المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا تعرف عن مالك بن نبى !!!!!!!!



احمد محمد عبده عبد السلام
22/09/2008, 08:10 PM
يوصف مالك بن نبي بأنه أحد أنبغ عباقرة الفكر الذين أنجبتهم الجزائر، إن مالك بن نبي هو أولا الرجل الذي دعا لتجديد علم التفسير بالاستعانة بالعلوم الإنسانية الحديثة زيادة على العلوم التقليدية مثل الفقه، اللغة والبلاغة والتاريخ وغيرها.

كما أوضح أن الأزمة التي تهز العالم الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا هي في الأساس أزمة حضارة ولن تجد لها حلا إلا ضمن مشروع إنشاء حضارة إسلامية جديدة واعتباراً لذلك جاءت الفكرة الأفريقية الآسيوية وكتب كتابه" نحو كومنولث إسلامي".وفي كتاب "وجهة العالم الإسلامي" بين ضرورة حوار الحضارات وأنه يقوم على الأخذ وحده وهو يوضح أن الحضارة هي نتاج للثقافة والثقافة بدورها ليست إلا مجموعة معارف لا نبوغا في المعرفة وإنما هي سلوك يشترك فيه جميع أفراد المجتمع من أدنى السلم الاجتماعي إلى أعلاه. وأرجع سبب الصراع الفكري ضد قيمنا وأفكارنا دون مراعاة أية مبادئ إلى الفجوات الكبرى التي وجدها في عوامل ضعفنا الداخلية.ولد مالك بن نبي سنة ١٩٠٥ وترعرع في أسرة إسلامية محافظة. فكان والده موظفا بالقضاء الإسلامي حيث حول بحكم وظيفته إلى ولاية تبسة حين بدا مالك بن نبي يتابع دراسته القرآنية. والابتدائية بالمدرسة الفرنسية.
ما بين ١٩٢١و١٩٢٥. وفي نفس الفترة اتصل بحركة الإصلاح الحديثة النشأة آنذاك تحت إشراف العلامة عبد الحميد بن باديس، عين سنة ١٩٢٧ عادلا لدى محكمة أفلوا.وقد استقال من منصبه القضائي فيما بعد سنة ١٩٢٨ إثر نزاع مع كاتب فرنسي لدى المحكمة المدنية، حاول سنة ١٩٢٨ الاشتغال بالتجارة في إطار عائلي إلا أنه لم ينجح في ذلك، وفي ١٩٣٠ على أثر الاحتفال بالذكرى المئوية للاحتلال الفرنسي بالجزائر؛ قرر مالك بن نبي متابعة دراسته بباريس بإعانة مادية من والده. لكن بعد أن قوبل طلب تسجيله بمعهد اللغات الشرقية بالرفض غير المبرر قام بالتسجيل لدى مدرسة التقنيات الكهربائية وتخرج منها سنة ١٩٣٥ في تلك الفترة احتك المفكر بجمعية الشباب المسيحي المتواجدة بباريس حين ألقى أولى محاضراته في ديسمبر ١٩٣١تحت عنوان " لماذا نحن مسلمون" . وأقام علاقات في الوسط الطلابي المسلم وأصبح نائب رئيس جمعية الطلاب المسلمين لشمال أفريقيا.

وفي ١٩٣٨ قام أحد أصدقائه من ولاية تبسه بالتوسط له لدى جمعية العمال المهاجرين في مرسيليا التي كانت تبحث عن شخصية بارزة للإشراف على مؤسسة محو الأمية . لكن نجاح هذه المؤسسة جعل السلطات الفرنسية توجه له أمراً بمغادرة المدينة.
بعد الإعلان عن مسابقة لدى السفارة اليابانية بباريس عام ١٩٤٠ تقدم مالك بن نبي بدراسة حول الإسلام واليابان لكنه نظرا للظروف الصعبة التي كان يعاني منها أثناء الحرب العالمية الثانية وتوقف الدعم المادي من والده. خاصة بعد ٨ نوفمبر ١٩٤٢ حين انقطعت تماما كل الاتصالات بين الجزائر والعاصمة الفرنسية ظل يبحث عن عمل في ألمانيا وقام بتدوين أول وأكبر مؤلفاته" المعجزة القرآنية" لكن المخطوط أحرق على إثر غارة جوية وأعيدت كتابته كمذكرة ونشر بالجزائر سنة ١٩٤٦.

بعد الحرب العالمية الثانية قام رئيس بلدية " درو" حيث يقيم مالك بن نبي وزوجته الفرنسية التي أسلمت بالتآمر عليهما ووضعهما في الحبس الاحتياطي لكن العدالة برأتهما من كل التهم.

ومنذ ١٩٤٦ بدأ مالك بن نبي حياته كمؤلف حيث ألف ١٩٤٧ كتابا عنوانه " لبيك" وفي ١٩٤٨ نشر دراسته تحت عنوان " شروط النهضة" الذي ضمن شهرته.

ومن ١٩٤٨ إلى ١٩٥٥ تعاون بدعم من الصحافة المسلمة آنذاك مع جريدة "الجمهورية الجزائرية" التابعة للاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري.

نشر في باريس سنة ١٩٤٥ كتابة المشهور " دعوة الإسلام" وتمت دعوته من طرف الهند لتقديم كتابه " الأفروآسيوية" لكن انتهى به المقام في القاهرة واستقر هناك.

