د. محمد اسحق الريفي
01/10/2008, 11:57 PM
فلسطين .. مرض نفسي اسمه الاحتلال !!
علا عطا الله*
الدموع والصراخ .. دائمًا في خلفية المشهد الفلسطيني
بيوتٌ على ساكنيها تُهدم، أطفالٌ يرحلون وعلى أصابعهم بقايا حُلم، جرحى ينزفون حتى الموت بانتظار سيارات إسعافٍ لن تصل، أسرى أنهكتهم سنوات العذاب والانتظار.. حصارٌ خانق من جميع الجهات، ومعدلات الفقر والبطالة في ازدياد مضطرد، الهواء مخنوق والماء ملوث والسماء تفقد زرقتها، والواقع يئن تحت وطأة صعوبة الأوضاع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية !! وفي خلفية الصورة دموعٌ وعبراتٌ لا تنتهي ولا تتوقف ففي القلوب ألف غصة والعيون تخشى المجهول القادم.
ما سبق وصفه هو أقل القليل لتفاصيل الحياة في فلسطين المكتوية بنار الاحتلال الإسرائيلي ونار الحصار الدولي.. حياة كفيلة بإصابة أشد الناس تفاؤلاً وراحة بشتى أنواع الأمراض النفسية.
خلال الأعوام القليلة الماضية تدهورت الأوضاع بحدة وازدادت صعوبتها يوما بعد يوم، الأمر الذي أدى إلى انتشار وتفشي الأمراض النفسية في المجتمع الفلسطيني، وبحسب الإحصائيات المختصة والرسمية فإن أبرز مرض نفسي منتشر في فلسطين هو القلق (التوتر) يليه الاكتئاب ثم أعراض ما بعد الصدمة.
غير أن متخصصين نفسيين أكدوا في تصريحات لشبكة "إسلام أون لاين.نت" أن المجتمع الفلسطيني تعرض لأمراض نفسية عجز الطب النفسي عن اكتشافها والحديث عنها، وشددوا على أن الأجواء الخانقة والمؤلمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني كفيلة بإصابة كافة أفراد المجتمع بأمراض وبمؤثرات نفسية وإن اختلفت وتراوحت نسبها.
الأطفال أكثر الضحايا
"سمير قوتة" الأخصائي النفسي، ورئيس قسم الأبحاث في برنامج غزة للصحة النفسية، أكد لشبكة إسلام أون لاين.نت أن الشعب الفلسطيني يعاني من أزمة نفسية حقيقية جراء الممارسات الإسرائيلية العدوانية التي انعكست بالسلب على كافة مناحي الحياة.
وردًّا على سؤال حول أبرز مرض نفسي موجود في فلسطين أجاب قائلا: منذ عقود وقرون والشعب الفلسطيني يفتقد الحياة الهانئة وراحة البال، غير أن هذا الواقع زاد صعوبة وحدة بعد انتفاضة الأقصى 2000، وما شهدته من قتل وتدمير للحجر والبشر، وما تلاها من سنوات عذاب وحصار خانق أثرت بالسلب على نفسية المواطن الفلسطيني.
ومن خلال الأبحاث والدراسات تبين أن أبرز الأمراض النفسية التي تنتشر في الأراضي الفلسطينية بالترتيب، هي القلق (التوتر) و الاكتئاب ثم أعراض ما بعد الصدمة.
وأشار قوتة إلى أن كافة الدلائل والإحصاءات الرسمية تُشير إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، وأعراض ما بعد الصدمة خاصة بين الأطفال لتصل في مناطق المواجهة والتماس مع الاحتلال إلى 55% في حين تصل إلى 33% في المناطق البعيدة عن المواجهة.
وأكد أن نسبة التوتر لدى الراشدين والبالغين تصل إلى 42%، يعاني 32% منهم من الاكتئاب، و15 % من الخبرة الصادمة، مشددا على أن هذه النسب لدى الكبار تقل بحسب البعد عن زمان ومكان الحدث وبحسب القدرة على الاحتمال.
