المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيدالخدير........الفصل الثاني



علي مرزوق
04/10/2008, 05:36 PM
الفصل الثاني
الصنية والاحباب
بينما نحن على هذا الحال نتحدث و في نفس الوقت نعالج رفع العربة لازالة الحجرة من تحتها اذ اقبل علينا صهري وهو يردد . ..(( مرحبا ...مرحبا ...مرحبا .بضو الدار ..للا رشيدة ..جيتي يا لهرابة ))..فسمعت أم ياسين صوت أبيها وتأملت في شخصه وابتسمت ثم أقبلت على يديه تقبلهم قبلات متتالية , ثم تركته ليسلم علي وهو يقول (( مرحبا ..سي احمد طولت علينا الغيبة ..تفضل الدار داركم )) كان سي العياشي رجل في الستينات من عمره لكنه يبدو من محياه انه لازال يتمتع بصحة جيدة , احمر اللون ولا زال يحتفظ ببعض شبابه لحيته سوداء خالية من الشيب , متوسط القامة وبعمامة بيضاء لاتفارق رأسه الاعند النوم ويرتدي جبة صوفية بيضاء تحتها قميص ابيض , مكان يده اليمنى كم جلبابه ملتصق على جنبه وداخل في جيبه لانه مبتور اليد اليمنى . ورغم هذه الإعاقة كان يقوم بأعمال كثيرة ومتنوعة حسب متطلبات البادية ,كالرعي ونقل الماء الشروب من المطفية القريبة من الدوار . فهو لازال يتمتع بحيويته ونشاطه المعهود والذي يشهد له به أبناء قريته .لم ينتظر طويلا بل بادر بيده اليسرى وحمل حقيبة ثم قال : (( لبسم الله تفضلوا معانا )) لم يبتعد عنا قليلا ثم وقف واخرج رجله من نعله الأبيض ثم افرغ ما في النعل من حصى و انتعله من جديد ثم استانف سيره كان الضوء الدي ينبعث من القنديل الدي يحمله المسيرة اخو رشيدة من ابيها الدي قد حيانا برفقة اخوته ابراهيم و هشام جد طئيل فكنا نقتفي اثره كل حين كما كنت انتقل يمينا وشمالا خوفا من الكلبين الدين بر فقتهم وام ياسين تشجعني وهي تقول...((لاتخف منهما هما يرحبان بمن يدخل دارنا الا تراهما يتمسحان بك... )) ثم ابتعدت قليلا عنها و انا اقول ..((نعم.لكن لايمكن ان السع من جحر واحد…)) اقتربت من انسابي وانا اتمايل في مشيتي لا نني احمل باليمنى حقيبة وباليسرى قفة .كانت المسافة بين العربة و المنزل لاتتعدى عشرات الخطوات اقتربت من إبراهيم ثم قلت وأنفاسي تنخفض وتتصاعد ...((كيف حاللك هل أنت بخير يا إبراهيم وهل نجحت في الا متحان…))
..((نعم سأنتقل الى الفصل الرابع…))
..((طيب وأنت الآن في عطلة.هل تساعد أباك في بعض أعماله ))
..((نعم تارة أساعد أبي في سقي الماء.و أخرى احمل الكلأ من الكاعة إلى المنزل لأقدمه للعجل المربوط ))
..((جميل جدا عندكم عجل مربوط . كم انتم أغنياء فهدا يضاعف من محاصيلكم الفلاحية ماديا ومعنويا…))
..(( بل عندنا كدالك أربعة أكباش غير الغنم التي يرعى هشام …))
في طريقنا الى الباب استقبلتنا السيدة رحمة زوجة صهري واخدت تنظر في وجه رشيدة وتقول ..((كيف راك يالهرابة غبت حتى ابيضيتي…))
ثم عانقتها عناقا حارا واخدت منها ابني وهي تلاعبه وتبتسم في وجهه ...( تبارك الله على أوليدي والصلاة والسلام على النبي ,بوه يشبه بوه ))
ثم أقبلت نحوي ووجهها لازالت عليه ارتسمات الترحيب والحفاوة بالضيف , رحمة امراة بدوية ترعرعت ونشأت هناك ,تتمتع بصحة عالية وجهها سمين ومستدير لم ينقصها شيئا عن النساء الحسناوات وتبدو بشوشة مما يزيد في رونق محياها , تشد رأسها بمنديل اسود وترتدي قباء ازرق خرجت لتلقانا وهي حافية الأرجل وهذا يدل على تواضعها وحفاوتها وحسن استقبالها ثم قا لت (( هي بنتنا أنت اللي ضيف عندنا مرحبا ....تفضل ...)) ثم تقدمت أمامنا بعدما اخدت من ابنها القنديل لتضيء أمامنا اخر خطوة نخطوها , لم نشعر الا ونحن في صدر البيت حيث استقبلتنا بنتها استقبالا حارا ,فكان عناقها مع اختها عناقا حارا مبالغا فيه .
