الدكتور شاكر مطلق
06/10/2008, 12:49 PM
اللغة الأصل (الأم )؟ د. شاكر مطلق
هناك تشابهٌ مثير للانتباه بين اللغات العديدة ، التي تَعُدّ حالياً سبعةَ آلاف لغة متَكلَّمة .
قام علماء اللغة منذ نهاية القرن 18 بفهرسة عناصر القرابة اللغوية ، وحددوا أكثر من 300 أسرة لغوية ، أما أسرة اللغات الهندية - الجرمانية فلها جذور مشتركة :
" لغة بدائية أولى - Protosprache"، ظهرت في بلاد الأناضول - تركيا حالياً -، حيث نجد في فروع هذه اللغات أن كلمة " أم - Mu " موجودة فيها جميعاً .
في الربع الأخير من القرن العشرين أخذ العالم اللغوي الأمريكي " جوزيف عفرين بيرغ " بنظرية اللغة الأم .
تلميذُه " ميريت و يهِلن " ، الذي نشر عام 1994 بالاشتراك مع العالم جون بنغستون كتابَ " أصول اللغات " بدأ
مع زميله يشيران إلى احتمالية وجود ( لغة أم ) منذ 50 - 60 ألف عام .
انطلقا من القارة الأفريقية - حيث أصل الإنسان " حواء الأفريقية لوسي " - وتوصلا إلى بناء بعض مفردات هذه اللغة جزئياً ،باستعمال نهجٍ معروف عند اللغويين ، في إعادة بناء لغة منطوقة قبل ظهور الكتابة حوالي عام 3500 ق.م .
طبقا في عملها أنموذج شجرة النسَب ، حيث يزداد التشابهُ كلما اقتربنا من الجذور ، والعكس صحيح ، وتمكنا من العودة إلى 5 آلاف عام مضت ، وهو الأسلوب الذي تقدم به علماء الوراثة : تركيب الزمن من خلال الطفرات الوراثية .
أعادا ، بهذا الأسلوب ، بناء 27 جذراً من اللغة الأم ، كما يزعمان، لكن اُخذ عليهما استعانَتهما في عملهما هذا، بالمقارنات الدلالية والصوتية اللغوية للمقاربة بين اللغات الواسعة .
هناك انتقادات أخرى لعملهما ، تتعلق بكثرة استعمالهما للمترادفات ( 24 ) وقلة الأصوات ( 3 صوائت و10 صوائت ) ، إلى جانب أمر أخرى.
عالم ما قبل التأريخ " فرانشيسكو ويريكو " ، يشير إلى أن تطور فكر رمزي عند جماعة ما ، يدل على وجود لغة عندها .
( * ) نظرية (حواء- لوسي ) : وضعت عام 1987 ، وتقول بأن انتشار الإنسان العاقل انطلق من أفريقيا إلى جهات العالم قبل حوالي 100 - 40 ألف عام ق م.، وأزاحوا السكان الأصليين من نوع الإنسان المنتصب .
وصل الإنسان العاقل أوروبا قبل حوالي 40 ألف عام ، مع بداية العصر الحجري القديم الأعلى.
ماذا عن اللغة الأصل ( الأم ) عند الجرمان ؟
الشعب الأصل ، المَوطن الأصل للجرمان :
كادت منظومة اللغات الجرمانية - التي بدت للكثير من الباحثين كأنها منجزة متكاملة - تنهار بعد اكتشاف اللغة
" التُّوخارية – Tocharisch " ، وبعد فكِّ رموز اللغة الحثيّة وظهور قرابتها باللغة " اللوفية – Luwisch " - ، لأن المنطلقاتِ" الشّوفينية " التي انطلق منها العديد من الباحثين في هذا الموضوع ، لم تكن صحيحةً في الأساس ، لأنهم توهموا بأن الدراسات التي تقدمت بهذا الشأن من خلال المقارنات اللغوية ، كانت تشير إلى وجود لغة جرمانية أم واحدة ، ينطق بها شعب جرماني أصل ، تشظّت فيما بعد إلى عدة لهجات محلية عديدة ، عكسوا من خلال هذه التصورات وجود وحدة دينية أخلاقية واقتصادية لهم لم يكن لها وجود على أرض الواقع ، ناهيك عن خلطهم بين لغات شعوب مختلفة .
كانوا يتصورون الشعب الأصل وقد توزع ،قبل أن يستقر في موطنه الحالي إلى قبائل عديدة قامت بهجرات ونزوحات مختلفة، وكانوا يتكلمون لهَجات عديدة تجمعت وتوحدت ، بقدرة قادر، إلى اللغة الإندوجرمانية الأصل .
أما فيما يتعلق بالموطن الأصل المزعوم ، فإن هذا الموضوع الخِلافي أخذ منهم حيّزاً كبيراً من البحث والتّشتت في متاهات عديدة ، أدخلتهم في أنفاق مغلقة ، ووصلت بهم إلى ما يسمى بعلم الـ" أجناس– الأعراق " الذي بلغ ذروة جنونه في إمبراطورية " هتلر " الثالثة الجرمانية المقدّسة.
كان البعضُ قد رأى موطن الجرمان الأصل في آسيا المركزية ، في سهوب روسيا ، في أعالي الشمال ، في وسط أوروبا ، في مجرى نهر " الدّوناو - الدانوب" ، وفي وسط ألمانيا .
لقد تمكن البحث في هذا المجال أن يخرج من مصيدته ويجد لنفسه بدءاً جديداً بأبحاث العالِم " أوسكار باريت – O.Paret " الذي كشف أنه لا موطن معين يمكن اعتباره موطن أصل للجرمان ، وأن موطنهم هو الموطن الحالي .
لقد كان المُناخ هو الدافع الأساس لما يسمى بهجرات الشعوب ، تماماً كما هو الحال عليه الآن .
من هؤلاء الشعوب ، الشعوب الإندوجرمانية التي هاجرت من الشمال نحو الجنوب والشرق في الألف الثاني ق.م كما هاجرت مرة أخرى حوالي العام 1200 ق.م نحو حوض البحر الأبيض المتوسط ، آسيا الصغرى واليونان وجوارهما ، و يأتي في طليعة من هاجر الشعب الحثيِّ الذي حكم أيضاً من عاصمته "حَـتّوسا "-
( بوغازكوي ) الآن في الأناضول – بلادَ الشام وبخاصة في قادش – تل النبي مندو ، قرب حمص على نهر العاصي ، حيث جرت أمامها في سهل مودان ،المعركةُ الشهيرة بين " موفاتالي " – موفاتالس " ملك الحثيين والفرعون المصري الشاب " رعمسيس الثاني " – سيرد لاحقاً بعض التعليق على الموضوع .
من أهم الباحثين في هذا المجال العالم " أوسكار باريت – O.Paret " ، الذي مر معنا أعلاه في دراسته حول الموطن الأصل للجرمان ، حيث أشار في الفصل الخامس من كتابه المذكور أعلاه إلى " تاريخ العالَم والمناخ " ، كما أظهرت الدراسات أنه كان ، من خلال الجفاف الدافع وراء نزوح الشعوب الجرمانية من موطنها باتجاه منطقة البحر الأبيض المتوسط وغربي آسيا – أي نحو بلادنا العربية – وصولاً حتى الهند ، وذلك في العام 2000 ق.م وهذا ما تكرر في الألف الأول ق.م وتكرر لاحقاً أيضاً .
من هذه الهجرات طرأت تغيرات على الإرث والمورثات الجسدية والثقافية للجرمان ، ما بين الشعوب الجرمانية غير المهاجرة ، وتلك التي هاجرت إلى حوض البحر الأبيض المتوسط وعلاقتها وتمازجها مع العالم العربي وما يسمونه بـ " السّاميّ " بعامة .
بهذا ، كان لزاماً على الباحث في القضية الجرمانية أن يتخلص نهائياً ، من تصوراته الرومانتيكية وشوفينيّته ونقائها المزعوم ، ليدخل التاريخ من جديد على أرض صلبة واقعية خالية من الأوهام والأحلام ، تماماً كما هو الحال عليه فيما يتعلق بالمزاعم والادعاءات والأساطير الصهيونية أيضاً .
أعتقد أن ما قدمناه حتى الآن حول الجرمان أصلاً ولغة وأدباً وموطناً ... الخ يجب أن يكون كافياً في هذا العرض السريع الذي سننتقل فيه ومنه إلى تقديم أنموذجات شعرية، ترجمتُها عن الأصل ، إلى القارئ العربي ، عله يجد فيها بعض المتعة والفائدة ، وسيكون لي هنا وهناك بعض المداخلات المكتوبة السريعة ، حيثما يقتضي الأمر ويتطلب البحث مني تقديمه .
