المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقائع الخواء الثقافي في رواية مصرية... ولغط متصاعد حول جائزة بوكر



د. طلال الجعفري
10/10/2008, 03:35 PM
http://www.arabswata.org/forums/imgcache/386.imgcache.jpg (http://www.arabswata.org/up/uploads/images/wataad3be6c9ee.jpg)
في روايته الثانية "غير المضحوك عليهم" – والتي أثارت جدلا واسع النطاق على مستوى الساحة الأدبية المصرية – يعمد مؤلفها "ياسر منجي" الروائي والتشكيلي والناقد إلى تفكيك المشهد الثقافي المصري برمته؛ كيما يضع يديه على مواطن العلل وبؤر الاحتقان التي ما برحت تنز في صميم المشهد الثقافي المصري طوال قرن مضى، لتتراكم أرصدتها منذرة بانسحاب البساط الريادي من أسفل قدمي العاصمة العربية العجوز لصالح عواصم أخرى أكثر فتوة وقدرة على التصدي لتحديات الراهن.
تحمل الرواية في سياقها السردي عدة ضفائر متشابكة إلى درجة التعقيد من التيمات التي يصلح كل منها لأن يتخذ كموضوعة لدراسة نقدية مستقلة؛ فالمؤلف – بما توفر لديه من وفرة في الوقائع وبانورامية في الاطلاع على المشهد المذكور من كونه منخرطا فيه من عدة زوايا كناقد وتشكيلي وأديب فاعل في السياقات الثلاث – قد استثمر خصب مادته الأولية من الوقائع الموارة في الحقل الثقافي المصري، مستلهما إياها في قالب حكائي يتذرع ببنية السيرة الذاتية ومتسلحا بشمولية الوعي التي تتيحها تقنية الحكي وفقا لنموذج "الراوي العليم"، وذلك ليعري زيف الشخوص الخاوية، والتي تسنمت مواقع قيادية في صدر المشهد الثقافي المصري تمارس من خلالها إنزاف نسغه؛ وهو ما تظهره الفقرة التالية بجلاء لا مواربة فيه:
"وربما لم يتح لأحد من الإداريين أن يتقلب في وظائف المواقع الثقافية المختلفة كما فعل "رياض شاهين"، الذي ظل يتدرج في المناصب إلى أن انتهى إلى منصب "رئيس الإدارة المركزية للمخازن المتحفية" في "الهيئة المصرية العامة للفن الحديث والمعاصر"، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى خروجه على المعاش. ومع تدرجه الوظيفي وتشعب علاقاته مع ذوي النفوذ، أخذ قلمه يلمع إلى أن صار واحدا من أكثر النقاد سطوة وأكثرهم إثارة للرهبة في قلوب الفنانين التشكيليين، مستغلا سطوته في عرض أعماله الفنية المتواضعة من آن لآخر، ضامنا لها رواجا لا يتأتى إلا لكبار الفنانين الموهوبين، من خلال "إدارة المقتنيات" التي كانت تقوم بشراء معظم أعماله المعروضة لصالح وزارة الثقافة.
عاصر "رياض شاهين" كافة التطورات التي طرأت على "الهيئة المصرية العامة للفن الحديث والمعاصر" منذ حقبة الستينيات وحتى الآن. فقد شهدت الهيئة مراحل تطور متعددة منذ أن كانت تسمى "مراقبة الرسومات والمنحوتات" بوزارة المعارف العمومية، ثم بتحولها إلى "المراقبة العامة للرسم والنحت"، ثم إلى "الإدارة العامة للمشغولات الفنية" فى وزارة الثقافة بعد إنشائها فى عام 1958م، فتولى إدارتها الفنان "ناشد رستم" سليل الأسرة الإقطاعية التي تحول جميع أفرادها بين يوم وليلة إلى أشد أنصار الثورة حماسا، محتفظين بثرواتهم كاملة بفضل علاقاتهم الطيبة بكبار الضباط الأحرار، تلك العلاقات التي توجتها صداقة ابنهم الفنان "ناشد" – "ناشد بك رستم سابقا" - بالرئيس "جمال عبد الناصر" الذي جلس إليه شخصيا أكثر من مرة ليرسمه في لوحات بالحجم الطبيعي تصوره في أوضاع بطولية متشامخة.
