المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عنوان الدراسة: The Evolution of Arab Conceptions of the Crusades



محمديوسف
19/09/2008, 06:47 AM
عنوان الدراسة: The Evolution of Arab Conceptions of the Crusades


تعاظم التصورات العربية للحروب الصليبية
رؤى استراتيجية، العدد الرابع، الإصدار الثاني (مارس 2007)
بقلم
الكابتن جون "جاريك" تشامبرلين

ترجمة: محمد يوسف محمد المحمودي (أبو مريم ويوسف)



















كان حشد "الشارع العربي" ضد "الحملات الصليبية" من الاستراتيجيات المتكلفة والمنمقة الأكثر شيوعاً والتي تستخدم من قبل المتطرفين الإسلاميين لمهاجمة الغرب. فالمسلمون العرب في الوقت الحاضر عادةً ما يكونوا متعصبين ومتشددين إزاء الصليبيين؛ إذ أن مجرد الإشارة إليهم تجعلهم يستعيدون من جديد المواجهات والمغامرات البربرية في الأيام السالفات." وفي مثال حديث لاستخدام المتطرفين لهذه اللغة أو اللفظ (بالإشارة إلى الصليبيين)، ذكر بيان شبكة الزرقاوي تعليقاً على هجماتها على فنادق أردنية في التاسع من نوفمبر 2005 أن عمليتهم كانت لمهاجمة الخط الخلفي لأعداء الإسلام من اليهود والصليبيين." والحملات الصليبية مسألة تلقى قبول فكري وتعاطف إلى حد كبير بين المسلمين في عالم اليوم. وتتجلى مشاعر الحنق والغيظ المعادية للصليبيين في بعض الموضوعات والأمور المعادية للغرب بشكل كبير وعنيف جداً في بعض الأحيان. وقد حاولت وسعت الدعاية الليبية في مطلع الثمانينات إلى حشد سكانها وشعبها ضد الولايات المتحدة التي تم تقديمها على أنها كانت تقوم بشن "هجوم صليبي ضد الإسلام." كما كتب مهمت علي أغا، قبل محاولته اغتيال البابا في 1981، في خطابه "لقد قررت قتل يوحنا بوليس الثاني، القائد الأعلى للصليبيين." ويعتبر أكثر تلك الاستخدامات شهرة للغة معاداة الصليبيين فتوى أسامة بن لادن لعام 1998، التي طالب فيها بقتل الأمريكيين. وقد كانت الفتوى بعنوان "نص بيان الجبهة الإسلامية العالمية للحض على الجهاد ضد اليهود والصليبيين. ما ليس واضحاً بشكل كبير هو عما إذا كانت هذه القضية أو هذه المسألة تتعلق بدوام التعصب والحنق، أكثر من كونها حنق وتعصب جديدين. ويوضح هذا المقال عملية إعادة رواية التاريخ العربي للصليبيين، اعتماداً واستناداً على السياقات الحالية للمؤرخين المختلفين. ولا تظهر المراجعة للتواريخ العربية الوسيطة الأساسية ذات الصلة بالموضوع الغضب والحنق مما جرى التعبير عنه في المصادر الحديثة. فلم يحدث قبل سواء في عصر الغزو نفسه ولا في عصر "الدول الصليبية" المسيحية الغربية في المشرق أن ظهر الصليبيون كقضية موحدة أو مشكلة خطيرة ومهمة للحكومات والنظم المحلية. بل على العكس، كان ينظر للصليبيين على أنهم مجرد طرف آخر في مسلسل الأطراف اللاعبة في المنطقة. ولم تكن الجوانب الأيدلوجية المفترضة التي تعطي "الصليبيين" وحدتهم التاريخية في الغرب واضحة للجانب الآخر. فقد كان المؤرخون الإسلاميون في ذلك الوقت غير مهتمين بهذا المفهوم الغربي ورأوا بكل بساطة ما نراه ككون "الصليبيين" أكثر في شكل سلسلة من الصراعات تضم العديد من الأعداء. وقدم التأريخ الصليبيين يقيناً، ليس كحدث منفصل ومميز، ولكن كأحداث متعددة داخل سياق أو إطار عمل تأريخي. وتتفق غالبية المصادر الأساسية على أن رد الفعل الأولي على الوجود الإفرنجي في الشرق الأوسط كان بعضاً من اهتمام محدود. وقد كان من الصعب جداً تبين وجود احتقان ثقافي أو ديني، حتى بين المدن الكبرى مع الدول الإفرنجية الجديدة المجاورة لها. فقط حاول المطرودون والمشردون الحض على الجهاد العام، لكن هذه المطالب كانت لا تجد أذن تسمعها في الغالب، خصوصاً تلك البعيدة عن بغداد. وقد كان هذا الأمر ينظر إليه في البداية