المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معركة بدر الخالدة دروسٌ وعبر لعراقنا الجريح ...



عبدالوهاب محمد الجبوري
19/09/2008, 03:39 PM
معركة بدر الخالدة دروسٌ وعبر لعراقنا الجريح ...

حسين الرشيد

أنَّ معركة بدر تعدُّ نموذجاً عظيماً لتلقي الدروس والعبر عامة وفيما يتعلق بعراقنا الجريح خاصة، إذ احتوت المعركة الخالدة على تفصيلات هامة، وغاية في الدقة لتجسيد حالة الدفاع عن النفس -على أقل تقدير- التي تعيشها كثير من مجتمعاتنا الإسلامية في هذه السنين العجاف، التي تتعرض فيها بلادنا ومقدساتنا وحضارتنا وقيمنا، ومن قبل كل ذلك ديننا وشريعتنا الخالدة إلى حملةِ إبادة وإن شئت فقل شطبٍ أو إلغاءٍ.. ومما لا شك فيه أنَّ العقلاء يعلمون أنَّ المسلمين مهما هزموا، وضعفت شوكتهم، وابتعدوا عن قيمهم وأخلاقهم وصفاتهم الحقيقية؛ فإنَّ عودة إلى هذا الدين الخالد تنتظرهم، ليأتي رجال يعزون الدين ويدافعون عنه بأنفسهم وأموالهم.
إنَّ مواصلة الدفاع عن كرامة الأمة تستلزم دراسة التاريخ دراسة واعية؛ وتطبيق دروسه التي انتفع منها سلفنا الصالح، خاصة تلك القرون الأولى.

الدرس الأول: الثبات والاقدام
في تعنت المشركين وعزمهم على قتال المسلمين، ورفضهم دعوة أبا سفيان عندما طلب منهم الرجوع: دليل واضح على الثبات والإقدام.. وإنَّ المشركين لا يمكن للمسلم أن يترقب فيهم أمناً ولا رحمةً، وما يجري في العراق اليوم دليل واضح على تطابق هذه الصورة، فنحن نرى أعداء الله من المحتلين لأرض الرافدين لم يألوا جهداً في قتل الأبرياء من أهالي هذا البلد الجريح.. فقد قتلوا الرجال ورموهم في الطرقات، واعتقلوا الشباب وأودعوهم في المعتقلات، واغتصبوا النساء وانتهكوا أعراضهن، وداهموا البيوت وسرقوا ممتلكاتها، وغير ذلك من الجرائم والأفاعيل الرهيبة.

الدرس الثاني: الشورى وأهميتها في تحقيق النصر
من الدروس العظيمة التي يمكن تعلمها والإفادة منها من خلال هذه المعركة الخالدة الفاصلة هو "أهمية الشورى في المجتمع الإسلامي" وخاصة في ميدان الحرب أو الدفاع عن النفس الذي يعيشه مجتمع مثل مجتمع العراق.. ومن يلحظ أحوال النبي ، صلى الله عليه وسلم، تجاه هذه الجزئية المهمة يجد أنها تجسدت في ثلاثة مواقف، وهي:
- الشورى عند تحديد الموقف من مواجهة المشركين أو عدمها
- الشورى عند اختيار مكان نزول الجيش
- الشورى في مصير أسرى المشركين والتصرف المناسب تجاههم
وهنا أود الإشارة إلى أن المجتمعات التي تعيش صراعاً مع أعداء الله -كما في العراق- لا بد وأن تدرك أهمية الشورى في تحديد المواقف الثابتة التي تعينهم -بتوفيق الله تعالى- لاختيار الموقف المناسب في مستجدات الأمور.
كما أشير إلى أنَّ من خصهم الله تعالى بقيادة أهل البلد ينبغي أن يعملوا جاهدين على مشاورة أتباعهم -وخاصة العقلاء- حتى تبرأ ذمتهم أمام الله تعالى.. وإنّ مما ننكره أن يتصرف القادة بأمور العامة دون الرجوع إليهم، وخاصة في القضايا المصيرية التي تعود بالفائدة أو الضرر على جميع أبناء البلد.. وما أصاب بلاد الرافدين ما أصابها إلا بسبب التفرد في اتخاذ القرار، فقد تصرف بعضهم تصرفاً أعطى من خلاله مشروعية للاحتلال منذ أيامه الأولى.. ودخلوا في مشاريع مشبوهة صنعها المحتل على عينه، ونفّذها عرّابوه في العراق.. وأُقر دستور العراق الجديد زوراً وبهتاناً، بزعمٍ كاذب لفَّقَهُ بعضهم بحجة تصويت أبناء العراق عليه!! ويكاد السياسيون يقرون قانون النفط -وهو ثروة البلاد الثمينة- زوراً وبهتاناً، دون الرجوع إلى الشعب أو تفويضه لهم.. والأمور تتجه نحو تطبيق مشروع الفدرالية الكارثي، الذي يسعى مقروه من خلاله تقسيم البلد وتجزئته.. واليوم يتحدثون في صفقةِ بيع البلد للأجنبي بثمنٍ بخس من خلال توقيع ما يسمى "الاتفاقية طويلة المدى" بين الاحتلال والحكومة الحالية في العراق.. كل تلك الأمور تتم في الغرف المظلمة في رحاب المنطقة الخضراء، التي أغلقها سياسيو العراق على أنفسهم، دون اكتراث بمصير البلد المجهول.
فعلى أهل العراق الجريح أن يقوموا بواجبهم على الوجه الأكمل، وعليهم أن يسعوا جاهدين لتأصيل مبدأ الشورى في حياتهم اليومية، خاصة وأنهم يعيشون في أيامٍ استثنائية، يشهدون من خلالها أنواع الظلم والأذى والفتن والمحن.. وعلى أصحاب القرار من سياسيين ودعاة وقادة ومربين أن يعملوا على إتباع النبي ، صلى الله عليه وسلم، الذي رأيناه قد استشار أصحابه -كلهم- في أول معركة فاصلة في تاريخ دعوة الإسلام.