ممارسات الاحتلال
ينوِّه قوتة إلى أن الإحصائيات قد لا تُعطي أرقاما دقيقة نتيجة لتعامل المجتمع الفلسطيني مع المرض بطريقة سلبية، غير أنه شدد على أن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب عرضة للأمراض والاضطرابات النفسية، مضيفا أن هناك استعدادا نفسيا متواصلا لدى الفلسطينيين للتعرض إلى المعاناة والحياة تحت ضغط القلق والتوتر؛ حيث إن الظروف مهيأة لذلك فلا تكاد مسببات الكآبة تتوقف ولو للحظة.
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي وما خلّفه من عدوان يقف على رأس العوامل المساهمة في انتشار الأمراض النفسية، وذلك بسبب ممارسات الاحتلال.. فلا يمكن أن نتحدث عن هدوء وراحة بال أمام القصف اليومي ومسلسل العذاب والقتل وسيل الدماء.
كما أن الحصار المفروض حاليًا من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي لعب دورا بارزا في ازدياد معدلات القلق، إضافة إلى أحداث الاقتتال الداخلي الأخيرة، حتى أن البيئة الفلسطينية باتت في النهاية عرضة للإصابة بالأمراض النفسية أكثر من أي مجتمع آخر.
وحذر قوتة من أن هناك أزمة نفسية حقيقية وخطيرة تُواجه الشعب الفلسطيني جراء العنف الإسرائيلي، مشيرا إلى أن السجلات الرسمية سجلت ارتفاعا مخيفا في مستوى أعراض ما بعد الصدمة.
كما أن برنامج مركز غزة للصحة النفسية شهد تزايدا ملحوظا في الإقبال على تلقي الخدمة الصحية النفسية من قبل كافة شرائح المجتمع مضيفا أن قوة ضغط الظروف المحيطة بالمواطنين الفلسطينيين ستترك آثارا وانعكاسات نفسية خطيرة".
وتمنى أن يزداد كم المراكز والمؤسسات المعنية بالصحة النفسية مشددا على أن قلتها إضافة إلى عزوف المرضى وانحسار تجاوب المواطنين يعمل على تفاقم الأمراض النفسية.
وحول برنامج غزة للصحة النفسية وتعامله مع المرضى، يؤكد قوتة أن المركز يقوم بتوعية المجتمع إزاء الأمراض النفسية المنتشرة، ويعمل الأبحاث والدراسات حول الأمراض وكيفية الوقاية والعلاج منها.
وتابع: هناك دورات لخريجي الجامعات لتعليمهم فن الإرشاد النفسي والتربوي وإكسابهم المهارات العلاجية للتعامل مع المرضى والتصرف في وقت الأزمات، كما أنه فور حدوث أي اجتياح أو عدوان إسرائيلي فإن المركز يوجد فورًا في بؤرة الحدث لمعالجة الضرر النفسي الناجم.
سلبية المجتمع
الدكتور فضل أبو هين -مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة- تحدث إلى شبكة إسلام أون لاين نت، قائلا: الإنسان ابن البيئة التي يعيش بها، فإن كانت البيئة التي نعيش بها بيئة حرب ودمار وقصف وحصار، تتميز بالأسى والحرمان، فمن الطبيعي في ظل ما نتعرض له من تجويع وتعذيب وقتل أن نشهد ارتفاعا وازديادا في المشاكل والأمراض النفسية.
وعن أبرز مرض قال أبو هين: "الإحصائيات والدراسات تؤكد أن أهم الأمراض النفسية في فلسطين القلق (التوتر) يليه الاكتئاب، ثم أعراض ما بعد الصدمة، محذرًا من أن ارتفاع المؤثرات والمسببات الضاغطة، وتوفر عوامل ومناخات الأرق في فلسطين ستؤدي إلى ظهور أمراض نفسية يعجز الطب النفسي عن تفسيرها وتسميتها أو حتى علاجها.
