المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : Back to Balancing in the Middle East



محمديوسف
19/09/2008, 06:57 AM
عنوان الدراسة:

Back to Balancing in the Middle East

A New Strategy for Constructive Engagement



العودة إلى التوازن في الشرق الأوسط

تأليف

مارتن إنديك

و

تمارا كوفمان ويتس

ترجمة: محمد يوسف محمد المحمودي (أبو مريم ويوسف)












ملخص
إن التصدع الجديد بين السنة والشيعة والانخفاض في النفوذ الأمريكي يشكل تحدياً لسياسة الشرق الأوسط للرئيس القادم. ويقتضي هذا التحدي كلاً من العودة إلى دبلوماسية توازن القوى وموازنة أفضل للمصالح والقيم لاحتواء الحرب الأهلية في العراق، تعزيز قوى الاعتدال ومنع إيران من أن تصبح دولة نووية وتعزيز الإصلاح الديمقراطي.
ويمتد القوس المتنامي للنفوذ الإيراني من طهران عبر بغداد، دمشق وبيروت. وقد اكتسب الراديكاليون في ظل هذا القوس القوة من خلال استغلال أخطاء الولايات المتحدة – عدم فعاليتها في العراق، فك ارتباطها من عملية السلام العربية-الإسرائيلية، الأمر الذي مكن القوى المعادية للديمقراطية من اكتساب القوة والنفوذ من خلال الانتخابات، والعجز عن وقف سعي إيران للحصول على أسلحة نووية. لكن الحد الفاصل في المنطقة ليس صراعاً بسيطاً بين المتطرفين والمعتدلين، أو حتى بين السنة والشيعة.
ولأن الولايات المتحدة لم تعد مهيمنة على المنطقة، لن يكون هناك خيار أمام الرئيس الآخر سوى العودة إلى دبلوماسية ميزان القوى. وبإدراك تعقيد ولاءات العرب، ستكون الولايات المتحدة في حاجة إلى تقوية وإدامة تحالف المعتدلين الذي يمكن أن يواجه الطموحات الإقليمية لإيران. وينبغي أن تشتمل الاستراتيجية الأمريكية على هذه العناصر:
· مسعى متجدد في اتجاه المصالحة العربية-الإسرائيلية، ربما أدى أيضاً إلى فصل النظام السوري عن إيران.
· احتواء آثار اندلاع حرب أهلية في العراق.
· إجراء مفاوضات مع إيران في محاولة للحد من طموحاتها النووية، بما في ذلك التعهد الثنائي بين الطرفين بمعالجة مشاكل الحدود.
· عمل ترتيبات وتسويات أمنية إقليمية لاحتواء التهديد الإيراني ومع حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وإذا ما كان ضرورياً، حماية حلفائنا تحت مظلة نووية.
· وضع أجندة إصلاح اقتصادي تساعد على إيجاد عقد اجتماعي جديد بين الحكومات العربية ومواطنيها.
· في الدول الأقل أمناً، التأكيد على بناء مؤسسات ديمقراطية أكثر من إجراء انتخابات ديمقراطية.
السياق
عندما شرح الرئيس بوش استراتيجيته الجديدة لزيادة القوات في العراق للشعب في يناير 2007، قام بوش بتعريف التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة، والذي يبرز عبر الشرق الأوسط الكبير كصراع أيدلوجي حاسم ومصيري في عصرنا. فمن ناحية يوجد هناك من يعتقدون في الحرية والاعتدال. وعلى الجانب الآخر، يوجد هناك المتطرفون الذين يقتلون الأبرياء ويعلنون عن نيتهم بتدمير طريقتنا في الحياة."
إن المشكلة مع هذا الوضع للصراع بين الخير والشر، ما ينطبق على الصراعات التي تدمر الشرق الأوسط، هي أنه لا يصف ولا يوضح الصراع الحاسم كما ينظر إليه من قبل اللاعبين الإقليميين. فإذا ما كان الرئيس القادم سيقوم بوضع استراتيجية أكثر فعالية وقوة لحماية وتعزيز المصالح الأمريكية، عندها سيكون/ستكون في حاجة للبدء بتقييم أكثر دقة لما يحدث هناك، ومن بعدها يحدد ما الذي يمكن أو ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة بشأن الأمر.
اتجاهات إقليمية
سيكون ذلك التقييم في حاجة لأن يضع في الحسبان اتجاهين رئيسيين في المنطقة. الاتجاه الأول، الصراع الناشئ على السلطة بين الشيعة والسنة. فعلى مدار قرون، كان هذا التنافس الطائفي مندس تحت السطح. والآن انطلق بكامل قوته لأن القتل الطائفي في العراق غذى، وغُذي بواسطة، التناحر الإقليمي بين الكتلة الشيعية بقيادة إيران والدول العربية السنية بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر. وتشتمل كل كتلة على معتدلين ومتطرفين، ما يعقد بشكلٍ حاد من السعي إلى تحقيق استراتيجية أمريكية متسقة لتعزيز المعتدلين على حساب المتطرفين.
الاتجاه الثاني، القدرة المنخفضة للولايات المتحدة في التأثير والسيطرة على الأحداث في المنطقة. وقد كان النفوذ الأمريكي على أشده بعد التطبيق الناجح لاستخدام القوة: بدايةً في 1991، عندما أخرجت القوات الأمريكية جيش صدام حسين من الكويت، وبعدها في 2003، عندما أطاحت بنظامه. وقد تعاظم هذا النفوذ بانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، الذي ترك أمريكا كقوة عظمى وحيدة في العالم. والآن يتراجع نفوذ أمريكا وتتقوض هيمنتها، رغم هذا كله، إثر الفشل في العراق، القلق من الحرب في الداخل، إهمال الإدارة المصمم عليه لعملية السلام العربية-الإسرائيلية، وتوسع نفوذ روسيا والصين في المنطقة. وهذا الخسارة للسيادة والهيمنة تعني أنه سيكون على الرئيس القادم أن يعود إلى منهج توزن القوى، مع كل الشوائب والمشاكل الأخلاقية التي يدل عليها هذا المنهج. وهذا يعني أن الولايات المتحدة سيكون عليها السعي لتحقيق مناهج، بمرونة وتوافق، متعددة الجوانب والأطراف للعديد من مشاكل المنطقة.
سيواجه الرئيس الأمريكي القادم حسب ما هو محتمل، في الشرق الأوسط، موقفاً رهيباً. فمن الممكن أن تتفاقم الصراعات الأهلية في العراق، لبنان وغزة وتزعزع استقرار الدول المجاورة. ومن الممكن أن يثير عزم إيران الحثيث على التسلح النووي سباقاً للتسلح النووي. على الرغم من ذلك، من الناحية المثالية، ينبغي أن تغني الولايات المتحدة نفسها عن النفط العربي، وسيتطلب الحصول على استقلال الطاقة عقداً لتحقيقه. وفي غضون ذلك، لأن الاقتصاد العالمي سيظل يعتمد على النفط والغاز، ستبقي الولايات المتحدة على اهتمام حيوي في التدفق الحر لإمدادات الطاقة من الخليج العربي، بأسعار معقولة. وستبقي على التزام دائم وتعهد متواصل بأمن واستقرار إسرائيل والحلفاء العرب. وفي هذه الظروف، حتى لو تم سحب الجيش الأمريكي من العراق، لن يكون الانسحاب الكامل من المنطقة أمراً ممكن التحقيق.
أهداف استراتيجية
سيكون على الرئيس الأمريكي القادم أن يصوغ استراتيجية لحماية المصالح الأمريكية في وقت نشوب صراعات أكبر وانخفاض نفوذها. وينبغي تهدف هذه الاستراتيجية إلى الأهداف التالية:
1. احتواء الحرب الأهلية في العراق، لمنع الانفجار الداخلي الحادث هناك من الانفجار في صراع إقليمي أكبر.