كانت امينة قد هيات البيت باشارة من امها قبل انم تلقانا , فرشت الزربية ورتبت النمارق واطلقت البخور احتفاءا بقدومنا . كظيوف عندهم. لم نلبت الا قليلا حتى اقبلت علينا السيدة منانة شقيقة ام ياسين لم تتراوح الاربعين من عمرها بعد لكن ملامح محياها واتر الفقر الدي يخيم على شخصها وتيابها الرثة التى اخفت بعض محسينها توحي انها مسنة وقفت وتاملت مليا في وجه اختها . كانت نظراتها حادة ومركزة نحوها ثم فاهت بالفاظ شفافة وعاطفية ملؤها الاسى والانكمار. ..((ايه... ايه.. شكون قال رشيده دير لولاد اوتسكن في لمدينة سعداتك اخيتي شكون بحالك النقاوة والحالة والعيشة زينة طلب تصيب, كلشي يشعل يظوي في المدينة. اوكي ديرتي راك درتي شي عقل, اوتمري راسك.سعداتك تهنيتي من صداع الكشينة..ثم عانقت أختها عناقا ممزوج ببعض الأسى والاشتياق العميق الدي نجم عن بعد المسافة يبنهما. للا منانة في القرية تعاني من قسوة البا]دية بعد أيام الجفاف المتتالية.بينما اختها التي كانت تقاسمها هده الحياة مرها وحلولها تعيش الان في بحبوحة من الرخاء والطمأنينة لاتحمل هما لحطب ولا لبهائم, كما غابت عمنها تلك اللحظات التي كانت تفرقها إلى أختها في منزل ابيها ,و تفرغ ما في قلبها من أعباء الحياة وقسوة زوجها وإفلاسه وضيق العيش والبيت الذي يحوي بعض أواني المطبخ والاغدية وينام فيه الجميع. كانت رشيدة صندوق أسرارها وتخفيف أثقالها وربما تساعدها في بعض أشغالها رغم صغر سنها.بينما هما كذلك اد جاءت ابنة منانة مسعودة . صبية في سن الرابعة عشر من عمرها عليها أسمال رثة وملونة أضفت عليها بعض الوسامة تشد رأسها بمنديل ازرق عليه نقط بيضاء قد عقدته حول حول حلقها مما جعل وجهها يزداد حسنا وبهاء.وعيون تتخللها البراءة والحياء.وتنتعل في رجليها حداء بلاستيكي اسود قد تمزق من جهة القدم فأتقل ممشاها. فقرات على محياها أن شبح البؤس يتبع خطاها فعانقت خالتها التي بادلتها نفس العناق مع كلمات حساسة ..((تبارك الله والصلاة على النبي, او درتي شي عقل اووليتي تعاوني أمك شوية ...))
..((اوما خشاي اخويلتي علاه اش عندي من غيرها...))ثم جلسنا بإشارة من السيدة رحمة وهي تحمل بين يديها مخدات. ..((كلسوا مرحبا بكم او ديرو هد المخيدات..)) فوضعت وراء ظهري واحدة ووراء أم ياسين كذلك,واخدت المائدة التي أمامنا وكشفت عن غطائها فادا هي صينية عليها ابريق (براد )وكؤوس مزركشة الألوان ثم وضعتها أمامها .وما بدأنا نتبادل التحية وأطراف الحديث حول أحوال الناس بالقرية حتى جاءت ابنتها أمينة بالمغلات ومنقل ووضعته في جنبها مع صندوق صغير يحتوي على سكر وشاي ففتحته وقالت ..((قهرنا اختي الفار كن ماهذ الصندوق كن حتى حاجة ما تبق صالحة..))ثم شرعت في تهييء الشاي بطريقتها المتميزة, استدانتها ابنتها واخدت المغلات من فوق المنقل ووقفت أمامها تنتظر الإشارة في حين كانت السيدة رحمة تقطع عروش النعناع وتنشفه بقطعة من الثوب ليجف منه الماء الذي نظف به ثم وضعته في كاس ثم همست الى ابنتها بلفظة وإشارة بعدما فتحت غلاقة الإبريق <البراد>
(( كبي نشلل او تقادي معايا الحادكة ..)) لم تكد امينة تفرغ من المغلات قدر نصف كأس في البراد حتى أشارت لها بيدها وقالتl..(( بارك الحر بالغمزة والعبد بالدبزة..))أمينة صبية لم تتجاوز التاسعة من عمرها تقف هادئة محتشمة وأنيقة أمام أمها يزيدها حسنا ثوبها المطرز الآ نيق وما يبدو على وجهها الناضر من حياء وخفرة وخفض جناح .طويلة القامة ممتلئة الجسم لاتكاد تميزهاعن أمها في الشبه . لو لم أكن صهرهم لشككت في سنها .تشد رأسها بمنديل اصفر فرغم صغر سنها كانت المسكينة تقوم ببعض الاعمال المنزلية كالعجين وغيره وكانت أمها تكلفها بذلك اعتقادا منها أنها يوما ما ستكون في بيت الزوجية .