المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العبادة و الأمانة أساس الدين...



سعيد نويضي
07/10/2008, 02:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

هي في واقع الأمر قراءة جديدة لحقيقة أبدية و أزلية.

كيف ذلك؟

يقول الحق جل و علا : " {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
وما خلقت الجن والإنس وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية, هي عبادتي وحدي دون مَن سواي..[ التفسير الميسر].

فالمقال الذي تفضل به الأخ حسين راشد ماذا يعني الدين...و لمن...و لماذا...؟لتوضيح حقيقة الدين من خلال قراءة جديدة بنفس الأدوات التي هي اللغة و تراكيب هذه الأخيرة، لكن بشكل أكثر التصاقا بواقع الأمر، و بتنسيق جديد من خلال تبيان نوع العلاقات التي ترتبط بين الغاية من " الدين " و أطراف هذه العلاقة من جهة، و بين مضمون هذه العلاقة و ما تحتويه كموضوع قائم بين خالق و مخلوق.

و المعروف أن العلاقة ، أية علاقة لا تكون ذات كيان إلا إذا كانت قائمة في واقع معين و في زمن معين و بين أطراف محددة، و من أجل موضوع معين، يكون محور و لب و جوهر العلاقة، و لأجل غاية معينة، يتم تحديدها سلفا، و بشروط معينة، لو تحققت كما اتفق عليها، تلك الشروط كانت النتيجة كذا، و إن لم تتحقق تلك الشروط، كانت النتيجة كذا. على أساس أن تحقيق الشروط من عدمها يؤدي إلى نتيجة تكون هي الأخرى كثواب أو كعقاب كشكل من أشكال الجزاء.

و من هنا كان الدَّيْن كعلاقة قائمة بين شخصين أو أكثر على الأقل، تستوفي إلى حد ما الشروط السالفة الذكر. فالدَّيْن كقيمة مادية صرفة بين شخصين أو أكثر تنشأ كرابطة تعاقدية ، يكون بموجبها أن يتسلم طرف من الطرف الآخر قيمة معينة، على أساس أن يسترد قيمة الدَّيْن خلال زمن معين، و إن لم يحدث احترام شروط العقد القائم بين الطرفين يكون هناك عقاب كجزاء، و إن احترم الطرف المدين شروط العقد، قام الطرف الدائن بتنفيذ جزاء العقد كثواب.

و عليه تكون العلاقة قائمة بين الخالق و المخلوق على أساس الدِينْ . فالمخلوق مدين للخالق. و هو حقا مدين له بكل شيء و في كل شيء. بدليل قوله عز و جل : " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }فاطر15
يا أيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء, لا تستغنون عنه طرفة عين, وهو سبحانه الغنيُّ عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته, الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته، المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه، فله الحمد والشكر على كلِّ حال.[ التفسير الميسر].

لكن بماذا هو مدين للخالق؟ ماذا أقرضه الخالق؟ حتى إذا لم يستوف تحيق شروط العلاقة أوقع به العقاب كجزاء، و إذا طبق شروط العقد نال الأجر و الثواب كجزاء، عند انتهاء مدة القرض في مكان من هذا الكون.

إذا كان التساؤل الذي طرحه الأقدمون و لا زال قائما يتجدد طرحه مع العصور هو : لماذا خلقنا؟ و ما هي الغاية من وجودنا على هذه الأرض؟ كان الجواب الكافي من عند الخالق جل و علا: " {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56.

إذا بصيغة أخرى مضمون العقد و قيمة الدَّيْن هي " العبادة" و لكن ليست أية عبادة، هي عبادة بشروط معينة ، تقتضي مفاهيم معينة و محددة و مضبوطة ، تستند إلى المنطق و العقل و يحتضنها القلب كمركز يشرف على دورة الحياة داخل الجسد ، و تقوم بها الأطراف كسلوك خارجي و كتعبير على تطابق بين الاعتقاد كنظرية و العمل كتطبيق لتلك النظرية. يشكل الكل مضمون قيمة الدَّيْن في العلاقات المالية المحضة و يشكلها الدِِين كعلاقة بين الخالق و المخلوق، كعبادة.

