المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقدمة الترجمة العبرية لمسرحية "سعدون المجنون"



عمرو زكريا خليل
18/09/2008, 02:20 PM
مقدمة الترجمة العبرية لمسرحية "سعدون المجنون" تأليف لينين الرملى


بقلم البروفسور: جبرائيل روزنباوم


ترجمة: عمرو زكريا خليل

لم يكن فى مصر، حتى القرن التاسع عشر، دراما ومسرح بالشكل المعروف فى العالم الغربى، لكن كان فيها أنواع من عروض المسرح أو الشبيهة بالمسرح مثل مسرح خيال الظل ومسرح "الأراجوز" (مسرح عرائس تلبس فى اليد) ومسارح المهزلة، التى قدمت على شكل عروض فى الشارع بواسطة الهواة أو الفرق شبه المتخصصة وعرضت فى المناسبات الإحتفالية والأفراح العائلية وكذلك عروض مُرقصى القرود فى الشوارع (القرداتية) وعروض شعراء الربابة... إلخ.

ظهرت فى مصر، فى القرن التاسع عشر مع التعرف على الثقافة الغربية بما فيها المسرح ومحاولة تقليد هذه الثقافة، الرغبة فى محاكاة المسرح الغربى. وعُبِّر عن هذه الرغبة فى اتجاهين: الأول إنتاج نصوص مسرحية مصرية أصلية، والثانى تعريب أوترجمة نصوص من الدراما الأوربية. كتب النصوص الأصلية اليهودى يعقوب صنوع الذى أسس كذلك مسرحاً خاصاً به عرض عليه مسرحياته (فى السنوات فيما بين 1870-1872)، أما تعريب نصوص الدراما الأوربية فقد قام بها عثمان جلال. ولقد اختار كل من صنوع وجلال اللغة العامية لغةً لأعمالهم المسرحية فى الوقت الذى لم تحظ فيه الأعمال المكتوبة بالعامية بالاعتراف بأنها أعمال أدبية.

لاقت العروض المسرحية المصحوبة بالغناء، فى بداية القرن العشرين، شعبية كبيرة وكان ذلك فى الواقع بمثابة ذريعة لتقديم المطربين، ذوى الشعبية الكبيرة، على المسرح والذين يحضر كثير من الجمهور لمشاهدتهم. وفى المقابل كان هناك مسارح تعرض مسرحيات مترجمة عن اللغة الإنجليزية والفرنسية وكذلك مسرحيات كتبت فى الأصل باللغة العربية الفصحى. أما المسرحيات التى كتبت وعرضت باللغة العامية فى تلك الفترة فقد كانت، فى الأساس، أعمال كوميدية خفيفة وهزليات. وأشهر ممثلَيْن فى هذا المجال هما على الكسار ونجيب الريحانى، على وجه الخصوص، الذى ترك بصمة على عالم المسرح الكوميدى فى مصر مع منتصف القرن.

يعتبر توفيق الحكيم أكبر كتاب المسرح فى القرن العشرين (1898؟ - 1987) وقد توصل بعد كثير من التخبطات ومحاولات الكتابة الى استنتاج أنه يجب على المسرح أن يكون نوعاً أدبياً يكتب باللغة العربية الفصحى (نثراً). وضع الحكيم سوياًُ مع الشاعر أحمد شوقى، الذى بدأ هو أيضاً كتابة مسرحيات باللغة العربية الفصحى (شعراً)، فى الثلاثينيات، أسس الكتابة لجيل كامل من الكتاب المسرحيين الذى ساروا على نهجهما.

لم تؤد ثورة 1952 الى قلب نظام الحكم والى تغييرات سياسية فحسب بل الى تغييرات ثقافية كذلك. فقد تغيرت القيم الرئيسية فى المجتمع وحظى الانسان البسيط، سواء كان من المدينة أو فلاحاً، ولأول مرة، بالاعتراف بحقوقه. وبدأ كثير من الكتاب المسرحيين، من منطلق الحماس الأيديولوجى، كتابة مسرحيات تهتم بالانسان البسيط ومشكلاته وقد شجع النظام الحاكم على إنشاء مسارح تعرض هذه المسرحيات.
أُطلٍق على هؤلاء المسرحيين فى مصر "جيل الستينيات" وهى السنوات التى شهدت عصر الازدهار الكبير للمسرح فى مصر بعد الثورة. ولقد تحول معظم هؤلاء المسرحيين، خلال فترة قصيرة، الى الكتابة بالعامية سواء كان ذلك لتقديم الشخصيات بشكل واقعى أو من أجل المساعدة على فهم جمهور المسرح لهذه المسرحيات. كما عاد توفيق الحكيم، أكبر كتاب المسرح فى الجيل السابق والذى لم يتوقف عن البحث عن طرق جديدة للكتابة، الى الكتابة فى آخر أيامه باللغة العامية.

