ابراهيم درغوثي
12/10/2008, 10:49 PM
عملية سطو أدبي
الروائي حسونة المصباحي
يسرق قصة من قصص ابراهيم درغوثي
و ينشرها في جريدة القدس العربي
هذا نص قصتي المنشورة في كثير من المواقع الأدبية الالكترونية منذ أكثر من عامين.
وهي منشورة أيضا في مجلة الحياة الثقافية / مجلة وزارة الثقافة في تونس
عدد 153 / السنة 29 مارس 2004 من ص 122 على ص 124
عربة الدرجة الممتازة
قصة قصيرة
ابراهيم درغوثي / تونس
ساحة المحطّة تعجّ بالمسافرين. وأمام شبّاك التّذاكر طوابير طويلة : طلبة وطالبات وعمال وجنود يتدافعون بالمرافق ويتقاذفون بالسبّاب واللّعنات. وعلى سكّة الحديد قطار طويل راقد على بطنه كالزّواحف الأسطورية الخارجة من ذاكرة التّاريخ.
في وسط السّاحة انتشر جمع من الشّباب ملأوا الدّنيا صياحا ولغطا وبذاءات ونداءات بأصوات مرتفعة.
ووصلت كوكبة من المجنّدين الجدد. مشوا كالطّواويس يتفاخرون بالكسوة العسكريّة وقعقعة الأحذية الغليظة على رصيف المحطّة.
وغير بعيد عن مرقد الوحش الأسطوري انتحى ثلاثة شبّان يضربون على طبلة ودَرْبُوكة وطارٍ ويغنّون أغان فاحشة ويتناوبون الشّرب من قارورة خمر.
رأيت صاحب الدّربوكة يخرج من جيب معطفه قارورة تشعّ بالنّور، يقرّبها من عينيه ويقبّلها ثمّ يفضّ بكارتها بإبهامه. يضغط بعنف على السّدادة فينفجر السّائل الأحمر في وجهه فيلحسه مقهقها ثمّ يعبّ من ثغر القارورة ويمرّرها إلى أصحابه فيتلهّون بها مدّة ثمّ يرميها أحدهم لترتطم على عربة من عربات قطار البضائع محدثة أنينا وتوجّعا.
ويتواصل الغناء والرّقص فيلتحق الجنود بالجوقة مصفّقين مهلّلين وتكبر الحلقة.
ويزداد البلاء.
ويرتفع صوت جرس المحطّة معلنا عن نهاية الحفل. فيندفع المسافرون إلى العربات.
اندفعوا وهم يقتحمون الأبواب من كلّ الجهات.
وتضاربوا وهم يصعدون الدّرج. وغصّت بهم الأبواب الضيّقة.
بعد دقائق كانت العربات قد أُتخمت بشرا وعرقا وكلاما نابيا.
بعد أن مرّ الطّوفان من أمامي حملت حقيبتي وقصدت العربة، عربة الدّرجة الممتازة. دفعت الباب بلطف ودلفت إلى الصّالون. الكراسي وثيرة بمساند للمرافق ومتكآت للرؤوس ومنافض سكائر ومناضد صغيرة للعشاء.
وهواء الصّالون دافئ.
وآلة تسجيل تبثّ من السّقف أغانٍ بصوت الفنّانة الرّقيقة فيروز. والمقاعد كثيرة. وعدد الرّكاب قليل.
كان عدد رفاق الرّحلة أربعة رجال وأربع نساء وطفلين.
جلست على مقربة منّي، على الكرسي المقابل لمقعدي .
اختارت مجلسها قريبا من الشبّاك.
واعتذرت بلطف حين داست قدمها على مقدّمة رجلي وهي تقف لتضع حقيبتها في رفّ العربة.
وكست حمرة الخجل وجهها الجميل لمّا قَبِلتُ اعتذارها بابتسامة خفيفة وبـ « شَيْ مَا صَاْر ».
واعتدلتْ في جلستها .
جذبت تنورتها إلى تحت الرّكبة ثمّ أخرجت من حقيبة يدها رواية وانهمكت في القراءة.
ساحة المحطّة مازلت ملأى بالمسافرين وباللّغط المكتوم .
والمارد استفاق من نومه. اشتعلت النّيران في جوفه فأفاق مرعوبا.
زمجر ونفث الدّخان من خياشيمه وَعَدَا يأكل سكّة الحديد أكلا لمّا. ويقطّع أوصال اللّيل تقطيعا.
في البعيد، لمعت أضواء المداشر والقرى اللاّبدة في حضن الجبال واشتعلت كعيون القطط البريّة.
وانساب صوت فيروز هامسا يُغازل الأحلام والبدْرَ ومليك الجنّ .
عرفتُ منها ونحن نتعشّى أنّها طالبة في سنتها النّهائيّة. وأنّها تَدْرُس في كليّة الآداب في سوسة .
وقالت إنّها مُغرمة بالأفلام التّونسيّة الحديثة: عصفور سْطحْ، وصفائح من ذهب، وبنِت فاميليا، وصمت القصور، وبموسيقى «الرّاي» وبالرّوايات الجميلة وبمحمّد الغزّي ومنصف الوهايبي ومحمود درويش .
قلت مازحا :
- أنت مُغْرَمَة بالشّعر أم بالشّعراء ؟
ردّت وورد الرّبيع يكسو وجنتيها :
- أنا أعشق الشّعر يا سيّدي أبحث عنه في رَسْمٍ دَارِس أو في كأس مُتْرعة بالحنان عند أبي نوّاس أو عند طرفة بن العبد !
وأضافت بعد قليل :
- أنهيت هذا الصّباح قراءة «ذاكرة الجسد» ولن تمرّ هذه اللّيلة قبل أن ألتهم «فوضى الحواس» .
لقد دفعتني الضجّة الإعلاميّة التّي افتعلتها الصّحافة لاكتشاف «أحلام مستغانمي» . هي رائعة يا سيّدي !
قلت لها إنّني قرأت الرّوايتين. وإنّني مُغرم مثلها بالشّعر والرّواية. فزاد انفعالها وقامت تُنـزل حقيبتها المركونة على الرفّ.
همستْ مازحة :
- لن أدوس على قدمك هذه المرّة !
ووضعت الحقيبة على ركبتيْها .
ظلّت دقائق تدقّ عليْها بالسّبابة والوسطى ثمّ قالت كمن يحدّث نفسه :
- لقد أنهيت كتابة روايتي الأولى يا سيّدي.
وأخرجت من الحقيبة مخطوطا عرضته عليّ.
قرأت العنوان فأغراني بتصفّح الكتاب.
وقامت.
أعادت الحقيبة إلى الرفّ.
وجلست وهي تجذب تنّورتها إلى تحت الرّكبة.
نام الصّبيان .
وخَفت ضجيج الرّجال الأربعة .
وتوسّدت النّساء أذرعهنّ ونمن .
وامتدّ اللّيل أمام القطار.
من بعيد، جاءني صوت. تبيّنته وهو يجدُّ في اقترابه.
قرْع على الطّبلة.
ودقّ باليدبن على الدّربوكة.
وخشخشةُ طار.
وتصفيق وتصفير.
ورويدا رويدا، كبُر اللّغط والهرج. وازداد الضّجيج ارتفاعا إلى أن اندفع جمع من الشبّان داخل عربة الدّرجة الممتازة.
فتيان بعيون شرسة انقضّوا على النّائمين فأيقظوهم عنوة وهم يصيحون :
- أفيقوا يا أولاد الكلب ! تنامون في الدّفء ونحن لا نكاد نجد موطئ قدم في العربات الأخرى!
ضجّ الطّفلان بالصّراخ.
وقامت النّساء مذعورات
وتفقّد الرّجال جيوبهم وهم يتثاءبون.
