المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرثية ذاتية لها بقية: خاطرة رقم (3)



د. دنحا طوبيا كوركيس
02/10/2006, 09:36 PM
مرثية ذاتية لها بقية...خاطرة رقم ( 3 )
بقلم: أ.د. دنحا طوبيا كوركيس
الجامعة الهاشمية

منفى رقم واحد


كنت أعلم أن ظل ]المنفى رقم واحد[ لا ينفك عن ملاحقتي أينما كانت وجهتي...
لم يخني ظني، فقد وجد مقعدا في السيارة التي كانت تقلني وعائلتي إلى بلد الحدود!
اقترنت الرحلة بمزيج من المشاعر لم أجد لها في أدبيات علم النفس مفردة تصلح لوصفها.
ربما لم تسعفني ذاكرتي، لأنه كلما خطر ببالي أن أتمرد على "التعليمات" وأجعل من بلد الترانزيت
وطنا، كان الظل بالمرصاد يذكرني بعبارة "الخيانة" التي وصف بها (الرفيق) الذي غادر (موفدا)
ولم يعد. حاولت غربلة المشاعر بعد سين وجيم عند النقطة الحدودية. أفلحت... تنفست الصعداء...
أردت أن أصرخ بأعلى صوتي، لكنني خشيت أن أقطع على الظل شخيره بعدما كان يسهر على (راحتي) حتى الحدود!

ترجلت من السيارة عند البوابة الشرقية للجامعة...نظر الحرس إلى داخل السيارة...توجس! ربما
لاحظ الظل، فمنعها من دخول الحرم. ربما جاء المنع بسبب هندامي الذي لم يكن يتناسب وقرار
تعيين "الدكتورة..." بوظيفة "عضو هيئة تدريس"، وربما أيضا بسبب شعري الأشعث ووجهي
الذي لم تلامسه قطرة من ماء الصباح.

قلت في نفسي: "وإن كانت تاء التأنيث زائدة، فالمثل يقول: (الزايد خير)! و(الصباح رباح)...
كان الطريق إلى القسم العلمي طويلا، ومع ذلك لم أتذمر لأن الظل بقي في سبات عميق، كما
حدثتني نفسي. مشيت ومشيت وأنا ألتفت إلى الوراء تارة، وأخرى يمينا أو أخرى يسارا.
كنت مشدوها بما أرى...انبهرت بما شاهدت...لقد أنساني الصرح الشامخ أمام ناظري ومن
حولي ]المنفى[ وظله... خلتها جامعة أمريكية وسط صحراء نيفادا...جعلني ذلك المنظر
أسافر بذاكرتي قرابة نصف قرن من الزمان إلى الوراء لأجد العزاء...إنها مدرستي التي تزيد
هذه العمارة الأنيقة جمالا وبهاء، وهي مكسوة بحلة خضراء.

أفقت من هذا الحلم الجميل أمام نقاط دالة عديدة، ولكنني لم أجد ضالتي بينها...
سألت أحد الطلبة مستغيثا، فأشار بسبابته إلى المبنى المقصود... قصدته.
عندما وصلت، لم أشاهد سوى مخطوطة واحدة فوق المبنى تقول: "قسم ال.............".
تساءلت:"ترى أين القسم الذي أنا بصدده؟"
سألت طالبا ثانيا، فأشار إلي بالدخول إلى ذات المبنى والصعود إلى الطابق الثاني. شكرته،
ثم توكلت باحثا عن إدارة القسم.
وقفت أمام رقعة مثبتة على حائط المكتب، لا يتجاوز طولها 12 سنتيمترا وعرضها ثلاث
سنتيمترات، وقد كتب عليها:"سكرتيرة قسم...........". دخلت.......
"السلام عليكم".
"وعليكم السلام"...نظرت إلي بابتسامة وكأنها تتوقع حضوري في أية لحظة.
"أنا الدكتور...."
انتفضت من مكانها وقالت مبتهجة ومعاتبة:
"وينك يا دكتور؟ لقد قلبنا الدنيا عليك، وأرسلنا لك عدة فاكسات، واتصلنا بك تلفونيا عدة
مرات...وكلما اتصلنا بك، قالوا لنا: "إنه في المحاضرة".
"ولكنني لم أتلق شيئا، ولم يبلغني أحد باتصالاتكم".
غضبت، فرفعت سماعة الهاتف وهي تقول: "إذا كنت لا تصدق، استمع بنفسك إلى ما
سيقوله لك مسؤول المقسم".
استمعت إليه، واعتذرت، فشكرته...
على أية حال، سمعت السكرتيرة وهي تقول لي:"مرحبا يا دكتور...جدول محاضراتك جاهز،
ورئيس القسم بانتظارك".

دخلت مكتبه...ألقيت عليه التحية... قدّمت له نفسي... وكان الترحاب حارا.
أحببت الرجل منذ اللحظة الأولى، واعتقد أنه بادلني بالمثل (وما زال كذلك). تجاذبنا أطراف
الحديث...رويت له قصتي في ]المنفى رقم واحد[ ، قصة كتابنا وكتابكم...جامعتكم...وزارتنا ووزارتكم،
الأمن القومي ومخابراتكم...الخ من "هات وخذ"، وطالت القصة خمسة أشهر بالتمام...وكان بعدها
الكمبيوتر منقذي من حيث أدري ولا أدري، ولكن وجهة السفر المقررة تغيرت من الشرق، كما كان
متفق عليه بروتوكوليا، إلى الغرب العربي...
تعاطف الرجل السمح معي وقال:" طيب، استشر عائلتك، طالما كان هنالك تبعات على بقاءك معنا،
ووافيني غدا صباحا".
وأنا في طريق عودتي إلى السيارة، شعرت بأن الظل كان يتابع خطواتي... أصبحت في حالة من
الهذيان، وغير قادر على اتخاذ القرار السليم. لعنت كل القائمين على إدارة ]المنفى رقم واحد[
لأنهم لم يتصلوا بي مرة واحدة في الأقل... وللحديث شجون!

وجاء القرار العائلي لصالح الرياح التي لا تشتهيها السفن...
هلل الظل ونحن في طريقنا إلى المطار، وأبى أن يفارقنا حتى لحظة الوداع...
ثم عاد إلى المنفى منتشيا!!


وإلى الملتقى في مرثية رابعة، لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

الأردن في 28/1/2006

حنان سرور
22/11/2007, 05:31 PM
الله يسامحك يا دكتور
بعدما أخذت بتلابيب أنتباهى واستخوذت عليه
وبعدما أغرقتنى حد التيه فى هذه المقطوعة الابداعية الجميلة
أيقظتنى وفجأة
تحياتى لتلك المرثيات الجميلة ولهذا النضج من الابداع

حنان سرور
22/11/2007, 05:31 PM
الله يسامحك يا دكتور
بعدما أخذت بتلابيب أنتباهى واستخوذت عليه
وبعدما أغرقتنى حد التيه فى هذه المقطوعة الابداعية الجميلة
أيقظتنى وفجأة
تحياتى لتلك المرثيات الجميلة ولهذا النضج من الابداع