=======================
حمص - سورية
E.-MAIL:mutlak@scs-net.org
هناك تشابهٌ مثير للانتباه بين اللغات العديدة ، التي تَعُدّ حالياً سبعةَ آلاف لغة متَكلَّمة .
قام علماء اللغة منذ نهاية القرن 18 بفهرسة عناصر القرابة اللغوية ، وحددوا أكثر من 300 أسرة لغوية ، أما أسرة اللغات الهندية - الجرمانية فلها جذور مشتركة :
" لغة بدائية أولى - Protosprache"، ظهرت في بلاد الأناضول - تركيا حالياً -، حيث نجد في فروع هذه اللغات أن كلمة " أم - Mu " موجودة فيها جميعاً .
في الربع الأخير من القرن العشرين أخذ العالم اللغوي الأمريكي " جوزيف عفرين بيرغ " بنظرية اللغة الأم .
تلميذُه " ميريت و يهِلن " ، الذي نشر عام 1994 بالاشتراك مع العالم جون بنغستون كتابَ " أصول اللغات " بدأ
مع زميله يشيران إلى احتمالية وجود ( لغة أم ) منذ 50 - 60 ألف عام .
انطلقا من القارة الأفريقية - حيث أصل الإنسان " حواء الأفريقية لوسي " - وتوصلا إلى بناء بعض مفردات هذه اللغة جزئياً ،باستعمال نهجٍ معروف عند اللغويين ، في إعادة بناء لغة منطوقة قبل ظهور الكتابة حوالي عام 3500 ق.م .
طبقا في عملها أنموذج شجرة النسَب ، حيث يزداد التشابهُ كلما اقتربنا من الجذور ، والعكس صحيح ، وتمكنا من العودة إلى 5 آلاف عام مضت ، وهو الأسلوب الذي تقدم به علماء الوراثة : تركيب الزمن من خلال الطفرات الوراثية .
أعادا ، بهذا الأسلوب ، بناء 27 جذراً من اللغة الأم ، كما يزعمان، لكن اُخذ عليهما استعانَتهما في عملهما هذا، بالمقارنات الدلالية والصوتية اللغوية للمقاربة بين اللغات الواسعة .
هناك انتقادات أخرى لعملهما ، تتعلق بكثرة استعمالهما للمترادفات ( 24 ) وقلة الأصوات ( 3 صوائت و10 صوائت ) ، إلى جانب أمر أخرى.
عالم ما قبل التأريخ " فرانشيسكو ويريكو " ، يشير إلى أن تطور فكر رمزي عند جماعة ما ، يدل على وجود لغة عندها .
( * ) نظرية (حواء- لوسي ) : وضعت عام 1987 ، وتقول بأن انتشار الإنسان العاقل انطلق من أفريقيا إلى جهات العالم قبل حوالي 100 - 40 ألف عام ق م.، وأزاحوا السكان الأصليين من نوع الإنسان المنتصب .
وصل الإنسان العاقل أوروبا قبل حوالي 40 ألف عام ، مع بداية العصر الحجري القديم الأعلى.
ماذا عن اللغة الأصل ( الأم ) عند الجرمان ؟
الشعب الأصل ، المَوطن الأصل للجرمان :
كادت منظومة اللغات الجرمانية - التي بدت للكثير من الباحثين كأنها منجزة متكاملة - تنهار بعد اكتشاف اللغة
" التُّوخارية – Tocharisch " ، وبعد فكِّ رموز اللغة الحثيّة وظهور قرابتها باللغة " اللوفية – Luwisch " - ، لأن المنطلقاتِ" الشّوفينية " التي انطلق منها العديد من الباحثين في هذا الموضوع ، لم تكن صحيحةً في الأساس ، لأنهم توهموا بأن الدراسات التي تقدمت بهذا الشأن من خلال المقارنات اللغوية ، كانت تشير إلى وجود لغة جرمانية أم واحدة ، ينطق بها شعب جرماني أصل ، تشظّت فيما بعد إلى عدة لهجات محلية عديدة ، عكسوا من خلال هذه التصورات وجود وحدة دينية أخلاقية واقتصادية لهم لم يكن لها وجود على أرض الواقع ، ناهيك عن خلطهم بين لغات شعوب مختلفة .
كانوا يتصورون الشعب الأصل وقد توزع ،قبل أن يستقر في موطنه الحالي إلى قبائل عديدة قامت بهجرات ونزوحات مختلفة، وكانوا يتكلمون لهَجات عديدة تجمعت وتوحدت ، بقدرة قادر، إلى اللغة الإندوجرمانية الأصل .