الدرس الثالث: عوامل النصر على أعداء الله
فإنَّ النبي ، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام ما تحقق لهم النصر إلا بفعل جهود وتضحيات قدموها لله، وبالتالي فإنَّ النصر يتطلب من المسلم تقديم نفسه وماله فداء لإعلاء راية الدين وكلمة الحق.
وفي قول الباري جل جلاله: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون* وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنَّ الله مع الصابرين* ولا تكنوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط)) . جمع لكثير من أسباب نزول نصر الله جل وعلا وهي:
(1) : الثبات عند لقاء أعداء الله
إنَّ من أهم عوامل النصر على العدو هو "الثبات" أمامهم وعدم الفرار.
ومما لا ريب فيه أن المخلصين اليوم في العراق يواجهون عدواً شرساً لا يرحم، يستخدم أبشع أنواع الحقد لإلحاق الأذى بالمؤمنين، ولكن مع كل هذا فإنَّ على أهل الحق أن يثبتوا وأن لا يعطوا الدنية في دينهم؛ فإنهم على الحق وأن الله ناصرهم بلا ريب، مصداقاً لقوله جل وعلا: ((إن تنصروا الله ينصركم...)) ، ولن يخلف الله وعده.
(2) : ذكر الله عند مواجهة العدو
الذكر عند اللقاء هو العامل الثاني من عوامل النصر على العدو.. ومما لا شك فيه أن الذكر يجعل المؤمن بقربٍ من الله عز وجل، وهو في كل حال من الأحوال يجسد عمق الصلة بالله عند الشدائد الجسام التي تتمثل في ساحة المعركة، فعلى المسلم الذي يريد الله قريباً منه، أن يقترب هو من الله، بذكره، وتسبيحه، واستغفاره، واستحضار خشيته عز وجل..
وثبت في الصحيح أن الله عز وجل قال كما في الحديث القدسي أيضاً: ((أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرّب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني مشياً أتيته هرولة...)) .
فعلى أبناء العراق أن يدركوا هذا الأمر الهام، وأن يعملوا جاهدين على تطبيقه، وأن يقتربوا من الله بدوام ذكره، حتى يذكرهم الله تعالى، فينعم عليهم بالنصر القريب -بحوله وقوته عز وجل-.
(3) : طاعة الله تعالى وطاعة رسوله ، صلى الله عليه وسلم،.
إنَّ طاعة الله ورسوله جزء مهم من حياة المسلم في كل أحواله، قولاً وفعلاً، وهي في حال النـزال والجهاد آكدُ وأوجبُ.
وطاعة الله عز وجل ورسوله ، صلى الله عليه وسلم، تكون باتباع أوامرهما واجتناب نواهيهما.
ومن هنا نناشد المخلصين من أبناء الرافدين أن يكونوا أهلاً لالتزام أوامر الله تعالى وتطبيقها، والحذر - كل الحذر- من ارتكاب أي منهيٍ عنه كالاعتداء على الآمنين والأبرياء، وخاصة الأطفال والنساء.. وكذا قطع الشجر وغيرها ؛ حتى لا يعطوا أعداءنا الحاقدين والمتربصين والمتصيدين فرصة ومسوغاً للنيل من مشروع المقاومة -المشروع- في العراق.
(4) : ترك التنازع والاختلاف
إنَّ من أهم الكوارث التي تعصف بنا هو تنازعنا وتفرقنا، وليس أضر على مشروع المقاومة والممانعة، والوقوف أمام مشاريع العدو الخبيثة من مرض الفرقة والتنازع، ولهذا نهانا الله تعالى نهياً صريحاً فقال سبحانه: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم...)) ؛ فنتيجة الاختلاف الحتمية: الفشل الذريع، وتحقق الضعف الذي يستطيع عدونا أن ينفذ - من خلاله- أنى وكيف ومتى شاء.
وهنا وفي إطار هذه الجزئية المهمة أود التأكيد على أن مصير العراقيين