وعرَفْتُ الشّاب المكلّف بتكسير قوارير الخمر على عربات قطار البضائع.
كان شرسا وهو يهتف :
- لن تناموا دقيقة بعد الآن يا أبناء الزّواني !
ودقّ على الطّبلة بعنف فجاوبته خشخشة الطّار وهزيم الدّربوكة وعويل الطّفلين وصياح النّساء .
وظلّ الرّجال ذاهلين وكأنّ على رؤوسهم الطّير.
قبل وصولهم بقليل كانت الطّالبة قد غادرت مجلسها وذهبت إلى «التّواليت».
تمنّيت أن تبقى هناك وتغلق وراءها الباب حتّى تمر العاصفة ويهدأ الجوّ. لكنّها خرجت طريّة كوردة الصّباح. فهلّلوا لمرآها :
- هاهي بنت الأكابر ! يا مرحبا ! يا مرحبا !
فصاح فيهم كبيرهم :
- بَلْعُوا يَاكْلابْ !
وذهب لملاقاة الشّابة .
وضع يده على كتفها فنترت اليد الممدودة بغلظة متنمّرة :
- هبّطْ ايدَكْ يَا سَخْطَهْ !
انفجر الفتيةُ في ضحك هستيري مجنون وهم يشيرون إلى البنت وإلى القائد .
ضحكوا حتّى شبعوا ثمّ وضعوهما في حلقة وصاروا يدورون حولهما قافزين فوق الكراسي وفوق رؤوس الركّاب الجالسين هنا وهناك .
مدّ القائد يده مرّة أخرى إلى صدر البنت فنترتها بحركة أعنف من الأولى .
وعاد إلى النّحْر.
فعادت إلى النّْتر .
وعاد إلى الشّعر .
وعاد إلى الثّغر .
وعاد إلى الصدر
وعاد إلى الورد
وعاد إلى النهد
والبنت تقاوم .
والرّجال الجالسين على الأرائك الوثيرة يُراقبون المشهد بفضول إلى أن صاحت المرأة، أمّ الطّفلين :
- حَرَامْ عَلِيكْ ... ! هذا حَرَامْ !
فزجرها زوجها :
- اسْكتي ! مَالْنَا وَالمَشَاكِلْ !
فجأة، انقضّ القائد على البنت فطرحها أرضا وسط تصفيق أصدقائه وتشجيعهم.ومزّق صدرها فقفزت من الصّدر تُفّاحتان فوّاحتان . والبنت تخبط برجليها وتصيح وتلطم وجهه وصدره وتعضّ يديه.
والرّجل ينهش من التّفاحتين ويأكل من الجسد الفائر صحّة وعافية .
غطّت النّساء جوههنّ بأيديهنّ.
ووقف الرّجال.
سوّوا بدلاتهم الأنيقة جدّا.
المكويّة جدّا.
وذهبوا يدخّنون السّيجار في«تواليت»ْ عربة الدّرجة الممتازة.
ووقفتُ بعدهم.
سوّيت النّظارة فوق أرنبة أنفي وقصدته.
حين اقتربت منه وقف يستقبلني.
بغتة، خبطني على قفاي فسقطت النّظارة على الأرض وتهشّمت.
أحدثت عند سقوطها خشخشة خفيفة فخمّنت مكان وقوعها.
بحثت عنها ورأسي يدور إلى أن وجدتها .
كان البلّور قد تشقّق وتفتّت إلى قطع صغيرة لكنّه ظلّ متماسكا.
لبست النّظارة وقمت واقفا فرأيت عجبا:
تقطّعت أوصال صاحب الدّربوكة .
تشظّى.
رأس هنا .
وجذع هناك .
صدر فوق الرّجلين .
وذراعان نابتتان على الورك .
صوته فقط ظلّ يدوّي وسط العربة .
اقترب منّي .
مدّ يده نحوي .
صارت اليد عشراتٍ من الأيدي ولم أدر أيّها يده الحقيقيّة .
مددت يدي كما اتّفق .
صادفت يدا ممدودة فعضضتها ودفعت برأسي بين فخذيْه.
فاجأته الضّربة .
فاجأه عنف الهجوم لكنّه صمد.
فأعدت الكرّة.
ضربته هذه المرّة بأمّ رأسي .
أحسست بجسده يرتخي وهو يتكوّر فوق كتفَيَّ ويسقط على أرضيّة العربة .
أمسكت برأسه وبدأت أخبط فجحظت عيناه واستطال ذقنه وبهت لون شاربيْه وبدأ يخور.
خَارَ كما تخور ثيران الأساطير. ثمّ همد واسْتَكَان.
ونظرت من الشّباك فطالعتني أنوار الفجر وصكّ سمعي دقّ على الطّبلة في عربات الدّرجة الثّانية من قطار اللّيل .
هذا نص القصة التي نشرها حسونة المصباحي باسمه في جريدة / القدس العربي
الصادرة بلندن
السنة العشرون العدد 5988
الاربعاء 3 ايلول / سبتمبر 2008
3 رمضان 1429
بعدما نسبها لنفسه مع تغيير في عنوانها من : عربة الدرجة الممتازة كما صدرت باسمي إلى : بسبب تلك البنت ...على الأرجح وإضافة جملة البداية
يمكن الحصول على نسخة من النص المسروق على الرابط التالي من ارشيف مجلة القدس العربي:
http://www.alquds.co.uk/archives/2008/09/09-02/qad.pdf
بسبب تلك البنت.. على الأرجح..
حسونة المصباحي
القدس العربي
3/9/2008
طقس الحال ساحة المحطّة في طنجة تعجّ بالمسافرين غادين رائحين. وأمام شبّاك التّذاكر طوابير طويلة تصطفّ كالعساكر: طلبة وطالبات وعمال وجنود يتدافعون بالأيدي والكروش والمرافق ويتقاذفون بالسبّاب واللّعنات. وعلى سكّة الحديد قطار أسود طويل راقد على بطنه كالديناصو رالخارج من ذاكرة الأرض.
في وسط السّاحة ينتشر جمع من الشّباب بالتي شورت وسراويل الدجين يملأون الدّنيا صياحا ولغطا وبذاءات ونداءات بأصوات مرتفعة كما في الأسواق الشعبيّة.تصل كوكبة من المجنّدين الجدد. يمشون كالكتّاب والشعراء الطّواويس يتفاخرون بالكسوة العسكريّة وقعقعة الأحذية الغليظة على رصيف المحطّة.
وغير بعيد عن مرقد الديناصور ينتحي ثلاثة شبّان يضربون على طبلة ودَرْبُوكة وطارٍ ويغنّون أغاني مغربيّة فاحشة هي خليط من العربيّة والأمازيغيّة ويتناوبون الشّرب من قارورة خمر رديء.
صاحب الدّربوكة يخرج من جيب معطفه قارورة تشعّ بالنّور، يقرّبها من عينيه ويقبّلها وهو يمسّح عليها ثمّ يفضّ بكارتها بإبهامه. يضغط بعنف على السّدادة فينفجر السّائل الأحمر في وجهه فيلحسه مقهقها ثمّ يعبّ من ثغر القارورة ويمرّرها إلى أصحابه فيتلهّون بها مدّة ثمّ يرميها أحدهم لترتطم على عربة من عربات قطار البضائع محدثة أنينا وتوجّعا.
ويتواصل الغناء والرّقص فيلتحق الجنود بالجوقة مصفّقين مهلّلين وتكبر الحلقة.
ويزداد البلاء.
ويرتفع صوت جرس المحطّة معلنا عن نهاية الحفل. فيندفع المسافرون إلى العربات.
يندفعون وهم يقتحمون الأبواب من كلّ الجهات.
ويتضاربون وهم يصعدون الدّرج. وتغصّ بهم الأبواب الضيّقة.