وشدد أبو هين على أن كافة الأرقام والإحصائيات التي تتحدث عن انتشار الأمراض النفسية في فلسطين لا تقل عن نسبة 60%، يأتي في مقدمتها القلق (التوتر) ثم الاكتئاب، موضحًا أن الأراضي الفلسطينية تحظى بأعلى نسب للإصابة بالأمراض النفسية مقارنة بدول المنطقة العربية .
وبين أن كثيرا من المواطنين الفلسطينيين مهيئون للإصابة بالأمراض النفسية خاصة أن المزاج العام السائد هو التوتر والاستعداد للاكتئاب.
وأشار إلى أنه على الرغم من الأعداد الهائلة من المصابين بالأمراض النفسية فإن الخدمات المقدمة لهم قليلة، بالنظر إلى أن مراكز وبرامج الصحة النفسية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
وأرجع سبب ذلك إلى ندرة الأخصائيين النفسيين، والخدمات العلاجية المتخصصة بالإضافة إلى نظرة المجتمع السلبية للمصاب، قائلا: إن اعتراف الشخص أنه مصاب بالسرطان أهون عليه من الاعتراف بأنه مريض بمرض نفسي.. هناك حساسية مفرطة في المجتمع الفلسطيني تجاه هذه القضية، فالمريض يشعر باعترافه بالمرض وكأنه أقدم على أمر معيب ومخزٍ.
تأهيل وعلاج
وبالنسبة لتعامل برامج التأهيل مع المصابين، قال: "نستقبل المريض ثم نتركه يتحدث باستفاضة، وبعد ذلك نصف له الأنشطة اللازمة والمعينة للتخفيف من قلقه وتوتره أو اكتئابه، وذلك عبر فعاليات متعددة وجلسات متتالية تمتص حجم القلق والتوتر مع التركيز على أساليب التأمل والاسترخاء.
وإن لم تجدِ هذه الطريقة نلجأ للطب العضوي للمساهمة في إحداث التوازن الداخلي للمريض من خلال بعض العقاقير والأدوية.
وشدد على أن علاج المرض النفسي عبارة عن حل متكامل لا تنفع معه المسكنات، وطالب بأن تعمل كل الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والإعلامية على إبعاد كل مسببات القهر والحرمان والتوتر ومثيرات الأعصاب عن المواطنين.
من جانبه رأى الدكتور "درداح الشاعر" أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بمدينة غزة، أن جُل أفراد الشعب الفلسطيني مصابون بأمراض ومشاكل نفسية.
وأضاف: الهم والمعاناة أمر عام؛ لهذا فالكل معرض للإصابة، فهو جزء من المعادلة والمتغيرات الحادثة ولكن تختلف النسب بقدرة الإنسان على التحمل وارتباطه بالحدث.
وأوضح الشاعر أن المؤسسات والبرامج التي تستهدف الصحة النفسية في فلسطين بحاجة لتطوير ضوابط ومعايير مهنية تحكم العمل وتنظم العلاقات فيما بينها للعمل على توحيد الرؤى وتعميق تحليل واقع ومستقبل تلك البرامج.
وطالب برفع كفاءة وفعالية وشمولية البرامج المقدمة، وألا يتم اقتصارها على مرحلة عمرية واحدة، خاصة إذا علمنا أن غالبية البرامج تركز على مرحلة الطفولة على حساب المراحل الأخرى العمرية الأخرى.
وشدد الشاعر، على أن الإنسان يتأثر بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والدينية ويختلف تأثير هذه الجوانب على الأفراد حسب طبيعتهم البيولوجية والوراثية والعمرية، فمنهم من يصل إلى توازن مع ذاته والبيئة المحيطة به دون المرور بحالة نفسية مضطربة، ومنهم من يحتاج في ذلك إلى تدخل خارجي لمساعدته للوصول إلى ذلك التوازن مع ذاته ومع المحيطين به.