على أنه مشكلة سورية محلية. وقد كان هذه الافتقار للاهتمام والقلق مدهشاً ومفاجئاً على وجه التحديد بعدما تضمنت الموجة الأولى للصليبيين على أعمال الوحشية الأشد فظاعة وضياع الأماكن المقدسة بالقدس. ومن ثم بدأ تفاقم الخطاب الجهادي المعادي للإفرنج وبدأ الشعور في التعاظم بعد عقد من الاحتلال الإفرنجي، لكن ذلك الشعور لم تكن له الأولوية والسبق بشكل كامل على جوانب التنافس والتناحر المحلية والاعتبارات السياسية الأخرى. وحتى مع أوج الأمر، خلال سيطرة صلاح الدين على مقاليد الحكم في كل من مصر وسوريا، تم توجيه مزيد من المسعى العسكري تجاه أطراف إسلامية تابعة أكثر من توجيهه إلى الممتلكات والجيوش الصليبية. وفي حين يشير الأدب الحديث في محاولته إثارة الحنق والتعصب العربي على هذه الحقبة إلى العديد من المصادر ذات النوايا السيئة التي تعتمد على الأعمال الإفرنجية، لم يوضح الأدب "حالة الأولوية الثانية" للجهاد المعادي للإفرنج، ولا الأمثلة والنماذج العديدة للتعاون الإفرنجي مع العديد من قطاعات وفصائل المسلمين على مدار الحقبة. كيف حصلنا إذن من اللامبالاة العامة من المسلمين بالحملة الصليبية الأولى والعداء المعتدل الذي أدى إلى محاولات دءوبة لطرد الإفرنج أدت إلى تحقيق انتصار للمسلمين وبعد ذلك إلى تعصب وآثار نفسية دائمة حتى الوقت الحاضر؟ من الواضح أن وجهة النظر هذه مبتكرة أو مبتدعة، أو على الأقل أعيد تأويلها. ويسوق التوضيح والتحليل لعملية إعادة العمل التاريخية رؤية ذات قيمة في كيفية تأثير السياق الحالي على حكاية التاريخ ونقله.
"الصليبيون" في التأريخ العربي الوسيط
لم يكن قدوم الإفرنج إلى الأرض المقدسة ينظر إيه على أنه حدث خطير من قبل المؤرخين المسلمين في تلك الحقبة، كما أن ذلك لم يكن بكل تأكيد جولة مفتوحة في الصراع الديني الملحمي الطويل. ولم تكن كذلك فكرة "الصليبية" جارية بعد حتى بين المشاركين والأطراف الإسلامية القائمة وقتئذ، لكن حتى فكرة الحج المسلح، المخصصة والموضوعة لتحرير الأماكن المسيحية المقدسة، الجارية كذلك بين القوات الإفرنجية أنفسها، ظاهرة ومنعكسة من قبل المؤرخين العرب. ولم يضيع الكثير من المؤرخين، مثل ابن الجوزي وابن القلانيصي، وقتاً في التفكير بشأن الحوافز الإفرنجية؛ حيث أوضح كل منهما ببساطة وجود الصليبيين من خلال المدن التي يحاصرونها. ويعطي ابن الأثير التوضيح الأكثر بشأن الأمر ويقدم شرحاً هو الأقرب للحماسة المسيحية للأرض المقدسة. وحتى هو، الرغم من ذلك، يقدم توضيحاً بديلاً، إذا ما كان صحيحاً لن تكون النتيجة معنية بنصح أو حض بابوي، وإنما ستكون متعلقة بمناورة سياسية من جانب ما. ويعتبر توضيح ابن الأثير البديل حتى توضيحاً آخر لسياسات القوة أكثر من كونه متعلقاً بالدين، أن الحكام الفاطميين لمصر وجهوا الدعوة للإفرنج لتأسيس دولة فاصلة بينهم وبين الأتراك السلاجقة الذين احتلوا سوريا أخيراً. كما كان التوضيح البارز لرأي المسلمين بشأن الإفرنج سواء قبل أو عقب سقوط القدس مرتكزاً ليس على دينهم، وإنما على عاداتهم الشخصية. ووفقاً لهذه الآراء والتوجهات: "لم يتبع الإفرنج سبل السعي والتقدم المدنية والمتحضرة. بل كانوا قذرين وفاحشين في عاداتهم الشخصية، مثلوا الدنو في الأخلاق الجنسية وحماسة الزواج السليمة، لكنهم كانوا شجعان ومروعين في الحرب". وفي حين كانوا همجيين وبربريين، كانوا محترمين من الناحية الحربية ومفيدين حتى. ولم يكن ينظر إليهم على أنهم عدو ديني طبيعي يجب طرده من الأراضي الإسلامية بكافة السبل ومهما كانت الخسائر. فقط عقب ذلك ستبدأ صيحات لغة الجهاد تتعالى لأجل طردهم وبدأ حتى القادة الأكثر شهرة "لمواجهة الصليبيين" يقضون وقت أكثر في مقاتلة وخوض حرب مع المسلمين بشكل أكثر مما فعله الإفرنج.