في أواخر ١٩٥٦ ساهم بتعريف كفاح الشعب الجزائري ونشر ١٩٥٧ دراسة بعنوان " نجدة الجزائر"

من ١٩٥٧ إلى ١٩٦٢ قام بتنشيط ملتقى إعلامي للتكوين الإيديولوجي مُوَجَّة للطلبة المسلمين . كما تنقل بين القاهرة ولبنان حيث ألقى عدة محاضرات .

الحاج بونيف
23/09/2008, 09:26 AM
ما زالت أفكار الكاتب مالك بن نبي رحمه الله لم تنل حقها من الدراسة وخصوصا في الجامعات العربية، وإن تنوولت ففي نطاق محدود..
شكرا أخي الفاضل احمد محمد عبده عبد السلام على تذكيرنا بهذا المفكر العربي الكبير..

احمد محمد عبده عبد السلام
20/01/2009, 05:33 PM
ساتناول في الايام القادمة سيرة مالك بن نبي بالتفصيل

انتظرونا

خلوفي عدة
20/01/2009, 07:17 PM
سلام الله عليك وبعد :
في ماليزيا طبقت نظرياته الاقتصادية التي ضمنها كتابه الشهير المسلم في عالم الاقتصاد ..
ونحن نرى النقلة الماليزية ...
هو مفكر جبار ضيعه قومه وضيعته أمته ونسته تماما خاصة في وطنه الأم الجزائر .
فلقد كادوا له وهو حي وكادوا لفكره وهو ميت ..
هو ضمير الأمة الجزائرية وجل اقطاب التيار الاسلامي تتلمذوا على يديه ........
هو فيلسوف الحضارة
وطبيبها كما قال عنه نيتشه
شكرا لك

خلوفي عدة
20/01/2009, 07:31 PM
ساتناول في الايام القادمة سيرة مالك بن نبي بالتفصيل

