المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السقوط الأمريكي



بسام الحومي
08/10/2008, 06:20 PM
السقوط الأمريكي


ترجمة بتصرف : بسام الحومي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ


في مقال نشرته الأوبزرفر البريطانية بتاريخ (28/9/2008) للكاتب والمؤرخ (جون جراي) حول الأزمة المالية التي تتعرض لها الأسواق العالمية قال فيه أن هذه الكارثة المالية العالمية ستشهد سقوطا أمريكيا بنفس الطريقة التي سقط بها الاتحاد السوفيتي عندما سقط حائط برلين فقد انتهت الهيمنة الأمريكية.
كما أوضح أن ما يجري حاليا من تداعي الأسواق يخطف الأبصار غير أن هذا الغليان الذي نشهده هو أكثر من مجرد أزمة مالية كبيرة، فإن ما نراه اليوم هو تحول تاريخي جيوسياسي تغيرت فيه موازين القوى العالمية دون رجعة، وكانت نتيجته أن عصر القيادة الأمريكية العالمية، الذي حققته منذ الحرب العالمية الثانية، قد ولى وانتهى.
وقد كان بالإمكان تلمس إشاراته منذ أن فقدت الولايات المتحدة سيطرتها على ساحتها الخلفية، فالرئيس الفنزويلي (هوجو شافيز) استخف بواشنطن وتحداها دون عقاب، كما أن الأكثر من هذا تراجع القيم الأمريكية عالميا، فمع تأميم القطاعات الرئيسية في النظام المالي الأمريكي فإن عقيدة السوق الحرة التي بشرت بها أمريكا قد دمرت نفسها بنفسها، بينما ظلت الدول التي احتفظت بسيطرة كاملة على أسواقها في مأمن. وفي تغير يشبه في آثاره إلى حد بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي انهار نموذج كامل للحكومة والاقتصاد.
لقد اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على إعطاء محاضرات للدول الأخرى في ضرورة ترشيد الإنفاق، وتحملت دول مثل إندونيسيا وتايلاند والأرجنتين ودول أفريقية عدة تراجعات حادة وعميقة في اقتصادها ثمنا لمعونات صندوق النقد الدولي الذي طبق الأرثوذكسية الأمريكية، بل إن ضغوطا قاسية مورست على الصين بسبب نظامها البنكي الضعيف، ولعل نجاح الصين كان مستندا على احتقارها وعصيانها المستمر للنصائح الغربية، فالبنوك الصينية اليوم ليست هي التي تتعرض للإفلاس والتلاشي، والمشهد كان في الحقيقة رمزيا عندما سار رائد فضاء صيني في الفضاء في الوقت الذي كانت فيه وزارة الخزانة الأمريكية تجثو على ركبتيها.
ورغم نصائحها المستمرة للدول الأخرى بتبني الطريقة الأمريكية في إدارة الأعمال، فإن الولايات المتحدة كانت دائما تضع سياستين اقتصاديتين، واحدة لها والأخرى لبقية العالم، فعلى مر السنوات وفي حين كانت الولايات المتحدة تعاقب الدول التي تتخلى عن الحصافة المالية عمدت هي إلى اقتراض مبالغ طائلة لتمويل خفض الضرائب وتوسعة التزاماتها العسكرية في العالم، والآن ومع تحول التمويل الفدرالي للاعتماد بشكل أساسي على التدفقات المستمرة من رؤوس الأموال الأجنبية ، فإن الدول التي رفضت النموذج الأمريكي للرأسمالية هي التي سترسم المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة.
ولن يكون من الأهمية بمكان أي نسخة ستعتمد في نهاية المطاف لإنقاذ المؤسسات المالية الأمريكية التي قدمها وزير الخزانة (هانك بولسون) ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (بن برنانكي) فالمهم هو إنقاذ لوضع أمريكا في العالم. كما أن ما نوقش في الكونغرس عن جشع المصارف ليس أكثر من تشتيت للانتباه عن الأسباب الحقيقية للأزمة،
والظروف الرهيبة التي تمر بها الأسواق المالية الأمريكية هو نتيجة البنوك الأمريكية التي عملت في بيئة من الحرية المطلقة التي خلقها أساسا المشرعون الأمريكيون. وأن الفوضى الحالية هي مسؤولية الطبقة السياسية الأمريكية، التي تبنت أيديولوجية خطيرة في رفع القيود والتحرر من القوانين.
في الظروف الحالية فإن التوسع غير المسبوق للحكومة في الأسواق هو السبيل الوحيد لمنع وقوع كارثة في الأسواق، ومع ذلك فإن النتيجة في جميع الحالات هي أن الولايات المتحدة ستكون أشد اعتمادا على القوى الناشئة الجديدة في العالم.
فالحكومة الفيدرالية ستعمد إلى الاقتراض وهي قروض يشعر مقدموها بالخوف من عدم استعادتها أبدا، بل إن الولايات المتحدة قد تحاول الهروب من تلك الديون بإغراقها في التضخم مما يخلف خسائر ضخمة على المستثمرين الأجانب.
وفي مثل هذه الظروف هل ستكون حكومات الدول التي تشتري سندات الخزينة الأمريكية مثل الصين ودول الخليج وروسيا مستعدة لدعم دور الدولار في كونه عملة احتياط عالمية؟ أم أنها ستنتهز الفرصة لتعديل ميزان القوة الاقتصادية ليصب في صالحها؟ ومهما كان الاختيار فإن التحكم في الأحداث لم يعد بعد الآن في اليد الأمريكية.
