المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة نقدية : بسيكو/لغوية:المجدوب..لـ.د/عبد العزيز غوردو



باسين بلعباس
06/10/2008, 01:44 AM
تمهيد: قرأت للقاص المبدع: الدكتور عبد العزيز غوردو.."المشنقة" ومازلت استمتع بقوة السرد وارتقاء اللغة القصصية من جزء الى آخر..ولاحظت اهتمامه بالمتلقي..حين يقدم له ،حين يقدم له وجبة المعرفة..ويقدر فيه واجب الوعي والقراءة المحللة للمتن..يخرج من السياق، أحيانا ، ليقول له خذ المبادرة وعليك بالمواصلة..
وأنا أبحث في منتدى القصة عن أول عمل قصصي (باستثناء المشنقة)..للسارد( غوردوع/ز)التقيت في صفحة متأخرة بأول قصة له :المجدوب..فكانت محل دراستي..ونويت إقامة دراسة إحصائية..تركز على الجانب التراكيب والأرقام..في الكلمة بتمفصلاتها..لكن حجم القصة لم يكن مساعدا..فملت الى التحليل النفسي ما استطعت..واللغوي ما تبين لي من المتن..فمزجتهما..في هذه الدراسة النقدية وبالله التوفيق..
قصة قصيرة..:
المتن
المجذوب
إلى الذي سألني عن حدود العلاقة بين الإبداع والجنون.
كان المجذوب أستاذا مبدعا قبل أن يصاب بالجنون...
هكذا سمعتهم يقولون عندما دخلت المدينة أول مرة وبدأت أحتك بأهلها.
ما زال ينتج أدبا رفيعا... يقولون... لكنه يخفي كل ما يكتب معه ولا يطلع عليه أحدا، فقط بيتا من
الشعر أو جملة قصيرة أنيقة يسرقها منه بعضهم عندما يحتاج "المجذوب" لسيجارة من حين لآخر.
ذات مساء – قبل عشر سنوات – شاهدت شبحه يمر قرب بابي... سقطت منه ورقة دون أن يشعر
بها... التقطتها، وخلسة قرأتها: حقا إنه يبدع بجنون، ولعل أروع ما في الإبداع الجنون!؟
في اليوم الموالي سمعتهم يقولون بأن "المجذوب" قد انتحر بعد أن أحرق كل أوراقه، وحدي كنت
أعرف بأنه لم يحرقها كلها، وما أرجوه الآن، بعد مرور عشر سنوات من الأرق والعذاب، وتأنيب الضمير، هو ألا تكون الورقة التي اختلستها ذاك المساء هي التي تسببت في انتحاره.
اليوم، وبعد مرور كل هذي السنين، وأنا أفتش بين أوراقي القديمة عثرت على تلك الورقة: سر المجذوب،
ولأن السر لا يسمى سرا إلا لأنه يفشى، فإنني سأبوح به... لعل البوح يحمل لي بعض الخلاص.
نص ما جاء في الورقة، أحدس أنها كانت رسالة، مبتورة، لم يكتب لها أن تبعث أبدا:
ما لا تعرفينه يا عزيزتي هو أنك قد نمت معي الليلة... لا تقولي بأنك لم تغادري فراشك ولم
تسافري هذا المساء، فما يدريك؟ لعلك سافرت دون شعور منك! أنا على الأقل متأكد من أنك كنت
هنا على فراشي، ممتدة بأنوثتك الكاملة، وعيناك الواسعتان مفتوحتان تنظران إلي، وأنا أداعب
خصلات شعرك الجميل...
في الصباح فتشت عنك في فراشي فلم أجد إلا الوسادة خالية كئيبة... صدقيني لم يكن حلما،
كنت هنا، أنا متأكد من ذلك، وكنا نتحدث ونمرح ببراءة الأطفال!
في الصباح فتشت عنك فلم أجد إلا الوسادة خالية كئيبة... خلت للحظة أنك في المطبخ... ناديتك
فلم تجيبي... عاودت النداء فلم تجيبي... ردت علي الجدران... والصمت المطبق يذكرني أنه كان
حلما: ما أجمل الحلم إذن، وأجمل منه عيناك الواسعتان.