- وأخص العلماء والدعاة والقادة وأصحاب الشأن منهم- هو الوحدة والترابط والاصطفاف والتلاحم، وعليهم أن يدركوا أنَّ من الخيانة لأمة الإسلام، هو إغراق أهله في بحرٍ لاطمٍ من الخلافِ والشقاقِ، ثم ننسى هموم أمتنا ومآسيها، خاصة ما يمر به بلد مثل العراق الجريح.. ولهذا وجب على كل الخيرين في العراق أن ينشغلوا بتوحيد صفوف الناس، وتذكيرهم بهمومهم الكبرى، وأن يلفتوا أنظارهم وعقولهم لقضاياهم المصيرية.. وعلى علماء العراق -وهم الشريحة المهمة في نظرنا- أن يقفوا موقفاً موحداً، وأن ينبذوا ويحذّروا من مشاريع التشتيت والطائفية والتمزق، وتعدد الواجهات التي تضيع وراءها جهود الشرفاء، وتضعف أمامها شوكتهم، فيكونوا لقمة سائغة في فمِ عدوهم.. وليذكروا قول النبي، صلى الله عليه وسلم،: ((يد الله مع الجماعة)) وزاد في رواية: ((فإنَّ الشيطان مع من فارق الجماعة يركض)) .
إنَّ ما نشاهده اليوم في العراق من تفرق كبير بين علمائه ودعاته، ورفع راياتٍ متعددة، وتأسيس واجهات بأسماء وأشكال متنوعة، تعدُّ نذير تفرق مذموم، قد يفضي - في نهاية المشوار- إلى إضعاف شوكة أنصار الله تجاه عدوهم.
وكم يتألم المتابع أن يرى علماء العراق قد ركبوا سفن مختلفة بعد أن عملت أطرافاً عديدة على بث روح الخلاف والشقاق بينهم، بل وراهنت على تفرقتهم، وتشتيت جهودهم.. وهنا لا بد لكل داعية من دعاة العراق أن يعلم أن مصيرهم وقدرهم في الوحدة والترابط والتشاور والتحاور، وتحديد المصير، في ظل هذه الحملة الشرسة التي تستهدف الخيرين من أبناء هذا البلد الجريح.. وعليهم أن يدركوا أيضاً أن مشاريع كثيرة مشبوهة تلاحقهم، وتكاد تجرف الكثير منهم، إن لم تكن جرفت بعضهم!!
ولا ينبغي بحالٍ من الأحوال أن يكون عالم الشريعة وداعية الإسلام جزءاً من مشروع سياسي مشبوه، أو جهةٍ لا يعرف من يدعمها أو يقف وراءها، وبالتالي فهي غير واضحة المعالم والسلوك.. ((ولكم في رسول الله أسوة حسنة)).
وهنا أود التأكيد على مسألة مهمة جداً، وهي أن أبناء البلد بدءوا يفقدون الثقة بكثير من علمائهم، وأصبح المشهد في العراق اليوم - كما أراه- وكأنَّ أزمة حقيقة بين الدعاة والجماهير، نتيجة التفرق الملحوظ الذي نشاهده في ساحة العلماء والدعاة.
إن عراقنا الجريح يذبح من الوريد إلى الوريد، وكثير من علمائنا -عدا من غادر للضرورة الملحة- يقبعون في دول الجوار، وتسعى كل عصبة منهم لتأسيس كتلة يسمونها بأسماء مختلفة، حتى أصبحت الغاية العظمى عند بعضهم طلب الزعامة، وحب الرياسة.. وتركوا البلد يذبح من قبل أعداء الله الحاقدين، الذين يفرحهم أكثر ما يفرحهم هذا المشهد الذي طالما تمنوه -أعني تفرق علماء البلد وتشتت جهودهم-.
وفي مقالة قيمة كتبتها إدارة تحرير ((مجلة البيان)) الغراء بعنوان ((من لقيادة العرب السنة في العراق)) بعددها (237)، أشارت فيها إلى جزئيات تتعلق بهذه المسألة المهمة، وجسّدت ذلك الخوف الرهيب الذي يطال أبناء العالم الإسلامي نتيجة تفرق علماء العراق، وتشتت جهودهم، وجاء في المقال ما نصه: ((كانت الإستراتيجية المتبعة في تفريق العرب السنة ماكرة: جذب أحد الأطراف إلى العملية السياسية حتى ينغمس فيها، وترك الطرف الآخر يتجه إلى أقصى خانة المعارضة للاحتلال الأمريكي، وكانت النتيجة أنَّ الطرف الأول يرفض انسحاباً فورياً للاحتلال، بينما ينادي به الطرف الثاني، وتفرق الرأي العام العراقي السني بينهما، وأدّى الخلاف إلى إضعافِ هيبة العلماء وقوة مرجعيتهم، بعد أن علقت الجماهير عليهم آمالاً عريضة...)).