أما فيما يتعلق بالموطن الأصل المزعوم ، فإن هذا الموضوع الخِلافي أخذ منهم حيّزاً كبيراً من البحث والتّشتت في متاهات عديدة ، أدخلتهم في أنفاق مغلقة ، ووصلت بهم إلى ما يسمى بعلم الـ" أجناس– الأعراق " الذي بلغ ذروة جنونه في إمبراطورية " هتلر " الثالثة الجرمانية المقدّسة.
كان البعضُ قد رأى موطن الجرمان الأصل في آسيا المركزية ، في سهوب روسيا ، في أعالي الشمال ، في وسط أوروبا ، في مجرى نهر " الدّوناو - الدانوب" ، وفي وسط ألمانيا .
لقد تمكن البحث في هذا المجال أن يخرج من مصيدته ويجد لنفسه بدءاً جديداً بأبحاث العالِم " أوسكار باريت – O.Paret " الذي كشف أنه لا موطن معين يمكن اعتباره موطن أصل للجرمان ، وأن موطنهم هو الموطن الحالي .
لقد كان المُناخ هو الدافع الأساس لما يسمى بهجرات الشعوب ، تماماً كما هو الحال عليه الآن .
من هؤلاء الشعوب ، الشعوب الإندوجرمانية التي هاجرت من الشمال نحو الجنوب والشرق في الألف الثاني ق.م كما هاجرت مرة أخرى حوالي العام 1200 ق.م نحو حوض البحر الأبيض المتوسط ، آسيا الصغرى واليونان وجوارهما ، و يأتي في طليعة من هاجر الشعب الحثيِّ الذي حكم أيضاً من عاصمته "حَـتّوسا "-
( بوغازكوي ) الآن في الأناضول – بلادَ الشام وبخاصة في قادش – تل النبي مندو ، قرب حمص على نهر العاصي ، حيث جرت أمامها في سهل مودان ،المعركةُ الشهيرة بين " موفاتالي " – موفاتالس " ملك الحثيين والفرعون المصري الشاب " رعمسيس الثاني " – سيرد لاحقاً بعض التعليق على الموضوع .
من أهم الباحثين في هذا المجال العالم " أوسكار باريت – O.Paret " ، الذي مر معنا أعلاه في دراسته حول الموطن الأصل للجرمان ، حيث أشار في الفصل الخامس من كتابه المذكور أعلاه إلى " تاريخ العالَم والمناخ " ، كما أظهرت الدراسات أنه كان ، من خلال الجفاف الدافع وراء نزوح الشعوب الجرمانية من موطنها باتجاه منطقة البحر الأبيض المتوسط وغربي آسيا – أي نحو بلادنا العربية – وصولاً حتى الهند ، وذلك في العام 2000 ق.م وهذا ما تكرر في الألف الأول ق.م وتكرر لاحقاً أيضاً .
من هذه الهجرات طرأت تغيرات على الإرث والمورثات الجسدية والثقافية للجرمان ، ما بين الشعوب الجرمانية غير المهاجرة ، وتلك التي هاجرت إلى حوض البحر الأبيض المتوسط وعلاقتها وتمازجها مع العالم العربي وما يسمونه بـ " السّاميّ " بعامة .
بهذا ، كان لزاماً على الباحث في القضية الجرمانية أن يتخلص نهائياً ، من تصوراته الرومانتيكية وشوفينيّته ونقائها المزعوم ، ليدخل التاريخ من جديد على أرض صلبة واقعية خالية من الأوهام والأحلام ، تماماً كما هو الحال عليه فيما يتعلق بالمزاعم والادعاءات والأساطير الصهيونية أيضاً .
أعتقد أن ما قدمناه حتى الآن حول الجرمان أصلاً ولغة وأدباً وموطناً ... الخ يجب أن يكون كافياً في هذا العرض السريع الذي سننتقل فيه ومنه إلى تقديم أنموذجات شعرية، ترجمتُها عن الأصل ، إلى القارئ العربي ، عله يجد فيها بعض المتعة والفائدة ، وسيكون لي هنا وهناك بعض المداخلات المكتوبة السريعة ، حيثما يقتضي الأمر ويتطلب البحث مني تقديمه .
=======================
حمص - سورية
E.-MAIL:mutlak@scs-net.org