فينفعها ما تعلمت من امها وهاهي الان أمام امتحان طريق فيه شيء من الدقة والحدر .الدي لم تتعوده من قبل ادن لا بد ان تنتبه الى كل حركات أمها .وتميز بين الإشارات وتنتبه جيدا, السيدة رحمة حركت الإبريق بما يحتوي من ماء ثم أفرغته في الكأس ووضعت الإبريق في الصينية ثم رفعت عينها في وجه أمينة ثم وضعت الشاي في البراد ثم قالت l..((كوبي نشلل.))كانت أمينة هده المرة جد مستعدة لأنها صبت في الإبريق القدر الكافي لغسل الشاي ثم توقفت تنتظر أوامر أمها.تاركة لها الفرصة لتحرك الإبريق ثانية وتصبحتالة الشاي في كاس اخر . فلما وضعت الابريق في الصينية كانت أ مينة بالمرصاد إذ ملأته عن آخره دون أدنى اشاره من أمها ثم.وضعت المغلات على الأرض قريبا من أمها وأخدت الإبريق وجعلته فوق المنقل ليطبخ بعض الثواني ويأخد لونه البني المنعش .أمينة هده المرة شعرت بالانشراح والسرور حين صادفت التفاتة من أمها وهي تبتسم في وجهها .رحمة سرها ماقامت به ابنتها ثم التفتت نحو أم ياسين قائلة l..((أخيتي لاخطانا الفاخر مانبقاوش نشمو بلمناخر)) فأبتسمت زوجتي في وجهها
واومات برأسها أن نعم معتبرة كلمتها حق ثم قالت (( تبارك الله على الساقية وضيوفها ))
-: ((والله يبارك فيك وتشربيه بالصحة إنشاء الله ))
في هذه اللحظة كانت امينة تنفخ بالمنفاخ على المنقل ليغلي الشاي في الإبريق , وبينما نحن كذلك اذ سمعنا صوت منانة وهي تطرد الكلاب من أمام عتبة الباب ثم دخلت علينا وهي تحمل طبقا ووضعته امامنا ثم قالت : ((قبلو على اللي حضر وعدرونا))
فاجابتها اختها : (( لاتقوليها حنا ماشي برانيين ))
دفعني الفضول وحب الاستطلاع لأكشف على مافي هذا الطبق فاقتربت منه قليلا وتركت لأنفي حرية الشم , كنت كلما شممت تتصاعد رائحة زكية وشهية مع بخار كثيف جعلني افقد صوابي واكشف عن غطاءه فإذا هو حبز الكرون وهو خبز يطهى في الأفران التقليدية وبدون غاز وغالبا ما تحمى بالحطب أو أرواث البهائم . فأخدت قطعة منه وأكلتها بشهية لاتتصور,وأغلي الإ بريق فأخدته السيدة رحمة من فوق المنقل ووضعته في الصنية ثم جمعت النعناع الدي في الكأس في كفها , قبل ان تضعه في البراد نقصت قدر كأس من كمية الشاي ثم أفرغت ما في يديها في البراد وأتبعته بقطع من السكر ثم راجعته وتركته قليلا ليعتدل والكل ينتظر بفارغ الصبروقد مضى من الليل نصفه و الكلبان أمام عتبة الباب ينتظران ويراقبان حركاتنا, وكأنهما اعتادا حضور هدا المشهد الجميل وهما حريصان على أن لاتفوتهما حركة من حركات السيدة رحمة, وأخيرا ملأت كؤوس الشاي وقدمت لكل واحد منا كأسه , فتسلمت كأسي منها بكلمة لطيفة : ((بسم الله وعدرونا على تقصيرنا))_ ((لاتقوليها اللا رحمة المحل محلنا غيركاس ما أوضحك في وجوهنا تسوى اذهب )) ثم التفتت الى زوجها بنظرة معكوسة ومد سوسة وقالت: ((واش براني,نقولو ليك قرب للميدة الله يلعن اللي ما يحشم )) فرد عليها المسكين بهدوء وسكينة وكأنه لم يسمع شيئا .ماشي براني .مول الدار ويلا شبعو ضيافي يكفي. )).
كانت كلمات رحمة كالمسامير تدق في قلب رشيدة وامتلأت غيضا من اجل ما سمعت في حق أبيها لكنها كتمت سرها وعادت إلى صوابها ,أما للا منانة فقد تعودت سماع مثل هذه المشادة التي تقع احيانا , بل تجاهلت الأمر وبدأت تقطع الخبز قطعا ووضعت صحنا صغير فيه زبدة وسط الطبق ثم قالت : (( لبسم الله كلوا لا تحشموا راها زبدة بلدية ما شي لابريري ..))
فانفجر الجميع ضحكا إلا أنا فقد كدت اسقط من الضحك لأنها أبدعت في نطق الكلمة الأخيرة .فاخدت قطعة من الخبز ورميت بها الى الكلبين فالتقمها احدهما مباشرة قبل أن تسقط على الأرض .