بعد دقائق كانت العربات قد أُتخمت بشرا وعرقا وكلاما نابيا.
يمرّ الطّوفان من أمامي. أحمل حقيبتي وأقصد العربة، عربة الدّرجة الممتازة.هكذا تعلّمت في ألمانيا(كانت صديقتي أنّا تقول لي لا تركب مع الغوغاء). أدفع الباب بحذر وأدلف إلى الصّالون. الكراسي وثيرة بمساند للمرافق ومتكآت للرؤوس ومنافض سكائر ومناضد صغيرة للعشاء.
وهواء الصّالون دافئ.
وآلة تسجيل تبثّ من السّقف أغاني بصوت الفنّانة العذبة فيروز. والمقاعد كثيرة. وعدد الرّكاب قليل.
كان عدد رفاق الرّحلة أربعة رجال وأربع نساء وطفلين.
أجلس .تجلس على مقربة منّي، على الكرسي المقابل لمقعدي قريبا من الشبّاك. .
تعتذر بلطف حين داست قدمها على مقدّمة رجلي وهي تقف لتضع حقيبتها في رفّ العربة.
تكسو حمرة الخجل وجهها القمحي كقموح إفريقيّة. أقَبِل اعتذارها بابتسامة خفيفة وبـ ' شَيْ مَا صَاْر '.
تعتدل في جلستها .
تجذب تنورتها إلى تحت الرّكبة ثمّ تخرج من حقيبة يدها رواية وتنهمك في القراءة.
ساحة المحطّة ما زالت ملأى بالمسافرين وباللّغط المكتوم. المارد يستفيق من نومه. تشتعل النّيران في جوفه فينهض مرعوبا. يزمجر وينفث الدّخان من خياشيمه وَيعدو يأكل سكّة الحديد أكلا.، ويقطّع أوصال اللّيل تقطيعا. في البعيد، تلمع أضواء المداشر والقرى اللاّبدة في حضن الجبال وتشتعل كعيون القطط البريّة.،تلك التي كنّا ننصب لها الفخاخ،ثمّ نذبحها ونشويها. ينساب صوت فيروز هامسا يُغازل الأحلام والبدْرَ ومليك الجنّ. ô عرفت منها ونحن نتعشّى أنّها طالبة في سنتها النّهائيّة. وأنّها تَدْرُس في كليّة الآداب في تطوان. تقول، وقد عرفت من لهجتي أنّي تونسي، إنّها مُغرمة بالأفلام التّونسيّة الحديثة: عصفور سْطحْ، وصفائح من ذهب، وبنِت فاميليا، وصمت القصور، وبموسيقى 'الرّاي' وبالرّوايات الجميلة وبأنسي الحاج وأمجد ناصر وحسن نجمي .
أقول مازحا : - أنت مُغْرَمَة بالشّعر أم بالشّعراء؟ تردّ والقمح يشرق في وجنتيها: - أنا أعشق الشّعر يا سيّدي أبحث عنه في رَسْمٍ دَارِس أو في كأس مُتْرعة بالحنان عند أبي نوّاس أو عند طرفة بن العبد! وتضيف بعد قليل : - أنهيت هذا الصّباح قراءة 'ذاكرة الجسد' ولن تمرّ هذه اللّيلة قبل أن ألتهم 'فوضى الحواس'. لقد دفعتني الضجّة الإعلاميّة التّي افتعلتها الصّحافة لاكتشاف 'أحلام مستغانمي'. هي رائعة يا سيّدي! أقول لها إنّني لا أضيع وقتي في هذه الخربشات الصبيانيّة،مع أنّي مُغرم مثلها بالشّعر والرّواية. فيزيد انفعالها وتقف تُنـزل حقيبتها المركونة في الرفّ. تهمس مازحة : - لن أدوس على قدمك هذه المرّة! وتضع الحقيبة على ركبتيْها. تظلّ دقائق تدقّ عليْها بالسّبابة والوسطى ثمّ تقول كمن يحدّث نفسه: - لقد أنهيت كتابة روايتي الأولى يا سيّدي. وتخرج من الحقيبة مخطوطا تعرضه عليّ. أقرأ العنوان فيغريني بتصفّح الكتاب. وتقف. تعيد الحقيبة إلى الرفّ. وتجلس وهي تجذب تنّورتها إلى تحت الرّكبة. طقس الفائت نام الصّبيان. وخَفت ضجيج الرّجال الأربعة. وتوسّدت النّساء أذرعهنّ ونمن .. وامتدّ اللّيل أمام القطار. من بعيد، جاءني صوت. تبيّنته وهو يجدُّ في اقترابه. قرْع على الطّبلة. ودقّ باليدين على الدّربوكة. وخشخشة طار. وتصفيق وتصفير. ورويدا رويدا، كبُر اللّغط والهرج. وازداد الضّجيج ارتفاعا إلى أن اندفع جمع من الشبّان داخل عربة الدّرجة الممتازة. فتيان بعيون شرسة انقضّوا على النّائمين فأيقظوهم عنوة وهم يصيحون : - أفيقوا يا أولاد الكلب! تنامون في الدّفء ونحن لا نكاد نجد موطئ قدم في العربات الأخرى! ضجّ الطّفلان بالصّراخ. وقامت النّساء مذعورات وتفقّد الرّجال جيوبهم وهم يتثاءبون. وعرَفْتُ الشّاب المكلّف بتكسير قوارير الخمر على عربات قطار البضائع. كان شرسا وهو يهتف : - لن تناموا دقيقة بعد الآن يا أبناء الزّواني! ودقّ على الطّبلة بعنف فجاوبته خشخشة الطّار وهزيم الدّربوكة وعويل الطّفلين وصياح النّساء. وظلّ الرّجال ذاهلين وكأنّ على رؤوسهم الطّير. قبل وصولهم بقليل كانت الطّالبة قد غادرت مجلسها وذهبت إلى 'التّواليت'. تمنّيت أن تبقى هناك وتغلق وراءها الباب حتّى تمر العاصفة ويهدأ الجوّ. لكنّها خرجت طريّة كوردة الصّباح. فهلّلوا لمرآها: - هاهي بنت الأكابر! يا مرحبا! يا مرحبا! فصاح فيهم كبيرهم : - بَلْعُوا يَاكْلابْ! وذهب لملاقاة الشّابة. وضع يده على كتفها فنترت اليد الممدودة بغلظة متنمّرة : - هبّطْ ايدَكْ يَا سَخْطَهْ! انفجر الفتية في ضحك هستيري مجنون وهم يشيرون إلى البنت وإلى القائد .
ضحكوا حتّى شبعوا ثمّ وضعوهما في حلقة وصاروا يدورون حولهما قافزين فوق الكراسي وفوق رؤوس الركّاب الجالسين هنا وهناك. مدّ القائد يده مرّة أخرى إلى صدر البنت فنترتها بحركة أعنف من الأولى. وعاد إلى النّحْر.
فعادت إلى النّْتر. وعاد إلى الشّعر. وعاد إلى الثّغر. وعاد إلى الصدر. وعاد إلى الورد.
وعاد إلى النهد.