مصطلح الصليبيين يدجل نطاق الحوار والجدل العربي
بينما تواصل تأريخ الحملات العسكرية، التي عرفت بعد ذلك بالحملات الصليبية، في المصادر العربية لمئات السنين بعد انتهاء الحقبة الصليبية، ظلت الحملات الصليبية كحدث تاريخي موحد أجنبية على المفاهيم العربية للتاريخ حتى العصر الحديث. وفي منتصف القرن التاسع عشر، أحضرت العلاقات المتزايدة بين فرنسا، التي أعلنت نفسها حامية للكاثوليك داخل الإمبراطورية العثمانية في مطلع العام 1638، والعرب المسيحيين، الموارنة تحديداً، في المشرق، مفهوم الصليبيين في دوائر الحوار التاريخية العربية. وقد كان التاريخ العربي الأول، على الرغم من وضعه وكتابته باللغة الفرنسية وليؤثر بشكل كبير على الجمهور الفرنسي، يشتمل على مفهوم الحملات الصليبية وكان من وضع المطران الماروني مراد لعام 1844 وجاء فيه المختصر التاريخي الأصل المؤكد من قبل الملك الفرنسي للدولة المارونية وإسناد أمر الحماية لفرنسا، كذلك مراعاة أمة الدروز والتنوع السكاني بجبل لبنان. وقد سعى هذا العمل إلى خلق هوية مشتركة "بملاكها الحارس"، فرنسا، التي صيغ الكتاب بلغتها والتي كان يخاطب ملكها ولخلق شرعية للمطالب المارونية على جبل لبنان. وحسب أسامة المقديسي: بولائهم لفرنسا وللصليبيين، بولائهم لفكرة ووجود المسيحية في الشرق وعلى خط المواجهة بين النصرانية والبربرية، كان الموارنة في حاجة ملحة لدعم فرنسي في أوقات ما بعد استعادة الأرض التي يسودها الاضطراب. فقد كتب أن لبنان "مثل أرض فرنسية أخرى" وأن فرنسا كانت "وطن ثاني للموارنة." لماذا اختار المطران مراد الصليبيين ليظهر الموارنة في شكل جيد للفرنسيين؟ الجواب على ذلك السؤال يكمن في أنه إبان منتصف القرن التاسع عشر، ذاعت فكرة الصليبيين بشكل مفضل ومرحب به عند جمهورها المزعوم. كان هذا عهد إعادة التأويل أو إعادة التفسير الرومانسي الأوروبي للصليبيين، الذين كان ينظر إليهم بشكل مقبول تقريباً على الصعيد العالمي. وفي عهد التوسع والتمدد الديناميكي و "البعثات التمدينية" الحضارية، تم تقديم الصليبيين في أوروبا كمثال أولي على الالتزام والإخلاص غير الذاتي أو غير الأناني لمكافحة الشر مهما كانت العقبات الكبرى. وخلال خمس عشرة عاماً، شقت أفكار المطران مراد طريقها في العمل الماروني باللغة العربية. ففي عام 1859، نشر تانيوس شدياق، ماروني من عشيرة حدوث، كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان، الذي يحتوي ما كان واضحاً على أنه الاستخدام الموثق الأول لمصطلح الحرب الصليبية في العربية، بالرغم من أنه كان مجرد إشارة عرضية في المقدمة. وقد كان كتاب الشدياق تاريخ أسري لكل من العائلات المحترمة بلبنان. وبينما لم يقم الرجل باستخدام مصطلح "الحروب الصليبية" مرة أخرى في مؤلفه، إلا أنه يشير للموارنة، وخصوصاً أسرة مراد، كمؤيدين متشددين للإفرنج المسيحيين من 1099 حتى خروجهم في 1291. وخلال عقد، تم نشر تاريخ الحروب الصليبية باللغة العربية لأول مرة، أيضاً في ظل رعاية مسيحية عربية، ترجمة منشورة بعد وفاة المؤلف لتقرير فرنسي صغير عن الحملات الصليبية كتبه ماكسيماس الثالث مظلوم، بطريرك بمدينة القدس من 1833 حتى 1855. ولم تكن الحروب الصليبية ينظر إليها بحنق وتعصب من قبل العرب لقرون، لكن على خلاف من ذلك كانت ترى وتشغل اهتمام العرب من باب كونها مساعي موحدة للاتصال الأوروبي والمسيحيين العرب. وقد أدى هذا التقديم إلى محاولة الحريري في عام 1899 بشرح وتوضيح ما كانت تعنيه كل هذه الإشارات، لكن على الأكثر كان المفهوم بلا رجع أو دون صدى فكري ودون معنى بين المسلمين العرب حتى القرن العشرين.
