المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أخذ حذائي الجديد ؟



بهائي راغب شراب
08/10/2008, 10:52 AM
من أخذ حذائي الجديد ؟

بهائي راغب شراب

في صباح أحد الأيام ، لاحظ الأطفال أن صديقهم عادل يروح ويجيء بينهم مزهواً ، وتبدوا عليه إشارات وملامح الفرح الكبير ، استغربوا منه ذلك ، وعندهم حق ، فهم لم يعرفوا بعد ما عرفه عادل من أمه .
اقترب أحمد من عادل وقال له : ماذا حدث لك ، تبدوا وكأنك ملكت كل ما تحب وتحتاج ، وأظنك وجدت قرشاً على الأرض ..
نظر عادل إلى أحمد صديقه وقال : لا تعجب يا أحمد ، أبي سيعود اليوم من مكة ، أفلا يحق لي أن أفرح وأزهو وقد كان غائباً منذ فترة بعيدة ؟
قال أحمد : هنيئاً لك يا عادل بعودة والدك .. لك الحق أن تفرح أكثر من ذلك ..
قال محمد : لكن لم تخبرنا ، لماذا كان أبوك في مكة ؟
قال عادل : أخبرتني أمي أنه ذهب إلى هناك ليؤدي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام ..
قال محمد : نعم .. أعرفها ، أعرفها جيداً فقد كنت مع أبي في زيارة لعمي الذي يقيم في السعودية ، وقد أديت معه العمرة ، حيث طفنا حول الكعبة وأدينا مناسك العبادة والعمرة من إحرام ومن صلاة ومن سعي .
قال احمد : ليتني أرى مكة لأعرفها ، أنتما تعرفانها أكثر مني ..
قال صديقهما الرابع سليمان وكان يستمع فقط : لكن أخبرنا الصدق ، هل فرحك فقط لأن أبوك سيعود اليوم أم لأنه سيحضر لك هدية معه ؟.
قال عادل : نعم ، فأنا أحبه ، وقد اشتقت إليه كثيرا ، ووالدي أيضاً يحبني ..
قال سليمان : أظنك ستحصل على هدية ثمينة إذن ، أنت تحب أباك وهو يحبك ..
عادل : نعم ، بدون أدنى شك سيحضر هدايا كثيرة لنا ..
***
قبيل آذان صلاة المغرب بقليل ، توقفت سيار كبيرة أمام دار أبو عادل ، وتدافع الناس وهم يتنادون ، لقد عاد أبو عادل ، لقد وصل بالسلامة ، وامتلأت الدار فورا بالنساء اللواتي أخذن يزغردن ويهللن ويغنين احتفاء وفرحا بعودة الحاج أبو عادل ، ولا عجب في ذلك فالجميع كانوا يحبونه ويقدرونه ، وأما الرجال فقد اصطحبوا الحاج أبو عادل إلى ديوان العائلة ليتلقى التهاني والتبريكات بسلامة العودة من الحج من الناس الذين بدأوا بالتوافد وهم يقولون له : حجا مبروراً وسعياً مشكوراً إن شاء الله ، وتقبل الله منك يا حاج ، إن شاءالله دعوت لنا عند أستار الكعبة وأمام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مبارك يا حاج أبو عادل والله يجعلك من المقبولين عنده والمغفور لهم .. وعقبال كل مشتهي يا رب .
***
وكان عادل يسمع ويرى ما يجري أمامه ، وأحس بالفخر أكثر من أي وقت مضي ، لما يراه من محبة الناس لوالده وفرحهم الكبير بعودته سالما .. وقال في نفسه : لقد ظلمت الكثيرين من الناس وقلم اكن احبهم ، لكنني لم اعرف أنهم يحبون والدي وبلا شك هم يحبونني ، يجب علي أن احبهم أنا أيضاً نعم يجب أن أتغير وأن أحبهم انهم أهلنا وأصدقائنا ويحبوننا .. سأحبهم .. سأحبهم .. سأحبهم .
***
بعد أن خرجت النساء من الدار ، وبعد أن انفض الناس من الديوان ، وعاد أبو عادل إلى بيته وعائلته ، حق لهم أن يجلسوا ويتحدثوا ، فالفراق طال ، والشوق ازداد ، والتئم شمل الأسرة بعودة الأب الحنون الذي اخذ يوزع قبلاته بين ولده عادل وابنته الصغرى سعاد حيث جلسا على رجليه ، وهو ينظر إلى أمهما بحب شاكراً لها حسن رعايتها لهما وداعيا الله أن يجازيها خير الثواب الطيب من عنده .
وبدأ الوالد يوزع هداياه على زوجه وابنه وابنته ، وقال لهم : لقد أحضرت لكل واحد منكم حقيبة مملوءة بالهدايا ، ومد يده بإحدى الحقائب إلى عادل قائلاً : هذه لك يا عادل ، وهذه الحقيبة لك يا سعاد أما هذه الحقيبة الكبيرة فإنها لقرة عيني أمكما الحبيبة .