انتظرونا

يمكن أن تعتمد على كتابه مذكرات شاهد على القرن بأجزائه الثلاثة في سرد سيرته

خلوفي عدة
20/01/2009, 08:39 PM
د.عثمان أبو زيد
تلقيت منذ أيام هديتين فاخرتين من الجزائر؛ عبوة من تمر (دقلة النور)، ونسخة من مذكرات لمالك بن نبي نشرت حديثاً بعنوان (العفن)! هذه المذكرات لم نسمع عنها من قبل، مع أن كتابات المفكر الجزائري بن نبي يعرفها جيلنا معرفة جيدة؛ مذكرات شاهد القرن والكتاب الشهير شروط النهضة وغيرهما. ومن المفارقة أن فكر مالك بن نبي كان أشد تأثيراً خارج بلده الجزائر، في الشام وفي شرق آسيا، وقد نسب إلى رئيس ماليزيا السابق مهاتير محمد قوله إن أفكار مالك بن نبي هي أساس النهضة الحديثة لماليزيا.
كانت كتابة هذه المذكرات في أوائل سنة 1951، فيكون هذا العمل أول ما كتب مالك بن نبي عن سيرته من حيث الفترة الزمنية، قبل مذكراته “الطالب” و “الكاتب”، لكنها هي آخر ما نُشر له بالعربية والفرنسية، متأخرة عن الصدور نحو ستة وأربعين عاماً.
يتساءل أحد كتاب جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء في الجزائر: لماذا لم ينشر الأستاذ مالك بن نبي-رحمه الله- هذه “الشهادة” في حينها أو في حياته، أو لماذا لم يجتهد في ذلك كما اجتهد في نشر كتبه الأخرى مثل “شروط النهضة” و”الظاهرة القرآنية” ولم يهتم لتخرج إلى الوجود، واكتفى بتبرير ضياعها، خاصة وأن هذه المذكرات ليست مجرد سيرة ذاتية فقط للكاتب، بل هي أقرب إلى كتاب في التحليل الفكري للواقع الذي صنعه المستعمِر الغاشم.
ويجيب الكاتب بقوله : “مهما يكن من أمر، فإن هذه المذكرات التي ترجمها الأستاذ نور الدين خندودي بأسلوب عربي جميل قد حوت أفكارًا وأحكامًا في غاية الخطورة تمنيتُ كقارئ لو أن الأستاذ المترجم - الذي اكتفى ببعض التعاليق الصغيرة في الهامش- أو غيره من الباحثين كتبوا لها مقدمة تحليلية لشخصية صاحب الكتاب والواقع الذي عاش فيه، وتصحيح بعض المفاهيم والأخطاء التي تراجع عنها صاحب المذكرات نفسه بعد ذلك من خلال ما كتبه في كتب أخرى أو مقالات أو ما حدّث به أقرب الناس إليه من أصدقائه وتلاميذه في سنواته الأخيرة قبل وفاته”.
أول انطباع عن هذه المذكرات أنها تفصح أكثر مما يجب، ويبدو كاتبها متأثراً بنهج (الاعترافات) لدى المؤلفين الأوروبيين الذين لا يستنكفون عن قول كل شيء. وربما كان هذا سبباً لتأخر النشر إلى هذا الوقت، فقد بقيت المذكرات طي الكتمان طيلة حياة مالك (توفي عام 1973م)، ويقال إنه أوصى أسرته بعدم نشرها. وقد كتب الدكتور عبد العزيز الخالدي في مقدمته لكتاب شروط النهضة أن المؤلف منعه صراحة من التحدث عن هذه المذكرات ولو بالإشارة والتلميح. ثم سمعنا أخيرًا أن أسرة بن نبي تقدمت إلى القضاء شاكية الناشر.
عاش مالك منبوذاً هائماً على وجهه مدة تسع سنوات في فرنسا، ووجد نفسه مثل فراشة أحاط بها بيت العنكبوت بأحابيله من كل ناحية، فتحاول بجناحيها الصغيرين أن تنقذ نفسها فلا تستطيع منه فكاكا، ولا عجب أن حمل قلمه يقاوم به الاستعمار وكل من تعاون مع الاستعمار بأسلوب قاس جدا.
لقد نال المستشرق ماسينيون مستشار الإدارة الفرنسية للشؤون الإسلامية نصيبه من هجوم مالك، فهو الذي سدّ على الطالب بن نبي كل سبيل في أثناء دراسته، وعندما تخرج في مدرسة الكهرباء لم يمنح شهادة مع أنه من الطلاب المتفوقين، ليحوز فقط شهادة (طالب سابق)، وعندما يذهب للتقديم في الوظائف يجد أمامه نفوذ ماسينيون يسد أمامه الطريق. ويحاول أن يسافر إلى بلد عربي مشرقي ليجرب حظه هناك، أو يحاول مجرد المرور بمصر، فيمنعونه من تأشيرة المرور أو الدخول، وكل ذلك بإيعاز من ماسينيون المهتم بأن “يلهمه بغضاً شديداً لإخوانه في الدين”.
كل الذين خرجوا عن طوع ماسينيون وضعوا في قائمة سوداء، ورفض طلبهم فور التقدم إلىالوظائف. أحد هؤلاء من زملاء بن نبي آثر أن يعمل حمالاً في محطة القطار ليضمن لقمة العيش فقط، وقد تعب كثيراً حتى يعثر على هذا العمل الشاق.
إن جوهر الاستعمار كما يقول مالك هو أن يعمل للحط من أي إنسان له قيمة إلى آخر حد حتى يفقد الشعور بقيمته.
لم يكن الاستعمار يطيق أن يكتسب أحد (الأهالي) تأهيلاً تقنياً، وإذا تمكن أحدهم من الظفر به، تكفل النظام بضياعه بجميع الوسائل. في كل مرة يذهب ليطلب عملاً يسمعونه سيئاً من القول : “أنت تدرك أنه منذ أن بدأ سكان شمال إفريقيا يتعلمون، لم يعد بالمقدور قيادتهم وحكمهم”.
لقد عانى مالك من عقدة الاضطهاد، فانعكس ذلك في أسلوبه، وبطبيعة الحال فإن التجربة السياسية التي تأسست على الحقد وعقدة الاضطهاد لا تكاد تلهمنا بشيء ، وإن كان الإلهام الحقيقي في الفكر الذي لم يجد التربة الصالحة في الجزائر أثمر في بلاد أخرى. وكان مالك مثالياً، فلا ننتظر من شخص (مثالي) أن يدرك نجاحاً في عمل سياسي يقوده الهوى ويعتمد على المداراة والتغابي:
ليس الغبي بسيد في قومه // لكن سيد قومه المتغابي.
يفرق مالك بين نوعين من النشاط السياسي، فهناك سياسة وضيعة يمارسها (الأهالي) هي عبارة عن تنافس أعمى للحصول على المناصب والمصالح، يسميها مالك (بوليتيك). البوليتيك هو إذن ما يمارسه الساسة في غياب الرؤية والفكر، إنه أشبه بالسلوك الغريزي الذي يندفع فيه الناس لإدارة مطامعهم وحفظ مصالحهم. والبوليتيك بهذا المفهوم هو مجرد انشغال يغيب عنه أي طابع اجتماعي؛ انتخابات ومنصات. ولا يستحق اسم السياسة إلا نشاط يصنع شروط الحياة لأن السياسة الحقة ليست ما يقال بل ما ينجز، وهي ما تتأسس على الفكر والثقافة. إن رجل السياسة الحصيف هو من يدرك المرامي الخفية لأي موقف في المعترك السياسي.
عندما أراد بن نبي أن يدخل غمار العمل السياسي لم يكن متسلحاً إلا بهذا الوعي، لكنه كان خالياً من النفوذ والقوة المادية، ومن الطبيعي ألا يقدر على شيء، أو يدرك ما يروم من هدف. ولم تكن مشاركته لتغير من الواقع البئيس شيئاً، ولكنها أسهمت في بناء المستقبل. كان الآخرون في المعمعمة السياسية يتكلمون عن الانتخابات وهو يتكلم عن العمل ومقاومة الاستعمار و… مشكلات البيئة، وحتماً لم يسمعه أحد!
هذا درس بليغ في العمل السياسي. فلا ينبغي لصاحب دعوة أن يملأ لبه اليأس لأنه لا يبلغ هدفاً قريباً. موسى عليه السلام كان يعرف أن فرعون لن يسمع قوله ولكن الله أمره أن يمضي في دعوته. إن الهدف الذي لا يتحقق اليوم، يتحقق في الغد وبعد الغد، وإنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب.