مفاهيم العرب الحديثة للصليبيين
كان مطلع القرن العشرين عهد أمضى فيه المؤلفون العرب القليل من الوقت للحديث عن الحملات الصليبية. هذا شيء مدهش، نظراً لأن هذا العهد الذي اشتمل على إضفاء السمة الرسمية على الوضع الاستعماري لها في مصر، حرب قوى التحالف ضد الإمبراطورية العثمانية ومن ثم الخليفة الفني وغزو فرنسا لسوريا في عام 1920 وخلع الملك فيصل، على افتراض سيطرة الانتداب، وإنشاء دولة مستقلة وذات أغلبية مسيحية في لبنان. وبقدر ما تبدو هذه الأعمال مرشحة حسب ما هو محتمل للتحليل كنظير للحروب الصليبية، بالرغم من أن "مفهوم" الحرب الصليبية لم يؤسس أو يقام بعد بما يكفي في العالم العربي ليكون له أصداء وأثر. ومن بين تلك الأوهام الأكثر شيوعاً في إيرادها، ثمة أمرين هما الأكثر شيوعاً هما احتلال الجنرال اللينبي للقدس قس 1917 و استيلاء الجنرال جوراود على دمشق عام 1920. ومن المشكوك في صحته تقريباً لأن اللينبي ذكر عند دخوله للقدس أن "اليوم تنتهي الحروب الصليبية." ولا تحتوي مذكراته بشكل مؤكد على مثل هذا التعليق، كما لا تحتوي أي صحف من تلك التي كان تصدر وقتئذ على مثل هذا الأمر. ويوجد هناك دليل أكبر على قصة استعمار واستيلاء الجنرال جوراود على دمشق، قيل بعدها أنه قام بزيارة قبر صلاح الدين، ثم ركله بقدمه وقال "قم يا صلاح، لقد عدنا"، على الرغم من أنه لم يتم تسجيل ذات الكلمات بالضبط. كما أن أياً من هذه الحوادث لم يلقى تعليقاً واسعاً من السكان العرب المسلمين في ذلك الوقت، الذين كانت الحروب الصليبية بالنسبة لهم مفهوماً غامضاً وغريباً. ومع عقود قليلة من الحكم الاستعماري لامتصاص الرؤية الجديدة للتاريخ، ومن ثم الترقب المفاجئ لإنشاء دولة إسرائيل لرسم المتطابقات والمتوازيات، انتشرت سجلات التاريخ العربية المعولة على الحملات والحروب الصليبية وأصبحت النظائر والمتوازيات الاستعمارية والصهيوينة التأويل السائد. وقد أصبحت دراسة الحروب الصليبية جزءً مهماً من الكتابة الأكاديمية العربية بعد الحرب العالمية الثانية ولا تزال موضوع شائع وعام حتى يومنا هذا. وقد كانت وجهة النظر لسائدة والبارزة من خلال عدسة القومية العربية وقد سادت العديد من الموضوعات في تأويل وتفسير الحملات والحروب الصليبية. الشيء الأكثر وضوحاً لهذه الموضوعات الأساسية هو رسم خطوط متوازية بين الحروب الصليبية والاستعمار و/أو إقامة دولة إسرائيل. من الشائع أيضاً لهذه الأعمال هو مسألة الوحدة العربية. ففي الأعمال الأولى، كان ينظر للحملات والحروب الصليبية على أنها عرض لافتقار الوحدة وكانتصار للوحدة "المستعادة". ويقدم هذا الأمر خارطة طريق لانتصار العرب اليوم. لذلك، من وجهة نظر حسن حبشي في مؤلفه الصادر عام 1947 تحت عنوان "نور الدين والحروب الصليبية: النهضة الإسلامية وحركة التقارب في القرن السادس الهجري، جاء النجاح بعد أن قام نور الدين بتوحيد كل من سوريا، مصر وشمال العراق تحت قيادة سياسية واحدة، ليتشكل بذلك نموذج لكيفية "إظهار الحوادث التي حدثت في العصور الوسطى في الشرق الأدنى أن هذه الدول كانت قادرة على الدفاع عن نفسها أمام أخطار قوات الحروب الصليبية." ومع تصدع حلم الوحدة العربية، تواصل التأكيد على الدروس المظلمة للانفصال والفرقة، لكن القوة المنتصرة من الوحدة كانت أقل ظهوراً بعد أن أصبحت فكرة هزيمة العرب لإسرائيل أقل واقعية. وتلعب التبعات المتخيلة والمتصورة للحروب الصليبية دوراً كبيراً عبر التاريخ، الأمر الذي يبدو كذلك أكثر تحيزاً لجانب واحد نظراً لأن انعكاس القوة النسبية للعرب أخفق في التحول إلى واقع. وتعتبر الدراسة الجغرافية والتاريخية العربية الحديثة للحروب الصليبية مرتبكة ومعاصرة في طبيعتها. ليس فقط مع قيام المؤلفين بأخذ دروس بشأن صورة الحالة القائمة للأمور التي تؤثر على عدسة التأويل الواضح.