***
أسرع عادل وفتح حقيبته وأخذ يخرج الأشياء من داخلها هو فرح بها ، وتعجب منها فهو لم يملك قبل ذلك مثل هذه الكمية من الأشياء المختلفة العديدة التي يحبها وكان يتمنى الحصول عليها ، واحتار بين الألعاب والملابس وفيما هو يقلب بيده داخل الحقيبة ، قبضت يده على حذاء بلاستيكي جديد فأخرجه بسرعة وأخذ يتأمله ثم أدخل قدميه بداخله وبدأ يمشي داخل الغرفة وهو مزهو بأنه أخيرا يلبس حذاءً جميلاً ..
توجه عادل إلى والده وشكره على هداياه الجميلة وبالخصوص على الحذاء الجميل ، لأنه سيستغني به عن الزنوبة المهترئة القديمة التي كان يذهب بها إلى المدرسة .
وأوى عادل إلى فراشه لينام ، محتضناً حذاءه الجديد الذي أبقاه بجانبه تحت الغطاء .
***
في الصباح أيقظت الأم عادل فقط ، لأنه سيذهب إلى المدرسة ، أما سعاد فإنها لم تزل صغيرة .
دخل عادل الحمام وغسل أسنانه ووجهه ، ولبس زي المدرسة ، ثم أخذ يساعد أمه في إعداد الفطور ، وذهب إلى أبيه وحياه بتحية الصباح وقبله بحرارة وحب ودعاه إلى تناول الإفطار .
عندما حان وقت الخروج إلى المدرسة أراد عادل أن يلبس الزنوبة كعادته كل يوم ، لكن أمه قالت له : لا .. لقد أصبحت تملك حذاءً جديداً ، ومنذ اليوم ستلبسه ،لكن احرص عليه ولا تخلعه من قدميك حتى تعود إلى البيت .
قال عادل : شكراً يا أمي ، سأحافظ عليه ولن أضيعه إن شاء الله .
بعد ان خرج عادل من البيت ، وبعد ان صار في الطريق فكر في نفسه : حذائي جديد وإذا مشيت عليه فوق الأرض سيتسخ ولن يظل جديداً ولا لامعاً ، ماذا أفعل لأحافظ عليه .. ماذا أفعل ..؟
آه .. تذكرت أخلعه الآن وأضعه داخل الحقيبة مع الكتب ، وعندما أصل إلى المدرسة أخرجه وألبسه ، نعم .. هذه فكرة حسنة .
خلع عادل الحذاء وخبأه داخل الحقيبة ، وعندما وصل إلى باب المدرسة أخرجه ولبسه ودخل المدرسة وهو فرحان ومبسوط .
وطوال اليوم لم يكن لعادل من حديث مع أصدقاءه وزملاءه في المدرسة إلا عن حذاءه الجديد .
عندما جاءت الحصة الأخيرة وكانت مخصصة للألعاب ، طلب المدرس من التلاميذ الخروج إلى ساحة المدرسة لممارسة اللعب .
فكر عادل مرة أخرى في نفسه : اللعب يفسد الحذاء سريعاً وقد يقطعه ، من الأفضل إلا أخرج للعب ، سأطلب من المدرس البقاء في الفصل حتى نهاية الحصة .
رفض المدرس طلب عادل ، وقال له : لا بد من خروجك إلى ساحة المدرسة لتشارك زملائك اللعب .
تضايق عادل كثيرا ، وهو لا يعرف ماذا يفعل ، وبدأ يفكر من جديد : ماذا أفعل ، كيف أخرج من هذا المأزق ، حذائي جديد ويجب أن أحافظ عليه ..
آه .. جاءتني فكرة : أخلع حذائي وأخبئه في درج المقعد وأخرج لأشارك زملائي اللعب والرياضة ، وعندما تنتهي الحصة أعود سريعاً وألبسه .. نعم .. سأفعل ذلك .
خلع عادل حذاءه وخبأه داخل الدرج خلف حقيبته وخرج إلى الساحة للعب .
قبل انتهاء الحصة بخمس دقائق جمع المدرس التلاميذ وطلب منه العودة إلى الفصل وأن يستعدوا للتوجه إلى منازلهم وبيوتهم .
دخل عادل كالريح غرفة الفصل وتوجه إلى مقعده ومد يديه الاثنتين ليخرج الحذاء
وصرخ عادل : حذائي .. أين حذائي ، أنا لا أجد حذائي ، وبكي عادل كثيرا وهو يصرخ : حذائي .. آه يا حذائي العزيز .
جاء المدرس إلى عادل وسأله : وأين كان حذائك ، ألم تكن تلبسه ؟
قال عادل : لا لم أكن ألبسه ، لقد وضعته داخل الدرج قبل الخروج إلى الساحة للعب .
