المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنانية أبي فراس وإيثار المعري



مبارك مجذوب المبارك
28/09/2008, 04:07 AM
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ
هذا ما قاله أبو فراس الحمداني،
لكن المعري يقول عكس ذلك تماما :
فلا هطلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا

بيتان خالدان لشاعرين كبيرين محورهما موقف واحد، هو: من الأهم ؟ أنا ؟؟ أم الآخرين؟ وقد توقف الكثيرون عند هذه النقطة وقرروا أن موقف المعري هو الأفضل إذ يدعو إلى مكارم الأخلاق والإيثار، لكني أرى أن ما قاله أبو فراس هو الأصدق، فالرجل قرر مباشرة أنه هو المهم ، ما لف ولا دار و لا حاول إخفاء مشاعره ولا حاول التمترس خلف أقنعة زائفة من المبادئ ربما لا تنجح في وقت الاختبار.. حتى لو زدنا قناعة بان أبا فراس (ego-centered) حسب الوصف الحديث وذلك بالنظر الى قوله المشهور:
سيفتقدني قومي اذا جد جدهم ....وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فهذا لن يغير من كونه قال الصدق.
لكنا لسنا بصدد تقديم تحليل نفسي لشخصية ابي فراس الحمداني ، بل نحاول صنع سلم بين الموقفين، موقف ابي فراس وموقف المعري، ولن يرتقي أحد الى قمة السلم وهو السمو الاخلاقي ما لم يقر بوجود الفطرة وهي بداية السلم، علما بأن الإقرار ليس كافيا في حد ذاته، فلا بد من تهذيب الفطرة درجة درجة للوصول الى اعلى السلم وسنكتشف أننا لو فعلنا ذلك فسنجد أنفسنا وقد تجاوزنا بيت المعري الى الآية (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ...
ألانانية فطرة، هات أى طفل عمره سنة أو سنة ونصف، وحاول إجلاس طفل آخر في مثل عمره في حضن أم الطفل الأول، قطعا سيرفض ذلك وسيبكي وسيرفس، وقد يحاول إيذاء غريمه، هنا نرى تمكن الانانية وحب الذات بصورة سافرة، وسيكون هذا الشعور بالغيرة مضاعفا لو أن أمه حاولت إرضاع الطفل الآخر..لكن هل يترك الانسان على ما فطر عليه؟؟ كلا فلابد من تهذيب هذه المشاعر المتركزة حول الذات لأن المجتمعات الانسانية أكتشفت وهي تتطور عبر العصور الا بد من التنازل عن بعض الذات لصالح الجماعة، لأن حياة واستمرار الجماعة كجماعة لن يتحقق دون تكاتف وتضحيات.
المجتمعات التى أقرت بالفطرة ثم لم تقم بما يجب عمله نحو تهذيبها، تسود فيها مشاعر الأنانية بشكل مكثف، وقد ينتهي الأمر بافرادها إلى تكديس ثروات بمئات الملايين من الدولارات ثم التبرع بها للقطط والكلاب. لأنهم قد أصيبوا بشح النفس.
والمجتمعات التي تنكر الفطرة تماما وتنكرانطواء النفس البشرية عليها، ستكون خاسرة ايضا ولن تجد لقيم السمو الاخلاقي اى تطبيق على أرض الواقع، لذا حذر الرسول (ص) من التنكر للفطرة
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بشطره قال: لا. قلت: أفأتصدق بثلثه، قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)، متفق عليه].
إذن ما بين أنانية ابي فراس وهدف وقاية النفس من شحها طريق طويل. ولابد من سيره خطوة خطوة

مصطفى بونيف
30/09/2008, 02:52 AM
الأخ الكريم والاستاذ مبارك مجذوب :
أشكرك على هذا المقال المفيد حقا والذي انطلق من بيتين من الشعر لشاعرين من أهم قامات الشعر في تاريخ الأدب العربي ..وأحدهما فيلسوف الشعراء "المعري" ...والآخر ..أبو فراس الحمداني .
أحب أن أعقب على شخصية أبي فراس الحمداني ..الذي أوافقك الرأي حول ميله إلى الأنانية .
أليس هو القائل :
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ***ولكن مثلي لا يذاع له سر .
فهذا الرجل كان أنانيا لدرجة أنه أخفى مشاعر الحب ، والتي كان يصدح بها الشعراء حتى عرفوا باسماء حبيباتهم ، مجنون ليلى ، وجميل بثينه ، وعنترة وعبلة ...إلخ .

ومع ذلك ...
ليس هناك أفضل مما علمنا إياه أكرم المعلمين وخيرهم ، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "

وشكرا

مبارك مجذوب المبارك
02/10/2008, 12:05 AM
الأستاذ مصطفى بو نيف
هل نقول هذا الشبل من ذاك الأسد؟؟
لك التحية وكل عام وأنتم بخير
نعم ففي هذا الحديث الشريف ميزان الاعتدال
(لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ")
لم يتجاهل الحديث الفطرة الطبيعية في حب النفس ولكن طلب تهذيب ذلك الشعور الأناني الهدام، ولم يكتف بذلك بل جعل من تهذيبه أساسا من أسس الإيمان.

ملحوظة:
ما بال ذلك الكرسي فارغا؟؟
الا تدري أن أمتنا العربية أمة مهووسة بالكراسي، وكأنما كرسيك هذا يذكر عشاق الكراسي باحلامهم؟؟:):)