المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ﺃحلى من القمر (قصة للاطفال)



فرح حمداوي
16/09/2008, 11:46 PM
ﺃحلى من القمر



منذ ﺃن كنت طفلة صغيرة و ﺃنا على يقين من ﺃنه لا ﺃحلى من النظر ٳلى القمر ليلا حينما تكثر النجوم البراقة في اﻷفق و تسطع الشهب و النيازك . و كنت كل ليلة قبل ﺃن ﺃخلد ٳلى النوم ﺃطل من شرفة غرفتي و ﺃراقب هذا الجسم الغريب .

لم ﺃكن ﺃعلم ﺃنه كوكب من الكواكب المنتمية لمجرتنا درب اللبانة و لم ﺃكن بحاجة لمعرفة ذلك . فقط , كنت متعطشة لرؤيته و كان ﺃحب شيء ٳلى قلبي . بل و اﻷكثر من هذا هو ﺃنني عندما كنت ﺃطيل النظر ٳليه كان يخيل ٳلي ﺃن له ملامح بني البشر , عينان عسليتان صافيتان كصفاء المياه و فم ضاحك مبسام طول الليل دون ٱنقطاع . في الحقيقة ما كان ٳلا ليكون فارسا مغوارا ﺃو شخصا كرس حياته ﻹسعاد الجميع , و ربما شمعة تحترق في هدوء لتنير طريق اﻵخرين .

كنت ﺃفكر في كل هذا و عيناي مركزتان على هذا الوجه الصبوح الذي ﺃنار اﻷفق بضوﺌه الساحر. و ﻔﺠﺃة ٳنقلب كل شيء . لا ﺃدري متى ﺑٱضبط ﺃو كيف , لكن هذا ما حدث .

كانت هناك قطرات تسقط من السماء تداعب الانجوم تارة و تبلل الشهب تارة ﺃخرى , ظننت في بادىء اﻷمر ﺃن السماء تمطر في عز الصيف , لكن حدث ما لم يكن في الحسبان , فهذه القطرات ما كانت سوى دموعا ساخنة تتساقط من عيني القمر الذي قطب جبينه و ﺃعلن ٱستسلامه ... لمن ؟

لا ﺃعلم .

كان الضوء المنبعث منه خافتا و ﺸﯿﺌا ﻔﺸﯿﺌا ﺃصبح ساطعا , و رﺃيت القمر يمد يده لي . لم ﺃعرف ﺃكان يريد ﺃن يصافحني ؟ ﺃم كان يريد ٳعطاﺌي ﺸﯿﺌا ؟ لكنه نظر ٳلي بحنو و همس لي قاﺌلا :” ٳصعدي , فبلد الزمن الجميل في ٱنتظارك “

لم ﺃفهم قوله ﺤﯿﻨﺌذ و ترددت في الصعود ٳلى يده التي كانت عبارة عن شريط ضوﺌﻲ طويل , لكن القمر ٱبتسم لي و ﺃزال رداء الحزن عنه . لم ﺃدري ﺃهي ٱبتسامة من القلب ؟ ﺃم هي ﺃخرى مصطنعة ؟ لكنني رميت ﺑٱلتردد بعيدا و صعدت ٳلى يد ﺃحلى شيء في العالم . بدﺃت اليد تتحرك ٳلى ﺃن وجدت نفسي على سطح القمر .

كنت وحيدة ﺃسير دون فاﺌدة مرجوة تذكر , و بعد برهة رﺃيت بابا حديديا كبيرا عليه يافطة كتب عليها : ” هنا بلد الزمن الجميل “ . عاودني التردد من جديد لكنني لم ﺃهتم له هذه المرة , حيث ﺃنني دخلت عبر الباب الحديدي و ٳذا بي ﺃجد ﺃعدادا هاﺌلة من كاﺌنات غريبة الشكل لم ﺃرها من قبل , في حقيقة اﻷمر لم ﺃكن خاﺌفة منها ﻷن شكلها كان يوحي بطيبتها و مسالمتها .

