المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوهام التطبيع والسلام مع إسرائيل



محمد بن سعيد الفطيسي
06/10/2008, 02:54 PM
ربما أن السؤال أصعب بكثير من أن تتم الإجابة عليه في بضع سطور او مقالات او حتى دراسات أكاديمية مطولة , رغم أن محاولات الإجابة على ذلك السؤال لم تنقطع منذ أن دنست أقدام أبناء تلك المستعمرة ارض الطهر والرسالات فلسطين المسلم العربي , ولكن هو سؤال لابد من أن نبقيه دائما على طاولة النقاش والطرح والمداولة , لا لأجل التكرار والمهاترة , بل بهدف التأكيد على أن هذا التوجه الذي طالما حاول البعض ترويج شرعيته وضرورته السياسية بهدف إحلال السلام , هو مشروع فاشل بكل المقاييس التاريخية والسياسية والإيديولوجية والنفسية , ولهذا فإننا سنحاول قدر المستطاع , ومن خلال هذا الطرح الذاتي المختصر, أن نعيد صياغة تلك الحقيقة بطريقة هي أشبه بلملمة بعض الأوراق المبعثرة بفعل المتغيرات والمتحولات الدولية الراهنة , وإسقاطها على أرضية المعايشة اليومية لواقع الحال العربي , فلماذا فشلت جل مشاريع التطبيع العربي السياسي مع مستعمرة الكيان الصهيوني الغاشم ؟ 0
وبداية وقبل التوغل في صلب الموضوع , فانه لابد من الاعتراف – وللأسف – بوجود بعض المظاهر الجانبية للتطبيع السياسي والثقافي والاقتصادي العربي الرسمي والشعبي مع مستعمرة الكيان الصهيوني , ولكن – وهذا هو الأهم – بأننا لا يمكن أن نعتبر تلك المشاريع الجانبية الرخيصة , ذات طابع قومي عربي مجمع عليه , يوجه من خلالها الاتهام الى الجماهير العربية الرافضة لجميع أشكال التطبيع الناتج عن فرض الأمر الواقع بالقوة , او من خلال سياسة الاستعلاء الاستعماري الامبريالي الصهيواميركي بالمنطقة العربية بشكل من الأشكال , وذلك كونها ناتجة عن مصالح سياسة او اقتصادية أحادية وشخصية لا أكثر , وتسعى لأهداف جانبية وغير قابلة للتعميم والتطبيق الجماعي الشعبي او حتى الرسمي 0
فما استطاعت السياسة أن تفرضه على واقع الشعوب العربية بفعل المعاهدات الدولية مع مستعمرة الكيان الصهيوني الغاصب , وتلك الاتفاقيات التي أريد بها إحلال سلام الوهم مع عدو لا يعرف للسلام أي معنى , لم تستطع لأكثر من نصف قرن أن تفرضه على أفكارهم لتحولها الى ثقافة للتطبيع او المراهنة على ضمانات سياسية خاسرة , فهناك من الثوابت والقيم والمبادئ العربية الأصيلة , ما ستظل أسوارا عالية وحواجز صامدة دون ممارسة ادني أنواع التطبيع الثقافي مع كيان مغتصب لأرض عربية , كما أن سنوات الخوف والثار وعشرات الآلاف من الشهداء ودموع الثكلى وآهات اليتامى وغربة اللاجئين عن وطنهم والنازحين عن أرضهم والحرمان والألم , ستظل حائلا دون أي ممارسة عفنة ووضيعة تهدف الى التقرب بقرابين المداهنة والمهاودة السياسية او الاقتصادية او بأي شكل من الأشكال مع كيان لا يعرف سوى الإرهاب والإجرام 0