2. تعزيز قوى الاعتدال في العالم العربي، حتى يمكنها مواجهة النفوذ الإيراني ورد تأثير الراديكاليين (المتطرفين) الإقليميين. ويتضمن هذا الأمر على عملية قوية لإعادة إطلاق عملية السلام العربية-الإسرائيلية كأساس مقوي للتحالف الفعلي والواقي بين إسرائيل وشركائها في عملية السلام ضد إيران ووكلائها.
3. منع إيران من تطوير أسلحة نووية و، إذا ما فشل ذلك، تطوير إطار عمل أمني يردع استخدامها ويتجنب سباق النووي في الشرق الأوسط.
4. السعي إلى وضع وتحقيق استراتيجية أطول مدى للتحرر الاقتصادي والسياسي الذي سيساعد على الوفاء بطموحات شعوب المنطقة، ومن ثم يقلل من جاذبية الراديكاليين في المنطقة ويساعد على ضمان استقرار الأنظمة التي تشارك الولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية.
المصالح الأمريكية والعربية: متقاربة، لكن ليست متطابقة
لقد تطلب الأمر حرباً للكشف عن الصدع الطائفي السني-الشيعي. فلبعض الوقت، كان زعماء وقادة من العرب السنة في مصر، المملكة العربية السعودية والأردن يحذرون من ظهور "هلال شيعي" ينشر نفوذه عبر المنطقة. وقد غذى انخراط العراق في حرب أهلية وسعي إيران للحصول على أسلحة نووية هذه المخاوف. لكن كان جلياً في 2006 فقط، عندما استفز حزب الله إسرائيل للمواجهة في لبنان وعندما منعت دمشق مصر من تنظيم تبادل أسرى ومعتقلين لتهدئة التوترات في غزة، أن هؤلاء القادة قد قاموا بدق نواقيس الخطر. وقد كان من غير المقبول بالنسبة لهم أن تتدخل إيران الفارسية التي تخضع منذ القديم لسيطرة الشيعة بشكل سافر في العراق، لبنان وفلسطين وتصبح حاكمة للمصالح العربية. وقد شجب هؤلاء القادة المحور الشيعي الذي ظهر في امتداده من قاعدته في طهران إلى حكومة يترأسها الشيعة في بغداد إلى نظام علوي غير سني في دمشق وصولاً إلى حزب الله في بيروت. وعندما صورت الكاميرات، عند نهاية ذلك العام، عام 2006، الحرس الشيعة يسخرون من صدام حسين عند المشنقة، بدأ الجمهور العربي السني الكبير يشارك قادته مخاوفهم.
اختلاف المفاهيم الأمريكية-العربية
من منظور واشنطن، بدا هذا الخط الفاصل أو الصدع الجديد يفصل معتدلي المنطقة عن متطرفيها. في الواقع، كانت حرب لبنان في صيف 2006 تبدو حرب بالوكالة بين مجموعتين من القوى، كل منهما تمثل رؤى لمنافسة على مستقبل الشرق الأوسط. وقد وضع كل من القائد الفعال لحزب الله، حسن نصر الله والرئيس الإيراني الشعبي، محمود أحمدي نجاد، رؤية للمنطقة تتحدد بمقاومة لا تنتهي لإسرائيل (بما يعني العنف، الإرهاب والمواجهة المتواصلة) لإسرائيل، الولايات المتحدة وقادة الوضع الحالي عبر العالم العربي. ويجادل نصر الله وأحمدي نجادل باسم القيمة التعويضية والفدائية للعنف ويقدمان وعداً زائفاً بالعدالة والكرامة لأجل العرب المذلولين بتاريخ طويل من الهزيمة على أيدي الغرب وإسرائيل. فقد كان العنف، حسب تأكيد كلٍ منهما، هو الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب بشكل أحادي من لبنان في مايو 2000 ومن غزة في أغسطس 2005. إنه التحدي، وفق قولهما، هو الذي مكن إيران من المضي في برنامجها النووي في وجه معارضة دولية تتزعمها الولايات المتحدة. ومن وجهة نظر الرجلين، مكن العنف والتحدي كل حزب الله من الوقوف بكبرياء وعزة في 2006 في وجه الجيش الإسرائيلي وقرارات مجلس الأمن الدولي الممررة بإيعاز من الولايات المتحدة.
وبالنسبة للقادة العرب السنة المعتدلين – من بينهم الرئيس المصري حسني مبارك، الملك عبد الله ملك الأردن والعاهل السعودي عبد الله، جميعهم أصدقاء للوليات المتحدة – يعتبر التحدي الذي تتزعمه إيران تهديداً بشكلٍ كبير، على مستويات متعددة. وحتى في شوارع مدن دول هؤلاء القادة، يعتبروا أقل شعبيةً من نصر الله وحمدي نجاد. وتتوحد رسالة الراديكاليين دائماً مع توبيخ وشجب دائماً للقادة العرب للاحتماء باستكانة وضعف تحت مظلة الأمن الأمريكية وإبرام صفقات مذلة ومخزية مع إسرائيل. وفي لبنان، يسعى محور إيران-سوريا-حزب الله بشكل علني إلى خلع الحكومة المعتدلة بزعامة السنة. وفي الأراضي الفلسطينية يقدم محور الشيعة الدعم الضروري والحيوي لكل من حماس وحركة الجهاد الإسلامي بفلسطين، الجماعتين الرافضتين للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يلتزم به القادة والزعماء السنة.[1] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftn1)وفي العراق، تساعد إيران وتشجع الميليشيات الشيعية على ممارسة التطهير العرقي في بغداد وجنوب العراق والتهديد بإقامة دولة شيعية فعلية على حدود المملكة العربية السعودية والكويت – مشهد تهديدي.[2] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftn2)وبشكل أكثر إزعاجاً، تسعى إيران إلى تحقيق سيادة عسكرية من خلال برنامج نووي يمكن أن يجعلها تمتلك الأسلحة النووية خلال خمس سنوات.
وباعتبار هذه المخاوف العربية، يقدم الصعود الشيعي للولايات المتحدة قدر من الفرصة. فالطريقة الوحيدة التي يمكن للقادة السنة العرب بها مواجهة محاولة إيران من أجل السيطرة الإقليمية تتمثل في تأمين وضمان عمل أمريكي يقوي الحكومة الأمريكية والرئاسة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، تعزيز ودفع عملية سلام إسرائيلية-فلسطينية فعالة، منع استيلاء إيران على السلطة في العراق، تعطيل البرنامج النووي الإيراني وتعزيز قدراتهم الأمنية.
على الرغم من ذلك، لا يشارك هؤلاء القادة العرب واشنطن في كراهيتها للمتطرفين السنة، مفضلين احتوائهم بدلاً من رؤيتهم يسقطون في الأذرع المنتظرة لإيران وحزب الله. وقد أصبحت حماس، على سبيل المثال، بشكل دائم أكثر اعتماداً على إيران في الحصول على التمويل والتدريب عندما قبل القادة العرب بتصميم إدارة بوش على وقف دعمهم للتنظيم الإسلامي المسلح. لكن مع ظهور هذا التوتر السني-الشيعي الجديد، يريد الزعماء السنة أن يخيفوا حماس من إيران ويبعدوها عنها ويعيدوها إلى جانب السنة. وبالمثل، لن يقوم القادة السنة بدعم مسعى أمريكي متجدد لقمع التمرد السني في العراق إذا ما أدى فقط إلى سيادة محررة من الأغلال للشيعة هناك. وقد ينظر القادة يتطلعون الآن في دعم مسعى جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة استقرار نظام الرئيس بشار الأسد العلوي في سوريا (العلويون أقلية في سوريا ذات الأغلبية السنية) – التكتيك الذي قد يروق لمؤيدي تغيير النظام في إدارة بوش لكنه لا يمكن أن يوقف من الدمار في قلب الشرق الأوسط.