لقد اعتنى مالك أيما عناية بالإنجاز والعمل، وأن تقوم السياسة على العمل النافع، ففي الوقت الذي كان يجهز خصومه المنصات ومكبرات الصوت للخطابة، كان ينطلق مع عدد من الشباب إلى مقابر المسلمين في مدينته (تبسة) التي كانت تعاني الإهمال بلا سياج ولا ممرات، وكان يخاطب من معه بقوله: “نصف ساعة من الواجب لتجسيد استعمال الوقت في إنجاز من شأنه أن يكون تدريبا نفسيا وإنجازا ميدانيا”.
هذه الملاحظات الدقيقة وغيرها دعت مالكاً لكي يجعل “العفن” سمة لأوضاع العالم الإسلامي، وقد وضع بين دفتي مذكراته “خلاصة ما يختلج في نفس أريد لها التحطيم عبر الإكراه الحسي والسم المعنوي”. ابن نبي المعروف أنه رائد اللاعنف يمارس في هذه الاعترافات نوعاً من العنف اللغوي، ولعل هذا ما جعل هذا الكتاب مجهولاً طيلة 46 سنة من تأليفه.
سمعت الدكتور عمار الطالبي من الجزائر يقول إن مترجم الكتاب من الفرنسية لم ينقل كل ما احتواه الأصل…
جاءت كلمات مالك شديدة القسوة على عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الجزائري المعروف، ولن يبقى مالك على رأيه السلبي في بن باديس، لأن رأيه هذا كان وليد ظروف صعبة مرت عليه حينما رجع إلى بلده ووجد (صديق) المسلمين ماسينيون له بالمرصاد. ذلك المستشرق مستشار الإدارة الاستعمارية الذي تسبب في عودته من فرنسا خائباً من غير شهادة، هاهو يحصي عليه الأنفاس، فلا يستطيع أن يلتحق بوظيفة في أي مكان. ولما أراد أن يدخل معترك الحياة العامة بترشيح من بعض الشباب تصدى له شيوخ من حملة الثقافة الإسلامية خريجي الزيتونة والأزهر. يروي مالك في صفحة 156 من المذكرات بعد أن حكى قصة خلافه مع والده، كيف أن أحد الشيوخ استغل هذا الموقف ضده سياسياً: “إن الشيخ الأزهري والزيتوني لم يكن له من النوايا سوى استغلالها ضدي. وكان يقول بصوت خافت لمن حوله وهو يجمع مبرراته من الخزي والعار: إن مالكاً ابن ملعون لوالده! هذا ما وجد الشيخ الموقر في الأخلاق المقدسة للإسلام. ومن يومها أصبحت استفظع ثقافة الأزهر والزيتونة التي تقتل الضمائر والأرواح وأعتبرها أسوأ كارثة يمكن أن تهدد العالم الإسلامي. وحتى يعيش الإسلام أو يبعث من جديد في الضمائر، يجب تخليصه مما يسمى اليوم الثقافة الإسلامية، هذه الثقافة التي تلوث الأرواح وتذل الطبائع وتضعف الضمائر وتخنث الفضائل. وعندي اليوم هذه القناعة أكثر من أي وقت مضى. وليس من قبيل الصدفة أن رجلاً كحسن البنا ليس في تكوينه شيء يدين به للأزهر أو للزيتونة”.
ومثل هذا الرأي يبدو غريباً عندما يؤخذ خارج سياقه، وغير موضوعي عندما يوضع في إطار شخصي، ونعلم أن حبراً كثيراً قد أريق في الحديث عن الثقافة الإسلامية وأي ثقافة إسلامية نريد، ويذكر المرء المناقشات التي دارت في الأقسام العلمية بالجامعة عندما تم إقرار تدريس مادة الثقافة الإسلامية في الجامعات بقرار من اتحاد الجامعات العربية، ولعل قاعة الصداقة بالخرطوم ما تزال تحمل أصداء المناقشات الحامية التي جرت في أول ندوة عن الدراسات الإسلامية بدعوة من جامعة أم درمان الإسلامية في أواخر الثمانينيات الماضية.
عاد مالك إلى فرنسا مملوءًا باليأس والإحباط، ولكنه كان يأمل أن يؤدي عملاً مجيداً نابعاً من رؤيته للإسلام الحضاري الذي يريد لا إسلام (الثقافة الإسلامية)!
ووجد بغيته في شارع شابولييه في مارسيليا حيث كان المسلمون القادمون من الشمال الإفريقي ومن سائر البلاد الإفريقية يعمدون إلى نقل كل أشكال الطباع لـ “لأهالي”. هناك حيث الفوضى ضاربة الأطناب، تأمل مالك أفضل مشاهد الأهالي أصالة؛ مطعم حقير وعنزة مسلوخة مغطاة بالذباب معلقة على بابه، ومقاهٍ لا تغيب عنها لعبة الدومينو، وسوق فوضوية على قارعة الطريق.
فكر مالك أن يقدم محاضرات أسبوعية، وقصد تخفيف تكاليفه الشخصية إلى أقصى حد، فقرر أن يمكث في المحل نفسه الذي يقدم فيه المحاضرات، وهو عبارة عن محل للحدادة، وكان رواد محاضراته يدفعون إيجار المحل ويقدمون له مساهمة ضئيلة تكفي فقط لخبز وقطعة جبن. تلاميذه الذي سيصبحون لاحقاً (كادراً) سياسياً كانوا جميعاً من الأميين، وقد تجاوز بعضهم السن الموقرة للشيخوخة. أثار أحد التلاميذ انتباهه فقد سأله عن اسمه فقال بكل بساطة: اسمي ابن تاشفين! خاطب بن نبي نفسه: ربما يكون… كان من نواحي تلمسان ، حافظاً للقرآن، ولا يعرف مصدر اسمه ، ولما سأله عن ذلك قال : يا سيدي ، أنا لا أعرف من أين جاء اسمي. يقول مالك : لقد رأيت أمامي مأساة العالم الإسلامي بلحمها ودمها في جلد حمال كان جده أحد عظماء الإسلام!
بدأ مالك يرسخ في أذهان تلاميذه الروح النقدية وذوق الإبداع، فلم يكن تعليم الحساب غير مادة يمنح بها معنى الامتداد والفضاءات واتساعها، وكذلك المعلومات المبسطة عن الجغرافيا. شهران كانا كافيين لتغيير ما في نفوس تلاميذه الذين رآهم أول مرة بهيئة وحشية في نظراتهم وقسمات وجوههم. لقد تهذبت تلك النظرات واكتست بطابع إنساني تتجلى الفكرة خلالها.
ومع التقدم الذي بدأ يحرزه مالك ، كان أصحاب المقاهي القذرة والمطاعم الحقيرة يدفعونه لمغادرة المكان، وتمكنوا من ذلك أخيراً عندما أقنعوا البلدية بأنه يزاول عملاً تعليمياً من غير سند قانوني.
وعودة أخرى إلى مسقط رأسه تبسة، ليحاول هذه المرة أن يتقدم إلى مدرستها لوجود نقص في المعلمين، فيتم إلحاقه بالمدرسة نظير فرنكات يدفعها إليه الآباء في انتظار “نهايتي أو اندلاع الحرب التي قد تغير شيئاً في مصيري ومصير زوجتي ومصير عائلتي”.
ولكن روح (الثقافة الإسلامية) كما يسميها تظل متربصة به، فيرفض الشيخ الذي اضطلع بتسيير المدرسة أن يستفيد من مالك كبار التلاميذ سناً فيكلفه بقسم الحضانة لأن أحد المعلمين رفض التعليم في الحضانة لأنها لا تناسب ثقافته الواسعة! فتكفل بالقسم، وكان التلاميذ الكبار يلجأون إليه في دروس خصوصية يلقيها عليهم دون مقابل في المساء.
وتنتهي مذكرات مالك بن نبي بالعودة مرة أخرى إلى فرنسا ليعيش هنالك مع زوجته الفرنسية ظروف الحرب العالمية الثانية.
ظل ماسينيون يتربص به أينما حل، وكلما أزمع عملاً أو مشروعاً وجد العراقيل تنتظره، فيردد قائلاً : ماسينيون مرّ من هنا!

احمد محمد عبده عبد السلام
20/01/2009, 10:09 PM
شكرا اخى خلوفى عدة علي السبق الجميل للسرد

اما عن مذكرات مالك بن نبي

ارجو ان نحاول التراسل بيننا في هذا الموضوع من اجل احياء فكر هذا العظيم المجاهد

أشرف صالح المؤرخ الصغير
21/01/2009, 10:16 PM
http://tbn3.google.com/images?q=tbn:u-k7Fe5nY-8MdM:http://farm4.static.flickr.com/3211/2317441502_016626d018.jpg

محمد سيد بركة

مالك بن نبي (1905- 1973م) من أعلام الفكر الإسلامي الذين حُجب فكرهم عن الناس عدم اهتمام الدارسين بهم، فقد أمضى أكثر من ثلاثين عامًا متأملاً يحلِّل ويضع شروط النهضة للمجتمع الإسلامي. وُلد مالك بن نبي عام 1905 في قسنطينة شرق الجزائر، وكانت مراحل دراسته الابتدائية والثانوية بين مدينتيْ (تِبِسّة) و(قسنطينة). سافر عام 1925 إلى مرسيليا وليون وباريس؛ بحثًا عن عمل ولكن دون جدوى، فعاد إلى الجزائر حيث عمل في تِبسَّة مساعد كاتب في المحكمة، وأتاح له عمله هذا الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع أيام الاستعمار؛ ما ساعده على تفسير ظواهر مختلفة فيما بعد.




وفي عام 1928 تعرَّف مالك بن نبي على الشيخ عبد الحميد بن باديس (1887- 1940م)، وعرف قيمته الإصلاحية، ثم سافر مرة ثانية إلى فرنسا عام 1930؛ حيث سعى للدخول إلى معهد الدراسات الشرقية، ولكنه لم ينجح في الدخول، وسُمح له بدخول معهد اللاسلكي وتخرَّج فيه مهندسًا كهربائيًّا.
بقي في باريس من عام 1939 إلى 1956، ثم ذهب إلى القاهرة للمشاركة في الثورة الجزائرية من هناك. انتقل إلى الجزائر عام 1963 ـ بعد الاستقلال ـ حيث عُيِّن مديرًا للتعليم العالي، ولكنه استقال من منصبه عام 1967، وانقطع للعمل الفكري وتنظيم ندوات فكرية كان يحضرها الطلبة من مختلف المشارب كانت النواة لملتقى الفكر الإسلامي، الذي يُعقد كل عام في الجزائر، وظل مالك بن نبي يُنير الطريق أمام العالم الإسلامي بفكره إلى أن تُوفي في 31 أكتوبر عام 1973.
كتبه ومؤلفاته


أما آثاره الفكرية، فيمكن القول إنه لم يكف عن التأليف منذ سنة 1946 حيث ألَّف أول كتاب له وهو (الظاهرة القرآنية)، وتلاه برواية (لبَّيك) 1947 وهي رواية فلسفية، ثم (شروط النهضة) 1948، (وجهة العالم الإسلامي)، (الفكرة الأفروآسيوية) 1956، (مشكلة الثقافة) 1959، (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) 1960، وهو أول كتاب كتبه مالك بن نبي بالعربية مباشرة بخلاف معظم كتبه التي ألَّفها بالفرنسية. وفي عام 1960 كتب أيضًا كتابه (فكرة كومنولث إسلامي)، (ميلاد مجتمع) 1962، (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي) 1969، (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي)، (مذكرات شاهد القرن) 1970، (المسلم في عالم الاقتصاد)، ونشر له بعد وفاته كتب (دور المسلم ورسالته في القرن العشرين) 1977، (بين الرشاد والتيه) 1978، ولمالك بن نبي آثار فكرية لم تطبع، وهي في صورة مخطوطات مثل: (دولة مجتمع إسلامي)، (العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها)، (مجالس تفكير) وغيرها.



مذكرات شاهد للقرن
أصدر المفكر الجزائري مالك بن نبي الجزء الأول من مذكرات شاهد القرن في عام 1966 بعنوان “مذكرات شاهد القرن: الطفل”، تضمن الكتاب طفولة الكاتب، وقام بترجمته إلى العربية مروان قنواتي، وفي بداية السبعينيات ألف مالك بن نبي الجزء الثاني مباشرة باللغة العربية، وخصصه لمرحلة دراسته في باريس، وتمتد هذه الفترة من 1930 إلى 1939. رسمت لنا المذكرات صورة واضحة للحياة السياسية والاجتماعية والعلمية في الجزائر في الثلاثينيات، وامتد وصف “بن نبي” إلى فرنسا، التي تعيش فيها الجالية الجزائرية والعربية، وبيّن أيضًا العوامل التي أثرت على تكوين شخصيته، وعبّر عن همومه وطموحاته بعد إتمام دراساته العليا، والذي يهمنا في هذا المقال هي بعض هذه المؤثرات والطموحات التي لها صلة مباشرة بالحجاز.



تأثير العلماء الجزائريين العائدين من الحجاز

لا بد من لفت النظر إلى الأثر الذي تركه في الحياة العلمية والدينية في الجزائر العلماء الجزائريون الذين عادوا إلى الجزائر بعد إقامة طويلة في الحجاز، ولقد تحدث مالك بن نبي عن شخصيتين هما: الشيخ الطيب العقبي ومحمد الطاهر العنيزي. ولد الشيخ الطيب العقبي في عام 1307 هــ/ 1890م في بلدة سيدي عقبة في الصحراء الجزائرية، هاجر مع عائلته إلى المدينة المنورة، وتلقى العلم في المسجد النبوي ثم صار معلمًا في الجامع نفسه.
كتب في الصحافة العربية وتعرف على محب الدين الخطيب وشكيب أرسلان، عمل الشيخ الطيب العقبي مديرًا على المطبعة الأميرية بعد الحرب العالمية الأولى، وترأس جريدة القبلة الصادرة بمكة بعد رحيل محب الدين الخطيب إلى سوريا، عاد الشيخ الطيب العقبي إلى الجزائر في 4 مارس 1920 بينما بقي أخوه في الحجاز في خدمة الملك ابن سعود، استقر العقبي في بسكرة في الجنوب الجزائري، أسس جريدة صدى الصحراء في ديسمبر 1925، وكانت لها شهرة كبيرة في الشرق الجزائري وحرص بن نبي على مطالعتها إلى درجة أنه كان يقلق كثيرًا، كلما حدث تأخر بسيط في صدور هذه الصحيفة، لم يتحدث بن نبي عن الإصلاح وهي الجريدة الثانية التي أصدرها الشيخ العقبي في سنة 1927، والتي عرفت رواجًا أكثر من الأولى. شارك الشيخ الطيب العقبي في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان من ألمع قادتها وترأس هيئة تحرير كل الصحف التي أنشأتها الجمعية (السنة، الشريعة، الصراط، البصائر) في الثلاثينيات. تأثر مالك بن نبي كثيرًا بالشيخ العقبي، وفضله في شبابه على الشيخ عبد الحميد بن باديس: “كان الشيخ العقبي يبدو في ناظريْ بدويًّا بينما يبدو الشيخ ابن باديس بلديًّا، وحين بدأت فيما بعد معركة الإصلاح، وكنت أحد المشتركين فيها، بقيت أحمل في أعماقي شيئًا من التحفظ تجاه بن باديس، وبعض الأسى لكون الشيخ العقبي لا يقود تلك الحركة، ولا يرأس جمعية العلماء”.
وقد غيّر بن نبي رأيه عن الشيخ ابن باديس فيما بعد، التقى مالك بن نبي بالشيخ الطيب العقبي وحضر بعض النشاطات الثقافية التي كان ينظمها نادي الترقي الذي يشرف عليه الشيخ العقبي في العاصمة الجزائرية. أما الشيخ محمد الطاهر العنيزي فهو الشخصية الثانية التي عادت من الحجاز ولعبت دورًا في الحياة العامة في قسنطينة، ولم نستطع معرفة الكثير عن هذه الشخصية، ومنهج مالك بن نبي في المذكرات أنه لا يقف كثيرًا أمام الأعلام التي يتحدث عنها، ويبدو أن هذه الشخصية لم تلعب إلا دورًا محليًّا؛ مما جعلها مجهولة لدى المؤرخين والباحثين.
يقول عن الشيخ العنيزي: كان يتحدث بلهجة البدوي القادم من الجزيرة العربية، لقد كانت ثقافته عربيةً، ويضع على رأسه بصورة دائمة الكوفية والعقال؛ ولذلك كله أضحى مقبولاً في وسطنا، لقد كان ثائرًا على كل شيء، ولم أره يومًا يمدح أحدًا أو شيئًا من الأشياء ووضع كثيرًا من القضايا موضع بحث وتدقيق، كذا كان نسق ثورته، ويضع قشًّا على الجمرة المشتعلة في النفوس، وفصاحته العربية كانت تمارس تأثيرها في العقول التي تفكر أو تتكلم بالفرنسية.
صد الدعوة الإصلاحية في الجزائر


قرأ مالك بن نبي في شبابه جريدة أم القرى التي كانت تصدر في مكة، واعتبرها مالك بن نبي صحيفة للشيخ الطيب العقبي، وتكرر هذا الخطأ مرتين في مذكراته، والحقيقة أن هذه الصحيفة لم يشرف عليها الشيخ العقبي، وإنما كان مديرًا لجريدة القبلة كما ذكرنا سابقًا، فجريدة أم القرى تأسست في 12 ديسمبر 1924 أي بعد مغادرة الشيخ العقبي للحجاز بـ 4 سنوات، بالإضافة إلى أن الحدث الذي أشار إليه بن نبي وقع حين كان العقبي في مكة، وهو تحريض الجاسوس البريطاني لورانس للشريف حسين على إقامة إمبراطورية عربية مستقلة عن الخلافة العثمانية. تأسست جريدة القبلة في 15 أغسطس 1916 وتوقفت عن الصدور في 25 سبتمبر 1924، ترأس تحريرها محب الدين الخطيب حتى عام 1919، وخلفه حسين الصبان بعد أن عمل الشيخ العقبي مديرًا لها.
تصل جريدة القبلة إلى الشرق الجزائري، ولا شك أنها كانت تدخل مع الحُجاج الذين يحملونها معهم في حقائبهم بعد قضاء مناسك الحج والرحالون طلابًا أو تجارًا وأصحاب الاشتراكات الفردية، فقد أشارت الصحيفة إلى اشتراك كثير من القراء في العالم العربي دون أن تعطي التفاصيل، وتأتي شهادة مالك بن نبي دليلاً آخر على انتشار جريدة القبلة خارج حدود شبه الجزيرة العربية.
ولقد انتقلت دعوة الإمام محمد عبد الوهاب من الحجاز إلى الجزائر خاصة عن طريق الحجاج، ويرى بعض المؤرخين أن الشيخ محمد علي بن السنوسي أول من حمل الفكر الإصلاحي الوهابي إلى الجزائر بعد رجوعه من الحج، لكن تأثر السنوسية بالتصوف أبعدها عن الوهابية، انضم مالك بن نبي إلى الحركة الإصلاحية الجزائرية؛ لأنها كانت تمثل في نظره “الصورة الجزائرية للفكرة الوهابية”.
وكان من أكبر أنصار الدعوة وحركة الإصلاح والتجديد في الجزائر الشيخ صالح بن مهنا، الشيخ عبد القادر المجاوي، الشيخ عبد الحليم بن سماية، الشيخ المولود بن الموهوب، الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشيخ الطيب العقبي، والشيخ محمد المبارك الميلي صاحب كتاب ” الشرك ومظاهره “.. إلخ، وقد تعرف مالك بن نبي في شبابه على معظم هؤلاء العلماء وحضر جلساتهم واستفاد من علمهم. يرى مالك بن نبي، خلافًا للباحثين الذين كتبوا عن الحركة الإصلاحية الجزائرية، أن هذه تأثرت كثيرًا بدعوة جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ولكنها لم تبدأ معها، فالحركة الإصلاحية الجزائرية تأثرت أيضًا قبل ذلك بما قام به الإمام محمد بن عبد الوهاب من إصلاحات في الحجاز.

امتد تأثر الدعوة إلى الشباب الجزائري فتأسست جمعية الشباب الموحدين في الجزائر العاصمة في بداية الخمسينيات، وكان من أنشط أعضائها محمد الهادي السنوسي، وأبو بكر جابر الجزائري وكان الشيخ العقبي مرشدها الأول وموجهها الديني، تهدف الجمعية إلى ” أغراض شريفة سامية بسمو الغاية من التوحيد في الإسلام، والمعروف من الدين بالضرورة “وتسعى” لجمع كلمة الشباب على التوحيد الخالص الذي هو وحده الدواء لكل أداء الشباب، “وهي تؤمن إيمانًا راسخًَا” أن تجديد هذه الأمة لا يتأتى إلا على هدي منقذ البشرية من الضلالة محمد رسول رب العالمين “اعتمدت جمعية الشباب الموحدين في دعوتها على الصحافة (دعوة، اللواء، القبس)، وتنظيم الدروس والمحاضرات.
الهجرة إلى الحجاز

كان حلم مالك بن نبي وزوجته الفرنسية المسلمة أن يستقرا في الطائف بعد تخرجه من مدرسة المهندسين بباريس، وعبّر عن هذه الرغبة في مذكراته بصورة متكررة “تأكدت لدي فكرة السفر إلى الحجاز، فرارًا من العيش في أرض استعمار أو في أرض مستعمرة؛ لأنني سئمت فيها الوجوه والآفاق”، ويقول في موقع آخر: “وبدأت أفكر جديًّا في الهجرة إلى الحجاز لأستقر بالطائف، وكان لكل منهما مشروع خاص لخدمة هذا البلد، تقوم زوجته بالزراعة وتربية الحيوانات على الطريقة الغربية وتعليم الخياطة ونسج الإبرة للبنات، أما مالك بن نبي فيشتغل بتجارة العطور الفرنسية أو تحويل بقايا أضحية العيد إلى أسمدة، وتحويل الحرارة الشمسية إلى طاقة.