وجاء في المقالة أيضاً: ((إنَّ ذهاب قوة العرب السنة يكمنُ في تنازعهم وتفرقهم، وتمكّنهم وصمودهم فرع عن توحدهم وترابطهم، هذا هو موطن القوة الرئيس، وبغير ذلك فإنَّ خطاب العرب السنة في العراق، وسلوكهم وأداءهم المقاوم والسياسي، سوف يلتقي في جوانب كثيرة منه مع المصالح الأمريكية؛ فواشنطن لا تريد استقراراً سياسياً أو أمنياً مطلقاً في العراق، فهي تريد من عمل المقاومة قدر ما يسوّغ بقاءها وخطها الأمني، وتريد من الأحزاب السياسية تغطية سياساتها وإبراز العراق كنموذج سياسي ناجح في المنطقة، وإذا توجهت جهود هؤلاء وأولئك في جزء كبير من بعضهم ضد بعض، كان ذلك بمثابة الجائزة الكبرى للاحتلال، لكن عندما تتلاشى الاشتباكات والصراعات العرضية، وتتركز الجهود كلها على هدفٍ أو أهداف واحدة؛ فإنَّ أيام الاحتلال في العراق تصبح معدودة)).
(5) : الصبر عند لقاء الأعداء
إنَّ الصبر يعدُّ من أهم عوامل الثبات الذي يعود على صاحبه بالفوز والظفر، وجاء في جزء الآية الكريمة التي تحدثت على وجوب الصبر؛ لتحقيق النصر: ((واصبروا إنَّ الله مع الصابرين)) ؛ فمن صبر فقد ربح معية الله تعالى.. ومن كان الله معه، فإنه لا يصيبه حيفٌ ولا ضيم.. فلا يغلب ولا يقهر.. ومن هنا جاء قول النبي الأكرم ، صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه: ((وإن النصر مع الصبر...)) .
ولما كان المسلم قد ينال من خلال لقائه العدو ما لا يرغب -باعتبار بشريته- كالموت أو الجرح أو ما شابه ذلك؛ فإنّه من المناسب أن يأمره الله تعالى بالصبر، حتى يصل إلى هدفه وغايته العظمى وهي النصر على الأعداء.
وبالتالي فإنَّ على العراقيين -الذين يصيبهم الأذى وأنواع الحقد والظلم من قبل عدوهم الماكر- الصبر والتحمل، وعليهم أن يحتسبوا تحمل الأذى أجراً جزيلاً عند الله عز وجل.
(6) : الإخلاص في العمل
إنَّ أي عمل من أجل أن تتحقق فيه صفة القبول ورضا الله عز وجل، لا بد أن يمتاز بميزتين، لا غنى لكل عمل مقبول عنهما:
- أن يكون خالصاً لله عز وجل
- وأن يكون موافقاً لشرعه الحنيف .أي أن يكون مطابقاً لأوامر الله تعالى التزاماً وتحقيقاً، مضافاً إليها الكف عن حرمات الله تعالى انتهاءً.. وقد أشرنا إلى هذا قبل قليل.
والإخلاص يتحقق بخلوه من الشرك والرياء، ويتم بقصد الله عز وجل بالعمل دون غيره من المخلوقات، لأنَّ الله تعالى لا يقبل عملاً من العبد إذا أشرك فيه مع الله أحداً، مصداقاً لقوله تعالى: ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين...)) .
وهنا ننبه أهل العراق الغيارى إلى ضرورة قصد الله تعالى دون غيره، والكف عن الرياء في الأعمال والأقوال، لا سيما في الأعمال التي كثيراً ما يدخلها أو يتسلق إليها داء الشرك والرياء مثل ((الجهاد في سبيل الله))؛ فإنَّ النبي ، صلى الله عليه وسلم، أخبر -فيما رواه الإمام أحمد في مسنده-: أنه يؤتى بالمقاتل يوم القيامة، فيقول: يا رب قاتلتُ في سبيلك، فيقال له: كذبت، قاتلت ليقال عنك شجاع، وقد قيل!! خذوه إلى النار.