وانطلاقا من ذلك فان التطبيع السياسي الذي لا زال يسعى البعض من الساسة والمثقفين الى تحقيقه بهدف إحلال السلام والأمن مع مستعمرة الخوف والحرب , او من خلال محاولات المعايشة الإنسانية حتى , لا يمكن أن ينجح إذا لم يسبقه تطبيع ثقافي شعبي حقيقي مجمع عليه من قبل الطرفين , كذلك فان ( التطبيع السياسي سيظل حبرا على ورق – كما يؤكد ذلك الدكتور شاكر النابلسي – ودون أي تطبيق عملي , ما لم يسبقه ويتبعه حوار ثقافي بين الطرفين , اللذين كانا متنازعين , وظنا أنهما بتوقيعهما لاتفاقية سياسية , قد ألغيا الصراع الثقافي الذي كان قائما منذ مئات بل آلاف السنين , بين الثقافة العربية والثقافة اليهودية , او بين الثقافة العربية والعنصرية الصهيونية ) , بمجازرها وجرائمها التاريخية التي لا يمكن أن يتناساها إلا خائن أو عميل 0
- وللأسف الشديد – فقد ظهر لنا من أبناء جلدتنا من يتهم الشعوب العربية بالخوف والضعف والانهزامية من الثقافة الإسرائيلية , نتيجة ذلك الرفض القاطع للتطبيع الثقافي او محاولات التقارب والحوار, وهو ما دفع تلك الشعوب - بحسب وجهة نظرهم - الى مقاطعتها ورفض التطبيع معها , وبالتالي فشل التطبيع السياسي ومشاريعه مع المستعمرة الإسرائيلية " ذات النية الحسنة " كما يطلق عليها البعض , لدرجة أن يراهن احد دعاة ذلك التطبيع الثقافي الشجاع على الشعب الإسرائيلي الذي سيتحكم آجلا أم عاجلا في حركة القرار السياسي الإسرائيلي – رغم أن ذلك لم يتحقق منذ ما يزيد عن الـ 60 سنة _ , ولذلك فان ضمان التأثير على هذا المصدر – أي - الشعب الإسرائيلي لن يتم إلا عبر تخطيط ثقافي عربي لاقتحام مرجعيات الشعب الإسرائيلي فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط , داعين للتعايش مع ثقافة الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل على دول المنطقة وشعوبها , ووفق ذلك الواقع فان إسرائيل هي جزء من خارطة المنطقة رفضنا ذلك أم قبلنا، وهي واقع ككل الأشياء السيئة التي تحيط بنا، إذن فالتعايش مع ذلك الواقع لتغييره أفضل ، وأكثر حكمة من سياسة المقاطعة والحرب الراهنة معها 0
ولأولئك الدعاة والمراهنين على نجاح التطبيع الثقافي مع إسرائيل نقول :- أن فشل مشاريع التطبيع الثقافي وبالتالي السياسي مع مستعمرة الإجرام والإرهاب الصهيوني , لم تكن نتيجة انهزامية العربي وخوفه من الثقافة الإسرائيلية , او رفضه للحوار ومشاريع السلام معها , او بسبب فشل الثقافة العربية وعدم قدرتها على الحوار والمواجهة مع الآخر , فتاريخيا ليس هناك من دليل ملموس على رفض الشعوب العربية لأي وسيلة للحوار الثقافي مع أعداءها , وخصوصا في ظل موازين متساوية للقوة , بل على العكس من ذلك , فقد وجد العالم في الإنسان المسلم العربي نموذج عظيم يقتدي به في الحوار حتى مع من هم في موقف الضعف , ولكن المشكلة هنا تكمن في الطرف الآخر – أي – الطرف الإسرائيلي ألذي يستمد قوته ومواقفه المتشددة من دول الغرب الصهيونية المتعاونة مع إجرامه عبر التاريخ , وبوجود ثوابت أيديولوجية لا زالت إسرائيل وحكوماتها المتوالية متمسكة بها رغم التنازلات العربية المهينة عبر تاريخ الصراع العربي معها , وعلى رأسها معادلة الأرض مقابل السلام , وهو ما جعل من كيانات المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , تقف ذلك الموقف المتشدد دائما تجاه عدد من المطالبات العربية 0