وفيً عام 1963م، انضمت إليها "الإدارة العامة للأنتيكات" التى أنشئت عام 1956 فور انتهاء العدوان الثلاثي، وتولى إدارتها الفنان "عبد رب النبي الساعاتي" الذى كان مديراً ل"الأنتكخانة الفنية"، وبعد تقاعده أوائل عام 1967 تولى الأستاذ "الشهاوي شحتة" رئاستها تحت مسمى "الإدارة العامة للفنون الثورية والمتاحف القومية العربية"؛ والذي تم الاستغناء عن خدماته بعد عدة أشهر ليعين بدلا منه "رياض شاهين"، الذي انفتحت شهيته لرفع التقارير التفصيلية عن الانتماء السياسي للفنانين واتجاهاتهم الفكرية؛ لاسيما بعد هزيمة "يونيو" التي أشعلت حماسه التقاريري بدافع التفتيش الوطني خلف (أوباش الطابور الخامس) من المندسين بين الفنانين، والذين كان يؤكد ضلوعهم في تهيئة أسباب نكسة الوطن، وهو ما كان يصرح به بصوت خفيض وهو يرتدي نظاراته الشمسية الداكنة التي كانت تزيد من خطورة قسمات وجهه الصارم بينما يهمس في فحيح واثق النبرة بجملته الشهيرة: (دول شلة شيوعيين مخربين واحنا راصدينهم كويس يا عزيزي)، وما لبثت الإدارة أن تحولت في عهده إلى "الهيئة العامة للفنون الوطنية والآداب القومية الجماهيرية"؛ لتكون بمثابة تجسيد مؤسسي لخلاصة الفكر الناصري القومي وتعاليم "الميثاق"، وقد ألغيت هذه الهيئة عام 1973 بعد نصر "أكتوبر" المجيد، طبقا لسياسة "السادات" في التخلص من (رواسب العهد الشمولي القمعي) على حد تعبير المخلصين له من رجال الثقافة، وأنشأ بدلاً منها "المركز القومى للأشغال الفنية" الذى تولى رئاسته الفنان الدكتور "شتيوي كُزبر"، ليتلقى تعليمات بتعيين "رياض شاهين" رئيسا ل"الإدارة العامة للتثقيف"، عقب صدور كتابه "الملامح العامة لشخصية الرئيس السادات، وأثرها على النهضة الفنية التشكيلية"؛ وهو الكتاب الذي صدر متزامنا مع معرضه "جماليات البحث عن الذات"، والذي عرض من خلاله أربعين لوحة زيتية، احتوت كل منها على منظر يبدو فيه "السادات" ماثلا في أحد الأوضاع الشامخة أو مؤديا لعمل بطولي، وعلقت في صدر المعرض لوحة ضخمة رسم فيها "رياض شاهين" كافة الشخصيات التي تمثل طوائف الشعب من عمال وفلاحين وعلماء وجنود وطلاب ورجال دين، وقد ظهروا جميعا يحملون ملامح وجه "السادات" المميزة.
وبعد أن تولى الفنان الأستاذ الدكتور "زهير عبد الجبار" رئاسة المركز عام 1977، ظل "رياض شاهين" يفخر بالصورة العملاقة التي تعلو الحائط خلف مكتبه، والتي يبدو فيها الرئيس "أنور السادات" مبتسما ومربتا على كتفه خلال تجواله ب"المعرض الدولي السنوي لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة" – ذلك المعرض الذي أتاه الإلهام بتأسيسه في لحظة فيض علوي- فكان يشرح لمتأملي الصورة المبهورين كيف أن الرئيس المؤمن قد أطلق تصريحه الخطير الذي يكشف عن عبقريته حين صرح على الملأ: (رياض شاهين ده من أولادي المخلصين)، حتى كان مصرع "السادات" المأساوي في حادث المنصة، فاستبدلت الصورة بأخرى يبدو فيها "رياض شاهين" مقطبا وهو يسطر شيئا بقلمه على ورقة. وفى عام 1986 تحول "المركز القومى للأشغال الفنية" إلى "الهيئة المصرية العامة للفن الحديث والمعاصر"، تحت رئاسة الفنان الأستاذ الدكتور "مسعد الفران"، ليترقى "رياض شاهين" لمنصب "رئيس الإدارة المركزية للمخازن المتحفية". حتى كان يوم 26 مارس عام 1997 عندما أنهى "رياض شاهين" فترة خدمته الوظيفية بوصوله لسن المعاش وهو على درجة وكيل أول وزارة".
هكذا ودون تزويق تمارس الرواية إملاء شهادتها على وقائع الخواء الثقافي، فاضحة استراتيجيات تغلغل الطفيليين والمزيفين في صميم الحياة الثقافية؛ وهو ما يفسر الضجة التي صاحبت ظهور الطبعة الأولى للرواية، وانقسام الساحتين النقدية والإعلامية في مصر بشأنها بين رأيين نقيضين؛ يرى الأول منهما أنها نص إبداعي جرئ وجدير بالتناول من زاوية النصوص البوحية القصوى على غرار "الخبز الحافي" ل"محمد شكري"، بينما يرى الرأي الآخر فيها عملا فوضويا يروم صاحبه من خلاله إحداث ضجة لضمان الشهرة. وقد زادت حدة الخلاف بين الفريقين مؤخرا بعد إعلان ترشيح الرواية لجائزة "بوكر العربية" (الجائزة الدولية للرواية العربية) IPAF في دورتها الثانية، حيث صارت الرواية المذكورة هدفا للمزايدة التنبؤية من قبل البعض؛ فهل يفعلها "ياسر منجي" ويصل إلى ما سبق وأن وصل إليه مواطنه "بهاء طاهر" بفوزه بالمركز الأول؟؟

احمد خميس
02/11/2008, 07:44 AM
الرواية هي الأولى في استلهام اشتباكات العلاقة بين يهود مصر وغيرهم من الطبقات والشرائح والقوى الاجتماعية خلال فترة الخمسينيات من القرن المنصرم؛ حيث تطالعنا ذكريات أفراد عائلتي "حوطر" المسلمة و"عقيبا" اليهودية بمنطقة "سوق اللبن" بمدينة "المحلة الكبرى"، والتي يسوقها الكاتب بأسلوب الراوي العليم؛ حاكيا قصة المعبد الذي كان معروفا باسم "كنيس الأستاذ"، والذي يقال إنه قد شيد في حوالي عام 1885، وحرص العائلات اليهودية المتدينة على السكنى بالقرب منه التماسا للبركة من نسخة التوراة ذات الغطاء الفضي الموجودة بهيكله، والتي يقال إن عمرها سبعة قرون، والذي أتت تسميته بـ "كنيس الأستاذ" نسبة إلى الحاخام "حاييم الأمشاطي"، الذي كان يلقب بـ "الأستاذ"، والذي قيل إن قبره موجود بأسفل أرضية المعبد، والذي كان مولده عيدا يحتفل به في أول مايو/آيار من كل عام.