قد تعتبرين هذا جرأة، وربما وقاحة! أما أنا فأعتبره مجرد صراحة بريئة كبكارة العروس، لأنني لا
أستطيع إلا أن أكون صريحا معك حتى حدود الخيال.
تعرفين، عندما نكون معا فقلما تلتقي أعيننا، وعندما تلتقي فإننا نرتبك، وتسرع نظراتنا بتغيير
الاتجاه درءا لحالة التلبس... في الحلم كنت تنظرين إلي وأنظر إليك، متلبسين كنا، وكنا نلبث كذلك
حتى نرتوي، وهل نرتوي؟
في الحلم كانت نظراتنا تتشابك، أصابعنا تتشابك، وكنت تقتربين من وجهي حتى أحس نَفَسك
الدافئ يداعب وجنتي وأنت تهمسين في أذني بكلمات جميلة، لا أذكر الآن أي شيء منها،
إلا أنها كانت جميلة، وأجمل منها عيناك الواسعتان.
تشبثت يداك النحيلتان بأطراف السرير، شفتاك المحمومتان كانتا تحاصراني، تأسراني برفق، وأنت إلى جانبي كنتِ، ابتسمتُ وابتسمتِ، وأبعدنا التكلف الذي كبلنا طويلا...
توقف الزمن هذه الليلة، توقف الحلم في منتصف الطريق، توقفت شفتاك المحمومتان وفي داخلي حريق... توقف كل شيء على نظرة من عينيك، على ابتسامة... جميلة كانت الليلة، وأجمل منها كانت عيناك الواسعتان.
آه كم يؤرقني هذا الليل الشتوي الطويل، وكم هو عاتٍ هذا الفراش الجليدي الذي علي أن أقارعه وحدي...
آه كم يعذبني هذا الفراق، وكم هو قاسٍ ومدمٍ أن أستيقظ فلا أراك...
أن أنام فلا أراك... أن أموت فلا أراك..."
......

ملحوظة: إذا أردت، عزيزي القارئ، تتمة الحكاية فما عليك إلا أن تفتش عنها في الرماد، أي رماد، لعل العنقاء تتكشف لك يوما...
محتوى القصة:
أستاذ ،مبدع ، لكنه أصيب بالحنون يحتفظ بما يكتب لنفسه..لا يطّلع عليه الآخرون..في أوقات قليلة يسرقون منه بيتا أويتحفهم بما يراه ،شعرا أو نثرا، مقابل سيجارة ..وفي يوم كان مارا أمام بيت الراوي إذ بورقة تسقط منه..يلتقطها الراوي، ويحتفظ بها..وبعد أن مات المجدوب..يسترجعها الراوي، بعد سنوات..ويقرأ إبداع المجدوب..ويسرد ما كتب..رسالة المجدوب الى حبيبته.."التي توهم أنها باتت تقاسمه الفراش.."
عتبات القصة:
1/ العنوان:المجدوب: ربما يشترك المخيال العربي في ربط هذا الاسم بالإنسان ( الدرويش)..الإنسان الذي نعتقد أنه أقرب الى الأولياء الصالحين..فيه شيء من داخله يجذبه الى الأعلى، ليتسامى في لحظات عن الكون الطيني..الضحل..ويرتفع فوق تفا هات ودناءات البشر..وفي ثقافتنا :الشيخ عبد الرحمن المجدوب الذي كان يتكلم حكمة، وبقيت أشعاره متداولة بين العامة يستشهدون بها في كلامهم اليومي، ويقولون، لتأكيد رأي، أو الذهاب في أمر بعيدا، وإعطاء محتواه القدسية :"كما قال سيدي عبد الرحمن المجدوب.."
فـ:مجدوب القاص عبد العزيز غوردو..يقف بين عتبة العقل والجنون..ويدخل حيث شاء دون استئذان..
وهو موضع احترام وتقدير من الآخرين..يقرون بعبقريته..ويعترفون بأنه مجنون عاقل..