ما بعد الحرب العالمية الثانية وأزمة السويس: التفسير في العصر الذهبي
تمت كتابة دراسة حبشي في عام 1947 قبل تقسيم فلسطين، وكذلك بدلاً من النظر على مشكلة معاصرة محددة، ركز الكاتب تأويله على قيم "الجبهة الإسلامية الموحدة"، التي تعتبر عربية بشكل واضح. وقد انتهى تفسير حقيقة أن بطل العصر الذهبي في مؤلفه، نور الدين من الأتراك السلاجقة. وقد أضحى الرجل أكثر اهتماماً بكيفية تقديم نور الدين في التاريخ. فمن وجهة نظر حبشي، بالغ المؤرخون الإسلاميون في هذه الحقبة في التأكيد على الجانب الديني لنور الدين، مستهلكين من مؤرخاتهم الكثير في مناقشة مساعيه لحل وتهدئة القضايا الدينية داخل سلطانه، الأمر الذي أظهر أو أوضحه كما لو كان لا يملك الكثير من الاهتمام والقلق بشأن "الصراع العنيف بين الشرق والغرب، ظهور الإمارات والمناصب اللاتينية في الشرق ومساعي المسلمين لاستئصال ومحو هذه الإمارات والأسس. على النقيض تماماً، نهج المؤلفون المسيحيون الصواب عندما قدموا نور الدين كعدو ملحمي، على الرغم من كونه على الجانب الخطأ، فقد مالوا إلى إظهاره في صورة سيئة ومكروهة. ويعتبر حبشي مهتماً هناً تحديداً بالحصول على "المزيج الصحيح" الذي يظهر نور الدين كقائد ورع وتقي من المجتمع وموحد بطل وعدو للصليبيين. وفي عام 1949، نشر عبد اللطيف حمزة أدب وتاريخ الحملات الصليبية. ويظهر هذا المؤلف الذي تم نشره بعد فترة قصيرة من النكبة التأثير الفوري على تفسير الحروب الصليبية . ويبتدئ المؤلف كتبه من الكلمات الأولى بكلماته: في هذا العصر المحزن لتاريخنا المصري الحديث، تمر علينا أزمة عنيفة تعامل معها هذا الجيل وربما ستتعاطى أجيال المستقبل معها أيضاً. هذه الأزمات هي صراعنا نيابة عن فلسطين، آملين التحرر من وطأة اليهود. ويقدم حمزة الصليبيين بخجل ذاتي وعي على أنهم ممثلين للعرب ويجمع الصليبيين بفلسطين في مصطلحات وظروف غير مؤكدة.
"لقد أيقظت هذه الأزمات الفكر والتحقيق عن الصليبيين. وقد بدأ المثقفون في كل الدول العربية يريدون معرفة شيء ما عن تاريخ الحرب الدينية وأدبها العربي وما كتب عنها في الدول العربية. وهذا ما دفع بي إلى تلبية هذه الرغبة لكامل مملكة اللغة العربية في مصر ... ويسعدني أن أهدي هذا الكتاب إلى الشهداء الذين ماتوا لأجل فلسطين وكتبوا على أرضها بدمائهم، ليحفروا صفحة بين صفحات البسالة العربية والشرف العسكري. وأنعم الله العظيم بالنجاح على الجهاد الأول لجلالة الملك فاروق ويسدد خطوات أشقائه من الملوك والرؤساء العرب حتى يجني جهادهم الثمار المرجوة ويحققوا جميعاً ما ينشدوه من آمال".
وتقدم هذه المؤلفات موضوعات وأفكار أساسية شائعة في المفاهيم العربية المعاصرة للصليبيين، مفهوم "الجبهة العربية الموحدة" والمتوازيات بين إسرائيل والدول الصليبية. وبعد الهجوم الفرنسي – البريطاني – الإسرائيلي على مصر في عام 1959، المشار إليه بوجع عام بمصطلح "أزمة السويس" والمعروف في مصر باسم "العدوان الثلاثي"، كانت السمات الصليبية واضحة وتم نشر الكثير من كتب التاريخ التي تعرض للحروب الصليبية. وقد شق المفهوم الغربي الشائع والمنتشر القائل بأن الحروب الصليبية قد دفعت النهضة في أوروبا وأضعف العرب، الذي استقدمه ستيفن رانسيمان، طريقه في أروقة الجدل والحوار العربية. ويصور مؤلف عبد الفتاح عاشور الذي صدر عام 1963 تحت عنوان "الحركة الصليبية: وصف تاريخ جهاد العرب في العصور الوسطى" ما بعد أزمة السويس. وبالسبة لعاشور، يتمثل المقصد من وراء دراسة الحروب الصليبية في حماية "الحقوق العربية، وجود العربية وضمان حياة كريمة وحرة لأطفالنا في أمتنا العربية الكبرى".ويقدم المؤلف الصليبيين على أنهم غزاة ميالون لارتكاب الأعمال الوحشية (معولاً ومستشهداً بالمصادر الغربية التي عرضت للأعمال الوحشية، نظراً لأن هذه الأمور قد تم التنويه عليها بقدر ضئيل من قبل المؤرخين العرب) ثم يلتمس العذر بعد ذلك لأي أعمال وحشية قام بها المسلمون باعتباره أن ذلك جاء رداً وانتقاماً على المذابح التي وقعت عند الاستيلاء على القدس. وبينما يتم تقديم الصليبيين كانتصار عظيم للعصر الذهبي، يتم إبراز بربرية الغازي والنتائج غير العادلة للصراع الطويل. وفي تقديم عاشور واستعراضه للأمر، أدت الحروب الصليبية إلى الدمار والاحتلال الطويل للدول العربية، بينما استمتعت أوروبا بالنهضة "نتيجة الاتصال بالحضارة الإسلامية والعربية."