الدرس الرابع: البحث عن النصر الإلهي
إنَّ من أهم الدروس التي يمكن أن نتعلمها من خلال هذه المعركة العظيمة أيضاً، هو أنَّ النصر هبةٌ من الله عز وجل لعباده المخلصين؛ فإنَّ الباري جل جلاله إذا أراد أن ينصر عباده هيأ لهم أدوات هذا النصر، مادية كانت أو معنوية.. فالنصر من الله بلا ريب، مصداقاً لقوله تعالى: ((وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم)) وقال تعالى: ((وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إنَّ الله عزيز حكيم)) .
وقال تعالى: ((فلم تقتلوه ولكنَّ الله قتلهم وما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ الله رمى وليبليَ المؤمنين منه بلاءً حسناً إنَّ الله سميع عليم)) .. ولما بيّن سبحانه وتعالى أنَّ النصر كان من عنده.
ولعلي هنا وأنا أعرج على واقع عراقنا الجريح تجاه هذه الكرامات التي قد يمنحها الله لعباده فينصرهم على عدوهم أستذكر ما وقع من كراماتٍ حسية يوم أن طالت أيدي الظالمين فلوجة الصمود والتحدي في المعركة الأولى؛ إذ شنَّ المحتلون هجوماً عنيفاً على أبناء هذه المنطقة الباسلة نتيجة رفضهم الاحتلال ومشاريعه المشبوهة.. فقد تحدث رجال من الثقات -من أهل المدينة-: أنَّ رجالاً يلبسون ثياباً بيضاً قد قاتلوا في معركة الفلوجة مع أهلها جنباً إلى جنب ضد المحتلين وأعوانهم، وأنَّ هؤلاء -الملائكة- قد أذاقوا أعداء الله ما أذاقوا من الخسائر، حتى قيل: إنَّ الناس تنظر إلى آلياتِ العدو وهي تلتهب وتتفجر دون أن يوجه إليها أي أحد من أبطال المقاومة سلاحه!! ((وما رميتَ إذ رميت ولكنَّ الله رمى...)).
بل تحدث بعضهم عن قصة العناكب السود العملاقة السامة، التي كانت تلدغ الجنود، وتقضي عليهم!! وقد قيل إنَّ الناس ينظرون إلى الجنود الواقفين المدججين بسلاحهم -لقتل أبرياء المدينة- وهم يسقطون فجأة!!
فمن فعلَ كل هذا يا ترى؟! ومن أكرم أهالي الفلوجة الصامدين بمثل هذه الكرامات، التي تذكّرنا بما أكرم الله تعالى به عباده المخلصين يوم بدر والأحزاب؟! إنه الله ناصرُ المؤمنين سبحانه وتعالى:
وإذا العنايةُ لاحظتكَ عيونها ** نم فالمخاوفُ كلهـنَّ أمـانُ
فعلى أبناء العراق الغيارى، أن يأخذوا هذه الدروس -القديم منها والجديد- وأن ينظروا إليها بعين الاعتبار، وأن يتوكلوا على الله تعالى، فإنه الناصر والمعز سبحانه، وأن لا يلتفتوا إلى خذلانِ المتخاذلين، ولا تثبيط المثبطين، فإنًَّ الله ناصر المؤمنين ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) .