2/ الطابع الحكائي للنص:
في قصة (المجدوب)..نجد الكاتب أوجد حكايتين متداخلتين:
أ/ حكاية الراوي عن البطل (المجدوب)..وعلاقته بزملاء المهنة
ضيقة ومحدودة:قليل من الشعر أو النثر،مقابل سيجارة..الراوي يسمع عنه..ولا يعرفه معرفة مباشرة..وجد بين أوراقه ..ورقة كانت قد سقطت من المجدوب وهو يمر أمامه، قبل عشر سنوات..ولأنه انتحر ، وقيل إنه أحرق كل أوراقه..فالراوي يحتفظ بورقة لم تحولها النار الى رماد
ب/حكاية المجدوب: أو بلغة السارد عبد العزيز غوردو:
نص ما جاء في الورقة:ويسرد النص: رسالة المجدوب الى حبيبته..توهَّم أنها الى جانبه..تبيت معه ..يتأمل كل ما فيها ..يتيه داخل عينين واسعتين..ينهض صباحا يبحث عنها ..ينادي..يعود الى عتبة الوعي فلا يرى غير نفسه..يهرب الى الحلم ليفعل بجرأة ما لم يفعله في الوعي..ولسانه يردد:
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها...ويحيا إذا فارقتها فيعود
ما يميزها:..
قصة مجدوب..هو حالة انقطاع التسلسل المنطقي الواعي..وبالتالي فالجنون إلغاء لحياة المنطق أو حالة المنطق،وذهب أفلاطون في كتابه (فيدراس) أن الجنون هبة من السماء..حتى أن قدماء اليونان رفعوا من قيمة الجنون ..
و النص قد جعل من البطل عاشقا متيما، بل إن الذوبان الذي حصل بين ذات البطل وذات المحبوبة..جعله في النهاية يهرب الى الخلود بالتوق في ذات الجميل المتخيَّل ..والبعيد عن المدارك الحسية التي تنغص عليه حياته..ليتخطى نهائيا عتبة الوعي،الى الجنون..الى الموت( الانتحار)..وهذه فكرة فلسفية أفلاطونية..
تبدأ هذه الفكرة من التقديم: إلى الذي سألني عن حدود العلاقة بين الإبداع والجنون..
والسارد يحتمي بـ(الإبداع)..ليبرر به أن المبدع يمكنه أن يكون مجنونا ..والحقيقة أنها كذلك ..
فالذين نصادفهم في حيواتنا..وربما تقاطعنا معهم في أكثر من موقف..أبدعوا بجنون نصوصا أدبية راقية..أو كما يعبر عنها (نورثروب فراي) بأنها اتحاد الطقس والحلم في صيغة كلامية ..
ولكن من انتبه الى هذا الإبداع ؟..
البطل لم ينتبه ..على الرغم من اعترافه بقيمة المجدوب ،كما الآخرين..وضع الورقة الملتقُطة، بين أكوام أوراقه ليجدها بعد عشر سنوات،ربما بالمصادفة..( اليوم، وبعد مرور كل هذي السنين، وأنا أفتش بين أوراقي القديمة عثرت على تلك الورقة: سر المجذوب)..
ويتخطى بنا الكاتب ـ إبداعياـ حدود المنطق : 1+1=1 ..الطقس +الحلم=إبداع ..وعليه فالإبداع لم يكن مركبا كما أوهمنا الكاتب..القصة واحدة..بحكايتين ،تستمر من بدايتها الى نهايتها ،تدليلا على الجواب المأمول لمن طرح السؤال المفتاح..(ما حدود العلاقة بين الإبداع والجنون ؟)..
الأبعاد في قصة المجدوب:
تحمل قصة المجدوب، جملة أبعاد ..نختصرها في:
1/ البعد الإجتماعي:
المجدوب يمارس مهنته..أستاذ له علاقات محدودة مع زملاء المهنة..
وعلاقة ،ربما، من جانب واحد مع حبيبة العمر..وتوأم الروح..ورسالة الكاتب تقول:
أيها الناس: إن الذين يعيشون بيننا ينطوون على أسرار، وحياتهم ليست عبثا، وهم أعقل منا في تصرفاتهم..وليس منا من هو عاقل لو فكرنا بصوت مرتفع..( ... لا تقولي بأنك لم تغادري فراشك ولم
تسافري هذا المساء، فما يدريك؟ لعلك سافرت دون شعور منك! أنا على الأقل متأكد من أنك كنت
هنا على فراشي،..)هل يمكنها (كعاقلة) أن تنفي زيارتها له هذه الليلة ، لو فكرت مثله بصوت مرتفع،؟..ربما زارته أكثر من مرة وهو لا يشعر..مثلما لم تشعر هي..يكفي أن يكون هو ( .. متأكد من أنك كنت هنا على فراشي،..)..جعله الحلم اجتماعيا ، وأخرجه من انطواء لازمه..( وأبعدنا التكلف الذي كبلنا طويلا..)