بعد حرب الأيام الستة
أزالت الهزيمة العسكرية الساحقة التي مني بها العرب في حرب الأيام الستة استخدام الصليبيين كأمارة أو شاهد على الانتصار العربي. في الواقع، آلت الدراسة العربية الكاملة للحروب الصليبية إلى صمت طويل. فقط مؤلف واحد تم نشره عن هذا الموضوع في الفترة من 1968 إلى 1979. وعندما عاد ظهور المؤلفات عن الصليبيين في عام 1980، كانت المفاهيم العربية عن الحملات الصليبية قد تغيرت بشكل ملحوظ. وبالإضافة إلى استمرار المؤلفات القومية، التي سنعرض لها فيما بعد، ظهرت التأويلات الإسلامية في هذه الحقبة أيضاً. وتقدم المؤلفات والأعمال الخاضعة لتأثير الفكر القومي إطار عمل مشابه لتلك الأعمال المنشورة في السابق، على الرغم من تهويل وتعظيم الآثار السلبية للعالم العربي واختفاء موضوع الثقة في النصر الحتمي النهائي. وقد تم تقديم سلسلة التاريخ الصليبي من قبل خاسيه معادية وآخرون في عام 1986 بعنوان "تاريخ أمة العرب والغزو الصليبي. ويبدو أن المؤلف ومن معه قد قاموا بكتابة هذا المؤلف كمجلد أو كتاب مدرسي، والاحتمال الأكبر أن يكون ذلك في سوريا. ويحتوي الكتاب على موضوعين أساسيين. الأول إظهار مدى عظم كل من الزنجي، نور الدين وصلاح الدين (المعلن كونهم من سوريا)، وكيف كان الثلاثة قادرين على تشكيل جبهة موحدة للقاء الغزاة. والهدف أو الموضوع الأساسي الثاني هو إظهار كيف أن الأمة تحت قيادة هؤلاء القادة واجهت "هجمات الصليبيين التي كانت تستهدف الأرض والشعوب، السيطرة على سوريا واستئصال وجود الإسلام." ولا تزال مسألة أهمية الوحدة سائدة، ولا زال التأكيد والتشديد على المتوازيات الحديثة والنظائر المعاصرة، لكن الآثار السلبية للحملات الصليبية على العرب أصبح الآن أكثر مركزية ومحورية للوصف والتصوير. وتبين المقدمة أن "الأمة العربية لا تزال تعاني حتى الوقت الحاضر من الهجمات الصهيونية والاستعمارية التي حلت محل الصليبيين في إضعاف العرب وإدامة احتلال فلسطين." ولا حديث هنا عن الدروس المستفادة وتحقيق انتصار على إسرائيل مشابه لذلك النصر الذي تحقق على الصليبيين. في المقابل يوجد هناك ملحوظة وتنبيه على الجزع والقنوط بشأن الضعف في التصريحات لأن "الكثير من المواقف والحوادث للحملات الصليبية تشبه تلك الموجودة في المواقف الحالية، الضحايا والطرق العديدة التي نشهدها." وقد استهلك كل من معادية والمؤلفون المشاركون عشر صفحات للحديث عن النتائج الإيجابية للحملات الصليبية بالنسبة لأوروبا، الأمر الذي يعطي الصليبيين فضل خاص واستثنائي في النهضة الأوروبية. ومن وجهة نظرهم، استفادت أوروبا اجتماعياً، ثقافياً واقتصادياً من الحروب الصليبية، أما بالنسبة للعالم العربي، نرى أن فرضية رانسيمان المشهورة الآن للحملات الصليبية في أنها مهدت الطريق للاستعمار المغولي. وتعتبر رواية الحروب الصليبية بين عموم مؤرخي التاريخ العرب لفترة ما بعد لحرب العالمية الثانية من قبيل الهجوم الغربي على العالم العربي المشتت والمنقسم. وبينما يذهب بعض المؤرخين إلى ذكر الأعمال الوحشية، لا يتمثل الاهتمام الأساسي في الأعمال المادية للمستعمرين، لكن فرض وجود دولة أجنبية في "قلب الأمة العربية" هو القلق الأكبر. ما يوازي إسرائيل ليس ضمنياً فقط، إنما معلناً، كما أنها توازي الاستعمارية من جانب القوى الأوروبية. وقد تم تقديم "مكافحة الحروب الصليبية" كمسعى عربي موحد ومتواصل، أكثر أو أقل انتصاراً بالاعتماد على وجهة نظر المؤلف والعدسة الحديثة التي ينظر من خلالها. وفي النهاية، أتت الحروب الصليبية بنتائج إيجابية لأوروبا، حيث أضعفت العالم العربي وشرحت الهزائم فيما بعد. وليست هذه بالرواية التي قدمت بالطبيعة من كتب التاريخ العربية القديمة التي لا زالت تؤثر على الشعوب إلى يومنا هذا، إنما الأمر نتيجة لإعادة تأويل وتفسير التاريخ عبر السنوات الخمس الماضية.