الدرس الخامس: الدعاء.. وأثره في النصر على الأعداء
من الدروس الأخرى التي تنفع العراقيين في أيامهم التي يعيشونها، وهم يئنون تحت وطأة الاحتلال الأمريكي، هو "الدعاء" وما أدراك ما الدعاء!! إنه الرافد العظيم للنصر على الأعداء.
ويهمني هنا الإشارة إلى تجلي أروع صور دعاء النبي ، صلى الله عليه وسلم، واستغاثته بربه أثناء قتال المشركين في معركةِ بدرٍ الكبرى ((إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين))، فإنه ، صلى الله عليه وسلم، لما نظّم صفوف جيشه، وحرّضهم على القتال، رجع إلى عريشه الذي بُني له، ومعه أبو بكر، رضي الله عنه، فاتّجه ، صلى الله عليه وسلم، إلى ربه يدعوه، ويطلب منه نصره الذي وعده، قائلاً: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً))، يقول الرواة -كما في صحيح مسلم-: إنَّ النبي ، صلى الله عليه وسلم، ظل يدعو ربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، حتى قال له أبو بكر، رضي الله عنه،: يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه منجز لك ما وعدك)).
وما دام أهل العراق في حالةِ حربٍ دائمة، ونظراً لأهمية الدعاء في النصر على الأعداء؛ فإنَّ عليهم أن يلجئوا إلى الله تعالى: بأن يهبهم النصر على أعدائهم الغاصبين.
وعلى الأئمة والدعاة في العراق الجريح أن يستنوا بسنن النبي ، صلى الله عليه وسلم، وعاداته في الحروب، أو عند نزول المصائب والابتلاء -ولا مصيبة في العراق أعظم من الاحتلال-.. فيستنوا بسنة القنوت في الصلوات الخمس في المساجد عند أداء صلاة الجماعة مما يسمى بـ"قنوت النوازل".. وعليهم أن يدركوا أنَّ الله تعالى سيستجيب دعاءهم بلا ريب، وأن لا يستعجلوا الإجابة، وقد قال المصطفى، صلى الله عليه وسلم، : ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: دعوتُ، ودعوتُ، ودعوتُ؛ فلم يستجب لي)).
وأخيرا أذكر العراقيين: بأنَّ نصر الله قريب، وأن العدو مندحر بإذن الله، ولا أدلَّ على ذلك من الحرج الكبير الذي يلفه هذه الأيام بعد أن تعالت الأصوات من داخل مؤسسات صنع القرار عندهم، فضلاً عن أعداد القتلى المتزايدة التي تلحق بجهودهم، وتقدر بالمئات أو بالعشرات شهرياً. فالحمد لله على نعمه وآلائه