والبنت تقاوم. والرّجال الجالسون على الأرائك الوثيرة يُراقبون المشهد بفضول إلى أن صاحت المرأة، أمّ الطّفلين : - حَرَامْ عَلِيكْ ...! هذا حَرَامْ! فزجرها زوجها : - اسْكتي! مَالْنَا وَالمَشَاكِلْ! فجأة، انقضّ القائد على البنت فطرحها أرضا وسط تصفيق أصدقائه وتشجيعهم.ومزّق صدرها فقفزت من الصّدر تُفّاحتان فوّاحتان. والبنت تخبط برجليها وتصيح وتلطم وجهه وصدره وتعضّ يديه. والرّجل ينهش من التّفاحتين ويأكل من الجسد الفائر صحّة وعافية. غطّت النّساء وجوههنّ بأيديهنّ. ووقف الرّجال. سوّوا بدلاتهم الأنيقة جدّا. المكويّة جدّا. وذهبوا يدخّنون السّيجار في 'تواليت' عربة الدّرجة الممتازة. ووقفتُ بعدهم. سوّيت النّظارة فوق أرنبة أنفي وقصدته. حين اقتربت منه وقف يستقبلني. بغتة، خبطني على قفاي فسقطت النّظارة على الأرض وتهشّمت. أحدثت عند سقوطها خشخشة خفيفة فخمّنت مكان وقوعها. بحثت عنها ورأسي يدور إلى أن وجدتها. كان البلّور قد تشقّق وتفتّت إلى قطع صغيرة لكنّه ظلّ متماسكا. لبست النّظارة وقمت واقفا فرأيت عجبا: تقطّعت أوصال صاحب الدّربوكة. تشظّى. رأس هنا. وجذع هناك. صدر فوق الرّجلين. وذراعان نابتتان على الورك. صوته فقط ظلّ يدوّي وسط العربة .
اقترب منّي. مدّ يده نحوي. صارت اليد عشراتٍ من الأيدي ولم أدر أيّها يده الحقيقيّة .
مددت يدي كما اتّفق. صادفت يدا ممدودة فعضضتها ودفعت برأسي بين فخذيْه.
فاجأته الضّربة. فاجأه عنف الهجوم لكنّه صمد. فأعدت الكرّة. ضربته هذه المرّة بأمّ رأسي. أحسست بجسده يرتخي وهو يتكوّر فوق كتفَيَّ ويسقط على أرضيّة العربة. أمسكت برأسه وبدأت أخبط فجحظت عيناه واستطالت ذقنه وبهت لون شاربيْه وبدأ يخور. خَارَ كما تخور ثيران الأساطير. ثمّ همد واسْتَكَان. ونظرت من الشّباك فطالعتني أنوار الفجر وصكّ سمعي دقّ على الطّبلة في عربات الدّرجة الثّانية من قطار اللّيل .
' كاتب من تونس
ما هو مكتوب بالأحمر هو ما أضافه حسونة المصباحي لقصتي
وهذا لا يخول له أحقية امتلاك القصة ونسبتها إلى هلوساته الترشيشية.
لم أكتشف السرقة بنفسي وإنما كان الاكتشاف من طرف قارئ مغربي هو: السيد صالح الشتيوي
اتصل بي عن طريق الايمال معربا عن حيرته متسائلا عن كنت كتبت نصا تدور أحداثه في قطار طنجة
وحتى لا أطيل عليكم شأنشر بين ايديكم نصوص الايمايلات التي تبادلتها معه أولا ثم بينه وبين حسونة المصباحي ثانيا :
وجدت بريدكم في موقع دروب
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : dargouthibahi@yahoo.fr
Envoyé le : Samedi, 27 Septembre 2008, 12h57mn 50s
Objet : من صالح الشتيوي
المبدع الكبير سي ابراهيم
تحيّة الكتابة
وبعد أسأل سيادتكم عمّا إذا كانت لكم قصّة تدور حوادثها في قطار طنجة بطلتها طالبة،ذلك أنّي طالعت ما يشبهها للكاتب حسونة المصباحي.وقد اختلط عليّ الأمر.أنا شبه واثق من أني قرأت لكم شيئا كهذا،ولكن بالعودة إلى مؤلفاتكم لم أجد هذه القصّة.وحتّى لا أظلم أحدا أتمنّى أن تجيبوني على سؤالي. ولكم جزيل الشكر صالح الشتيوي
----- Message d'origine ----
De : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
À : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
Envoyé le : Samedi, 27 Septembre 2008, 13h24mn 58s
Objet : تحية من ابراهيم درغوثي
أخي صالح
تحية المودة و التقدير
لدي قصة بعنوان : عربة الدرجة الممتازة
أحداثها تدور في قطار خلال سفرة ليلية دون تحديد المكان
و هي ضمن مجموعة قصصية جديدة لي بعنوان : " منازل الكلام "
لم تصدر بعد في كتاب
لنكنها منشورة في مجلة الحياة الثقافية عدد 156 / السنة التاسعة/ مارس 2004
أبعث لك نسخة منها هنا
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
Envoyé le : Lundi, 29 Septembre 2008, 12h38mn 58s
Objet : Re : تحية من ابراهيم درغوثي
الأستاذ المبدع
سي ابراهيم
تحية الكتابة
والله هي نفس القصة تقريبا بقلم الكاتب حسونة المصباحي ، قرأتها في العرب على ما أظن.هل يعقل هذا؟ حضرتك متأكّد أنّ قصتك غير منشورة؟
صالح الشتيوي
السيد الفاضل سي ابراهيم
تحية الكتابة
كتبت للسيد حسونة المصباحي لاستفساره،بكل الاحترام.والله لم أتهمه بشيء.أنا قرأت قصته في هذا الصيف،ولا أذكر الجريدة أو
المجلة..ربّما هي العرب.. وهذا ردّه.ولله في خلقه شؤون
----- Message d'origine ----
De : Hasouna Mosbahi hamosbahi@hotmail.com
À : shtiwis@yahoo.fr
Envoyé le :vendredi,3 Octobre 2008, 11h48mn 15s
Objet : رد
من أنت حتى تكنب لي هذه التفاهات. أعرف من يقفون وراءك.وسأفضحهم. كلهم سكروا بنبيذي كما يقول العزيز شكري. وإليك:
ـ أولا أنا كتبت قصتي" بسبب تلك البنتّ منذ أكثر من عام في أصيلة..واقعة عشتها بالفعل..وظننت القصة ضاعت لاني كلفت بنت مغربية برقنها على الخاسوب ووضعها في وثائقي...ولم أجدها الا هذا الصيف.
ـ ثانيا يبدو انك جاهل بالكتابة.. كتاب كثيرون وسينمائيين... ورسامين ... كتبوا عن القطارات
فهل عني أنهم سراق؟ ودرغوثك لا يعرف الا القطارات الوسخة البائسة.. لا احب أن أقرا قصته ولا قصة غيره.. أنا ركبت في كل قطارات العالم..وعشت عوالمها.
ـ ثالثا أنا لا أقرأ للتوانسة لانهم لا يعرفون يكتبون.. ما عدى المسعدي والبشير خريف والشابي.. أخيرا اقول لك لا تزعجني يا شتيوي.. لم أسمع بك.. واذا أردت أترك هذه القصة لصاحبك الدرغوث..خليه يشيخ بيها
تفوه..
----- Message d'origine ----
De : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
À : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
Envoyé le : Samedi, 4 Octobre 2008, 13h18mn 28s
Objet : مودة و تقدير من تونس
اخي صالح
تحياتي و مودتي
لا تعجب يا أخي فكثير ممن يدعون الكتابة مرضى بأنواع عديدة من الأمراض
الجسدية و التفسية . و لعل حسونة المصباحي واحد منهم.