2/البعد الأخلاقي: ولأننا في مجتمعنا الشرقي..نحترم المرأة ..ونضع بيننا وبينها حواجز القيم التي ترفض الاقتراب من الممنوع، والتعبير عنه علنا، فإن المجنون يجعل من مكبوتاته، كلاما مكتوبا، يحتفظ به لنفسه..ويقرأ محتواه من حين لآخر..ولا يحب أن يطلع عليه الآخرون..عندما كان مثلهم..أو كان مشروع (مجدوب)..لكنه الآن كطيف يقطع الشوارع(– شاهدت شبحه يمر قرب بابي)..ولا يمارس طقوسه إلا من خلال حلم ..

البعد النفسي: وإذا كان لا بد من جلوس القارئ أمام النص ومصارعة السارد..ويتعامل مع تراكيبه اللغوية لفهم المدلولات المختلفة..لا بد عليه أن يبتعد عن الجاهز والأحكام المسبقة..قبل الغوص في جملة الحالات التي عليها البطل..والحالة النفسية هنا لها المجال الواسع الذي يحسب للسارد..
حكم على البطل بالجنون من بداية النص..والجنون هو تصرف خارج الوعي..وفعل غير خاضع لقوانين العقل الواعي..وهو من زال عقله..أو فسُدَ..وفي اللغة الاستتار والاختفاء..ولهذا جعل المجدوب يبدع في الخفاء..ولا ينشر ما يقول إلا القليل وقت الحاجة..ولا يلتقي محبو بته إلا وهو يستتر وراء الحُلم..
وقد أبدع السارد في هذا الاتجاه، بحيث جعل بطله يمزج بين عالم العقل والعاطفة، في ساعة وعيه الحالم..( توقف الزمن هذه الليلة، توقف الحلم في منتصف الطريق، توقفت شفتاك المحمومتان وفي داخلي حريق... توقف كل شيء على نظرة من عينيك، على ابتسامة... جميلة كانت الليلة، وأجمل منها كانت عيناك الواسعتان)..وأرى أن السارد عبد العزيز غوردو،قدّم بامتياز ،صورة للحياة وليست مجرد تجربة فردية ..فالحلم"هو ترسب تجارب الفرد في لاوعيه.."كما يراها يونغ..
بين الحقيقة والحلم:..
كان الحلم ملاذ المجدوب..وكان الواقع سجنه الذي منعه من التصرف كما يريد..ليصل الى ما يريد..محبوبة في الحلم يمارس عليها (رجولته)..ويخاطبها كما يشاء أفضل من محبوبة لا تتجاوز علاقته بها مجرد النظر..( تعرفين، عندما نكون معا فقلما تلتقي أعيننا، وعندما تلتقي فإننا نرتبك، وتسرع نظراتنا بتغيير الاتجاه درءا لحالة التلبس... في الحلم كنت تنظرين إلي وأنظر إليك، متلبسين كنا، وكنا نلبث كذلك حتى نرتوي، وهل نرتوي؟)..فالذي لا يفعله في الحقيقة ،يفعله في الحلم..إنه يهرب من مرارة تكبله، يختفي وراء مدارك الوعي، ليقول لها مايؤمن به،وليتصرف معها بحرية،يرفضها العقل الواعي..( في الحلم كانت نظراتنا تتشابك، أصابعنا تتشابك، وكنت تقتربين من وجهي حتى أحس نَفَسك الدافئ يداعب وجنتي وأنت تهمسين في أذني بكلمات جميلة)..