لما تحمس مالك بن نبي للهجرة إلى الحجاز، عرفت أسرته كلها تقريبًا الحجاز وأدت فريضة الحج، وكان بن نبي حريصًَا دائمًا ومنذ صغره على سماع أخبار البقاع المقدسة، وقد أورد في مذكراته اللحظات السعيدة التي قضاها إلى جانب أمه التي كانت تقص عليه ما شاهدته في مكة المكرمة، ورغم أن الكتاب ألفه بن نبي بعد مرور ثلاثين عامًا على هذا الحدث إلا أنه ما زال يتذكره كأنه وقع فقط منذ لحظات قليلة: “كانت والدتي تنتظرني لتقص عليَّ قصة حجها (…) واسترسلت، وكنت أخشى أن تسكت عندما ترى دمعي، بالرغم من أن الغرفة كانت نصف مظلمة (…)، ولكن كان الحديث مؤثرًا تهزني منه أحيانًا هزات لا أستطيع كبتها، فأتظاهر بالعطش حتى أذهب إلى الشرفة حيث يوجد برادات الماء فأطلق العنان للدمع”.
بالإضافة إلى العامل الديني الذي يحث المسلمين على الحج ودراسة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم، والصحابة - رضوان الله عليهم - التي وقعت معظم أحداثها في شبه الجزيرة العربية، وتأثره ببعض المثقفين الذين درسوا وعاشوا في الحجاز كما ذكرنا من قبل، كان مالك بن نبي يرى في الدولة السعودية الفتية كيانًا سياسيًّا قائمًا على المجتمع الإسلامي الذي كان ينشده، وتجسيدًا على أرض الواقع للدعوة الوهابية في بعدها التجديدي التي آمن بها، فلا شك أن من طبيعة الإنسان أن يسعى لدعم الدولة القائمة على الفكرة التي اعتقد بها وخدمتها، وخاصة أن الملك “عبد العزيز” كان يريد الاعتماد أكثر على الإطارات الإسلامية في بناء دولته الجديدة حتى يتجنب الأخطاء والمشكلات التي وقع فيها الملوك العرب الذين استقدموا العلماء والمهندسين من أوروبا وكانت النتيجة تضخم الديون وبقاء التخلف، وفتح المجال للغزو الاستعماري في كل أشكاله.

لا بد من لفت النظر إلى عامل آخر خاص بالنخبة الجزائرية، فقد يئست من مستقبل العروبة والإسلام في الجزائر بعد أن فشلت كل الثورات وحركات الجهاد التي قام بها الجزائريون منذ قرن لإخراج الجيوش الفرنسية من الجزائر، فظهرت الهجرات إلى المشرق العربي هروبًا من الاستعمار الذي رسّخ أقدامه وبسط سيطرته على كل مجالات حياة الناس، وراح يمارس مضايقات كثيرة على كل نشاط إصلاحي أو سياسي ذي توجه عربي، الذي يرفض بقوة السياسة الاستعمارية التي تقوم على الاستيطان والاندماج، وكان من أبرز المهاجرين إلى الحجاز قبل الحرب العالمية الأولى: الشيخ حمدان الونيسي الذي صار إمامًا بالمسجد النبوي، الأديب الشهير أحمد رضا حوحو، العلامة محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي.

لم تكن رغبة مالك بن نبي للإقامة في الحجاز شعورًا عابرًا، فقد قام بكل الإجراءات الإدارية لتحقيق حلمه وتحويله إلى واقع ملموس، لكن القنصلية المصرية بباريس رفضت أن تمنحه تأشيرة للمرور على ميناء السويس، فكانت بحق صدمة عنيفة له: “إن الاستعمار يستطيع أن يتمسك في بعض الحالات بمظاهر المشروعية؛ لأن خونة من بين العرب ومن بين المسلمين يتولون الأمر، للقيام بالدور الذي لا تسمح له به كبرياؤه في تلك اللحظة”، وازداد وقع الخيبة حين علم أن أحد زملائه من يهود أوربا الشرقية تحصل على التأشيرة المصرية بدون عناء واستقر عامًا في مصر.

لم يتمكن مالك بن نبي من الهجرة إلى الحجاز والاستقرار مع أهله في الطائف وتحقق جزء من حلمه في الخمسينيات عندما أدى فريضة الحج، وحرص على العودة إلى بيت الله الحرام في الستينيات وبداية السبعينيات.
إن الشعور الذي عبّر عنه مالك بن نبي في مذكراته نحو الحجاز يدل دلالة واضحة على الصلة الروحية القوية إلى تربط دائمًا المسلمين بالأراضي المقدسة، فيها ظهرت رسالة الإسلام ومنها انطلقت الدعوة وحركة التجديد في العصر الحديث بقيادة الإمام محمد عبد الوهاب، وقد عملت حكومة الاحتلال الفرنسية على عزل الجزائريين عن هذه الحركة الإسلامية، وراقبت بشدة رحلات الحجاج الجزائريين إلا أنها فشلت في منع تسرب الأفكار الإصلاحية إلى الجزائر وأصبحت للدعوة كيانًَا قائمًا تمثلت في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحجاج الشباب الموحدين.

المصدر: موقع مالك بن نبي