ففشله في ايجاد مكان له تحت شمس الابداع في تونس جعله يمقت كل الكتاب التونسيين الأحياء. و لعلك لا حظت أنه لم يعترف سوى بثلاثة كتاب أموات من تونس
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
Envoyé le : Dimanche, 5 Octobre 2008, 11h09mn 59s
Objet : Re : مودة و تقدير من تونس
شكرا لكم سي ابراهيم
قصة المصباحي منشورة بالقدس العربي بتاريخ04سبتمبر2008 تحت عنوان "بسبب تلك البنت على الأرجح"ولم أتمكّن من سحبها لارسالها اليكم.أتمنى عليكم قراءتها.ولكن هل ممكن أن يحدث هذا؟
أخوكم صالح
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
Envoyé le : Vendredi, 10 Octobre 2008, 11h46mn 23s
Objet : Re : Re : Re : مودة و تقدير من تونس
أخي الكاتب المبدع سي ابراهيم
كنت في البادية في الاردن حيث لا أتترنيت ، ماعدا النقال في آذان كل الناس أطفالا ورجالا ونساء..وجدت يوم 06 أكتوبر رسالة من السيد المصباحي يدعوني للاتصال به على رقمه أو ارسال رقمي اليه
وقد فعلت وياليتني ما فعلت. هذا السيد معتوه أم ماذا؟ كلمني بلطف وهو يقول أنّ القصة للدرغوثي وأنه اطلع عليها في المغرب، فوجدها مليئة بالاخطاء السردية، بعبارته، وماكان منه سوى أن أصلحها وغير أزمنتها ووضع لها عنوانا آخر، لييين أن التوانسة لا يعرفون يكتبون.وعندما قلت له: هذا غير موجود في جريدة القدس.قال: سقط من الجريدة.فقلت : لكنك كتبت لي كلاما آخر. عندها صرخ: من أنت يا كلب؟ وما دخلك؟ أنا اعرفك... أنت الصحابي منصور(أو اسم هكذا لم أسمعه جيدا) ولم اجد سوى أن أضع السماعة.
وعاود الاتصال بي وقد قررت أن أتحاشاه الى الابد.. وغير الارقام.. ولم يفلح معي..قال كلاما آخر لا أستطيع أن أعيده:شتائم ما
أنزل الله بها من سلطان.
صيق تونسي في باريس يعرف المصباحي جيدا، قال لي بعد أن عرف الموضوع: لا يعقل أن يكون المصباخي بهذه السذاجة ليسطو
على قصة كاتب معروف جدا مثل سي ابراهيم، ولابد أن المصباحي فعل ذلك في حال هلوسة وتخميرة في المغرب، أو هو كان في خالة وعي وغرضه اثارة الغبار حوله ليبين أنه مستهدف. ولذلك انصح سي ابراهيم بصرف النظر عن هذا الامر. أما زوجتي وهي أجنبية ففسرت الموضوع على نحو آخر.قالت ومن أدراك؟ ربما هناك طرف آخر يعبث..
أتمنى ألا أكون سببت لكم أي ازعاج.
ـ اليوم رفعت زوجتي السماعة عرّف بنفسه ولكنها حذرته من مغبّة الاتصال بنا.
كنت سأسكت عن هذا الفعل الشائن الذي لا يليق بممتهني الإبداع لو كان صاحبه كاتب مبتدئ يبحث لنفسه عن مكان تحت شمس الإبداع فالتجأ لنصي ينسبه لنفسه،
أما ان يكون السارق حسونة المصباحي الكاتب المعروف هذا الذي يدعي أنه خير من يسعى به قلم، فقد قررت فضحه ورفع نسب نصي هذا منه . نصي هذا الذي سهرت الليالي لتجويده حتى يصير قبلة للراغبين في السطو على كتابات الآخرين.
ابراهيم درغوثي
قاص وروائي تونسي
نائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين
dargouthibahi@yahoo.fr
الروائي حسونة المصباحي
يسرق قصة من قصص ابراهيم درغوثي
و ينشرها في جريدة القدس العربي
هذا نص قصتي المنشورة في كثير من المواقع الأدبية الالكترونية منذ أكثر من عامين.
وهي منشورة أيضا في مجلة الحياة الثقافية / مجلة وزارة الثقافة في تونس
عدد 153 / السنة 29 مارس 2004 من ص 122 على ص 124
عربة الدرجة الممتازة
قصة قصيرة
ابراهيم درغوثي / تونس
ساحة المحطّة تعجّ بالمسافرين. وأمام شبّاك التّذاكر طوابير طويلة : طلبة وطالبات وعمال وجنود يتدافعون بالمرافق ويتقاذفون بالسبّاب واللّعنات. وعلى سكّة الحديد قطار طويل راقد على بطنه كالزّواحف الأسطورية الخارجة من ذاكرة التّاريخ.
في وسط السّاحة انتشر جمع من الشّباب ملأوا الدّنيا صياحا ولغطا وبذاءات ونداءات بأصوات مرتفعة.
ووصلت كوكبة من المجنّدين الجدد. مشوا كالطّواويس يتفاخرون بالكسوة العسكريّة وقعقعة الأحذية الغليظة على رصيف المحطّة.
وغير بعيد عن مرقد الوحش الأسطوري انتحى ثلاثة شبّان يضربون على طبلة ودَرْبُوكة وطارٍ ويغنّون أغان فاحشة ويتناوبون الشّرب من قارورة خمر.
رأيت صاحب الدّربوكة يخرج من جيب معطفه قارورة تشعّ بالنّور، يقرّبها من عينيه ويقبّلها ثمّ يفضّ بكارتها بإبهامه. يضغط بعنف على السّدادة فينفجر السّائل الأحمر في وجهه فيلحسه مقهقها ثمّ يعبّ من ثغر القارورة ويمرّرها إلى أصحابه فيتلهّون بها مدّة ثمّ يرميها أحدهم لترتطم على عربة من عربات قطار البضائع محدثة أنينا وتوجّعا.
ويتواصل الغناء والرّقص فيلتحق الجنود بالجوقة مصفّقين مهلّلين وتكبر الحلقة.
ويزداد البلاء.
ويرتفع صوت جرس المحطّة معلنا عن نهاية الحفل. فيندفع المسافرون إلى العربات.
اندفعوا وهم يقتحمون الأبواب من كلّ الجهات.
وتضاربوا وهم يصعدون الدّرج. وغصّت بهم الأبواب الضيّقة.
بعد دقائق كانت العربات قد أُتخمت بشرا وعرقا وكلاما نابيا.
بعد أن مرّ الطّوفان من أمامي حملت حقيبتي وقصدت العربة، عربة الدّرجة الممتازة. دفعت الباب بلطف ودلفت إلى الصّالون. الكراسي وثيرة بمساند للمرافق ومتكآت للرؤوس ومنافض سكائر ومناضد صغيرة للعشاء.
وهواء الصّالون دافئ.
وآلة تسجيل تبثّ من السّقف أغانٍ بصوت الفنّانة الرّقيقة فيروز. والمقاعد كثيرة. وعدد الرّكاب قليل.
كان عدد رفاق الرّحلة أربعة رجال وأربع نساء وطفلين.
جلست على مقربة منّي، على الكرسي المقابل لمقعدي .
اختارت مجلسها قريبا من الشبّاك.
واعتذرت بلطف حين داست قدمها على مقدّمة رجلي وهي تقف لتضع حقيبتها في رفّ العربة.
وكست حمرة الخجل وجهها الجميل لمّا قَبِلتُ اعتذارها بابتسامة خفيفة وبـ « شَيْ مَا صَاْر ».
واعتدلتْ في جلستها .
جذبت تنورتها إلى تحت الرّكبة ثمّ أخرجت من حقيبة يدها رواية وانهمكت في القراءة.
ساحة المحطّة مازلت ملأى بالمسافرين وباللّغط المكتوم .
والمارد استفاق من نومه. اشتعلت النّيران في جوفه فأفاق مرعوبا.
زمجر ونفث الدّخان من خياشيمه وَعَدَا يأكل سكّة الحديد أكلا لمّا. ويقطّع أوصال اللّيل تقطيعا.
في البعيد، لمعت أضواء المداشر والقرى اللاّبدة في حضن الجبال واشتعلت كعيون القطط البريّة.
وانساب صوت فيروز هامسا يُغازل الأحلام والبدْرَ ومليك الجنّ .
عرفتُ منها ونحن نتعشّى أنّها طالبة في سنتها النّهائيّة. وأنّها تَدْرُس في كليّة الآداب في سوسة .