دعم المعتدلين
سيكون التحدي الذي يواجه الرئيس القادم في تعزيز وإدامة تحالف قوى الاعتدال في الشرق الأوسط لمحاربة قوى التمرد الناشئة حديثاً والرؤية القاسية التي يمثلونها بالنسبة لمستقبل المنطقة. لكن الاستراتيجية الأمريكية ستكون في حاجة لأن تضع في الحسبان أن الحلفاء العرب الأساسيين لأمريكا لديهم أهداف مختلفة ومتباينة عن أهدافها.
استغلال الخلافات بين إيران وسوريا
ستكون المصالح الأمريكية مخدومة من خلال مسعى لاستغلال المصالح المختلفة للنظامين السوري والإيراني بشكل أفضل من محاولة الإطاحة ببشار الأسد. والنظام العلوي على وعي بموقفه الصعب والمضطرب على قمة شعب من السنة يمكن أن يصبح متململاً وغاضباَ إذا ما كان النظام يزرع نفسه على الجانب الشيعي من الخط الفاصل. وقد يوضح هذا سبب مطالبة الرئيس السوري بإجراء مفاوضات سلام مع إسرائيل، في حين يطالب الرئيس الإيراني بتدمير إسرائيل.
دعم التعددية في العراق
كذلك، ينبغي على الولايات المتحدة ألا تسعى إلى سيادة الشيعة ولا السنة في العراق، وإنما إلى إيجاد نظام متعدد قادر على حماية مصالح جميع الطوائف بالعراق. وبالرغم من أن الانخراط في حرب أهلية ربما جعل من هذا الأمر مستحلاً، لا يمكن لأمريكا أن تصبح ضالعة في مسعى لإنقاذ المتمردين السنة هناك، وكذا لا يمكنها التغاضي عن القمع للطائفة السنية المصحوب بإقامة مجال نفوذ إيراني.
العودة إلى توازن القوى
ثمة تعقيد لتحدي تطوير استراتيجية أمريكية متسقة وفعالة للشرق الأوسط تكمن في تقليص قدرة واشنطن على التأثير في الأحداث هناك. فخلال حقبة النفوذ والهيمنة الأمريكية في المنطقة من 1991 إلى 2006، كانت الولايات المتحدة قوية بما يكفي للحفاظ على مصالحها الإقليمي دون الاعتماد على توازن القوى في الخليج بين إيران والعراق. وفي السابق، كانت واشنطن تسعى إلى الحفاظ على توازن مفضل ومقبول، بدعم إيران في البداية تحت حكم الشاه وعراق صدام حسين خلال حرب الثمانينات التي شنها مع آيات الله في إيران. لقد مكنت السيادة الأمريكية المحققة بطرد جيش صدام حسين من الكويت وانهيار الاتحاد السوفييتي إدارة كلينتون من تفادي لعبة ميزان القوى بتفضيل سياسة الاحتواء لكل من إيران والعرق. وربما كان الاحتواء المزدوج قابلاً للبقاء والاستمرار، إذا ما حقق كلينتون الاختراق الذي سعى إليه فيما يتعلق بالسلام العربي-الإسرائيلي الشامل، الذي لابد وأنه سيعزل كلتا الدولتين المارقتين. لكن، بعد أن انهارت جهود كلينتون للسلام في عام 2000، اختار الرئيس بوش مسلكاً آخر. لقد أثر فشل مساعي إدارة بوش في تحويل المنطقة عبر تغيير الأنظمة والدمقرطة بشكلٍ كارثي على وضع أمريكا في المنطقة، في ثلاثة طرق:
· الأول، أدى تفسخ العراق خلال حرب العراق إلى تحول ميزان القوى لصالح إيران، في حين وجه الأمر ضربة لصورة أمريكا ذات القيم الكئود والمتضائلة.
· الثاني، جاءت معادلة الرئيس بوش للدمقرطة بالانتخابات المبكرة، حتى وإن كانت الأحزاب، المؤسسات السياسية والثقافة الديمقراطية ضعيفة، لصالح أحزاب إسلامية مثل مؤيدي مقتدى الصدر في العراق، حزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية. وبتنظيم أفضل، برسالة معادية للنظام، معادية لأمريكا وحكومة مركزية ضعيفة، كانت الأحزاب الإسلامية قادرة على استغلال الانتخابات ودخول الحكومة بميليشيات وكوادر عسكرية قوية خاصة بها. ومن هناك، نجحت هذه الأحزاب في تقويض مؤسسات الدولة في العراق، لبنان والسلطة الفلسطينية بشكل أكبر، مع دفع أجندات راديكالية ودفع هذه الدول إلى، أو ما هو أبعد من، حافة الحرب الأهلية.
· الثالث، أسهم انسحاب إدارة بوش من عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية في صعود حماس للسلطة في السلطة الفلسطينية. كما عزز قرار إسرائيل الخاص بالسعي تجاه تطبيق انسحاب أحادي الجانب من ادعاءات حماس وحزب الله أن العنف هو السبيل الوحيد لحصد مكاسب في مواجهة إسرائيل. وقد قوض كل هذا بشكل أكبر الرئيس عباس، الذي كان ملتزماً بالتفاوض على حل الدولتين مع إسرائيل. علاوة على ذلك، أقنع فشل الرئيس بوش وإخفاقه في المشاركة في أي مسعى جاد لإنهاء الانتفاضة وتعزيز حل للمسألة الفلسطينية العرب والمسلمين عبر المنطقة أن الولايات المتحدة كان تولي اهتماماً ضئيلاً بهمومهم ومشاكلهم. ومع تعقد الأمر بصور عمليات التعذيب في سجن أبو غريب وورود تقارير عن سوء المعاملة بالسجن العسكري الأمريكي في خليج جوانتنامو، أوجدت هذه التطورات شعور أكبر بالغضب من الولايات المتحدة عرض للخطر قدرة الأنظمة العربية على العمل مع واشنطن.
وفي حين تقوض النفوذ الأمريكي، كانت روسيا والصين تظهران كلاعبين مستقلين في الشرق الأوسط بطرقٍ عقدت بشكل كبير من الدبلوماسية الأمريكية. فقد أبرمت روسيا بوتين صفقات مربحة لإمداد إيران بتكنولوجيا الصواريخ والتكنولوجيا النووية. وقد تسبب اهتمام الصين بوجود خطوط آمنة لإمدادات الطاقة من إيران، أقرب جار لها من الشرق الأوسط، في جعلها غير مبالية بأمر العقوبات مثل روسيا. وتسعى كلتا الدولتين إلى بيع أسلحة في المنطقة. ولا تبدو أي منهما لتشكل تحدياً أساسياً للسيادة الأمريكية في الخليج، وكل منهما سعيدة برؤية أمريكا غارقة في الالتزامات الأمنية بينما يقومان بتأمين علاقات التجارة والطاقة المفضلة لديهما. وبكونهما غير مقيدتين بأمريكا الآخذة في الضعف، قامت روسيا والصين بشكل واضح بتقويض المسعى الجاد المدفوع من قبل إدارة بوش فيما يخص استخدام الدبلوماسية لتحقيق أحد أهدافها في الشرق الأوسط: تعطيل البرنامج النووي الإيراني.
الأجندة الدبلوماسية