لقد تعلق مصير الإمبراطوريات غالبا بالتفاعل بين تفاعل الحرب والديون، وهذا هو حقيقة ما حدث للإمبراطورية البريطانية فقد تدهورت أوضاعها المالية بعد الحرب العالمية الأولى واستمرت في التدهور، كذلك فقد كان من العوامل الحاسمة في انهيار الاتحاد السوفيتي هي الهزيمة العسكرية في أفغانستان والعبء الاقتصادي الناجم عن محاولاته مجاراة برنامج الرئيس الأمريكي الأسبق (ريجان) "حرب النجوم"، وهو البرنامج الفاشل تقنيا لكنه من الناحية السياسية كان فعالا بشكل كبير،
ورغم الإصرار الأمريكي على نظرية (الاستثنائية) فإن أمريكا في الواقع لا تختلف عن بريطانيا والاتحاد السوفيتي، إذ إن حرب العراق و(فقاعة الديون) قوضتا بشكل قاتل زعامة واشنطن الاقتصادية، ومع ذلك فستبقى لفترة من الزمن صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، لكن القوى الصاعدة ستستحوذ حال انتهاء الأزمة على ما تبقى سالما من حطام النظام المالي الأمريكي.
لقد دارت مناقشات في الأسابيع الأخيرة حول "هرمجدون" اقتصادية وشيكة الحدوث، لكن ما يجري في الحقيقة بعيد عن أن يكون إعلان نهاية الرأسمالية، وأن ما يجري في واشنطن يعني نهاية شكل واحد من أشكال الرأسمالية هو الشكل الغريب والمتقلب الذي وجد في أمريكا خلال السنوات العشرين الماضية، وأن هذه التجربة المالية والمصرفية القائمة على سياسة عدم التدخل قد سقطت وتلاشت، وفي حين ستنجو الدول التي قاومت النموذج الأمريكي في تحرير الاقتصاد، فإن بريطانيا التي حولت نفسها إلى صندوق استثماري ضخم من ذلك النوع الذي يفتقر إلى القدرة على الاستفادة من التقلبات سيلحق بها ضرر جسيم جراء هذه العاصفة.
ومن المفارقة أنه في حقبة ما بعد الحرب الباردة سقطت الشيوعية ثم تبعها نشوء أيديولوجيا طوباوية أخرى، ظهرت في أمريكا وبريطانيا وبدرجة أقل في بقية الدول الغربية، ورأت في "أصولية السوق" فلسفة رائدة، مما جعل من انهيار القوة الأمريكية نتيجة متوقعة. وتماما مثلما جرى عند انهيار الاتحاد السوفيتي فإن الانهيار الأمريكي (المالي) سيتسبب في تداعيات جيوسياسية كبيرة، فالاقتصاد الضعيف لن يقدر بعد الآن على دعم الالتزامات العسكرية الأمريكية الممتدة على نطاق واسع، لذا فإن خفض النفقات أمر محتوم، ومن المستبعد أن يتم هذا الخفض بالتدريج أو بتخطيط حسن.
الانهيارات التي نراها ليست تطورات بطيئة الإيقاع، بل هي فوضوية وسريعة، وذات انتشار سريع وآثار جانبية خطيرة، وعلى سبيل المثال فالهدوء نسبي في بعض أجزاء العراق الذي تحقق عبر تقديم الرشاوى للسنة في حين أن التطهير العرقي مستمر، لكن السؤال هو إلى متى سيستمر هذا في ضوء أن الإنفاق الأمريكي الحالي على الحرب لا يمكن أن يستمر؟
إن أي انسحاب من العراق سيجعل إيران المنتصر في المنطقة، فكيف سترد السعودية؟ وهل سيزداد أم سيقل احتمال شن حرب على إيران لثنيها عن امتلاك أسلحة نووية؟ وهل سيشجع الضعف الأمريكي الحالي حكامَ الصين الذين يلوذون بالصمت حيال الأزمة الحالية على تأكيد القوة الصينية، أم أن الصين ستواصل العمل بسياسة "الصعود الهادئ"؟ ولن تجد هذه الأسئلة إجابات أكيدة في الوقت الراهن، لكن ما هو مؤكد الآن هو أن القوة تتسرب من الولايات المتحدة بمعدل متسارع. ولقد أظهرت أحداث جورجيا أن روسيا تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية بينما تكتفي أمريكا بمشاهدة ما يجري وهي عاجزة عن منعه.
لقد اعتقد معظم الناس خارج الولايات المتحدة أن نمو الاقتصاديات الجديدة المتوائمة مع قيم العولمة ستقوض الموقع المركزي لأمريكا في العالم، كما تخيلوا أن هذا سيكون تغيرا في الموقف الأمريكي وأن ذلك التغير سيستغرق أجيالا وعقودا لكن اليوم تبدو تلك الافتراضات ضربا من الخيال.
فبعد أن خلق القادة الأمريكيون ظروفا أنجبت أكبر فقاعة في التاريخ يبدو أنهم عاجزون عن فهم حجم المخاطر التي تواجهها بلادهم حاليا، ولأنهم غارقون في وحل أحقاد ثقافة الحروب، ووسط خلافاتهم يبدون غافلين عن فهم حقيقة أن قيادة بلادهم للعالم تنحسر بشكل سريع، بينما يولد عالم جديد ما زال غير ملحوظ، تكون فيه أمريكا مجرد واحدة من عدة قوى عظمى، وتواجه مستقبلا غامضا لن تكون قادرة على تشكيله.
_____________
وهذا هو رابط المقال باللغة الانجليزية:

http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2008/sep/28/usforeignpolicy.useconomicgrowth


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
أما النص الانجليزي فقد أوردته تلبية لطلب الأخت العزيزة إيمان حمد


A shattering moment in America's fall from power


The global financial crisis will see the US falter in the same way the Soviet Union did when the Berlin Wall came down. The era of American dominance is over

Our gaze might be on the markets melting down, but the upheaval we are experiencing is more than a financial crisis, however large. Here is a historic geopolitical shift, in which the balance of power in the world is being altered irrevocably. The era of American global leadership, reaching back to the Second World War, is over.
You can see it in the way America's dominion has slipped away in its own backyard, with Venezuelan President Hugo Chávez taunting and ridiculing the superpower with impunity. Yet the setback of America's standing at the global level is even more striking. With the nationalisation of crucial parts of the financial system, the American free-market creed has self-destructed while countries that retained overall control of markets have been vindicated. In a change as far-reaching in its implications as the fall of the Soviet Union, an entire model of government and the economy has collapsed.
Ever since the end of the Cold War, successive American administrations have lectured other countries on the necessity of sound finance. Indonesia, Thailand, Argentina and several African states endured severe cuts in spending and deep recessions as the price of aid from the International Monetary Fund, which enforced the American orthodoxy. China in particular was hectored relentlessly on the weakness of its banking system. But China's success has been based on its consistent contempt for Western advice and it is not Chinese banks that are currently going bust. How symbolic yesterday those Chinese astronauts take a spacewalk while the US Treasury Secretary is on his knees.
Despite incessantly urging other countries to adopt its way of doing business, America has always had one economic policy for itself and another for the rest of the world. Throughout the years in which the US was punishing countries that departed from fiscal prudence, it was borrowing on a colossal scale to finance tax cuts and fund its over-stretched military commitments. Now, with federal finances critically dependent on continuing large inflows of foreign capital, it will be the countries that spurned the American model of capitalism that will shape America's economic future.
Which version of the bail out of American financial institutions cobbled up by Treasury Secretary Hank Paulson and Federal Reserve chairman Ben Bernanke is finally adopted is less important than what the bail out means for America's position in the world. The populist rant about greedy banks that is being loudly ventilated in Congress is a distraction from the true causes of the crisis.