وقالت إنّها مُغرمة بالأفلام التّونسيّة الحديثة: عصفور سْطحْ، وصفائح من ذهب، وبنِت فاميليا، وصمت القصور، وبموسيقى «الرّاي» وبالرّوايات الجميلة وبمحمّد الغزّي ومنصف الوهايبي ومحمود درويش .
قلت مازحا :
- أنت مُغْرَمَة بالشّعر أم بالشّعراء ؟
ردّت وورد الرّبيع يكسو وجنتيها :
- أنا أعشق الشّعر يا سيّدي أبحث عنه في رَسْمٍ دَارِس أو في كأس مُتْرعة بالحنان عند أبي نوّاس أو عند طرفة بن العبد !
وأضافت بعد قليل :
- أنهيت هذا الصّباح قراءة «ذاكرة الجسد» ولن تمرّ هذه اللّيلة قبل أن ألتهم «فوضى الحواس» .
لقد دفعتني الضجّة الإعلاميّة التّي افتعلتها الصّحافة لاكتشاف «أحلام مستغانمي» . هي رائعة يا سيّدي !
قلت لها إنّني قرأت الرّوايتين. وإنّني مُغرم مثلها بالشّعر والرّواية. فزاد انفعالها وقامت تُنـزل حقيبتها المركونة على الرفّ.
همستْ مازحة :
- لن أدوس على قدمك هذه المرّة !
ووضعت الحقيبة على ركبتيْها .
ظلّت دقائق تدقّ عليْها بالسّبابة والوسطى ثمّ قالت كمن يحدّث نفسه :
- لقد أنهيت كتابة روايتي الأولى يا سيّدي.
وأخرجت من الحقيبة مخطوطا عرضته عليّ.
قرأت العنوان فأغراني بتصفّح الكتاب.
وقامت.
أعادت الحقيبة إلى الرفّ.
وجلست وهي تجذب تنّورتها إلى تحت الرّكبة.
نام الصّبيان .
وخَفت ضجيج الرّجال الأربعة .
وتوسّدت النّساء أذرعهنّ ونمن .
وامتدّ اللّيل أمام القطار.
من بعيد، جاءني صوت. تبيّنته وهو يجدُّ في اقترابه.
قرْع على الطّبلة.
ودقّ باليدبن على الدّربوكة.
وخشخشةُ طار.
وتصفيق وتصفير.
ورويدا رويدا، كبُر اللّغط والهرج. وازداد الضّجيج ارتفاعا إلى أن اندفع جمع من الشبّان داخل عربة الدّرجة الممتازة.
فتيان بعيون شرسة انقضّوا على النّائمين فأيقظوهم عنوة وهم يصيحون :
- أفيقوا يا أولاد الكلب ! تنامون في الدّفء ونحن لا نكاد نجد موطئ قدم في العربات الأخرى!
ضجّ الطّفلان بالصّراخ.
وقامت النّساء مذعورات
وتفقّد الرّجال جيوبهم وهم يتثاءبون.
وعرَفْتُ الشّاب المكلّف بتكسير قوارير الخمر على عربات قطار البضائع.
كان شرسا وهو يهتف :
- لن تناموا دقيقة بعد الآن يا أبناء الزّواني !
ودقّ على الطّبلة بعنف فجاوبته خشخشة الطّار وهزيم الدّربوكة وعويل الطّفلين وصياح النّساء .
وظلّ الرّجال ذاهلين وكأنّ على رؤوسهم الطّير.
قبل وصولهم بقليل كانت الطّالبة قد غادرت مجلسها وذهبت إلى «التّواليت».
تمنّيت أن تبقى هناك وتغلق وراءها الباب حتّى تمر العاصفة ويهدأ الجوّ. لكنّها خرجت طريّة كوردة الصّباح. فهلّلوا لمرآها :
- هاهي بنت الأكابر ! يا مرحبا ! يا مرحبا !
فصاح فيهم كبيرهم :
- بَلْعُوا يَاكْلابْ !
وذهب لملاقاة الشّابة .
وضع يده على كتفها فنترت اليد الممدودة بغلظة متنمّرة :
- هبّطْ ايدَكْ يَا سَخْطَهْ !
انفجر الفتيةُ في ضحك هستيري مجنون وهم يشيرون إلى البنت وإلى القائد .
ضحكوا حتّى شبعوا ثمّ وضعوهما في حلقة وصاروا يدورون حولهما قافزين فوق الكراسي وفوق رؤوس الركّاب الجالسين هنا وهناك .
مدّ القائد يده مرّة أخرى إلى صدر البنت فنترتها بحركة أعنف من الأولى .
وعاد إلى النّحْر.
فعادت إلى النّْتر .
وعاد إلى الشّعر .
وعاد إلى الثّغر .
وعاد إلى الصدر
وعاد إلى الورد
وعاد إلى النهد
والبنت تقاوم .
والرّجال الجالسين على الأرائك الوثيرة يُراقبون المشهد بفضول إلى أن صاحت المرأة، أمّ الطّفلين :
- حَرَامْ عَلِيكْ ... ! هذا حَرَامْ !
فزجرها زوجها :
- اسْكتي ! مَالْنَا وَالمَشَاكِلْ !
فجأة، انقضّ القائد على البنت فطرحها أرضا وسط تصفيق أصدقائه وتشجيعهم.ومزّق صدرها فقفزت من الصّدر تُفّاحتان فوّاحتان . والبنت تخبط برجليها وتصيح وتلطم وجهه وصدره وتعضّ يديه.
والرّجل ينهش من التّفاحتين ويأكل من الجسد الفائر صحّة وعافية .
غطّت النّساء جوههنّ بأيديهنّ.
ووقف الرّجال.
سوّوا بدلاتهم الأنيقة جدّا.
المكويّة جدّا.
وذهبوا يدخّنون السّيجار في«تواليت»ْ عربة الدّرجة الممتازة.
ووقفتُ بعدهم.
سوّيت النّظارة فوق أرنبة أنفي وقصدته.
حين اقتربت منه وقف يستقبلني.
بغتة، خبطني على قفاي فسقطت النّظارة على الأرض وتهشّمت.
أحدثت عند سقوطها خشخشة خفيفة فخمّنت مكان وقوعها.
بحثت عنها ورأسي يدور إلى أن وجدتها .
كان البلّور قد تشقّق وتفتّت إلى قطع صغيرة لكنّه ظلّ متماسكا.
لبست النّظارة وقمت واقفا فرأيت عجبا:
تقطّعت أوصال صاحب الدّربوكة .
تشظّى.
رأس هنا .
وجذع هناك .
صدر فوق الرّجلين .
وذراعان نابتتان على الورك .
صوته فقط ظلّ يدوّي وسط العربة .
اقترب منّي .
مدّ يده نحوي .
صارت اليد عشراتٍ من الأيدي ولم أدر أيّها يده الحقيقيّة .
مددت يدي كما اتّفق .
صادفت يدا ممدودة فعضضتها ودفعت برأسي بين فخذيْه.
فاجأته الضّربة .
فاجأه عنف الهجوم لكنّه صمد.
فأعدت الكرّة.
ضربته هذه المرّة بأمّ رأسي .
أحسست بجسده يرتخي وهو يتكوّر فوق كتفَيَّ ويسقط على أرضيّة العربة .
أمسكت برأسه وبدأت أخبط فجحظت عيناه واستطال ذقنه وبهت لون شاربيْه وبدأ يخور.
خَارَ كما تخور ثيران الأساطير. ثمّ همد واسْتَكَان.
ونظرت من الشّباك فطالعتني أنوار الفجر وصكّ سمعي دقّ على الطّبلة في عربات الدّرجة الثّانية من قطار اللّيل .