إن تبعات تقلص النفوذ الأمريكي هي أن الولايات المتحدة تجد نفسها الآن في وضع الطالب. لم يعد بمقدورنا التصميم، حسب ما توضحه تصريحات بوش، أنك "إما معنا وإما علينا." ومع إدراك حدود القوة العسكرية – التي اتضحت في العراق وفي تجربة إسرائيل في جنوب لبنان في صيف 2006 – صارت الولايات المتحدة مجبرة على التحول إلى الدبلوماسية. لكن، هي تقوم بذلك عندما يكون خصومها وأعداؤها في الشرق الأوسط أقل خوفاً من القوة الأمريكية ويرون حاجة أقل لتأييد أمريكا، وفي حين لم يعد حلفاؤها واثقين من أن أمريكا شريك يمكن الاعتماد عليه. وهذا هو السبب في إمكانية أن ترفض إيران عرض وزيرة الخارجية الأمريكية رايس بالتفاوض بشأن البرنامج النووي وتسخر من العقوبات الضعيفة التي تفرضها الأمم المتحدة نتيجة لذلك.[3] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftn3) وهذا هو السبب من وراء سعي السعوديين، في حين أن الرئيس يهاجم إيران ويحاول أن يوقف المساعدات الدولية إلى حكومة حماس، إلى العمل مع إيران بنزع فتيل الأزمة في لبنان وحماس لنزع فتيل الأزمة في غزة.
بناء تحالف شرق أوسطي معتدل
يجب أن تبقي الولايات المتحدة الآن على منهج توازن القوى في المنطقة، ببناء تحالف مضاد لتحالف إيران-سوريا-شيعة العراق-حزب الله وتصويب الموازين التي تميل لصالح إيران وهو الأمر الذي كان نتيجة غير مقصودة لسوء التدبير والبلايا في العراق. وكما كان الحال من قبل، سيضع هذا المنهج الولايات المتحدة بشكل حتمي في توحد مع حلفاء غير مألوفين وغير موثوق بهم، مما يوجد مشاكل أخلاقية ولاتوافقات وتضاربات سياسية. وستحظى الإدارة القادمة برفاهية البقاء فوق النزاع ومطالبة الأطراف الفاعلة المحلية بالقراءة من الورقة الأمريكية.
نهج الدبلوماسية مع إيران
بالضرورة، سيكون المجالان الرئيسيان للنشاط الدبلوماسي في السعي لوقف البرامج النووية الإيرانية ومحاولة إحياء عملية سلام عربية-إسرائيلية ذات معنى. وبالرغم من أن مسعى الوزيرة رايس لعامين للضغط على إيران لتعليق تخصيبها اليورانيوم قد أدى فقط إلى قرار فرض عقوبات أممية ضعيفة ودون تعليق لبرنامج إيران النووي، لم تأخذ الدبلوماسية مسارها بأي وسيلة. إن التصويت بالإجماع في مجلس الأمن، موصولاً بالتهديد بعقوبات أكبر، قد أثار نقداً جماهيرياً عاماً داخل منهج المواجهة الذي يتبناه أحمدي نجاد. إن سمة العزلة الدولية التي تصاحب العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة، بالرغم من أنها قد تكون ضعيفة، لا تتوافق بشكلٍ جيد مع الغرور الفارسي. كما أن المواجهة مع المجتمع الدولي ليس مرحباً بها من قبل الزعماء الأكثر حصافة في إيران. وعليه، ربما أصبح أولئك الإيرانيون الذين يجادلون ويطالبون بمنهج "تسلل" أكثر تطوراً للحصول على الأسلحة النووية، مصمم مجدداً لإبعاد أمريكا عن شركائها الأوروبيين، الروس والصينيين، في حالة من زيادة السلطة والصعود من جديد. فإذا ما نجحوا في الالتفاف حول أحمدي نجاد أو كبح جماحه، ربما يتم تعليق مساعي إيران للتخصيب بشكلٍ مؤقت ويمكن استئناف المفاوضات. وإذا ما استؤنفت المفاوضات، ينبغي أن تصمم أمريكا على ألا تكون المحادثات مقصورة على الملف النووي، لأن هناك الكثير جداً من الجوانب المقلقة الأخرى في السلوك الإيراني تحتاج لأن تعالج: دعم الميليشيات الشيعية في العراق؛ رعاية الإرهاب؛ التدخل في لبنان ومعارضة إسرائيل وعملية السلام، وقد ذكرنا القليل. وينبغي أن تكون المفاوضات ثنائية، ليست متعددة الأطراف، باعتبار أن شركاء أمريكا الآخرين في التفاوض، بكل أسف، سيقبلوا دائماً بأقل سعر للتسوية.
عودة المشاركة في الدبلوماسية العربية-الإسرائيلية
في الميدان الدبلوماسي العربي-الإسرائيلي، يوفر التهديد الإيراني حافزاً جديداً للتقدم، لان القادة من الإسرائيليين والعرب السنة يتبادلون الآن اهتماماً في إظهار أن المفاوضات يمكن أن تعمل بشكل أفضل من المقاومة. إن مشاركة الدول العربية، عبر المبادرة السعودية، يمكن أن يعطي دفعة للرئيس عباس وحافزاً للإسرائيليين الباحثين عن شريك عربي يمكن الوثوق به. وتعتبر رغبة القادة الإسرائيليين والفلسطينيين على مناقشة "أفق سياسي" يحدد عناصر الاتفاق النهائي تطوراً إيجابياً، ما دام سيعطي كلا الجانبين إعادة تأكيد أكبر بشأن لعبة النهاية، نظراً لأن الأمر يتطلب خطوات مؤقتة لبناء الثقة في الشراكة من أجل السلام.
هنا، أيضاً، ساعد التهديد الإيراني على دفع العملية، نظراً لأن المعتدلين الفلسطينيين قلقين ومهتمين بشأن التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية (من خلال دعم حماس وحركة الجهاد الإسلامي) نفس قدر قلق إسرائيل من تهديدات أحمدي نجاد النووية. ومع استفادة أمريكا من هذه الظروف واستغلالها لها من خلال مشاركة مستدامة في الدبلوماسية العربية-الإسرائيلية، ستكون أمريكا في حاجة لأن تكون واقعية بشأن العقبات التي تواجه التقدم. فبعد ست سنوات من الإهمال لعملية السلام، يترك الفلسطينيون مع مؤسسات منهارة ومفتتة، حكومة حماس المعارضة للوجود الإسرائيلي، ودولة إرهاب أولية فاشلة في غزة. وعلى الجانب الآخر، يوجد لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تصنيفات ودراجات تصديق أدنى من الرئيس بوش؛ إذا لم يكن أولمرت قادراً على إعادة بناء موقفه، سيتردد في خوض مخاطرات حقيقية تتأصل في التفاوض على تسوية تقضي بتفكيك أكثر من 100 مستوطنة في الضفة الغربية، اللعب بورقة القدس والاعتماد على شريك فلسطيني له قدرة محل شك للقيام والاضطلاع بأي التزام.
بالرغم من ذلك، يمكن أن تساعد العملية الدبلوماسية على إعادة قطار السلام إلى مساره والتحرك للأمام، إذا كان:
· يركز على إعادة بناء قدرات اقتصادية وأمنية فلسطينية (بدايةً، من خلال تأسيس وإقامة رئاسة فلسطينية).