تكتب معظم الأعمال المسرحية المؤلفة فى مصر، سواء كانت للقطاع الحكومى العام أو للقطاع الخاص، باللغة العامية. لقد فضلت الثقافة العربية الرسمية اللغة العربية الفصحى دائماً وعارضت بشدة استخدام اللغة العامية كلغة كتابة وأدب (لقد كانت عملية الكتابة باللغة العامية دائماً على هامش الثقافة) ولأول مرة فى تاريخ الثقافة العربية تصبح اللغة العامية لغة كتابة بل السائدة فى أى جنس أدبى كان.
يرى كثير من نقاد المسرح فى مصر إن عصر ازدهار الدراما والمسرح وصل الى نهايته فى عام 1967 بعد الحرب. وحدثت صحوة، منذ منتصف السبعينيات، فى النشاط المسرحى المصرى. فبعد التغييرات فى الحياة الاقتصادية فى مصر وتشجيع المبادرات الفردية ظهرت مسارح تجارية الى جانب المسارح الحكومية العامية وظهر جيل جديد من كتاب المسرح الشبان يكتب المسرحيات للمسرح بقطاعيه العام والخاص. إن النشاط فى مجالى الدراما والمسرح اليوم متشعب جداً وإن اعتقد معظم نقاد المسرح فى مصر ان الدراما والمسرح فى مصر لم يصلا بعد الى المستوى الذى كانا عليه فى الستينيات.

تبدأ معظم العروض المسرحية اليوم، وخاصة فى القطاع الخاص، فى ساعة متأخرة من الليل وتمتد حتى الساعات الأولى من الصباح. وتمنع أسعار التذاكر المرتفعة، فى مسارح القطاع الخاص، شريحة عريضة من الشعب من الذهاب الى المسرح. ويحاول المسرح الحكومى العام جذب هذه الشريحة اليه من خلال إنتاج عروض مسرحية بالمشاركة مع ممثلين مشهورين وبيع التذاكر بأسعار متساوية لجميع الأفراد.
أحد كتاب المسرح البارزين فى مصر فى الجيل الأخير هو لينين الرملى، مواليد عام 1945. تخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة عام 1970. وشارك على مدى سنوات مع زميله الممثل والمخرج محمد صبحى فى إنتاج عدد من المسرحيات التى عُرضت على المسرح الذى أسساه معاً (وأُغلق مؤخراً). كثير من مسرحيات الرملى كوميدية لاذعة تحوى فى طياتها رسائل سياسية واجتماعية ولاقت شعبية كبيرة لدى جمهور المشاهدين ونالت، بشكل عام، تقدير النقاد لنجاحه فى تأليف مسرحيات ساخرة وجادة فى نفس الوقت. كما يكتب الرملى سيناريوهات الأفلام التلفزيونية والسينيمائية وكذلك القصص والمسحريات القصيرة ويتجادل فى بعض الأحيان مع نقاده على صفحات الجرائد.
سعدون المجنون شاب مصرى يدخل مستشفى الأمراض العقلية أثناء حرب 1967 ويغادرها بعد 25 سنة. ويختلف العالم الذى يواجهه، بعد عودته الى بيته، تماماً عن العالم الذى تركه فيفضل أن يستمر فى العيش فى الماضى جاراً وراءه كل أفراد أسرته.
تقارن المسرحية بين مصر فى الستينيات وبين مصر فى التسعينيات ويعتبر ذلك فرصة للقارئ الإسرائيلى ليطل من وجهة نظر مصرية على أحداث فى التاريخ المصرى وعلى أحداث مشتركة فىتاريخ الشعبين.
ذُكر مجنون باسم "سعدون" فى بعض النصوص فى الأدب النثرى العربى القديم فى العصور الوسطى (مثل فى كتاب النيسابورى [مات فى عام 1016]، "عقلاء المجانين"، وهناك باب مخصص لسعدون المجنون). وعندما سألت لينين الرملى إن كان هذا مصدر اسم الشخصية الرئيسية فى المسرحية لم يستطع أن يؤكد هذا التخمين أو ينفيه لكنه وافق على احتمال أن يكون قد تأثر، دون أن يدرك ذلك، باسم الشخصية فى الأدب الكلاسيكى.

يكثر لينين الرملى من استخدام الأوهام (الإشارات الأدبية) فى إشارة لأحداث فى التاريخ المصرى ولكثير من الظواهر الثقافية خاصة الأغانى المصرية، والمعروفة لكل مصرى، والتى يتم دمج أجزاء منها فى المسرحية كجزء من المسرحية.

ترجمت المسرحية بالكامل ولمساعدة القارئ العبرى أضفت الكثير من الملاحظات الهامشية.