المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رواية الطوق - 1 -



غريب عسقلاني
23/09/2008, 09:14 AM
غريب عسقلاني – الطوق – 1 -

الإهداء

إلى الجعباص الذي لم تغادره رائحة الزقاق

"غريب"




ـ 1 ـ
الليــل..
الليل ستار لعوالم شتى، وابتسامة عريضة تغطي وجهها، يتدفق الدم وردياً في وجنتيها. تضحك. تنّملها قبلة في الحلم، دفء الصدر والأمنيات في الحلم لا بأس.
التفّت على نفسها تختصر جسدها، تتكوّر في حضنه، تنصت إلى دقات قلبه تهامسها وتَعُدَّها دقة، دقة.. تتضخم الدقات، تصبح دوياً فيرق قلبها، وتصحو مذعورة.
الليل صمت ثقيل.. أرهفت السمع، يصلها هدير البحر. ترصد المدى بأذنيها، طلقة.. طلقة ثم انفجار مكتوم.
تتأكد.

لم يموه البحر الأصوات الأخرى. الطلقات بعيدة، حادة تصلها، تكاد تفلق رأسها. اشتباك..
خرجت تحدد المكان، وقفت في حوش الدار تنظر في الليل، بدا الأمر واضحاً، فوانيس الإضاءة تطرز السماء، والدنيا عارية في الشرق، وبقايا طلقات تخرج مذعورة.
عصرت صدرها بيديها، قشعريرة تلف بدنها، قلبها جناح عصفور، الشعل الفسفورية، تتعلق في سواد الليل اللزج.. تسمرت تغربل الأصوات من هدير البحر.

قال أبوها من تحت اللحاف:
- الاشتباك بعيد.
- الفوانيس ضاوية السماء شرقاً يا أبي.
تنهد العجوز:
- يا رب يا منجي تطفئ عين العدو عنهم.
وتشبث الرجل ببقايا دفء أخذ يغادر أطرافه، وبقايا ذكريات وحقد كثير، وخوف ليس على نفسه "فقد شبع من العمر الماسخ" اتكئ على وسادته ولف سيجارة هيشة, قالت متوترة:
- الاشتباك كبير.


- الله معهم.

رددت يغمرها الشك والوجل:
- يا رب يا كريم.
ودلفت الى الحجرة، وتعلقت على صدر الحائط، سد عليها مساحات تفكيرها، جفاف سكن حلقها.. وصوت سيارات الإسعاف ينعق يتضخم في أذنيها يفلق رأسها، يسقط قلبها فيحتويها بابتسامة صافية، حدقت في الصورة المعلقة تمتمت:
- يا ترى ايش بتعمل يا علي؟

يطل عليّ، يبتسم رغم الخواطر السوداء التي انتشرت حول إطار الصورة, ورغم دمعه خوف انزلقت على وجنتيها.

***
انسل الخيط الأبيض من الخيط الأسود، صبت على يدي أبيها ماء الوضوء، وتضرعت:
- ادعي لهم ربنا يسلمهم يا أبي.
- ومين ينساهم في صلاته غير الكافر.
قام الرجل إلى صلاته، وخرجت هي إلى رأس الزقاق، كانت أم خليل قد سبقتها وانطلقتا تطويان الطريق.. قالت أم خليل:
- أم صابر سبقتنا، ما أجلهاش قلب تستني.

ثم أردفت تسأل:
- هو معهم؟
- ما شفتو من امبارح.

- قبل المغرب مروا حاملين سلالهم، ما كان معهم.
- ربنا يستر، قال لي بدنا نغير المطارح.
واندفعتا عبر بوابة المستشفى.