· يحدد أفق سياسي للفلسطينيين والإسرائيليين للانخراط والتصالح مع الدول العربية، وستعزز هذه العملية الوضع الأمريكي وتجعل من السهل على القادة الأمريكيين التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل وتزيد من عزلة إيران. وستضغط هذه العملية على سوريا للانضمام إلى العملية أو مواجهة عزلة مشابهة.
احتواء تأثير فوضى العراق وصعود إيران
لتكون قوية وفاعلة، تحتاج الدبلوماسية الأمريكية لأن تكون مدعومة باستراتيجية أمنية تدعم حلفاء أمريكا الإقليميين في وجه التهديدات المجمعة لتنامي وزيادة زعزعة الاستقرار وسباق التسلح النووي المحتمل. ويوجد لدى الولايات المتحدة بالفعل شراكات أمنية قوية مع إسرائيل، مصر، المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، وهم شركاؤنا في تحالف فعلي وقائم ضد الطموحات الإيرانية. وللحفاظ على أمن شركائنا، يجب أن ندير الآن بشكلٍ ناجح التحديات المتمثلة في دخول العراق في حرب أهلية وسعي إيران للحصول على أسلحة نووية.
تحتاج الولايات إلى تطوير استراتيجية احتواء لمنع الانفجار الداخلي في العراق من الانفجار إلى حريق إقليمي هائل. ومن الممكن أن تزعزع الحرب الأهلية في العراق بكل سهولة استقرار الدول المجاورة للعراق: ويمكن أن تقرر تركيا، إيران والمملكة العربية السعودية التدخل في الحرب الأهلية، ومن الممكن تغمر تدفقات اللاجئين الأردن والكويت من بين الدول الأخرى. وسيتطلب احتواء الحرب الأهلية الحفاظ على وجود القوات الأمريكية في المحيط الخارجي للعراق، بأعداد منخفضة على الأرجح، لبعض الوقت القادم.
توسيع الاتفاقيات الأمنية
إن عزم إيران على مواصلة برنامجها النووي تثير بالفعل استعدادات إسرائيل للقيام بضربة استباقية ممكنة واستعدادات الدول العربية المجاورة لإيران في اتجاه إيجاد برامج نووية خاصة بها. فإذا ما فشلت الدبلوماسية في استئصال برنامج إيران النووي، ربما يكون على أمريكا اللجوء إلى ضربة استباقية من نوع ما. على الأفضل، رغم هذا كله، ستؤخر هذه الضربة فحسب من حصول إيران على الأسلحة النووية، ولن تكون الضربة وحدها كافية على منع سباق التسلح النووي الإقليمي. ينبغي أن يدخل الرئيس القادم في مناقشات مع حلفاء أمريكا الإقليميين – إسرائيل، مصر، الأردن ومجلس التعاون الخليجي – لتطوير اتفاقيات أمنية توسع وتمد المظلة النووية الأمريكية إليهم في مقابل التزامهم بأعمال تعزز هذا التحالف الفعلي (مثل الدعم المشاهد والمدرك لصنع السلام العربي-الإسرائيلي، الإصلاح الداخلي والتعاون الأمني). وستكون الأغراض والأهداف لمنع سبق التسلح النووي ومنع وردع أي اعتداء نووي إيراني. وبالرغم من أن هذا الإطار الأمني على شاكلة الناتو بالنسبة للشرق الأوسط سيكون مثيراً للجدل في الداخل، إلا أنه سيكون غير ممكن تفاديه إذا ما فشلت الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
تعزيز الإصلاحات الديمقراطية
في صياغة استراتيجية أمريكية فعلية جديدة للشرق الأوسط، سيكون من السهل هجر ونبذ مساعي وجهود إدارة بوش الخاصة بدفع الديمقراطية العربية. وفي نهاية المطاف، يعتبر القادة والزعماء السنة ذوي الأنظمة التي تسعى أمريكا إلى تحريرها هم أولئك الذين يعتبر دعمهم هو الأكثر ضرورة لإفساد محاولة إيران من أجل الاستقلال. كيف يمكن، بعدها، أن نصمم على أن نقوم بإصلاحات سياسية واقتصادية تزعزع الاستقرار في الأساس؟
استخدام الإقناع لنظهر للمعتدلين أن عليهم الإصلاح
تعلمنا الخبرة القاسية أن قمع الراديكاليين بالدولة لا يزيل التهديد الذي يمثلوه، في المقابل، يدفع القمع في دولة ما الراديكاليين غالباً إلى ملاذ ومعاقل أكثر أمناً يمكنهم منها أن يوقعوا أضراراً أكثر هولاً وأذى. وتكمن جاذبية الراديكالية الإسلامية في أيدلوجيتها للمقاومة الثورية للترنح والمعاناة في الكثير من المجتمعات العربية في الوقت الحاضر. وتتطلب مواجهة تلك الأيدلوجية رؤية ايجابية بديلة للمستقبل، المستقبل الذي توفر فيه قيم الاعتدال، التسامح والسلام مكاسب وفرص أكثر من المقاومة والعنف.
ولتهميش الرافضين الراديكاليين، يجب أن تشتمل هذه الرؤية على بشائر وتطلعات لتحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية. لكن يجب أن تمد هذه الرؤية أيضاً غالبية العرب خارج فلسطين بفرصة لصياغة وتشكيل مستقبلهم. ويمكن الوفاء بهذا الوعد فقط من خلال إصلاحات سياسية، اقتصادية واجتماعية بعيدة التأثير توجد عقداً اجتماعياً جديداً بين الحكومات العربية ومواطنيها.
ويشعر القادة العرب بشكلٍ حاد وقوي بالتهديدات من الإسلام الراديكالي داخل مجتمعاتهم. وقد أوجد الفساد، عدم الفعالية والمحسوبية والمحاباة المتأصلة في الأنظمة المعتدلة ترنح اقتصادي وعجز متزايد عن القيام بخدمات حكومية أساسية للسكان. ويرتكز الإسلاميون على هذا الفشل والإخفاق مع الشبكات الخيرية التي توفر رفاهية اجتماعية قوية وفعالة للمحتاجين. علاوة على ذلك، على مدى عقود، كانت الحركات الإسلامية في الأردن، مصر والدول الأخرى الحليفة للولايات المتحدة تقيم بشكل دائم جذورها وشعبيتها من خلال مهاجمة سلبيات هذه الأنظمة في مواجهة السياسات الأمريكية والإسرائيلية التي توصف بشكل سلبي. وتستفيد هذه الحركات من النجاح الواضح لحسن نصر الله وأحمدي نجاد. وكذلك، يكرر الإسلاميون المحليون المنتقدون لأداء النظام في الداخل والخارج تصريحات وأقاويل مطروحة من قبل حزب الله وإيران.