اتجه المدرس نحو التلاميذ وقال لهم : من منكم أخذ حذاء عادل ؟
لم يجب احد
أعاد المدرس القول : من منك يعلم من أخذ حذاء عادل ؟
لم يجب أحد
قال المدرس : على الذي أخذه أن يخرجه الآن ..
لم يجب أحد
قال المدرس : كل واحد يظل في مقعده ولن تذهبون إلى بيوتكم قبل أن أفتش مقاعدكم جميعاً .
وفتش المدرس المقاعد كلها ولم يجد الحذاء ..
ثم فتش الحقائب المدرسية كلها ولم يجد الحذاء ..
ضاع حذاء عادل
لا أحد يعلم من أخذ الحذاء
كيف اختفى الحذاء إذن
الحذاء لا يتحرك و لا يمشي وحده
لا بد أن أحداً شاهده وهو يخبئه داخل الدرج
لا بد أن أحداً أخذه أثناء حصة الرياضة وغرفة الفصل خالية من التلاميذ ..
ضاع حذاء عادل ..
لم يلبس عادل الحذاء يوما واحداً كاملا
إنه حتى لم يلبسه من بيته إلى المدرسة
ماذا يقول لوالديه
ماذا ستقول له أمه
لقد حذرته من خلع الحذاء خارج البيت
هو لم يستمع لنصحها وخلعه
ضاع حذاءه الجميل الجديد ، وهو لن يحصل على حذاء أخر ..
*
تأخر عادل في العودة إلى المنزل ، قلقت أمه عليه ، ليس من عادته أن يتأخر عن العودة ، المفروض أن يعود مبكراً ليجلس مع والده وأمه وأخته سعاد ..
لا بد أن شيئاً سيئا حدث له ..
أرادت أم عادل الخروج من المنزل والذهاب إلى المدرسة لتسأل عن عادل
عندما فتحت الباب وجدت عادل جالسا أمام الباب ، حزينا يبكي بحرقة وألم ..
بسرعة حملته وأدخلته إلى الداخل وهي تصرخ وتسأله بلهفة وخوف : ماذا جرى لك لماذا تبكي ، هل ضربك أحدهم ، قل لي ماذا حدث ؟
قال عادل وهو يبكي : إنه حذائي يا أمي .. إنه حذائي ..
قالت أمه : ماذا به حذائك ..
قال عادل : لقد سرقوه مني ، لقد خبأته داخل درج المقعد عندما خرجنا إلى ساحة المدرسة للعب في حصة الرياضة ، وعندما عدت إلى الفصل لم أجد الحذاء ..
قالت الأم : لم تجده .. كيف .. أين ذهب إذن
قال عادل : لا أعلم ، لقد فتش المدرس جميع المقاعد ، وكذلك فتش حقائب جميع التلاميذ ، لكنه لم يجده ..
قالت الأم : أين ذهب إذن .. لابد أن أحداً أخذه ، لماذا لم تخبر الناظر ؟
قال عادل : لقد كانت الحصة الأخيرة ، وكان قد خرج من المدرسة
قالت الأم : " يا فرحة ما تمت " ، قلنا نبدل الزنوبة ، صحيح " أجت الحزينة تفرح ما لقت مطرح " ، العوض من الله ، لا تبكي ولا تحزن
قال عادل : كيف يا أمي لا أحزن ، لقد انتظرته طويلا وعندما أحصل عليه أفقده ..
قالت الأم : لا تحزن ، هيا نخبر والدك ، وإن شاءالله سنحصل لك على حذاء جديد آخر .
*
قالت الأم : هذا كل ما جرى لعادل اليوم ، ماذا ترى
قال الأب : لا عليك يا عادل ، كما قالت أمك ، سنحصل لك على حذاء جديد آخر
قال عادل فرحاً : مثل حذائي الذي فقدته
قال الأب : لا أعدك أن يكون مثله ، فقد لا أجد مثله في السوق
قال عادل : أشكرك جدا يا أبي ، أشكرك جداً يا أمي ، أنا احبكما كثيراً جدا ، لكن أريد أن أعرف .. من أخذ حذائي الجديد ؟

حنين حمودة
08/10/2008, 04:13 PM
سالت دموعي، وأنا أتساءل: من أخذ حذائي الجديد؟
سألت أستاذي: من أخذ حذائي الجديد؟
قال لي وهو يشد كتفي بقوة: لا حذاء لك، فأنت حصان عربي أصيل حر.
سألت أمي قالت: هات القلم. ورسمت لي حذاءً جميلا بالكثير من الأربطة.
ولم أسأل أخي خالد، فقد خجلت من اصبعه الذي طالعني من بقية الحذاء الذي يلبسه
لكنه أخذني جانبا وقال لي:
أنا سأحضره لك.. وإن احتجت إلى فتح هذا المعبر .