***
غرفة المشرحة كما يسميها الأطباء، وغرفة عزرائيل كما يعرفها الناس، وغرفة الشهداء كما يسميها الناس هذه الأيام، ويوم الحشر كما روت أم صابر.. والشاب في العشرين، ممدد يستقبل زائريه، وظل ابتسامة غاضبة مازالت عالقة بشفتيه رغم خيط الدم الذي انزلق من زاوية فمه وتجمد.. لون الدم ما زال وردياً.
الشاب ممدد، ونظرة تأنيب يستقبل بها الناس، يده اليمنى تستريح على صدره، والتراب يلتصق بشعيرات نبتت على ساعده لم يكتمل نموها بعد. يلمع في إصبعه خاتم..عاشق ممدد والناس من حوله كيوم الحشر كما روت أم صابر..
قال رجل من الناس:
- غطى انسحاب جماعته و..
- احتوت صبية من الناس راحة الشاب، رفعتها إلى صدرها شهقت وانفجرت في الناس.
- ايش بتسموه
خجل الرجل، وصرخت الصبية:
- بطل وعمل اللي عليه.. ايش بتقولوا عنه؟
تشنجت عضلات وجهها لوحت بقبضتها في وجه الضابط الواقف بباب الغرفة، برق خاتم الخطوبة في إصبعها، وبرق صوتها:
- زفتوه بدري.
احتضنت يد الشاب، شرفت بدموعها:
- استعجلت ع العرس والزفة.
قال الضابط باختصار:
- مخرب.
صرخت أم صابر، وصرخ الرجل الذي هزمته الصبية، وصرخت سميرة:
- هذا بطل.
- هذا عريس.
وقفت أم خليل قبالة الضابط، تأملته، لبرهة قصيرة، صفعها، فردت عليه بزغرودة، ركلها فردت سميرة بزغرودة أطول، وانطلقت النساء والصبايا بالزغاريد، واختلطت أصوات النساء والرجال والأطفال، وبرق الخاتم في يد الصبية، وتجمدت الدموع في عينيها.
ذعر الضابط فأشار لجنوده بتطويق المكان، عبثاً حاولوا إبعاد الناس عن الجثة، فلجأوا إلى أساليب لا يملكها الناس.


***

الناس تملك أشياء كثيرة، منها جنازة الشهيد رغم أنف الضابط وكما قالت أم صابر:
- الناس في يوم الحشر ويوم الحشر أهون.
ثم تابعت.
- فشروا العرسان.
وقالت أم خليل:
- فص ملح وذابوا
وانفرج فمها عريضاً قاطعها يونس:
- حذرناهم والجيش بيطوق المقبرة.
ولوح بقبضته.
- إتخبينا بين القبور، زحفنا وطرنا للجنازة نخبر الشباب.
داعبت أم خليل رأس الصبي.
- فص ملح وذابوا، والتفتيش طلع على خازوق.

تمتمت سميرة، بيعرفوا "كيف ينسحبوا" وطارد عقلها رجلاً يعذبها الاهتداء إليه، بينما طار لسان حسنة يحدث سعدية كيف حملت جرة الماء إلى المقبرة، وكيف لقفت موسى الكياس من الجعباص، وكيف انسلت بين النساء وكاد الموس يسقط من بين ثدييها، سعدية تتابع بشغف, فيما وقفت زوجة الأستاذ فهيم على عتبة دارها تسترق السمع وتخبئ غُلبها في عِبها وتتخيل الجنازة، وتدعو الله ،أن لا يطل زوجها قبل أن تستمع لبقية الحديث..

فايزة شرف الدين
08/10/2008, 02:35 AM
قرأت الفصل الأول من رواية الطوق ، ويبدو أنها من أدب المقاومة .. البداية كانت قوية .
المشكلة أن الحوار باللغة العامية .. وفيها كلمات لا أعرفها .. مثل كلمة فشر .. يمكن أن أفهمها من السياق .. فرقوا العرسان .
الحقيقة أني لا أستسيغ اللغة العامية حتى لو كانت مصرية .. لأني أجد صعوبة في فهمها ، ومع الرأي الذي ينادي بالفصحى .. وذلك أن العامية تختلف في القطر الواحد ، ما بالك في الأقطار العربية ؟
مع ذلك فهمت السياق وأكثر الحوار .