http://www.airssforum.com/images/misc/progress.gif

الحاج بونيف
19/09/2008, 05:48 PM
أخي الفاضل/ عبد الوهاب محمد الجبوري
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أثابك الله على هذه الكلمات الصادقة التي تبعث الأمل في نفوس المجاهدين في العراق، وتقوي من عزيمتهم المعنوية .
أتمنى أن يصل مثل هذا النداء إلى كل عراقي يؤمن بعراقيته، ولا يسير في ركب الأعداء..
نتمنى النصر للمقاومة العراقية الباسلة..
جزاك الله خيرا.

عبدالوهاب محمد الجبوري
20/09/2008, 04:13 PM
اللهم امين .. ولندائك العز والسؤدد والفخر اخي الحاج بونيف ...
كل عام وانت بالف خير وعافية

فايزة شرف الدين
20/09/2008, 11:09 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل .. وكثر الله من أمثالك .. فما تحتاجه أمتنا الإسلامية هي وحدة الصف .. لا الفرقة بحجة اختلاف المذاهب .. وكم كانت دهشتي وأنا أقرأ على صفحات واتا مقدار الجدل الدائر ، والذي جعلني أشك أنه هذا مدبر .. كي نبتعد عن قضيتنا الأصلية ، وهي طرد المغتصب من أرضنا ، لندخل في مهاترات لاجدوى منها سوى مزيد من الشقاق .
أدعو الله لعراقنا العز والسؤدد ، وأن يطرد هذا البلد العريق المحتل كما فعل قبلا عندما احتله الإنجليز 1920 ، ويا ليتك بما أنك أكاديمي متخصص أن تقوم بدراسة وافية عن تلك الحقبة .
كل عام وأنت بخير

عبدالوهاب محمد الجبوري
20/09/2008, 11:18 PM
الاخت العزيزة فائزة ... حياك الله وبارك فيكي هذا الحس وهذا الشعور والغيرة على امتنا وعلى فكرنا من التناحر ..داعيا الله ان يستجيب دعاءك وان لا يريك وكل المسلمين اي مكروه انه نعم المولى ونعم المجيب ..
تشرفت بمرورك الذي يسعدني كثيرا ..
جامعة الموصل

رنا خطيب
20/09/2008, 11:38 PM
مقال تنبعث منه راائحة النصح و التذكير و الحماس و رفع الهمم اثاك الله عليه و جعله ثوابه في ميزان أعمالك.

النصر اتي أتي هذا ما وعدنا الله به.. لكن علينا أن نعد العدة و نهيئ النفوس لجهاد لنصرة الله أولا و اخيرا.

مع تحياتي
رنا خطيب

جمال الأحمر
21/09/2008, 05:38 AM
أخي الكريم: عبد الوهاب محمد الجبوري
جزاك الله خيرا، وبارك في آل الجبور، وفي أهلنا بالعراق
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، سريع الحساب، وهازم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم.
اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم
تحية من أندلسي لم ينهزم رغم الهزيمة، ولم يلق السلاح...

عبدالوهاب محمد الجبوري
21/09/2008, 09:45 AM
اختي رنا
حييت وبارك الله فيكي .. والبسك الله ثوب التقوى والهدى ..النصر ات لان الله وعدنا به ولان امة مثل امتنا لا تعدم وجود من ياخذ بيدها نحو التوحيد والتوحد ونصرة دينها واعادة مجدها وكبريائها وعزها ...
حياك الله ورعاك
جامعة الموصل

عبدالوهاب محمد الجبوري
21/09/2008, 09:51 AM
اخي الفاضل جمال الاحمر .. حياك الله من ارض الرافدين وبلاد الانبياء ومني شخصيا احييك من بلد النبي يونس في الموصل الحدباء - ام الربيعين ،ولك من ابناء قبيلة الجبور كبرى القبائل العربية التحية والاعتزاز ..
واني اضم صوتي لصوتك وابتهل الى الله ان يهزمهم شر هزيمة ويزلزل الارض تحت اقدامهم ويجعلهم عبرة لمن اراد ان يعتبر ... وحيا الله الاندلسيين وحقق امانيهم واماني امتنا .. انه نعم المولى ونعم المجيب

سيفان الجبوري
13/10/2008, 02:03 PM
الأخ عبد الوهاب الجبوري
تحية طيبة
أحيي فيك عراقيتك الأصيلة وسعيك الجاد إلى نشر كل ما هو نافع للقضية، و أحب أن أنقل لك تحيات الأستاذ حسين الرشيد وشكره على نشر كتابه في الموقع.
أخوك
سيفان الجبوري

عبدالوهاب محمد الجبوري
14/10/2008, 06:41 PM
اخي سيفان هذا شرف لي وافتخر بكتابات الاستاذ حسين راجيا ابلاغه سلامي يا ابن العم الغالي ..
مع محبتي واعتزازي والله يحفظكم ويرعاكم

سيفان الجبوري
15/10/2008, 01:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إبن العم الأستاذ عبد الوهاب الجبوري المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أبلغ سلامك للأستاذ حسين الرشيد و رغبته في إهدائك نسخة موقعة من كتابه الذي سيطبع قريباً علماً بأن الموضوع المنشَر هو ملخص للكتاب وليس الكتاب كله.
أخوك
سيفان الجبوري
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .