المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل في القيادة الصالحة - الرسالة الثانية



بهائي راغب شراب
05/10/2008, 01:18 PM
أود في البداية الإشارة إلى ان هذا الموضوع يتوافق أيضا مع قسم تنمية الذات ،


الرسالة الثانية :

بهائي راغب شراب


يا ولدي
إذا أردت أن تكون قائدا صالحا فعليك أن تدرك معاني القيادة

يا ولدي ..
إذا أردت أن تكون قائدا صالحا فعليك أن تدرك معاني القيادة ، وأن تعرف سبلها المختلفة ، وأن تجعل خواص أفضلها خواصا لك , ونهجا تسير عليه وتسلك فوقه في حياتك ..
نعم يا ولدي فالقيادة لها أكثر من وجه ، وربما وجوهها تعد بعدد الناس ، حيث كل فرد يقيس القيادة بمقياسه هو ، لا بمقياس ما تعنيه القيادة الحقة وما تكونه فعلا فوق أرض الواقع . وللقيادة أيضا معاني كثيرة مختلفة تبعا لاختلاف الأهواء والمشارب والمنابع التربوية التي نشأ الناس عليها ، إنها أمر نسبي تماما كالسعادة معيارها مختلف من فرد لآخر ، فما يسعد فرد ، قد يحزن آخر ، وهكذا هي القيادة ، إحساس الناس بها يختلف طبقا لما يشعرون من فائدة أحيانا يجنونها ، أو مبدأ لهم يطفوا على حساب مبدأ لآخرين يغوص ويختفي ،..

والقيادة يا ولدي لدى البعض تعني أن تملك إرادة الناس وتحكمهم بمطلق الحرية ، بدون حدود ولا ضوابط ، وبدون أدنى اعتبار لما قد تتسبب فيه من إيقاع الخسائر الكبيرة التي ستقع على المقودين من الأتباع وعامة الناس ، ودون اعتبار لمشاعر الأفراد ولا لعقولهم ,
ومثال ذلك الحاكم المطلق الذي لا يرى إلا رأيه ، ولا يشاهد إلا صورته ، يتابع ظهور الناس بالسوط ويضع في رقابهم في حبل المشنقة ، يحكم ويحكم ويحكم .. ولا يهمه إلا أن يحكم وان يظل ملتصقا بكرسي الحكم حتى يأتيه هادم اللذات ومفرق الجماعات وقاهر الحكام .

وعند البعض .. القيادة يا ولدي أن تقود الجماعة وحدك ، ولا مانع من حين لآخر من استشاره بعض العلماء والمختصين وأولي الرأي في بعض الأمور ، ولكن دون التزام منك بان تعمل بما يشيرون به عليك حتى لو كان الأفضل والخيِّر في العمل به ، ودون الالتزام بتحقيق مصالح الناس وحمايتها والدفاع عنهم وعن وجودهم الإنساني والحضاري ، وكل ذلك تجميلا لصورتك ، وتحفيزا للناس على التمسك بالصمت المريح للقائد ، يوهمهم بأنه مستمع جيد لمعاناته ولصوتهم ، وفي حقيقة الأمر هو من يرعبهم ويتغاضى عن الدفاع عنهم ، وعن تحقيق العدالة فيهم ، لأن الناس عند هذا النوع من القادة مجرد شخصيات كرتونية تتحرك وفق ما يرسم القائد ، ووفقا لما يلون ويقرر ، وهم له قاعدة ارتكاز لفعل السطو والسيطرة ، ولفعل تحقيق مآربه من القيادة ، إن هذا النوع ما هو إلا ترجمة لشخصية الحاكم الناهب ، المخادع والمحتال ليغتصب حقوق الناس ، ..

والقيادة يا ولدى لدى البعض تجارة تخضع لحسابات الربح والخسارة ، تظل مرغوبة مادام الربح مأمولا بها ومنها ، ولا يهم كيف ؟! بالظلم أو بالعدل ، المهم أن الربح في النهاية يزيد ويتضخم ، وإن كان العكس ، أي الخسارة هي صاحبة الراية العالية ، فحينئذ بئس القيادة ومن يريد القيادة أو يتمسك لها ، وأحسن منها يكون الفرار الفرار ، حيث لا مسئوليات ولا محاسبة ، ولا مشاركة في الأرباح ، يهرب بما ربح ، ويدع الناس في حيرة من أمرهم يكادون يهوون في بئر الحرمان والبؤس والنقص والخسارة والضعف ،
وهذه يا ولدي عقلية التاجر غير الشريف بالطبع ، ، الذي همه الأكبر الربح وتنمية رأس المال ومضاعفته ، وليس مهما الوسيلة ، ما دامت النتيجة مضمونة ، ولذا فان هذا النوع من القادة تجده يبحث ويجري وراء الصفقات التي تدر له رصيدا جديدا من الربح ، وإن اكتشف أن الصفقة من النوع الخاسر فسرعان ما يتخلى عنها ويهرب من تبعاتها ومسئولياتها ، تاركا القيادة لمن يواصل دربه في التجارة المحرمة التي تصل هنا إلى التجارة بالدين وبالوطن وبالعرض وإلى السمسرة على كل شيء في الوطن .. فوطن التاجر ماله ، وما يربحه من صفقاته المشبوهة , وفي سبيل ذلك لا يهم لو ضاعت الأوطان والعباد والثروات والكرامة والاستقلال و .. مرحبا بالغزاة والأعداء من كل صوب ..الذي يضيفون إلى رصيده المالي أرقاما زائفة ، وينقصون في نفس الوقت من رصيده الحقيقي الوطني والديني والأخلاقي والإنساني مسافات طويلة وصولا لنهايات بائسة .

ولدى البعض .. القيادة يا ولدي همٌ وغمٌ ، ومسئولية متراكمة ، كبيرة ، ثقيلة على النفس وعلى الفكر وعلى الجسد . وهذه لها أهلها الذين يألفونها ، ولها رجالها الذين يقومون بها بحقها وجدها وهزلها ، بلا تقاعس ولا مضض وبلا ملل . أما الضعفاء من أصحاب الهمم المنكسرة الضعيفة ، ومن ذوي الأحلام القصيرة والمبتورة ، ومن الباحثين عن السعادة السريعة العاجلة ، السهلة الميسرة ، فهؤلاء يا ولدي يتحللون من هذه القيادة ويفرون منها لكن بعد استنزافها في أقصر ما يمكن من الزمن ، يقومون خلالها بتجميع ما يستطيعون من سلب المغانم والأموال ، التي تعينهم على حياة الراحة والتنعم بعد انسحابهم غير الميمون من ساحات المسئولية والقيادة الثقيلة ، نعم هذه القيادة لا تصلح للباحثين عن الراحة والاستجمام والتنعم والليونة ، لأنهم ما خلقوا لها ، وما خلقت لهم ، وإن تولوها فإنما بطرق مشبوهة ولأجل تحقيق مآرب خاصة ممجوجة ، ومثال ذلك ما نراه من الانقلابات العديدة التي تحدث بقوة السلاح في العديد من الدول الصغيرة بدعوى الإصلاح والتغيير ، وما نلبث إلا قليلا إلا ويأتي غيرهم ينقلب عليهم لينال نصيبه من خيرات البلاد التي يزعمون زورا أنهم حماتها والمدافعين عن مصالحها ، وهم في الحقيقة من يجب محاربتهم والدفاع عن البلاد ضدهم .. لطردهم بعيدا عن حدود السيطرة والعبث والفساد والإفساد .. وهكذا ,,
ومثال هؤلاء أيضا الملوك والأباطرة والقياصرة والسلاطين والأمراء الذين يعتبرون أن الوطن كله ملك خاص لهم ، وأن المواطنين مجرد عبيد خلقوا لينفذوا أوامرهم ، وأن ليس للشعوب عليهم حقا غير الكل والملبس في أدنى صوره الإنسانية .

ولدى البعض ، القيادة يا ولدي عمل رائع وتجربة رائدة ، من خلالها يمكن إثبات نظرياتهم في الحكم وفي الاجتماع وفي الحياة ، الخاصة بهم ، وأيضا من خلالها يتم الترويج لأفكارهم ومعتقداتهم النظرية هذه بدون رقابة ولا عوائق ، وفرضها على العوام من الناس الذين لا يجدون مناصا من الإذعان بحكم القوة الجبرية المفروضة عليهم ، ولأن القادة هنا يشبهون العلماء في المختبرات ، يمارسون تجاربهم على الفئران والأرانب والقرود ، لإثبات نظرياتهم أو لاكتشاف مبتكر جديد يرفع من أسهمهم في الحياة ، وهم في سبيل ذلك لا يعبئون بالصراخ ولا الألم الذي يتسببون في حدوثه لمواطنيهم ..
هؤلاء القادة قساة القلوب ، أشداء في تطبيق النظام ظاهريا بما لا يخل بما يعتقدون ، ولا يحتملون أي انحراف أو اعتراض على اتجاه بوصلتهم التي يحددون خلالها الطريق الذي يجب على الناس السير فوقه .
ولعل المثال الأفضل لهؤلاء ، قادة الاتحاد السوفييتي الشيوعي البائد ، وأيضا قادة الولايات المتحدة الأمريكية الذين يفوقونهم في استعباد الناس وفي إيقاع الأذى بهم وإن كان بطرق مختلفة ، فإذا كان قادة الشيوعية يعذبون مباشرة ، فقادة أمريكا يعذبون بعد جرعة مخففة من المخدر .

ويا ولدي .. القيادة لدى البعض .. أمانة .. صدق ورعاية وتنمية ومستقبل وحماية وبناء وزراعة وصناعة و .. ، أمانة لا يحملها إلا صادق مع ربه ومع نفسه ومع شعبه ، ولا يقدر عليها رجل إلا وجب عليه التقدم بثبات وثقة نحو الأمام ، دون النظر إلى الخلف ، لأن أي خطوة نحو الخلف تعني النكوص عن المستقبل والحاضر ، وتعني التأخر عن باقي الدول التي تسابقها إلى الأمام ، وتعني وهذا الأخطر .. التفريط بالأمانة التي يحملون على عواتقهم .والقادة من هذا النوع يكونون في حالة يقظة دائمة ، ووعي كامل ، يرفضون الغياب عن مواقع العمل والإنتاج والتطور ، وينبذون التخلي عن مهامهم لو واجهتم الصعاب والعوائق ، بل نجدهم يحاربون بكل قوة من اجل التغلب عليها ومن اجل استمرار مسيرتهم ، وهم في كل المراحل يجعلون من أنفسهم أدوات فعل وعمل متحركة قادرة على تحقيق سلامة ومصالح الوطن والمواطنين وتطويرهم وتنميتهم .
وخير مثال لهؤلاء القادة أصحاب مشاريع التغيير والثورة والبناء ، وأصحاب الرؤى الخاصة المبشرة بالمستقبل والحضارة .

يا ولدي ..
لو بقيت أسرد الأمثلة على القيادة والقادة ، فقد تنتهي حياتي ولا ينتهي الكلام ، قبل أن أخبرك بكل ما أريد وأرغب أن تكونه يا ولدى .
لكن لتعلم أن القيادة من القود ، فأنت تقود السيارة والطائرة والسفينة والجماعة ، وأنت تقود فريقك ومؤسستك ولاعبيك وو ..
وان تقود يعني أن تكون مميزا ورائدا ومتقدما في جماعتك وفي دراستك وفي عملك وفي فكرك وفي مبادرتك وابتكارك واختراعك ..
وأن تقود .. فهذا يعني أن تحافظ على وجودك في المركز الأول ، حيث أنت تحدد الحاجة وتضع الهدف وتعد الخطة وتباشر التنفيذ وتقيم وتحسن وتتواصل وتنسق وتدعو وتقطع وتصل ، وحيث أنت من يتعاون ويشارك ، وأنت الذي عندما تكون في الجماعة لا تختلف عنهم ، وإن كنت بعيدا عنهم تكون الأكثر حرصا بتحقيق مصالحهم وقضاء حوائجهم ، تشعر بمشاعرهم وتنتمي لأخوتهم وصداقتهم وتندمج في صحبتهم .
فأن تقود لا يعني أن تتعالى وتتكبر عن اهلك وناسك ومواطنيك ، بل تتواضع لهم وتشاركهم آمالهم وأفراحهم وأحزانهم ودائما تظل كواحد منهم تنتمي لهم بحق ، بلا زيف ولا مراوغة .
وان تقود .. يجب أن تكون مؤهلا في نفسك وفي تربيتك وفي مبادئك وفي مهاراتك وفي ابتكاراتك وفي أساليبك في القيادة الصالحة الخيرة ، وأن تكون قائدا للجميع وليس لفئة على حساب فئة ، قائدا تجمع وتوحد .
والقائد أن تكون في جماعتك وفي مركزك وفي موقعك كما حدث الرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم في قوله الشريف : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ، .. "

فاختر يا ولدي القائد الصالح الذي تريد ، وهيئ نفسك من اليوم لأن تكونه ، وآمل يا ولدي ألا يخرج اختيارك عما أمر الله به من الخير والصلاح لهذه الأمة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى " وكنتم خير أمة أخرجت للناس "
:fl::fl::fl:

صالح شوربجي
05/10/2008, 10:32 PM
عمل جميل وموفق اهنئيك عليه مع دوام احترامي وتقديري