لكن هل هذه العلاقة قائمة على الضرورة؟ كما هو حال الدَّيْن؟ أم هي قائمة على الاختيار، كحالة فريدة لا يتمتع بها إلا الإنسان من بين سائر المخلوقات؟ فالإنسان لا يلجأ إلى الدَّيْن إلا اضطرارا. فهل الإنسان يلجأ إلى الدُِين اضطرارا أم اختيارا؟

الحقيقة أن الإنسان في مثل هذه الحالة يجد نفسه بين أمرين.الأمر الأول أن التنشئة الاجتماعية تشكل سلوكه بنسبة كبيرة و منها اعتقاداته و ثقافته بصفة عامة. و الأمر الثاني هو درجة استيعابه لما تشربه كحمولة معرفية و ثقافية تتحكم إلى حد كبير في معتقداته و مفاهيمه.

لكن إذا عدنا إلى المعادلة البشرية بين الدائن و المدين كعلاقة قائمة على شيء يسمى "الدَّيْن ". فهذه العلاقة قامت على أساس حاجة معينة جمعت بين الطرفين مسبقا و على معرفة قائمة هي الأخرى بين أطراف العقد. فما هي الحالة القائمة و المعرفة السابقة بين الخالق و المخلوق في إنشاء شروط العقد ، الذي يعتبر به المخلوق مدين للخالق بالعبادة؟
يقول جل و علا: " {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }الأعراف172
واذكر -أيها النبي- إذ استخرج ربك أولاد آدم مِن أصلاب آبائهم, وقررهم بتوحيده بما أودعه في فطرهم من أنه ربهم وخالقهم ومليكهم, فأقروا له بذلك, خشية أن ينكروا يوم القيامة, فلا يقروا بشيء فيه, ويزعموا أن حجة الله ما قامت عليهم, ولا عندهم علم بها, بل كانوا عنها غافلين.[التفسير الميسر]

فالعلم الموجود سلفا في الفطرة بأن الله هو الخالق، هو الشاهد علينا على إبرامنا لعقد الدّْين بين الخالق جل و علا و بين الإنسان، أنه الله الواحد الأحد الذي لا شريك له. و أنه رب العالمين أجمعين. فهذا العلم هو شرط ضروري حتى يتحقق العدل في المعادلة القائمة بين طرفي العقد. وحتى يكون الإنسان مسئولا عن تصرفاته بل في حقيقة الأمر عن اختياراته التي ستتبلور في سلوكياته و ستشكل حياته قبل مماته. فمن أين جاءنا التبرير" ... أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }الأعراف172. و الغفلة كتبرير غير واع موضوع آخر يصب في نفس الاتجاه لإثبات نفس الحقيقة. التبرير الثاني و هو الأخطر منه قولا هو الذي ورد ذكره في الآية 173 من نفس السورة. يقول الحق جل و علا: " {أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }الأعراف173
أو لئلا تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد, فاقتدينا بهم من بعدهم, أفتعذبنا بما فعل الذين أبطلوا أعمالهم بجعلهم مع الله شريكا في العبادة؟[التفسير الميسر].

فالتبرير الثاني الذي سيحتج به الإنسان لكي لا يتحمل مسئوليته هو إلقاء اللوم على الآباء ، أي على التربية و الأسرة و المجتمع، أي على العالم الخارجي الذي لم يكن يسير على الطريق القويم حتى تكون الهداية من نصيب الجميع، و ليس من نصيب البعض دون البعض الآخر.

و لكي يظل قولكم مردود عليكم يا بني آدم فقد ورد في الآية 157 من سورة الأنعام: " {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }الأنعام157
ولئلا تقولوا -أيها المشركون- : لو أنَّا أُنزل علينا كتاب من السماء, كما أُنزل على اليهود والنصارى, لكنَّا أشدَّ استقامة على طريق الحق منهم, فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربي مبين, وذلك حجة واضحة مِن ربكم وإرشاد إلى طريق الحق, ورحمةٌ لهذه الأمة. فلا أحد أشد ظلمًا وعدوانًا ممن كذَّب بحجج الله تعالى وأعرض عنها!! فهؤلاء المعرضون سنعاقبهم عقابًا شديدًا في نار جهنم; بسبب إعراضهم عن آياتنا, وصدِّهم عن سبيلنا.[ التفسير الميسر]

فإذا ما اتضحت شروط العقد القائمة على العلم الغيبي و الآني، أي العلم الذي تم في عالم الغيب، و العلم الذي تم في عالم الشهادة، أي في الحاضر المعاش، يظل السؤال قائما؟ ما هو مضمون العقد؟ الغاية من العقد هي العبادة. لكن ما هو مضمون هذه العبادة؟ و كيف لخصا الحق جل و علا في آية، كما لخص الغاية من الوجود في آية؟

فالآية التي لخص فيها الحق جل و علا مضمون الدِِّين هي: " {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72
إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلَّفين من امتثال الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها, وخفن أن لا يقمن بأدائها, وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه, إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.[التفسير الميسر].

فالمعروف بين بني آدم أن الدَّيْن بين أطراف العقد هو أمانة يجب أن يؤديها الإنسان المدين إلى دائنه بالشروط المتفق عليها سلفا و بعلم الأطراف المسبق. فكذلك ما حمله الإنسان اتجاه خالقه يوم شهد على نفسه في عالم الغيب أن الله عز وجل هو رب العالمين و ليس له شريك في الألوهية و الربوبية. فالأمانة التي حملها الإنسان هي الدِّين الذي يعتبر مسئولا عنه إلى حين وفاة أجله و عودته إلى خالقه ليرى بنفسه ما قدمت يداه، هل حقا أدى الأمانة؟ فشروط العقد تتطلب الحفاظ عليها بتطبيق الأوامر و اجتناب النواهي الواردة في نصوصها و الذي حددها صاحب الحق، و الذي كذلك ترك الحرية و الاختيار للطرف الثاني بأن يقمها على أرض الواقع، أو يغفل عنها و ينساها و يخلق لها ألف مبرر حتى لا يعطيها حقا و بالتالي يتحمل مسئوليتها و عواقبها. لذلك جاء في آخر الآية المذكورة: " وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72

و مع كل هذا فالله عز وجل و هو الرحمان الرحيم لكي لا يتيه الإنسان في اختياراته أرسل إليهم الرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام لكي يبلغوا و يذكروا بهذ الحقيقة. و يبينوا شروط العقد أو شروط الدِّين كما يرضاه الله عز و جل و ليس كما تهوى الأنفس ، فتجند العقول و تقفل على القلوب حتى لا ترى الحق حقا أو تستبدل الحق باطلا. فهي حقيقة موضوعية لم يختلف حولها الأنبياء و لا الرسل عليهم الصلاة و السلام. لكن اختلف حولها و حول مضمونها بنو آدم لأنهم اتصفوا بالضعف أمام أهوائهم التي هي بين جوارحهم و بالضعف أمام الواقع بمتطلباته و بإغراءاته. فظلم بعضهم بعضا و جهل بعضهم فوق جهل بعض، لكي يثبت وجوده أو صحة رأيه دون علم و لا كتاب منير. فتحققت صفتا الجهل و الظلم كصفتا ضعف أمام الحق العدل المتصف بكل صفات الكمال.

و الله أعلم باليقين...

و للحديث بقية إن شاء الله جل و علا...

حسين راشد
07/10/2008, 05:53 PM
بارك الله عليك أستاذ سعيد
و أثابك على ما قدمت ويسرت وفسرت
خالص تقديري
فقط أتمنى اضافة .. كيفية رد الدين .. فكما هو معروف أن الدين الذي استدان به الدائن ( الأمانة) التي حملها الإنسان لانه ظلوماً جهولا .. فرضت عليه قناة رئيسية يسد من خلاله ما تيسر من دينه فشرعت له الشرائع التي تعلمه وتؤهله للطرق المتاحة للرد . ويأتي عفو الله .. (التنازل) عن بعضها إن كان ما قدمه الإنسان من اعمال يستحسنها الله فيعفيه من بقية الدين (يوم الدين والحساب) برحمته
ولنا لقاء