هذا نص القصة التي نشرها حسونة المصباحي باسمه في جريدة / القدس العربي
الصادرة بلندن
السنة العشرون العدد 5988
الاربعاء 3 ايلول / سبتمبر 2008
3 رمضان 1429
بعدما نسبها لنفسه مع تغيير في عنوانها من : عربة الدرجة الممتازة كما صدرت باسمي إلى : بسبب تلك البنت ...على الأرجح وإضافة جملة البداية
يمكن الحصول على نسخة من النص المسروق على الرابط التالي من ارشيف مجلة القدس العربي:
http://www.alquds.co.uk/archives/2008/09/09-02/qad.pdf
بسبب تلك البنت.. على الأرجح..
حسونة المصباحي
القدس العربي
3/9/2008
طقس الحال ساحة المحطّة في طنجة تعجّ بالمسافرين غادين رائحين. وأمام شبّاك التّذاكر طوابير طويلة تصطفّ كالعساكر: طلبة وطالبات وعمال وجنود يتدافعون بالأيدي والكروش والمرافق ويتقاذفون بالسبّاب واللّعنات. وعلى سكّة الحديد قطار أسود طويل راقد على بطنه كالديناصو رالخارج من ذاكرة الأرض.
في وسط السّاحة ينتشر جمع من الشّباب بالتي شورت وسراويل الدجين يملأون الدّنيا صياحا ولغطا وبذاءات ونداءات بأصوات مرتفعة كما في الأسواق الشعبيّة.تصل كوكبة من المجنّدين الجدد. يمشون كالكتّاب والشعراء الطّواويس يتفاخرون بالكسوة العسكريّة وقعقعة الأحذية الغليظة على رصيف المحطّة.
وغير بعيد عن مرقد الديناصور ينتحي ثلاثة شبّان يضربون على طبلة ودَرْبُوكة وطارٍ ويغنّون أغاني مغربيّة فاحشة هي خليط من العربيّة والأمازيغيّة ويتناوبون الشّرب من قارورة خمر رديء.
صاحب الدّربوكة يخرج من جيب معطفه قارورة تشعّ بالنّور، يقرّبها من عينيه ويقبّلها وهو يمسّح عليها ثمّ يفضّ بكارتها بإبهامه. يضغط بعنف على السّدادة فينفجر السّائل الأحمر في وجهه فيلحسه مقهقها ثمّ يعبّ من ثغر القارورة ويمرّرها إلى أصحابه فيتلهّون بها مدّة ثمّ يرميها أحدهم لترتطم على عربة من عربات قطار البضائع محدثة أنينا وتوجّعا.
ويتواصل الغناء والرّقص فيلتحق الجنود بالجوقة مصفّقين مهلّلين وتكبر الحلقة.
ويزداد البلاء.
ويرتفع صوت جرس المحطّة معلنا عن نهاية الحفل. فيندفع المسافرون إلى العربات.
يندفعون وهم يقتحمون الأبواب من كلّ الجهات.
ويتضاربون وهم يصعدون الدّرج. وتغصّ بهم الأبواب الضيّقة.
بعد دقائق كانت العربات قد أُتخمت بشرا وعرقا وكلاما نابيا.
يمرّ الطّوفان من أمامي. أحمل حقيبتي وأقصد العربة، عربة الدّرجة الممتازة.هكذا تعلّمت في ألمانيا(كانت صديقتي أنّا تقول لي لا تركب مع الغوغاء). أدفع الباب بحذر وأدلف إلى الصّالون. الكراسي وثيرة بمساند للمرافق ومتكآت للرؤوس ومنافض سكائر ومناضد صغيرة للعشاء.
وهواء الصّالون دافئ.
وآلة تسجيل تبثّ من السّقف أغاني بصوت الفنّانة العذبة فيروز. والمقاعد كثيرة. وعدد الرّكاب قليل.
كان عدد رفاق الرّحلة أربعة رجال وأربع نساء وطفلين.
أجلس .تجلس على مقربة منّي، على الكرسي المقابل لمقعدي قريبا من الشبّاك. .
تعتذر بلطف حين داست قدمها على مقدّمة رجلي وهي تقف لتضع حقيبتها في رفّ العربة.
تكسو حمرة الخجل وجهها القمحي كقموح إفريقيّة. أقَبِل اعتذارها بابتسامة خفيفة وبـ ' شَيْ مَا صَاْر '.
تعتدل في جلستها .
تجذب تنورتها إلى تحت الرّكبة ثمّ تخرج من حقيبة يدها رواية وتنهمك في القراءة.
ساحة المحطّة ما زالت ملأى بالمسافرين وباللّغط المكتوم. المارد يستفيق من نومه. تشتعل النّيران في جوفه فينهض مرعوبا. يزمجر وينفث الدّخان من خياشيمه وَيعدو يأكل سكّة الحديد أكلا.، ويقطّع أوصال اللّيل تقطيعا. في البعيد، تلمع أضواء المداشر والقرى اللاّبدة في حضن الجبال وتشتعل كعيون القطط البريّة.،تلك التي كنّا ننصب لها الفخاخ،ثمّ نذبحها ونشويها. ينساب صوت فيروز هامسا يُغازل الأحلام والبدْرَ ومليك الجنّ. ô عرفت منها ونحن نتعشّى أنّها طالبة في سنتها النّهائيّة. وأنّها تَدْرُس في كليّة الآداب في تطوان. تقول، وقد عرفت من لهجتي أنّي تونسي، إنّها مُغرمة بالأفلام التّونسيّة الحديثة: عصفور سْطحْ، وصفائح من ذهب، وبنِت فاميليا، وصمت القصور، وبموسيقى 'الرّاي' وبالرّوايات الجميلة وبأنسي الحاج وأمجد ناصر وحسن نجمي .
أقول مازحا : - أنت مُغْرَمَة بالشّعر أم بالشّعراء؟ تردّ والقمح يشرق في وجنتيها: - أنا أعشق الشّعر يا سيّدي أبحث عنه في رَسْمٍ دَارِس أو في كأس مُتْرعة بالحنان عند أبي نوّاس أو عند طرفة بن العبد! وتضيف بعد قليل : - أنهيت هذا الصّباح قراءة 'ذاكرة الجسد' ولن تمرّ هذه اللّيلة قبل أن ألتهم 'فوضى الحواس'. لقد دفعتني الضجّة الإعلاميّة التّي افتعلتها الصّحافة لاكتشاف 'أحلام مستغانمي'. هي رائعة يا سيّدي! أقول لها إنّني لا أضيع وقتي في هذه الخربشات الصبيانيّة،مع أنّي مُغرم مثلها بالشّعر والرّواية. فيزيد انفعالها وتقف تُنـزل حقيبتها المركونة في الرفّ. تهمس مازحة : - لن أدوس على قدمك هذه المرّة! وتضع الحقيبة على ركبتيْها. تظلّ دقائق تدقّ عليْها بالسّبابة والوسطى ثمّ تقول كمن يحدّث نفسه: - لقد أنهيت كتابة روايتي الأولى يا سيّدي. وتخرج من الحقيبة مخطوطا تعرضه عليّ. أقرأ العنوان فيغريني بتصفّح الكتاب. وتقف. تعيد الحقيبة إلى الرفّ. وتجلس وهي تجذب تنّورتها إلى تحت الرّكبة. طقس الفائت نام الصّبيان. وخَفت ضجيج الرّجال الأربعة. وتوسّدت النّساء أذرعهنّ ونمن .. وامتدّ اللّيل أمام القطار. من بعيد، جاءني صوت. تبيّنته وهو يجدُّ في اقترابه. قرْع على الطّبلة. ودقّ باليدين على الدّربوكة. وخشخشة طار. وتصفيق وتصفير. ورويدا رويدا، كبُر اللّغط والهرج. وازداد الضّجيج ارتفاعا إلى أن اندفع جمع من الشبّان داخل عربة الدّرجة الممتازة. فتيان بعيون شرسة انقضّوا على النّائمين فأيقظوهم عنوة وهم يصيحون : - أفيقوا يا أولاد الكلب! تنامون في الدّفء ونحن لا نكاد نجد موطئ قدم في العربات الأخرى! ضجّ الطّفلان بالصّراخ. وقامت النّساء مذعورات وتفقّد الرّجال جيوبهم وهم يتثاءبون. وعرَفْتُ الشّاب المكلّف بتكسير قوارير الخمر على عربات قطار البضائع. كان شرسا وهو يهتف : - لن تناموا دقيقة بعد الآن يا أبناء الزّواني! ودقّ على الطّبلة بعنف فجاوبته خشخشة الطّار وهزيم الدّربوكة وعويل الطّفلين وصياح النّساء. وظلّ الرّجال ذاهلين وكأنّ على رؤوسهم الطّير. قبل وصولهم بقليل كانت الطّالبة قد غادرت مجلسها وذهبت إلى 'التّواليت'. تمنّيت أن تبقى هناك وتغلق وراءها الباب حتّى تمر العاصفة ويهدأ الجوّ. لكنّها خرجت طريّة كوردة الصّباح. فهلّلوا لمرآها: - هاهي بنت الأكابر! يا مرحبا! يا مرحبا! فصاح فيهم كبيرهم : - بَلْعُوا يَاكْلابْ! وذهب لملاقاة الشّابة. وضع يده على كتفها فنترت اليد الممدودة بغلظة متنمّرة : - هبّطْ ايدَكْ يَا سَخْطَهْ! انفجر الفتية في ضحك هستيري مجنون وهم يشيرون إلى البنت وإلى القائد .