في هذه البيئة، ينبغي أن يكون هناك صدى للمساعي الأمريكية الخاصة بإقناع القادة العرب بالحاجة إلى الإصلاح؛ المهمة ليست بالصعوبة التي تبدو عليها. ويدرك القادة والزعماء بشكلٍ كبير أن الحجم الكبير لفئة الشباب غير المستريح والمستاء من أداء الأنظمة في العالم العربي في الوقت الحاضر يضيف إلى المطالب القاسية للاقتصاد المتعولم بإنتاج توقعات وآمال كبرى. فهناك أكثر من نصف سكان العالم العربي دون سن الثلاثين. وفي حين أن الحكام الحاليين يمكنهم أن يظلوا في تلاعبهم بالمؤسسات السياسية، يشترون الدعم بموارد حكومية ويستدعون قوات الأمن لديهم عندما يفشل ما عداها، تواجه قدرتهم على مواصلة لعب هذه اللعبة تحدياً بشكلٍ متزايد. بزيادة القمع، يتعرضون لمخاطر كبرى بتنفير مؤيديهم. ومن خلال الاعتماد بشكل أساسي على الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي، يمكن أن يفسدوا صورتهم كمدافعين عن الإسلام ومصالح العرب.
بالنسبة للآن، رغم هذا كله، تعتقد الأنظمة العربية أن الطريقة الفضلى لإقصاء وإزالة التهديد القادم من حركات المعارضة الإسلامية المحلية هي العمل على تسوية الصراعات الإقليمية مثل العراق، لبنان وفلسطين، بإراحتهم من عبء معالجة والتعاطي مع الهموم المحلية. وفي حين ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل معهم على تسوية الصراعات، يحتاج الرئيس القادم أيضاً إلى مساعدتهم على فهم أن أفضل عازل وواقي للآثار مزعزعة الاستقرار للحركات الإسلامية المحلية هو إصلاح العقد الاجتماعي البالي والمنهك بين المواطنين والدولة.
جعل الإصلاح أساس للشراكة
لتخليص الحكام العرب من هذه المشكلة، ولجعلهم قادرين على البقاء والاستمرار والعمل بشكل فاعل وقوي في مواجهة المحور الراديكالي في المنطقة، يجب أن يعتمد التعاون الأمريكي العربي على أساس جديد للشراكة بين الولايات المتحدة، الحكومات العربية المعتدلة ومواطنيهم المعتدلين في الغالب – شراكة موضوعة ومصممة لإيجاد مستقبل أفضل للشعوب وللشرق الأوسط.
تقديم الدعم المادي للإصلاح
سيأتي الإصلاح فقط من خلال رغبة الأنظمة العربية في تبني والقيام بتغييرات ضرورية. ولا يوجد لدينا بديل خلاف العمل معها. وينبغي أن تكون القاعدة الأمريكية للحد من مخاطر وخسائر الاضطلاع بإصلاحات أساسية، طال تأجيلها من خلال حوافز مادية، وضع إجراءات مشددة وعقبات وحوار.
· مع توقع وقف المساعدات الاقتصادية لمصر بعد 2008، يمكن أن تقدم المساعدات الجديدة عبر "حساب تحدي الديمقراطية" حوافز للدول العربية الراغبة في خوض المخاطر لأجل الإصلاح.
· لا يخشى النشطاء والساسة الديمقراطيون في العالم العربي من "قبلة الموت" الأمريكية، وإنما يخشون من التخلي الأمريكي عنهم. ومثلما فعلنا في كوريا الجنوبية والفلبين، ينبغي أن تقدم الحكومة الأمريكية دعماَ مشاهداً لحركات الديمقراطية في حين تبقي على علاقات رسمية طيبة مع الحكومات العربية.
اختبار رغبة الإسلاميين في الاعتدال
في ظل الأوضاع والظروف الحالية، ستكون الحركات الإسلامية هي المستفيد الأول من أي انفراجات وفرص سياسية جديدة. لكن الحريات السياسية الأوسع ستسمح للأصوات غير الإسلامية البديلة بالنشوء والظهور وإجبار الحركات الإسلامية على إعلان أجنداتها السياسية. إذا ما كانوا يؤيدون أعمال ورؤى راديكالية أو إذا ما كانوا يسعون إلى العنف أو طرق أخرى معادية للديمقراطية، سيصبحون أهدافاً مشروعة لعمليات الدولة وحسب تصرفها. ورغم تشجيع وتأييد مثل هذه الإجراءات الصارمة، ينبغي ألا نقبل بأي عذر للنشاط الإسلامي الراديكالي من أجل تمثيل جميع المنشقين. ويمكن أن تدعم الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات صارمة وقاسية ضد حركات المعارضة المحلية، إذا أظهرت فقط عدم مسئولة سياسية – وعندما تتواجد بدائل الاعتدال.
في الشرق الأوسط، يعتبر زرع الاعتدال وإقامته أمر ضروري لإقامة وبناء الديمقراطية، وتعتبر إقامة الديمقراطية أمر ضروري لبناء وإقامة الاعتدال. فإذا ما كانت الانفراجات والفتحات السياسية ينظر إليها على أنها نافذة تطل على الأوتوقراطية، عندها سيكون المعتدلون بلا مصداقية ولا ثقة، بينما ستزداد شعبية الراديكاليين.
التركيز على أقوى حلفائنا أولاً
تتطلب إقامة الاعتدال والديمقراطية معاً تركيز مساعي تعزيز الديمقراطية على تلك المجتمعات – مثل حلفائنا في مصر، المغرب والأردن – مع حكومات قوية، قادرة وحركات إسلامية محلية "وديعة" نسبياً.[4] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftn4)وفي مثل هذه المجتمعات، تعتبر المخاوف الأمنية الحالية والعاجلة أقل لكل من الحكومة والمواطنين؛ إذ أن الحجج الراديكالية لديها السيطرة الأضعف ويوجد لدى الإسلاميين الحافز الأكبر لأن تبقى سلمية ومعتدلة في مقابل القدر على لعب دوراً عاماً في السياسة والمجتمع. هناك، تعتبر الأنظمة قوية بما يكفي لتسمح بحرية التعبير والتجمع، في حين يكون المواطنون منفتحين على بدائل معتدلة للراديكالية الإسلامية. وفي الدول الأكثر ضعفاً، مثل لبنان، فلسطين والعراق، ينبغي أن تكون الأولوية موجهة لبناء الدولة بدلاً من تعزيز الديمقراطية. وفي هذه الإعدادات، فقط عندما يتم ضمان الأمن الطائفي والمجتمعي من قبل مؤسسات محايدة ويمكن الاعتماد عليها بالدولة، سيفقد تسلح الراديكاليين حجته ودعواه بشأن الولاء العام.
ستكون الولايات المتحدة في حاجة لأن تكون متوافقة وصريحة دون تحيز مع الحلفاء العرب، معلنةً توقعات وتطلعات بشأن أولويات وسياسات الإصلاح وتكامل الإصلاح في إطار عمل للعلاقات الثنائية كشرط أولي لتعاون عربي أمريكي طويل المدى، موثوق فيه ومستقر. وسيكون مطلوباً من أمريكا أن تقدم للدول العربية الكثير من الضمانات الأمنية لتفادي حدوث التبعات الضارة لفوضى العراق وطموحات إيران، وسيكون متوقعاً من الدول العربية أن تصل هذا الاستثمار الأمريكي من خلال القيام بالتغييرات اللازمة لبناء وإقامة الاستقرار الداخلي.