بعد لحظات وجيزة تشجعت و ٱقتربت من ٳحدى هذه الكاﺌنات و ﺴﺃلتها :

- من ﺃنت ؟

- ﺃنا الخير ... لقد هربت من اﻷرض ﻷن الشر طردني شر طردة .

- و لماذا لا تعود ٳلى اﻷرض ؟ ٳن عدت معي ﻔﺴﺃحميك من ﺃعداﺌك .

- و من سيترك هذا المكان الراﺌع و يعود ٳلى اﻷرض ؟ على اﻷقل هنا ﺃصدقاﺌﻲ الذين ﺃحبهم .

- و من هم ﺃصدقاؤك ؟

- لي ﺃصدقاء كثر ... الصداقة ... المساواة ... الحب ... اﻷمل ... اﻷخلاق ... السعادة ... الحرية ...

و هنا قاطعته قاﺌلة : هل لك ﺃن تخبرني عن مكان تواجد الحرية ؟

- غالبا ستكون مع توﺃمها الغضب الساطع .

و ما ٳن نطق الخير بهذه الجملة حتى ٱنطلقت بحثا عن التوﺃمين , و بعد بحث دام ساعات و ساعات رﺃيت مخلوقين لهما ﺃردية ذات ﺃلوان زاهية ...اﻷحمر , اﻷخضر , اﻷبيض , اﻷسود , تماما مثل علم فلسطين . و من هذا المنطلق ٱستنتجت ﺃن هذه الماثلة ﺃماماي هي الحرية , و ﺃن هذا الواقف بمحاذاتها هو الغضب الساطع الذي ينقصنا في اﻷرض .

ٱقتربت من الحرية و ﺴﺃلتها :

- لماذا لا تعودين ٳلى فلسطين ؟

- ﺴﺃعود قريبا جدا جدا , ليس ٳلى فلسطين وحدها بل ٳلى كل بلدان العالم .

- اليوم ؟

- لا لكنني ﺴﺃعود يوما ما يكون العرب ذوي صفات حميدة و شيم عربية ﺃصيلة .

- ٳننا كذلك . مثلما ذكرت تماما , ٳننا ﺃكثر خلق الله ﺃخلاقا .

- ﺃعلم ﺃن ﺃغلبكم تكرهون الظلم و تحبون الخير و السلام , لكنني ﺃعلم ﺃيضا ﺃن بعض ضعاف النفوس ممن لا يستحقون صفة العروبة و لا الدماء العربية التي تجري في عروقهم يريدون لكم ﺃلا تعيدوا ﺃمجاد ﺃجدادكم كما يريدون ﺃن يشعلوا نار الفتنة بينكم. فلا تستجيبوا لهم .

- و كيف نصبح متخلقين مثل ﺃجدادنا ؟

- ﺑٱلتفكير و التطبيق و اﻹتحاد فيما بينكم .

- لنفترض ﺃننا ٱتحدنا , ماذا سيحدث ﺤﯿﻧﺌذ ؟

- سترحل كل الصفات و القيم الجميلة عن القمر لتستقر في قلب كل من ﺃحب الخير للجميع .

ثم ﺃعطتني الحرية ثوبا حريريا مطرزا مكتوب عليه بخط واضح :

ٳذا الشعب يوما ﺃراد الحياة فلا بد ﺃن يستجيب القدر

و ﻔﺠﺃة وجدت نفسي ﺃرى القمر من جديد ليس من سطحه , و ٳنما من شرفة غرفتي . كان الثوب الذي ﺃهدتني ٳياه الحرية ما يزال بيدي لكنني لم ﺃعرف هل كان هذا حلما من ﺃحلام اليقظة ﺃم حقيقة ﺘﻔﻗﺃ عين الشمس .

نظرت ٳلى القمر ﺁخر نظرة و قلت له : ” لا شيء ﺃحلى منك يا قمر “ .

ٳبتسم لي ٱبتسامة حنونة و قال : ” شكرا يا فرح “ .