ونوه إلى أن مساعدة الفرد للوصول إلى التوازن يتم من خلال الإرشاد والدعم المعنوي لبناء الذات، الذي يجب أن يقدمه للمريض أحد المقربين له من الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو حتى من خلال مختصين في مجال الإرشاد النفسي، أو الأطباء النفسيين المختصين في الحالات التي تستدعي ذلك، على أن يكون العلاج بوسائل مختلفة آخرها الأدوية والعقاقير.
وشدد على أن الصحة النفسية للفرد الفلسطيني تتأثر بنفس العوامل التي يتأثر بها الإنسان في العالم، يضاف إليها أسباب أخرى ترتبط بخصوصية الواقع الفلسطيني بما يفاقم من حجم التعقيدات.
ويرى الشاعر أن واقع الصحة النفسية للفرد الفلسطيني في تدهور دائم لعدة أسباب رئيسية، يأتي في مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية، ثم الفقر وانتشار البطالة، وثالثا ضعف قدرات المؤثرين في التنشئة الاجتماعية، أما السبب الرابع فيكمن في ضعف خدمات الصحة النفسية المقدمة.
وأكد أن مراكز الصحة النفسية المتخصصة والمهنية لا زالت محدودة بالنسبة لعدد السكان وللمحتاجين إليها، إضافة لقلة الموارد البشرية المتخصصة والمدربة في المجالات المختلفة لبرامج الصحة النفسية الإرشادية والعلاجية، متمنيًا أن يتم خلق حالة من الثقة في برامج الصحة النفسية من قبل المجتمع الفلسطيني ومؤسساته وذلك بدعم تلك البرامج معنويا وماديا.
_______________
* صحفية في مكتب الجيل - فلسطين، ويمكنك التواصل معها عبر البريد الإلكتروني للصفحة holol@iolteam.com.
علا عطا الله*
الدموع والصراخ .. دائمًا في خلفية المشهد الفلسطيني
بيوتٌ على ساكنيها تُهدم، أطفالٌ يرحلون وعلى أصابعهم بقايا حُلم، جرحى ينزفون حتى الموت بانتظار سيارات إسعافٍ لن تصل، أسرى أنهكتهم سنوات العذاب والانتظار.. حصارٌ خانق من جميع الجهات، ومعدلات الفقر والبطالة في ازدياد مضطرد، الهواء مخنوق والماء ملوث والسماء تفقد زرقتها، والواقع يئن تحت وطأة صعوبة الأوضاع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية !! وفي خلفية الصورة دموعٌ وعبراتٌ لا تنتهي ولا تتوقف ففي القلوب ألف غصة والعيون تخشى المجهول القادم.
ما سبق وصفه هو أقل القليل لتفاصيل الحياة في فلسطين المكتوية بنار الاحتلال الإسرائيلي ونار الحصار الدولي.. حياة كفيلة بإصابة أشد الناس تفاؤلاً وراحة بشتى أنواع الأمراض النفسية.
خلال الأعوام القليلة الماضية تدهورت الأوضاع بحدة وازدادت صعوبتها يوما بعد يوم، الأمر الذي أدى إلى انتشار وتفشي الأمراض النفسية في المجتمع الفلسطيني، وبحسب الإحصائيات المختصة والرسمية فإن أبرز مرض نفسي منتشر في فلسطين هو القلق (التوتر) يليه الاكتئاب ثم أعراض ما بعد الصدمة.
غير أن متخصصين نفسيين أكدوا في تصريحات لشبكة "إسلام أون لاين.نت" أن المجتمع الفلسطيني تعرض لأمراض نفسية عجز الطب النفسي عن اكتشافها والحديث عنها، وشددوا على أن الأجواء الخانقة والمؤلمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني كفيلة بإصابة كافة أفراد المجتمع بأمراض وبمؤثرات نفسية وإن اختلفت وتراوحت نسبها.