ملاحظات ختامية
سيواجه الرئيس القادم شرق أوسط فيه اضطرابات وجمهور أمريكي قلق من الانخراط هناك. وسيكون لعدم التواجد هناك تبعات عميقة وخطيرة للمصالح الأمنية الأمريكية في الداخل وعبر المنطقة. ولحماية هذه المصالح، سيكون على الولايات المتحدة أن تعيد ابتكار دبلوماسية مدعوة بضمانات أمنية وتهديد باستخدام القوة, في خدمة استراتيجية موضوعة لحماية حلفائها، مواجهة أعدائها وتعزيز منطقة أكثر سلماً واستقراراً بها حكومات قابلة للمساءلة أمام شعوبها.
سيتطلب هذا التحدي الهام إبداعاً، مرونة ورغبة في العمل مع شركاء قد لا تتوافق أهدافهم دائماً مع أهدافنا. سيكون علينا التخلي على الوحدة سيئة الحظ والمصير للسذاجة والأيدلوجية التي ميزت منهج إدارة بوش، لصالح واقع براجماتي يدفع القيم الأمريكية إلى التوازن مع المصالح الأمريكية.


نبذة عن المؤلف وعن المشروع
مارتين إنديك، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وهو زميل رفيع المستوى ومدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينجز. وهو خبير بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وعملية السلام العربية الإسرائيلية. وقد كان إنديك مساعداً خاصاً للرئيس كلينتون ومديراً رفيع المستوى لشؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي.
تمارا كوفمان ويتس: تدير مشروع الديمقراطية العربية والتنمية بمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط. وهي خبيرة أيضاً بعملية السلام العربية-الإسرائيلية. وقد كانت ويتس أحد المتلقين الأوائل لجائزة رابين-بيريز للسلام، الموضوعة من قبل الرئيس كلينتون في 1997. وقد عملت في قوة مهام الإصلاح العربي بمجلس العلاقات الخارجية.
يهدف مشروع الفرصة 08 أو Opportunity 08 إلى مساعدة مرشحي الرئاسة لعام 2008 والجمهور على التركيز على القضايا المهمة والحرجة التي تواجه الأمة، ما يقدم أفكاراً سياسية بشأن قطاع عريض من مسائل السياسة الخارجية والمحلية. والمشروع ملتزم بتقديم كل من حلول السياسة المستقلة ومادة خلفية عن قضايا اهتمام الناخبين والمصوتين.


