المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحيل قلب



محمديوسف
16/09/2008, 08:28 PM
الحلقة الأولى: وفاة أمة
أ.محمد يوسف محمد المحمودي (مترجم)
(أبو مريم ويوسف)
في قلب ليل مكفهر شديد الحرارة من صيف عام كثرت خطوبه وازدادت محنه، كان الفكر يجوب كل عرقٍ وكل دربٍ في عقلي يزاحم حركة الدماء ويزيد من لهيب غيطي المجنون. فقد رحت أعد كلماتي مع هذا الرجل المجنون الذي واجهني لأول مرة بسؤال لم أعهده من قبل. سؤال جعلني أتوجس في نفسي وأفكر ملياً في موقفي من الغد. ترى هل سيكون مكاني بين الصعاليك أم بين الملوك؟ لم أكن أريد أن أصبح ملكاً أو زعيماً على شعب. نعم. كنت أريد الغنى والجاه لنفسي وبين نفسي وأهلي لا أكثر. فقد تعلمت من الأيام ولي عندي الذكرى. ذكرى البطل الشهيد التي تحيي في نفسي آلام الماضي وتبعثها في التجديد. أتذكر الأمر كاليوم...
في فجر يوم العيد، وفي ليلة أشد برودة من أي ليلة. اقتادوه غدراً. في ساحة مظلمة وأمام قلوب أشد ظلمة منها، مضى الرجل العروبي القومي صاحب العقود الثمانية من العمر وإن لم يكن قد أتمها بعد.. فقد بقي أقل من نصف عقد على تمامها، بكل تحدي وقوة نحو مشنقته. صعد السلم في مشهد لم أره وزأر زأرة في مشهد مثيل ووقف يحاور جلاديه بكل شجاعة وثقة قائلاً لهم لما هذا اللثام وأنا مقيد؟، تضعون اللثام على وجوهكم. وكأنه يقول لهم. مما تخافون؟ ألا تعتقدون أنكم على الحق؟ ألم تبلغ منكم الشجاعة مبلغاً يجعلكم تقدرون على مواجهة وجه حكمتم عليه بالموت؟ ألستم رجال؟ من أنتم؟ أمن العراق؟ هل تخافون من أن أذكركم وأنتقم منكم في الآخرة؟ هل تخشون ذلك؟ ثم تمتم وتملقوا وتكلم وتشدقوا. وضعوا الحبل على عنقه. كأنه وسام. لا كلام. فقط يلقي على الدنيا السلام. يريد الرحيل. فما حيلته؟ أليس خيراً له أن يقضي نحبه الآن قبل بعد؟ ليرحل إلى المجهول الذي طالما فكر فيه؟ ليرحل قد يجد الراحة التي ينشدها ويدرك ما عجز عن إدراكه هنا. قد يصبح أفضل حالاً من هنا. ما الذي يروق له في حاله هذه وماذا يريد وقد تبدل الأمر وعبث في أذهان الصبيان الشيطان؟ وقربوه للأصنام في يوم عيدنا. يوم نحرنا. استخفاف به أم استخفاف بنا؟ ألم تكن في قلوبهم رحمة تجعلهم يشفقون علينا من هول المنظر وشدته؟ إن كان قلب الرجل قوياً، فقلوب أطفاله الصغار المتعلقة به من كل دروب الدنيا ليست بالقوة التي تجعلها تصبر على المصاب الأليم في يوم العيد. أغابت الرحمة عن البشر؟ أم أن هؤلاء ليسوا بشراً؟. بلى والله هم كلاب. وقد أكدوا ذلك بما فعلوه من حماقات وهو على حبل المشنقة وينطق كلمة التوحيد. استخفوا به. وعاتبهم .. أهذه هي الرجولة بنظركم؟ فجع قلوبنا بكلمته. تمنينا لو كنا هناك. تمنينا لو رأينا الوجوه. لكنها وجوه تأكدت لنا ملامحها فيما بعد. عرفناها ونتمنى التمثيل بها. وجوه كوجوه المالكي والحكيم. بينما وجهه وهيأته بمعطفه الأسود ولحيته المخضلة وقار وجلال. ونظرة أخيرة إلينا ونظرة أخيرة عليه ظلت في العيون. لم يتركوه يكمل الشهادة. وسحب البساط وتدلى الجسد الطاهر وفاضت روحه وفاضت معها روحي. فقد كنت أحبه. ثم الفجيعة تزداد. فها هم وهم كلاب يرقصون حوله. يركلون جسده. يعبثون به. سلام الله عليك يا حلم راودني عن كرامة العرب. لو كنت أعلم أن مستقبلاً كهذا ينتظرني لما تمنيت البقاء في الدنيا لأراه. في حسرة ليلة ويوم كنا. نرقب وهم يداعبنا. قضي الأمر. وصار الخطب جلل. صار الحزن فينا ومن قلوبنا ينسل. أصاب حياتنا شلل. وما صار للعيد لوناً ولا طعماً ولا وجود أصلاً.




Muhammad Yusuf Muhammad Almahmoudi

Abu Mariam & Yusuf

0103986740