الأطفال أكثر الضحايا
"سمير قوتة" الأخصائي النفسي، ورئيس قسم الأبحاث في برنامج غزة للصحة النفسية، أكد لشبكة إسلام أون لاين.نت أن الشعب الفلسطيني يعاني من أزمة نفسية حقيقية جراء الممارسات الإسرائيلية العدوانية التي انعكست بالسلب على كافة مناحي الحياة.
وردًّا على سؤال حول أبرز مرض نفسي موجود في فلسطين أجاب قائلا: منذ عقود وقرون والشعب الفلسطيني يفتقد الحياة الهانئة وراحة البال، غير أن هذا الواقع زاد صعوبة وحدة بعد انتفاضة الأقصى 2000، وما شهدته من قتل وتدمير للحجر والبشر، وما تلاها من سنوات عذاب وحصار خانق أثرت بالسلب على نفسية المواطن الفلسطيني.
ومن خلال الأبحاث والدراسات تبين أن أبرز الأمراض النفسية التي تنتشر في الأراضي الفلسطينية بالترتيب، هي القلق (التوتر) و الاكتئاب ثم أعراض ما بعد الصدمة.
وأشار قوتة إلى أن كافة الدلائل والإحصاءات الرسمية تُشير إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، وأعراض ما بعد الصدمة خاصة بين الأطفال لتصل في مناطق المواجهة والتماس مع الاحتلال إلى 55% في حين تصل إلى 33% في المناطق البعيدة عن المواجهة.
وأكد أن نسبة التوتر لدى الراشدين والبالغين تصل إلى 42%، يعاني 32% منهم من الاكتئاب، و15 % من الخبرة الصادمة، مشددا على أن هذه النسب لدى الكبار تقل بحسب البعد عن زمان ومكان الحدث وبحسب القدرة على الاحتمال.
ممارسات الاحتلال
ينوِّه قوتة إلى أن الإحصائيات قد لا تُعطي أرقاما دقيقة نتيجة لتعامل المجتمع الفلسطيني مع المرض بطريقة سلبية، غير أنه شدد على أن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب عرضة للأمراض والاضطرابات النفسية، مضيفا أن هناك استعدادا نفسيا متواصلا لدى الفلسطينيين للتعرض إلى المعاناة والحياة تحت ضغط القلق والتوتر؛ حيث إن الظروف مهيأة لذلك فلا تكاد مسببات الكآبة تتوقف ولو للحظة.
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي وما خلّفه من عدوان يقف على رأس العوامل المساهمة في انتشار الأمراض النفسية، وذلك بسبب ممارسات الاحتلال.. فلا يمكن أن نتحدث عن هدوء وراحة بال أمام القصف اليومي ومسلسل العذاب والقتل وسيل الدماء.
كما أن الحصار المفروض حاليًا من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي لعب دورا بارزا في ازدياد معدلات القلق، إضافة إلى أحداث الاقتتال الداخلي الأخيرة، حتى أن البيئة الفلسطينية باتت في النهاية عرضة للإصابة بالأمراض النفسية أكثر من أي مجتمع آخر.
وحذر قوتة من أن هناك أزمة نفسية حقيقية وخطيرة تُواجه الشعب الفلسطيني جراء العنف الإسرائيلي، مشيرا إلى أن السجلات الرسمية سجلت ارتفاعا مخيفا في مستوى أعراض ما بعد الصدمة.
كما أن برنامج مركز غزة للصحة النفسية شهد تزايدا ملحوظا في الإقبال على تلقي الخدمة الصحية النفسية من قبل كافة شرائح المجتمع مضيفا أن قوة ضغط الظروف المحيطة بالمواطنين الفلسطينيين ستترك آثارا وانعكاسات نفسية خطيرة".