وينتهي الحلم، ويصطدم بالواقع المنفر..( ، لا أذكر الآن أي شيء منها،إلا أنها كانت جميلة، وأجمل منها عيناك الواسعتان.)..حتى كلمات الحب الجميلة، ضاعت..لأنها لو قيلت في الحقيقة..ولحظة الوعي لأفسدت جماليات الحالة ..ومكونات نفسية المجدوب..(كل ما هو جميل ليس من الواقع..يهرب به الى الخيال.. (لأنني لا
أستطيع إلا أن أكون صريحا معك حتى حدود الخيال(.ولكن ماهي حدود الخيال؟ السارد يرى أن يقظة المجدوب من الحلم كانت حلما أيضا..يقول في حلمه..( ... والصمت المطبق يذكرني أنه كان
حلما: ما أجمل الحلم إذن، وأجمل منه عيناك الواسعتان.قد تعتبرين هذا جرأة، وربما وقاحة! أما أنا فأعتبره مجرد صراحة بريئة كبكارة العروس، لأنني لا أستطيع إلا أن أكون صريحا معك ..)..متى كان المجدوب صريحا في الواقع؟..
الأزمنة في المجدوب
الإشارات الزمنية في النص كثيرة:نتتبعها كما يلي:
- عندما دخلت المدينة أول مرة
- ذات مساء
- – قبل عشر سنوات
- اليوم الموالي
- اليوم،
- وبعد مرور كل هذي السنين
- الليلة
- نمت معي الليلة
- في الصباح
- هذه الليلة
هذه عينة من الزمن المستعمل كدلالة على استمرار الحدث..يبدأ السارد باسترجاع الحدث بطريقة (الفلاش باك)..ماكان قبل عشر سنوات..وعندما دخل المدينة أول مرة ،وما سمعه عن المجدوب من تداول لأمره بين الناس..والقصة باختصار..حسب هذه العينة تبنى كما يلي:.
(قبل عشر سنوات دخل المدينة/المجدوب أستاذ مجنون/ذات مساء سقطت منه ورقة حملها الراوي/اليوم الموالي سمع بانتحاره/اليوم،وبعد مرور كل هذه السنين: وجد الورقة وقرأها.../الليلة ـ يقول المجدوب في ورقته ـ كنت معي نائمة في الفراش/في الصباح علمت أنه حلم../هذه الليلة يعود الى واقعه المؤلم..")
وقد تنوع النص في زمن الفعل المستعمل بين الماضي والمستقبل..مهملا جملة وتفصيلا الأمر..لأن السياق لا يناسب الطلب النحوي..وحتى الطلب البلاغي استعمله السارد بطريقة توحي بعلمه بخبايا نفس البطل..(سيذكر لاحقا)..والأفعال كالتالي:
الماضي:عددها تجاوز الخمسين فعلا ..ولكنه بصيغ مختلفة..تتوزع كما يلي:
الماضي الحقيقي:مثل:سمعت..بدأ..كان..اختلس..عدد الأفعال =ستة وثلاثون فعلا
الماضي المعنوي: وهي التي يكون معناها للماضي وصيغتها ليست ماضية مثل:
كنا نتحدث...لم تجيبي..وعددها =سبعة عشر فعلا
واستعمل الفعل (جمُل) بصيغة التعجب..ما أجملَ الحلم ..!
المضارع وعددها تجاوز ..الأربعين فعلا
واستعمل الاستفهام في :هل نرتوي ؟..وقبلها مرة بغرض الإنكار..واستعمل النهي:لا تقولي..وغرضه الرفض..
ونبه الى استعمال المجدوب النداء ، في رسالته ، ولكنه لم يكن تام الصيغة( الحرف والمنادى)..
كأنه يرفض أن يخضعها لأوامره في لحظة صفاء لا تتكرر كثيرا في حياته..فقال لها ناديتك..وأعدت النداء..( ... ناديتك فلم تجيبي... عاودت النداء فلم تجيبي)..
البنية اللغوية في القصة:
اللغة ممتعة بكل مقاييس الإمتاع الأدبي ..
1/الإقناع:من حيث اعتمادُه على الجملة المكررة..( يبدع بجنون..ويكرر المعنى بـ:.. ولعل أروع ما في الإبداع الجنون! ):
التوكيد ببعض الصيغ:مثل:استعمال قد..( قد انتحر بعد أن أحرق كل أوراقه..)