ما يعنيه بن لادن: رؤية الأصولية الإسلامية للحملات الصليبية
تعتبر المفاهيم الأصولية الإسلامية للحملات الصليبية أرحب وأوسع نطاقاً من تلك المفاهيم المتعلقة في كتب التاريخ الملهمة بالفكر القومي والتي تم ذكرها سلفاً، لكنها متشابهة بما يكفي ليكون لها أصداء في الفكر. وبالنسبة للمفكرين الأصوليين، بداية بسيد قطب، رجل الدين التابع للإخوان المسلمين، كان مفهوم "الأمة العربية" بلا قيمة، ولا يتم تقديم الحملات الصليبية كهجمات على العرب، لكن كهجمات على الدين الإسلامي ذاته. ويقدم قطب الحملات الصليبية، التي يؤولها ويفسرها جميعها على أنها كلها هجمات مسيحية على الإسلام، بدءً من الرد البيزنطي على استعمار المسلمين الأول لسوريا حتى إنهاء الاستعمار للمسلمين في زانزبار للقرن العشرين، كواحد من الصراعين الكبيرين بين الإسلام والشرك بالله. وفي تقييمه، يعتبر "الصليبيون" رداً مشركاً على الاستعمار الإسلامي الأصلي وتمثل هجمة مضادة تستهدف روح الإسلام. ومع هذا الوصف المستفيض للحملات الصليبية، مع الربط الوثيق بالصهيونية، يمكن شجب واستنكار أي اعتداء غير داخلي على الإسلام باعتباره حملة صليبية. ومع انتشار الفكر الأصولي الإسلامي واندماجه العرضي مع الوهابية في المملكة العربية السعودية، انتشرت هذه الرؤية للحروب الصليبية بشكل واسع. كمثال على ذلك، يصف منهج التاريخ للفرقة الحادية عشر العام 1983 في المملكة العربية السعودية الاستعمارية بأنها "الإمبريالية الصليبية": ويقيم هذه المنهج نقاشه الكامل على المفاهيم الدينية الإسلامية. ويعتبر الهدف الأساسي للإمبريالية الصليبية عدا فرض سلطانها على المسلمين عبر العالم هو إذلالهم واستغلال ثروتهم، حضارتهم وموروثاتهم. وفي عام 1986، قام الدكتور أحمد شلبي بنشر "الحملات الصليبية: بدايتهم مع ظهور الإسلام واستمرارهم حتى الوقت الحاضر: وصف الهجمات العسكرية والأيدلوجية للحملات الصليبية الغربية على العالم الإسلامي عبر العصور." ويقبل هذا المؤلف، حسب ما يوضحه العنوان تعريف قطب الواسع والممتد للحملة الصليبية ويمتد على إطار عمل لغوي لقطب لتقديم مجلد كامل. وتعتبر الكثير من الأفكار الأساسية والموضوعات الرئيسية (إسرائيل، الاستعمارية، الخ.) مشهورة ومتعودة من المجريات العامة والشائعة للتاريخ، لكن مفهوم "الهجوم على الإسلام" تم إظهاره: الحملات الصليبية ضد كل المسلمين. ثمة خطأ آخر مرتبط بذلك الخطأ الذي يعتبر أكثر خطورة بكثير، حتى أن الكثير من الباحثين والمثقفين يقعون في المصيدة عندما يتبعون الغرب في القول أن الحملات الصليبية كانت ضد العرب وأن هدفهم كان استعادة القدس، وللحقيقة كان الهدف أكبر من ذلك وأكثر خطورة.
من ناحية أخرى كان الحركة الصليبية ضد كل المسلمين، وليست فقط ضد كل العرب وقد كان هدفهم إذلال المسلمين وإلحاق الضرر بهم ... ويمكن أن يرى ذلك من خلال الهجمات العديدة التي شنها المسيحيون في محاولة منهم لاستعمار العالم الإسلامي بكامله، العرب وغير العرب وإنشاء دولة إسرائيل في هذا المكان حتى تقوم هذه الدولة بلعب دورها في الاتجاه الصليبي ويمكن أن يرى ذلك كذلك في الهجمات التي تشن على العراق وتونس والتهديدات التي تواجهها باكستان والتقدم الروسي المدمر في أفغانستان.