وتمنى أن يزداد كم المراكز والمؤسسات المعنية بالصحة النفسية مشددا على أن قلتها إضافة إلى عزوف المرضى وانحسار تجاوب المواطنين يعمل على تفاقم الأمراض النفسية.
وحول برنامج غزة للصحة النفسية وتعامله مع المرضى، يؤكد قوتة أن المركز يقوم بتوعية المجتمع إزاء الأمراض النفسية المنتشرة، ويعمل الأبحاث والدراسات حول الأمراض وكيفية الوقاية والعلاج منها.
وتابع: هناك دورات لخريجي الجامعات لتعليمهم فن الإرشاد النفسي والتربوي وإكسابهم المهارات العلاجية للتعامل مع المرضى والتصرف في وقت الأزمات، كما أنه فور حدوث أي اجتياح أو عدوان إسرائيلي فإن المركز يوجد فورًا في بؤرة الحدث لمعالجة الضرر النفسي الناجم.
سلبية المجتمع
الدكتور فضل أبو هين -مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة- تحدث إلى شبكة إسلام أون لاين نت، قائلا: الإنسان ابن البيئة التي يعيش بها، فإن كانت البيئة التي نعيش بها بيئة حرب ودمار وقصف وحصار، تتميز بالأسى والحرمان، فمن الطبيعي في ظل ما نتعرض له من تجويع وتعذيب وقتل أن نشهد ارتفاعا وازديادا في المشاكل والأمراض النفسية.
وعن أبرز مرض قال أبو هين: "الإحصائيات والدراسات تؤكد أن أهم الأمراض النفسية في فلسطين القلق (التوتر) يليه الاكتئاب، ثم أعراض ما بعد الصدمة، محذرًا من أن ارتفاع المؤثرات والمسببات الضاغطة، وتوفر عوامل ومناخات الأرق في فلسطين ستؤدي إلى ظهور أمراض نفسية يعجز الطب النفسي عن تفسيرها وتسميتها أو حتى علاجها.
وشدد أبو هين على أن كافة الأرقام والإحصائيات التي تتحدث عن انتشار الأمراض النفسية في فلسطين لا تقل عن نسبة 60%، يأتي في مقدمتها القلق (التوتر) ثم الاكتئاب، موضحًا أن الأراضي الفلسطينية تحظى بأعلى نسب للإصابة بالأمراض النفسية مقارنة بدول المنطقة العربية .
وبين أن كثيرا من المواطنين الفلسطينيين مهيئون للإصابة بالأمراض النفسية خاصة أن المزاج العام السائد هو التوتر والاستعداد للاكتئاب.
وأشار إلى أنه على الرغم من الأعداد الهائلة من المصابين بالأمراض النفسية فإن الخدمات المقدمة لهم قليلة، بالنظر إلى أن مراكز وبرامج الصحة النفسية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
وأرجع سبب ذلك إلى ندرة الأخصائيين النفسيين، والخدمات العلاجية المتخصصة بالإضافة إلى نظرة المجتمع السلبية للمصاب، قائلا: إن اعتراف الشخص أنه مصاب بالسرطان أهون عليه من الاعتراف بأنه مريض بمرض نفسي.. هناك حساسية مفرطة في المجتمع الفلسطيني تجاه هذه القضية، فالمريض يشعر باعترافه بالمرض وكأنه أقدم على أمر معيب ومخزٍ.
تأهيل وعلاج
وبالنسبة لتعامل برامج التأهيل مع المصابين، قال: "نستقبل المريض ثم نتركه يتحدث باستفاضة، وبعد ذلك نصف له الأنشطة اللازمة والمعينة للتخفيف من قلقه وتوتره أو اكتئابه، وذلك عبر فعاليات متعددة وجلسات متتالية تمتص حجم القلق والتوتر مع التركيز على أساليب التأمل والاسترخاء.
