المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل الزاجل الأسير إلبى منى عارف



غريب عسقلاني
05/10/2008, 03:19 AM
غريب عسقلاني
رسائل الزاجل الأسير إلى منى عارف

هى أنتِ يا سيدتي..
هكذا يشي القول, والقول همس رهيف..
أن تعودي امرأة / طفلة لا بأس..
تعودي إلى حلاوة أيام مضت.. سيرة صدق زرعت ساحاتكِ بالورد والود.. وعذابات صغيرة لا زالت تسكنكِ, وتفيض بروائح ذلك الزمن الجميل..
أنت هي من يعزف على القيثارة
وأنتِ امرأة تكتب بأصابع قلبها ومداد روحها.. ترقص على إيقاعات هامسة, وتنصت إلى رعشة لهاث صدرها, تتعذب بعذاب الآخرين الذين فقدوا الأمس واليوم ويعيشون الذهول أمام غد مصادر.. تلوذ بالحلم مساحة مشروعة للاختيار واستفتاء الرغبات غير المعلنة, تعبر الحالة بشفافية أثيرية وبأناقة فراشة تغني للصمت, تستدعي الكلمات عارية لا تحجب الألم.. ولألمها بهاء المعذبين بالشوق إلى الفرح,
أنتِ هي العاشقة تعبر الحلم, تتلفعه غلالة من سحر بكر يعصمها من موبقات عالم متوحش.
ما الذي تقدمة المرأة منى عارف في كتابها الأنيق ؟
بوح أو عزف روح, يتجلى في استعارة شخوص سكنوها طفلة وما زالوا في صدرها, وما زالت فرحة بهم بعد أن أصبحت امرأة لها حياتها لا تغادر طفولتها, تعود إلى ناسها الأوائل, تهمس بالمؤجل من الرغبات على الورق, والورق مساحة بيضاء تحضن الفكرة. فهل في ذلك تعويضا عن الفقد؟
البدايات لا ترهص بالنهايات " فالمنطق ليس سيد الحالة " فهل يصبح الاغتيال سنة مبررة؟! تهمس, تحضن قلبها, تتدفأ على فيضه ودفق نبضه, تمارس الأناقة, تحفظ أشياءها في صندوق الدنيا تحتفظ به بكل ما هو حميمي وجميل, يحمل بصمات الأماكن والتواريخ والأحداث والأشخاص والمشاعر, التي تفوح أريجا من أوراق جفت مع مرور الأيام التي قطعها العمر القصير على الأرض, ما يضخم الإحساس بفجيعة الفقد, ربما ذلك ما يفسر حزنها ورعبها عند ضياع الألبوم حتى لا يضيع جزء عزيز عليها من حياتها, فالحياة في عرفها, هي الآني الذي ترتب عليه الحاضر الموصول بالماضي في صيرورة تربط البدايات بالنهايات, فنراها في تتك البنت التي توفرت لها طفولة سعيدة, تقف وقد أصبحت امرأة مجربة عند سؤال " هل تبقى البنت الأمورة أسيرة أيامها الأولى.." حيث يسكن عم حبيب بائع السوداني واللب والدوم بوجهه الأسمر الطيب وابتسامته التي لا تغيب, ودكته التي ما زالت تنتظر عودته المستحيلة, ذات الأمر يفوح من سيرة الاستاذ عبد الجليل, المعلم الصعيدي الملتزم الذي يفيض حبا وعلما وأبوة, ما زال طازجا وما زالت تعزي نفسها فيه, كما فعلت يوما وانضمت لطابور الاطفال يقدمون العزاء بوفاة زوجته التي خطفها الموت كما خطف نور اللبنانية من أطفالها تاركة طيف ملاك يترنم بأهازيج المحبة.. هو الموت الواقف بالمرصاد يخطف الخياطة/الفنانة خديجة في رحلة الحج, فلا يبقى منها غير ذكريات فساتين بديعة, وشبرات ملونة وأزهار وإكسسوارات وروائح تنبعث من مخمل الذكريات, فمازال الطريق إلى منزلها " الذي تغلغل في مساحات الطفلة " في حنايا الروح يزودها بالامتلاء حتى الفيض وجدا وأسئلة عندما تجلس أمام طاولة الأحزان مع صور ميلاد أول طفل, وسبوع البنت, وخطوبة ابن الخال, وزواج الأخت, وحفل تخرج أول حفيد..وموت الجد ثم العم..شريط يبدأ بالميلاد لينتهي بالغياب وآهة مكتومة, فتحدث نفسها " كأني الملومة, وأنا التي على هذا الزمان جنيت "..فهل تتجني وهي التي تعيش على ريحة الحبايبب, وما زال جدها يطل عليها مؤكدا أنه لم ينساها, وأنه سيرسل لها العيدية, جدها لا يفارقها وهي لم تفقد رائحة قهوة السيدة التي تقرأ الغيب بصفاء سريرة, وتتحدث عن قوادم الأيام بشفافية المؤمنين, تقدم قهوتها المحوّجة بود صادق, مثل صدق رنة صاجات بائع الشراب السحري والنداء العذب, شفا وخمير, ذلك الطالع من أزقة قاهرة المماليك.
مثل هذه المرأة لا يمكن أن تحمل وزر ما آلت إليه الأحوال في هذا الزمان, فهي لم تغادر البراءة ولا تريد ذلك, والبراءة لديها متعددة الأحوال والصور, نراها في جارها صاحب القمري الذي يصفر لطيوره فتأتيه من كل صوب, تلتقط الحب من كفه وترقص حوله وتهدل جذلة بالتواصل, وهي المراقبة للأمر, تعلمت كيف تكون عصفورة تهبط على كف وليفها/شريكها راغبة, فينزع عن ريشها ما علق من أشواك, ويعيد لها ألق الامتلاء البريء, فالبراءة المفتاح السري للعشق الذي تعرف دروبه ومواعيد الذهاب إليه ودخول غرفه المسحورة, بذكاء, تعكس أشواقها همسا على أجنحة الكلام, تطير بها على إيقاع الرغبة ما يجعل الكلام مُحملا على أبعد من حدود الكلام, وكأني بها تطلق عصافير أفكارها لمن لهم القدرة على فك الرموز وترجمة الشفرات.
فهل تكتب منى عارف طفولتها للخروج من مدارها؟
هي لا تتخلى عن طفولتها, فهي ما زالت فراشة كلما خرجت عن المدار إلى غابة الحياة تعود حتى لا يثقل عليها التلوث, أشبه بفراشة أميرة ترافق شغالات النحل, تتزود بعسل خالص يغذيها بالبكاء الجميل والغناء الأجمل, فتثير القارئ حول ما تكتبه من قطع نثرية محمولة على شفافية نابضة, وشعرية تتألق مع اللحظة,تلقائية لا يشغلها ما يشغل القاريء/الناقد من توصيف وتصنيف..مقالة/ خاطرة/ قصيدة / بوح مسترسل. فهي تكتب في الأصل منى عارف, وحتى لا تأخذنا الأسئلة بعيدا, فإننا إزاء صور قلمية لامرأة تكتب بأصابع قلبها ومداد روحها, تخرح من شرنقتها لتستحم في فضة فجر ندي, تطلق الرؤى فيكون المخبوء ما بين السطور واسع باتساع الفكرة, بلوري بشفافية الحلم وصفاء المرايا الداخلية.