The dire condition of America's financial markets is the result of American banks operating in a free-for-all environment that these same American legislators created. It is America's political class that, by embracing the dangerously simplistic ideology of deregulation, has responsibility for the present mess.
In present circumstances, an unprecedented expansion of government is the only means of averting a market catastrophe. The consequence, however, will be that America will be even more starkly dependent on the world's new rising powers. The federal government is racking up even larger borrowings, which its creditors may rightly fear will never be repaid. It may well be tempted to inflate these debts away in a surge of inflation that would leave foreign investors with hefty losses. In these circumstances, will the governments of countries that buy large quantities of American bonds, China, the Gulf States and Russia, for example, be ready to continue supporting the dollar's role as the world's reserve currency? Or will these countries see this as an opportunity to tilt the balance of economic power further in their favour? Either way, the control of events is no longer in American hands.
The fate of empires is very often sealed by the interaction of war and debt. That was true of the British Empire, whose finances deteriorated from the First World War onwards, and of the Soviet Union. Defeat in Afghanistan and the economic burden of trying to respond to Reagan's technically flawed but politically extremely effective Star Wars programme were vital factors in triggering the Soviet collapse. Despite its insistent exceptionalism, America is no different. The Iraq War and the credit bubble have fatally undermined America's economic primacy. The US will continue to be the world's largest economy for a while longer, but it will be the new rising powers that, once the crisis is over, buy up what remains intact in the wreckage of America's financial system.
There has been a good deal of talk in recent weeks about imminent economic armageddon. In fact, this is far from being the end of capitalism. The frantic scrambling that is going on in Washington marks the passing of only one type of capitalism - the peculiar and highly unstable variety that has existed in America over the last 20 years. This experiment in financial laissez-faire has imploded.While the impact of the collapse will be felt everywhere, the market economies that resisted American-style deregulation will best weather the storm. Britain, which has turned itself into a gigantic hedge fund, but of a kind that lacks the ability to profit from a downturn, is likely to be especially badly hit.
The irony of the post-Cold War period is that the fall of communism was followed by the rise of another utopian ideology. In American and Britain, and to a lesser extent other Western countries, a type of market fundamentalism became the guiding philosophy. The collapse of American power that is underway is the predictable upshot. Like the Soviet collapse, it will have large geopolitical repercussions. An enfeebled economy cannot support America's over-extended military commitments for much longer. Retrenchment is inevitable and it is unlikely to be gradual or well planned.
Meltdowns on the scale we are seeing are not slow-motion events. They are swift and chaotic, with rapidly spreading side-effects. Consider Iraq. The success of the surge, which has been achieved by bribing the Sunnis, while acquiescing in ongoing ethnic cleansing, has produced a condition of relative peace in parts of the country. How long will this last, given that America's current level of expenditure on the war can no longer be sustained?
An American retreat from Iraq will leave Iran the regional victor. How will Saudi Arabia respond? Will military action to forestall Iran acquiring nuclear weapons be less or more likely? China's rulers have so far been silent during the unfolding crisis. Will America's weakness embolden them to assert China's power or will China continue its cautious policy of 'peaceful rise'? At present, none of these questions can be answered with any confidence. What is evident is that power is leaking from the US at an accelerating rate. Georgia showed Russia redrawing the geopolitical map, with America an impotent spectator.
Outside the US, most people have long accepted that the development of new economies that goes with globalization will undermine America's central position in the world. They imagined that this would be a change in America's comparative standing, taking place incrementally over several decades or generations. Today, that looks an increasingly unrealistic assumption.
Having created the conditions that produced history's biggest bubble, America's political leaders appear unable to grasp the magnitude of the dangers the country now faces. Mired in their rancorous culture wars and squabbling among themselves, they seem oblivious to the fact that American global leadership is fast ebbing away. A new world is coming into being almost unnoticed, where America is only one of several great powers, facing an uncertain future it can no longer shape.

د. محمد اسحق الريفي
15/10/2008, 04:27 PM
أخي الكريم الأستاذ بسام الحومي،

أشكرك جزيلا على ترجمة هذا المقال الهام، الذي يوضح بلا أدنى شك أن إمبراطورية الشر والطغيان قد ذهبت إلى الجحيم ودون رجعة، والحمد لله رب العالمين، الذي جعل من سنة هذا الكون ألا يهيمن عليه إلا هو عز وجل، وألا يستمر الظلم فيه إلا قليلا، وعلى العالم أن يعتبر.

ننتظر الآن سقوط الأنظمة العربية الخانعة للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ذلك سيسقط الكيان الصهيوني وما يسمى (إسرائيل) والمشروع الصهيوني إلى الأبد وفي مزابل التاريخ الإجرامي الأسود.

تحية دون أسف على الظالمين!