موارد إضافية
Byman, Daniel, and Pollack ، أشياء تسقط جانياً: احتواء اندلاع حرب أهلية في العراق. ورقة تحليلية # 11، مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، واشنطن العاصمة، مؤسسة بروكينجز، يناير 2006.
Fuller, Graham، عامل الشباب: الديموغرافيات الجديدة بالشرق الأوسط ومدلولاتها بالنسبة للسياسة الأمريكية. مشروع عن العلاقات الأمريكية مع العلم الإسلامي. ورقة تحليلية # 3، مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، واشنطن العاصمة، مؤسسة بروكينجز، يونيو 2003.




Project on U.S. Relations with the Islamic World, Analysis


Paper #3, Saban Center for Middle East Policy. Washington, D.C.: Brookings


Institution, June 2003.

[1] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftnref1) في عام 2002، في قمة جامعة الدول العربية في بيروت، وافقت الدول العربية على مبادرة السلام التي تقدم بها الأمير عبد الله ولي العهد السعودي آنذاك، التي عرضت على إسرائيل السلام، الاعتراف بها، التطبيع وإنهاء الصراع إذا ما انسحبت من جميع الدول العربية التي احتلتها في 1967 ووافقت على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

[2] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftnref2) قامت هذه الدول السنية العربية بدعم صدام حسين خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينات لأجل غرض معلن يتمثل في منع إقامة أو تأسس نفوذ إيراني في جنوب العراق، وقد قامت المملكة العربية السعودية باستثمار 60 مليار دولار في هذا المسعى الناجح، ليتم سدادها فحسب بغزو صدام للكويت عقب أن شن على الإيرانيين هجمات ضارية.

[3] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftnref3) على النقيض من هذا السلوك الإيراني الهادئ في أعقاب الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003، عندما أوقفت إيران أشكال الأذى والتعدي في كل لحظة وفي المقابل سعت إلى "صفقة كبيرة" مع الولايات المتحدة. ويبرر رفض بوش المبادرة رد إيران على مبادرة رايس في السنوات الثلاث الأخيرة.

[4] (http://arabswata.org/forums/newthread.php?do=newthread&f=257#_ftnref4) قامت الحركات الإسلامية في هذه الدول بشكلٍ كبير بتحويل تكتيكاتها على مدار السنين بعيداً عن المعارضة العنيفة وأغلبها يعمل داخل أو ضمن خطوط حمراء موضوعة من قبل الأنظمة. لكن مع اكتساب الأصوات الراديكالية الإقليمية القوة وفقدان الأنظمة العربية للشرعية، يشعر الإسلاميون المحليون بميل أكبر لدفع حدود التذمر السلمي. فكلما طال يفاء السياسات الخانقة والضاغطة بشكل صارم، وكلما زادت البيئة الإقليمية سوءً، كلما زاد الحافز للحركات الإسلامية المحلية بالراديكالية في كل من أيدلوجياتها وعملياتها.