وإن لم تجدِ هذه الطريقة نلجأ للطب العضوي للمساهمة في إحداث التوازن الداخلي للمريض من خلال بعض العقاقير والأدوية.
وشدد على أن علاج المرض النفسي عبارة عن حل متكامل لا تنفع معه المسكنات، وطالب بأن تعمل كل الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والإعلامية على إبعاد كل مسببات القهر والحرمان والتوتر ومثيرات الأعصاب عن المواطنين.
من جانبه رأى الدكتور "درداح الشاعر" أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بمدينة غزة، أن جُل أفراد الشعب الفلسطيني مصابون بأمراض ومشاكل نفسية.
وأضاف: الهم والمعاناة أمر عام؛ لهذا فالكل معرض للإصابة، فهو جزء من المعادلة والمتغيرات الحادثة ولكن تختلف النسب بقدرة الإنسان على التحمل وارتباطه بالحدث.
وأوضح الشاعر أن المؤسسات والبرامج التي تستهدف الصحة النفسية في فلسطين بحاجة لتطوير ضوابط ومعايير مهنية تحكم العمل وتنظم العلاقات فيما بينها للعمل على توحيد الرؤى وتعميق تحليل واقع ومستقبل تلك البرامج.
وطالب برفع كفاءة وفعالية وشمولية البرامج المقدمة، وألا يتم اقتصارها على مرحلة عمرية واحدة، خاصة إذا علمنا أن غالبية البرامج تركز على مرحلة الطفولة على حساب المراحل الأخرى العمرية الأخرى.
وشدد الشاعر، على أن الإنسان يتأثر بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والدينية ويختلف تأثير هذه الجوانب على الأفراد حسب طبيعتهم البيولوجية والوراثية والعمرية، فمنهم من يصل إلى توازن مع ذاته والبيئة المحيطة به دون المرور بحالة نفسية مضطربة، ومنهم من يحتاج في ذلك إلى تدخل خارجي لمساعدته للوصول إلى ذلك التوازن مع ذاته ومع المحيطين به.
ونوه إلى أن مساعدة الفرد للوصول إلى التوازن يتم من خلال الإرشاد والدعم المعنوي لبناء الذات، الذي يجب أن يقدمه للمريض أحد المقربين له من الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو حتى من خلال مختصين في مجال الإرشاد النفسي، أو الأطباء النفسيين المختصين في الحالات التي تستدعي ذلك، على أن يكون العلاج بوسائل مختلفة آخرها الأدوية والعقاقير.
وشدد على أن الصحة النفسية للفرد الفلسطيني تتأثر بنفس العوامل التي يتأثر بها الإنسان في العالم، يضاف إليها أسباب أخرى ترتبط بخصوصية الواقع الفلسطيني بما يفاقم من حجم التعقيدات.
ويرى الشاعر أن واقع الصحة النفسية للفرد الفلسطيني في تدهور دائم لعدة أسباب رئيسية، يأتي في مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية، ثم الفقر وانتشار البطالة، وثالثا ضعف قدرات المؤثرين في التنشئة الاجتماعية، أما السبب الرابع فيكمن في ضعف خدمات الصحة النفسية المقدمة.
وأكد أن مراكز الصحة النفسية المتخصصة والمهنية لا زالت محدودة بالنسبة لعدد السكان وللمحتاجين إليها، إضافة لقلة الموارد البشرية المتخصصة والمدربة في المجالات المختلفة لبرامج الصحة النفسية الإرشادية والعلاجية، متمنيًا أن يتم خلق حالة من الثقة في برامج الصحة النفسية من قبل المجتمع الفلسطيني ومؤسساته وذلك بدعم تلك البرامج معنويا وماديا.
_______________
* صحفية في مكتب الجيل - فلسطين، ويمكنك التواصل معها عبر البريد الإلكتروني للصفحة holol@iolteam.com.