خاتمة
إن المفاهيم العربية الحالية للحروب الصليبية ليست بكل بساطة الذكرى التي تتواصل من ذلك العهد حتى الآن. وتعتبر هذه المفاهيم نتاج نمط معقد من التأويل والتفسير، تم القيام به لأغلب الوقت على مدار القرن الماضي. وقد استغرق الأمر وقتاً خلال الحملات الصليبية للمسلمين لتطوير حس من الغضب والحنق إزاء الوجود الإفرنجي في الشرق الأوسط. وقد استغرق الأمر عدة قرون قبل أن يقوم العرب بتطوير وجهة نظر عن الحروب الصليبية كحدث تاريخي موحد بمدلولات اقتصادية، اجتماعية وسياسية مهمة. فقط مع مجيء القوى الأوروبية وارتباطها القوي والنفسي مع الحملات الصليبية، اكتسب المفهوم شهرة داخل العالم الإسلامي. وقد أدت العلاقات الأولى بين أوروبا، فرنسا على وجه الخصوص، والمسيحيين المحليين الساعين بشكل علني لمناصرتهم إلى تأكيد وإقحام الحروب الصليبية في الحوار العربي. فقط الإشارات والأنشطة الأوروبية المتكررة التي ترسم خطوط متوازية ونظائر للحروب الصليبية ستجعل منها أمر له صلة وعلاقة بالجمهور الحديث. وربما قد أدت الإشارة المزعومة للجنرالين اللينبي وجوراد والحملات الصليبية خلال دخولهم المحفوف بالانتصار إلى مدن عربية رد فعل محدود في ذلك الوقت، لكن الحقائق الحديثة جعلت من الأمور تبدو أكبر في السنوات التي أعقبت ذلك. وفي عام 1988، أوردت حماس كلا الحادثين في المادة 15 من ميثاقها كمثال على الإمبريالية الغربية وعلى العلاقات بين الحملات الصليبية والاحتلال الاستعماري. وقد أحدث تقسيم فلسطين أصداء استجابة لدراسة الحروب الصليبية وجاءت الأغلبية العظمى من كتب ودراسات التاريخ العربية عن الحملات الصليبية عقب إعلان التقسيم. وتتعاظم قضية إسرائيل وتصبح أكبر في إعادة تصوير وعرض الحملات الصليبية. وقد رسمت كل المصادر المختبرة تقريباً نفس هذا الخط على هذا النحو. علاوة على ذلك، كانت دراسات وكتب التاريخ لفترة ما قبل 1967 للصليبيين والحروب الصليبية تستمد الرواية من الغزو الأوروبي للأراضي المقسمة، وأن ما سيتبع ذلك هو توحيد عربي بطولي وانتصار حتمي. وبعد كارثة حرب الأيام الستة، ظلت الرواية متشابهة، لكن عمق الخسارة أصبح بارزاً، كما كان الحال بالنسبة للنتائج غير المتكافئة وغير العادلة من الحروب الصليبية التي دفعت أوروبا إلى السيطرة على العالم، بينما سقط العالم العربي، الذي أصابه الضعف نتيجة الحروب الصليبية، أمام المغول، العثمانيين والأوروبيين بالتتابع.
من ناحية أخرى، قام الأصوليون الإسلاميون بتطوير تأويل موازي للحروب الصليبية. وبينما تتشابه الأمور في عدة طرق، لم تكن الحملات الصليبية، في تصورهم، تستهدف "قلب الأمة العربي"، لكنها كانت تستهدف الإسلام ككل. إنها هذه الرؤية التي أثارها بن لادن في إشاراته للحملات الصليبية، مثل فتوته المشهورة في عام 1998 التي جاء فيها:
بالرغم من الدمار الكبير الواقع على الشعب العراقي من قبل التحالف الصليبي-اليهودي، وبالرغم من عدد أولئك الذين قتلوا، الذين زادوا عن المليون ... بالرغم من كل هذا، يحاول الأمريكيون من جديد تكرار المذابح المرعبة، كما هو معتقد لديهم أنهم ليسوا محتوى مع الحصار المطول المفروض بعد حرب طاحنة، أو التقسيم والتدمير. لذلك جاءوا إلى هنا ليبيدوا ما بقي من هؤلاء البشر ولإخضاع وإذلال جيرانهم المسلمين.
وبينما قد يروق تأويل بن لادن المتطرف والتهويلي للحملات الصليبية بشكل كبير لدى الأصوليين، ثمة تأويلات وتبريرات أخرى، تقتبس سياقها من الموروثات بكافة أنواعها وكانت تستهدف أشكال وأنماط أخرى، تبدو جيدة ومقبولة لدى من يشار إليهم بالمعتدلين العرب. ومن وجهة نظر الكثيرين من العرب، تخوض حماس حرباً من أجل التحرير، وتم خلط الإشارات القومية والدينية المتعلقة بالحملة الصليبية مثل تلك الموجودة في ميثاق حماس، وإذا لم يكن عليهم وضع هذه الأطر، هل يمكن اعتبار هذه الأمور مشروعة بشكل تام. إن التصورات العربية الحديثة للحروب الصليبية ليست بشأن الخسارة بشكل تام، لكن الميزان الحالي للقوة النسبية لا يعير هواء تثبيط الهمم. ويتم تخيل الخبرة الحالية كنتيجة نهائية لخبرات وتجارب الحملات الصليبية. وبالرغم من الخروج النهائي للحملات الصليبية، يصير الأمر فكرة "نتائج غير متكافئة أو غير متعادلة توضح الحقائق الحالية" التي تجعل من الحملات الصليبية هزيمة. ومن وجهة النظر الأصولية، يتمثل التثبيط الكبير للعهد الحديث في أن المسلمين لا زالوا يزالون كم إسلام الراشدين. وبالنسبة للقوميين، الأمر أن العالم العربي أضحى غير قادر على تحقيق وبناء جبهة مشتركة وموحدة ضد الغازي. وعلى أي حال، يشبه الموقف الحالي ذلك الموقف الذي كان قائماً أيام انتصارات الحروب الصليبية بعد الغزو، ليس موقف أيام التحدي لخروج الصليبيين. لذلك يتم تخيل الحروب الصليبية في الوقت الحاضر على أنها هزيمة تثبط الهمم.