافتنا وثراتنا الإسلامي؟ لماذا نجد مقابرنا دون أسوار, وقبورها منبوشة, مطموسة, رثة, تغمرها المستنقعات الأسنة, وأبوابها مفتوحة, لكل أشكال الشعوذة والدجل , ووجهة مفضلة لملفوظات صلبة وسائلة للكلاب والسكارى والشماكرية من كل الأجناس والأعمار.
عندما غادرت مقبرة باب فتوح، كان لدي انطباع قوي يشجع على القول أن وضع قبورنا مخجل جدا , مثل ما هو الحال عليه من ردم وطمس وتجريف ونبش وتحطيم ومسخ وتشويه , والمثير في الأمر إن ما يرويه ماثورنا في هذا المجال من تعظيم الميت وتكريمه مجرد كلام ليل يمحوه النهار ، وبدا لي للحظة ،إننا مجرد غرقى في طوفان أكاذيب التراث والأحاديث والسند والعنعنة والخلافات الكلامية والفقهية . وكم حدثت نفسي, أليس الجلوس أو حتى الإقامة في مقابر النصارى قبور اليهود في المجتمعات غير الإسلامية , أفضل بكثير من مساكن العديد من أبناء ورعايا الدول العربية والإسلامية . حيث مقابرهم في فوضاها عبارة عن أسواق مفتوحة لعموم الناس خارج أية مسؤولية او احترام يذكر من هذا الطرف أو ذاك.
اعرف أن مثل هذا القول يتعارض مع رؤية بعض المغاربة وسلوكهم اليومي تجاه المقابر وعلى نحو خاص الأضرحة الإسلامية. لكن هل سمعوا يوما عن حملة لاقتلاع الأعشاب الضارة أو رشها بالمبيدات, هل سمعوا ميزانية مجالسهم البلدية تخصص عشرات الملايين لترميم المقابر وصيانة حرماتها أو طلاء القبور لتنسجم مع محيطها؟ هل سمعوا أن السلطات المعنية حددت يوما وطنيا احتفاء بالقبر أو ما شابه ذلك؟ هل سمعوا عن لجنة بلدية منتخبة تبحث في اجتماعها الدوري موضوع تحسين تصريف الأمطار في بعض المقاطع القبرية ، والبحث عن سبل وبدائل إيجاد موقع جديد لزرائب الأغنام وإسطبلات الحمير والبغال بعيداً عن موقع المقابر، ومايتعلق بإيقاف الدفن في منطقة دون أخرى ، وتحديد اجر القبر ...الى غير ذلك من الامور ذات الصلة؟؟.


تبدو الكتابة عن القبور وانين الموتى بمقابر فاس , ورسم خريطة لعالمهم الهامد, وسط حشد الحياة الزاخم والمتواتر من حولهم , مقاربة شاقة وعصية عند الإمساك , فالذات الكاتبة وهي تحاول ذلك, تجد نفسها تنطلق من نفس الألم. الم الحياة , إذ كلما أمعنت الغوص في الجدل القائم بين معيش الحياة, ومعيش الموت , كلما كان الألم اكبر عنادا, وأقوى بروزا .إنها تجربة فردية ملتهبة في ذاكرة جماعة تنحو الكلام , والمشاركة في لهيبها يظل نسبيا ومعزولا مهما تجرأ
عزيز باكوش الصور خاصة بالكاتب