استعمال (إنّ)) ، فإنني سأبوح به..)واستعمل مثل هذه الصيغ كثيرا..
لا تخفى على القارئ..الفطن..
التوكيد اللفظي: في الصباح فتشت عنك فلم أجد إلا الوسادة خالية كئيبة..تكررت هذه الجملة ..بعد عبارة( صدقيني لم يكن حلما، كنت هنا، أنا متأكد من ذلك، وكنا نتحدث ونمرح ببراءة الأطفال!)..التي تحمل التأكيد أيضا على المعنى بوجود الحلم/الحقيقة
كما تكررت عبارة(عيناك الواسعتان)..وكانت في كل مرة يستعملها ليفضلهما على أمر مهم كذل :أ/الحلم كان جميلا..لكن الأجمل منه : عيناك الواسعتان
ب/الكلمات التي سمعها منها كانت جميلة لكن الأجمل منها : عيناك الواسعتان ج/ الليلة كانت جميلة..والأجمل منها :ا عيناك الواسعتان
وبصياغة جديدة نقول:"سعة الحياة في حلم جميل ،في ليلة جميلة،في كلمات جميلة..جمال عينيك.."..وكأنه يريد أن يقول لها(هات عينيك تسبح في دنيتهم عينيّ..)..
2/بنية الجملة :نوّع السارد في جمله بين الطول ، والقصر، وبين الجملة الاسمية، والجملة الفعلية..ولأن المفردة في اللغة كائن حي ، يعبر عن كيانه بنفسه..وعن معناه بتراكيب..
فإن عناصر الجملة الفعلية تتركب كما يلي في النص:مثال:
ما زال ينتج أدبا رفيعا..فع ماض ناقص+فعل مضارع+مفع+صفة..
أما الفاعل في الفعلين فهو مستتر(المجدوب)..في الأولى اسما للفعل الناقص..وخبر الفعل الناقص جملة فعلية..(ينتج)..
وبتحليل بسيط نجد:1/- مازال المجدوب منتجا أدبا رفيعا..
2/- ينتج المجدوب أدبا رفيعا
الجملة الاسمية: ، شفتاك المحمومتان كانتا تحاصراني
مكونة من : شفتاك:..مبتدأ إضافة + صفة +خبر جملة فعلية +جملة فع خبر لناسخ..
شبه الجملة: وقد تكررت في مواضع عديدة..مثل:
في الصباح فتشت عنك..وعناصرها: الجار والمجرور+ فع+فا(ضمير متصل)+جار ومجرور
والفرق بين التراكيب نجده في الدلالة على حركة الحدث..ففي الجملة الإسمية يثبت ويستقر..ولا يتغير حاله..فالشفتان وصفتا بأنهما محمومتان..بهما صهد..وحر..ثابتان لا يتغيران ..
وأما الجملة الفعلية: ففيها التغير والتحول:فإنتاج الأدب لم يتوقف..ومازال مستمرا..
وأما شبه الجملة فتقديم الجار والمجرور: دلالته البلاغية الإهتمام بأمر المتقدم..وهو هنا الزمن..وفي الأخرى(في الحلم كانت نظراتنا تتشابك..)لأهمية الحلم الذي أصبح عالمه الخاص..
3/الأسلوب: تنوع بين المباشر والمجازي..
المباشر في الوصف وسرد الخبر الحكائي..وكان هذا النوع أكثره في البداية ..مثل قوله: كان المجذوب أستاذا مبدعا قبل أن يصاب بالجنون..وكذلك أغلبية الجمل الموالية..
غير المباشر:وظهر كثيرا في رسالة المجدوب:ومثاله: (ردت عليّ الجدران... والصمت المطبق يذكرني أنه كان حلما)..استنطق الجدران..واستعار لها الرد من الإنسان..وجعل الصمت يقوم بالتذكير..وقوله:(( نتحدث ونمرح ببراءة الأطفال)..نزلا الى مستوى الأطفال ليتشبها بهم في لعبه معها وحديثه إليها..