فأي منطق هذا الذي يمكن أن توجه فيه أصابع الاتهام الى الضحية العربية بالانهزامية ورفض الحوار الثقافي مع الطرف الآخر, وخصوصا في ظل فرضية الأمر الواقع , وواقع الحال المرير الذي تمر به الأمة العربية , فيتنازل الإنسان العربي من غير حول له ولا قوة , بل وتحت تهديد السلاح وباسم الاتفاقيات السياسية وبتعاون العملاء والخونة في الداخل والخارج , وتحت عيون ورعاية قوى السلام المزعوم في مختلف أرجاء الأرض , عن جزء من تراب أرضه ووطنه للجزار المحتل الغاشم باسم السلام والمعايشة الإنسانية والحضارية ؟ 000 نعم , ربما لو فكرنا بها من منطق آخر , لقلنا حقا هي انهزامية , وأي انهزامية هذه التي يواجه فيها الطفل الفلسطيني المدافع عن أرضه منذ نصف قرن ارتال الدبابات وأسراب الطائرات الصهيواميركية الحديثة والمتطورة بالحجر ؟ وأي انهزامية هذه في تقبل العيش والسلام مع فكر ثقافي عدائي يرفض حتى الاعتراف بإنسانية الشعوب ووجودها الطبيعي على هذه الأرض ؟
إذا فلتعودوا – يا دعاة التطبيع الثقافي مع إسرائيل - الى كتب التاريخ للاطلاع على نماذج من ثقافة الحوار ومنطق الساسة الإسرائيليين وشعوبهم الذين تدافعون عنهم وتطالبون بالحوار معهم كيف يفكرون !! , فهذه جولدا مائير تشكك حتى في الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني فتقول :- ليس هناك شعب فلسطيني , ولم يكن الأمر أننا جئنا وأخرجناهم من الديار واغتصبنا أرضهم , فلا وجود لهم أصلا , وهذا جوزيف وايتز الصهيوني في كتابه " فلسطين وإسرائيل " يقول : يجب أن يكون واضحا فيما بيننا , أنه لا مكان في البلد للشعبين معا , فمع العرب لن نحرز هدفنا بأن نكون شعبا مستقلا في هذا البلد الصغير , وهذا ديفيد بن غوريون يقول : أن علينا أن نطرد العرب ونأخذ مكانهم , ولو اضطررنا الى استخدام القوة لذلك , لا لطرد عرب النقب عبر الأردن , بل لضمان حقنا في الإقامة الأبدية في هذه الأماكن , فالقوة في متناول يدينا , كذلك أليس ديفيد بن غوريون من قال صراحة فيما يتعلق برؤيته إلى قضية الخلاف والصدام ما بين الشعبين بشكل خاص, والنزاع العربي الإسرائيلي بوجه عام , إن الجميع يرى أن:" ثمة صعوبة في مسألة العلاقات بين العرب واليهود, ولكن ليسوا كلهم قادرين على أن يروا انه ليس من حل لهذه المسألة , ليس من حل , هناك هاوية , وما من أحد قادر على ملئها , وحدها السفسطة يمكنها أن تحل النزاع بين المصالح اليهودية والعربية , فأنا لا اعرف أي بلد عربي سيوافق على أن تصبح فلسطين ملكا لليهود , فنحن كأمة نريد أن يكون هذا البلد لنا, والعرب كأمة يريدون أن يكون هذا البلد لهم" , وغيرها الكثير من الدلائل والبراهين , أوا ترون بعد كل ذلك مسامة للحوار الثقافي مع عدو هذه ثقافة الحوار لديه ؟؟!!!0
أما لمن ينسب فشل التطبع الثقافي وبالتالي السياسي مع كيان المستعمرة الصهيونية وشعبها الى فشل الثقافة العربية وعدم قدرتها على الحوار والمواجهة مع الآخر فنقول كما أكد ذلك الباحث والناقد الإعلامي الفلسطيني الأستاذ نبيل عودة , من أن ( الثقافة العربية تملك أدوات متينة ، وتشكل قاعدة مثالية للتفاهم وحل الإشكالات الباقية والصعبة , خاصة وأن الثقافة العربية ذات جذور عميقة في الأرض ووراءها تاريخ عظيم وواسع وممتد من الانجازات التي لا يمكن هزيمتها بالمواجهة مع ثقافات أخرى ، وبالأساس مع الثقافة الإسرائيلية التي لا تزال ناشئة وبلا جذور عميقة - ولكن من جهة فان – الموقف من التطبيع في إطار الاتفاقيات المذلة , والظروف السائدة في الشرق الأوسط , لا يترك مجالا آخرا غير الرفض , خوفا من أن تتحول ثقافة الأقوى اقتصاديا وعلميا وعسكريا الى الثقافة السائدة والمسيطرة والمقررة ) 0
أما من جهة أخرى , وهذا هو الأهم – من وجهة نظري الشخصية - , هو في كيفية الحوار مع ثقافة ترفض أساسا أي شكل من أشكال الحوار الثقافي او حتى التقارب الإنساني رغم ما يسوق له البعض , وبالعودة الى التاريخ نفسه والثقافة الإسرائيلية نفسها التي يطالبنا البعض بالحوار معها , نجد ما يقف حائلا دون ذلك التطبيع الثقافي , وعلى رأسها الثوابت التاريخية التي تدخل من ضمن منظومة ثقافة الشعب الإسرائيلي , كثقافة الشعب المختار وخرافة الوعد او ارض الميعاد وإسرائيل الكبرى وأسطورة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض , وهي على سبيل المثال لا الحصر , كذلك من خلال الرفض القاطع لعودة اللاجئين الفلسطينيين وقضية القدس وغيرها الكثير مما يجعل ثقافة الحوار المنشود بين العرب وإسرائيل صعبة المنال , هذا إذا لم تكن مستحيلة , - ولمزيد من الاطلاع حول هذه النقطة , انظر مقالنا , الثابت والمتغير في الصراع العربي الإسرائيلي , هذا إذا ما أضفنا عليها وجودهم في الجانب القوي من المعادلة الدولية 0
وختاما فإننا نعيد صياغة المشروع الثقافي للتطبيع والحوار مع المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , من خلال طرح هذه الأسئلة , وهي موجهة بشكل مباشر الى دعاة التطبيع الثقافي والحوار الحضاري والتقارب الإنساني مع إسرائيل , وعلى رأسها , هل ستقبل المستعمرة الإسرائيلية الكبرى من اجل تذليل عقبات ذلك التباعد والخلاف الثقافي , أن يتم عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أرضهم ؟ وهل ستقوم إسرائيل بتعويض الشعب الفلسطيني عن سنوات الحصار والظلم والقمع والإرهاب كما فعلت ذلك بعض الدول المستعمرة للشعوب , هذا إذا ما اعتبرنا إسرائيل دولة من باب المجاملة الثقافية ؟ وهل ستتقبل إسرائيل التنازل عن كامل الأرض الفلسطينية المحتلة جراء عدوان 67 ؟ وهل ستتخلى إسرائيل عن طموحاتها وإطماعها الامبريالية في الشرق الأوسط من اجل ذلك الهدف الثقافي ؟ حينها فقط سيتأكد لنا – نحن العرب - بان المستعمرة الإسرائيلية الكبرى تتقبل الحوار الثقافي والحضاري والإنساني المتوازن مع جيرانها , وإنها بالفعل تسعى للتقارب بهدف إحلال السلام مع الشعوب العربية , وحينها لكل حادثة حديث 0

صحفي مستقل – صحيفة الوطن بسلطنة عمان
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
مشرف عام الواحة السياسية بمنتديات المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية بالأردن