خاتمة:ولعلي أتوقف هنا خاتما هذه الدراسة النقدية بالجملة الملحوظة التي ختم بها السارد نصه: (ملحوظة: إذا أردت، عزيزي القارئ، تتمة الحكاية فما عليك إلا أن تفتش عنها في الرماد، أي رماد) لعل المتأمل في هذه الجملة..لا يفصلها عن المتن..ويعتبرها الجزء الرئيس منه.افالبطل عندما انتحر أراد أن يزيل كل ما يربطه بالحياة الدنيا ولو كانت أوراقا ،كتب إبداعه عليها.. ".. قد انتحر بعد أن أحرق كل أوراقه،..) هذه الفكرة المتداولة بين الناس..ليست صحيحة.. ( وحدي كنت أعرف بأنه لم يحرقها كلها،(ومثلما للراوي بقايا إبداع المجدوب..قد يكون لغيره بقايا إبداع المجدوب..والنار،إذا قضت على ما في يده فإنها لم تقض على ما في أيدي الناس..ولأن الرماد يمكن أن يكون دليلا على ذهاب الإبداع الحقيقي ، فحقيقة المجدوب ،وبقايا رسالته الأولى بين الرماد..لأن الراوي الذي نشر الرسالة اعتقد أنها الجزء الثاني: نص ما جاء في الورقة، أحدس أنها كانت رسالة، مبتورة،..

عبد الحميد الغرباوي
06/10/2008, 11:29 AM
أخي بلعباس أهنئك و أحييك على ما تقوم به من متابعة جادة و عميقة للمتن القصصي بواتا، فما أحوجنا إلى اقلام متمكنة تسبر أغوار النصوص الإبداعية و تضيف إلى ألقها ألقا جديدا أو تضيء ما عتم منها، و تستجلي خفاياه.
حبذا أخي لو تتناول مجاميع قصصية لأسماء أدبية، فنص واحد لا يعطي فكرة شاملة عن خصائص الكاتب أو الكاتبة و عن عوالمه و شخوصه.
و لأخي عبد العزيز غوردو اقول إن هذا الوقت هو وقت إصدار مجموعة قصصية نحتفل بها في واتا و خارجها.
و بهذه المناسبة أرجو من أخي بلعباس أن يمدني بعنوانه الكامل، و الأفضل أن يضعه في صندوق الرسائل الخاص بي.

باسين بلعباس
06/10/2008, 09:22 PM
أخي بلعباس أهنئك و أحييك على ما تقوم به من متابعة جادة و عميقة للمتن القصصي بواتا، فما أحوجنا إلى اقلام متمكنة تسبر أغوار النصوص الإبداعية و تضيف إلى ألقها ألقا جديدا أو تضيء ما عتم منها، و تستجلي خفاياه.
حبذا أخي لو تتناول مجاميع قصصية لأسماء أدبية، فنص واحد لا يعطي فكرة شاملة عن خصائص الكاتب أو الكاتبة و عن عوالمه و شخوصه.
و لأخي عبد العزيز غوردو اقول إن هذا الوقت هو وقت إصدار مجموعة قصصية نحتفل بها في واتا و خارجها.
و بهذه المناسبة أرجو من أخي بلعباس أن يمدني بعنوانه الكامل، و الأفضل أن يضعه في صندوق الرسائل الخاص بي.
الدكتور الفاضل والأديب الناقد:
عبد الحميد الغرباوي
شرف كبير لقلمي أن ينال كلمات الثناء والشكر من مبدع متمرس،وناقد كبير، بحجم د/ عبد الحميد الغرباوي..
وكان لي الشرف كذلك أن التقي (مشنقة )أخي العزيز الدكتور عبد العزيز..وارتبطت بها (عاطفيا)..وكادت تشغلني عن كل النصوص القصصية..وأنا أتابعها بردود أولية في انتظار سحبها كاملة ، وتحليلها في دراسة مستقلة..وقصة المجدوب كانت أول قصة تصادفني في منتدى القصة بـ(واتا)..وأنا مهووس بلغة غوردو..وارتقاء مستوى الخطاب من نص الى آخر..
وسأكون من الشاكرين لو تحصلت على نسخة من مجموعة أخي العزيز غوردو..
ولك مني بساتين الياسمين..وحدائق القرنفل..
مودتي وامتدادها من الأوراسي الأشم إلى الريف الشامخ