ضحكوا حتّى شبعوا ثمّ وضعوهما في حلقة وصاروا يدورون حولهما قافزين فوق الكراسي وفوق رؤوس الركّاب الجالسين هنا وهناك. مدّ القائد يده مرّة أخرى إلى صدر البنت فنترتها بحركة أعنف من الأولى. وعاد إلى النّحْر.
فعادت إلى النّْتر. وعاد إلى الشّعر. وعاد إلى الثّغر. وعاد إلى الصدر. وعاد إلى الورد.
وعاد إلى النهد.
والبنت تقاوم. والرّجال الجالسون على الأرائك الوثيرة يُراقبون المشهد بفضول إلى أن صاحت المرأة، أمّ الطّفلين : - حَرَامْ عَلِيكْ ...! هذا حَرَامْ! فزجرها زوجها : - اسْكتي! مَالْنَا وَالمَشَاكِلْ! فجأة، انقضّ القائد على البنت فطرحها أرضا وسط تصفيق أصدقائه وتشجيعهم.ومزّق صدرها فقفزت من الصّدر تُفّاحتان فوّاحتان. والبنت تخبط برجليها وتصيح وتلطم وجهه وصدره وتعضّ يديه. والرّجل ينهش من التّفاحتين ويأكل من الجسد الفائر صحّة وعافية. غطّت النّساء وجوههنّ بأيديهنّ. ووقف الرّجال. سوّوا بدلاتهم الأنيقة جدّا. المكويّة جدّا. وذهبوا يدخّنون السّيجار في 'تواليت' عربة الدّرجة الممتازة. ووقفتُ بعدهم. سوّيت النّظارة فوق أرنبة أنفي وقصدته. حين اقتربت منه وقف يستقبلني. بغتة، خبطني على قفاي فسقطت النّظارة على الأرض وتهشّمت. أحدثت عند سقوطها خشخشة خفيفة فخمّنت مكان وقوعها. بحثت عنها ورأسي يدور إلى أن وجدتها. كان البلّور قد تشقّق وتفتّت إلى قطع صغيرة لكنّه ظلّ متماسكا. لبست النّظارة وقمت واقفا فرأيت عجبا: تقطّعت أوصال صاحب الدّربوكة. تشظّى. رأس هنا. وجذع هناك. صدر فوق الرّجلين. وذراعان نابتتان على الورك. صوته فقط ظلّ يدوّي وسط العربة .
اقترب منّي. مدّ يده نحوي. صارت اليد عشراتٍ من الأيدي ولم أدر أيّها يده الحقيقيّة .
مددت يدي كما اتّفق. صادفت يدا ممدودة فعضضتها ودفعت برأسي بين فخذيْه.
فاجأته الضّربة. فاجأه عنف الهجوم لكنّه صمد. فأعدت الكرّة. ضربته هذه المرّة بأمّ رأسي. أحسست بجسده يرتخي وهو يتكوّر فوق كتفَيَّ ويسقط على أرضيّة العربة. أمسكت برأسه وبدأت أخبط فجحظت عيناه واستطالت ذقنه وبهت لون شاربيْه وبدأ يخور. خَارَ كما تخور ثيران الأساطير. ثمّ همد واسْتَكَان. ونظرت من الشّباك فطالعتني أنوار الفجر وصكّ سمعي دقّ على الطّبلة في عربات الدّرجة الثّانية من قطار اللّيل .
' كاتب من تونس
ما هو مكتوب بالأحمر هو ما أضافه حسونة المصباحي لقصتي
وهذا لا يخول له أحقية امتلاك القصة ونسبتها إلى هلوساته الترشيشية.
لم أكتشف السرقة بنفسي وإنما كان الاكتشاف من طرف قارئ مغربي هو: السيد صالح الشتيوي
اتصل بي عن طريق الايمال معربا عن حيرته متسائلا عن كنت كتبت نصا تدور أحداثه في قطار طنجة
وحتى لا أطيل عليكم شأنشر بين ايديكم نصوص الايمايلات التي تبادلتها معه أولا ثم بينه وبين حسونة المصباحي ثانيا :
وجدت بريدكم في موقع دروب
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : dargouthibahi@yahoo.fr
Envoyé le : Samedi, 27 Septembre 2008, 12h57mn 50s
Objet : من صالح الشتيوي
المبدع الكبير سي ابراهيم
تحيّة الكتابة
وبعد أسأل سيادتكم عمّا إذا كانت لكم قصّة تدور حوادثها في قطار طنجة بطلتها طالبة،ذلك أنّي طالعت ما يشبهها للكاتب حسونة المصباحي.وقد اختلط عليّ الأمر.أنا شبه واثق من أني قرأت لكم شيئا كهذا،ولكن بالعودة إلى مؤلفاتكم لم أجد هذه القصّة.وحتّى لا أظلم أحدا أتمنّى أن تجيبوني على سؤالي. ولكم جزيل الشكر صالح الشتيوي
----- Message d'origine ----
De : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
À : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
Envoyé le : Samedi, 27 Septembre 2008, 13h24mn 58s
Objet : تحية من ابراهيم درغوثي
أخي صالح
تحية المودة و التقدير
لدي قصة بعنوان : عربة الدرجة الممتازة
أحداثها تدور في قطار خلال سفرة ليلية دون تحديد المكان
و هي ضمن مجموعة قصصية جديدة لي بعنوان : " منازل الكلام "
لم تصدر بعد في كتاب
لنكنها منشورة في مجلة الحياة الثقافية عدد 156 / السنة التاسعة/ مارس 2004
أبعث لك نسخة منها هنا
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
Envoyé le : Lundi, 29 Septembre 2008, 12h38mn 58s
Objet : Re : تحية من ابراهيم درغوثي
الأستاذ المبدع
سي ابراهيم
تحية الكتابة
والله هي نفس القصة تقريبا بقلم الكاتب حسونة المصباحي ، قرأتها في العرب على ما أظن.هل يعقل هذا؟ حضرتك متأكّد أنّ قصتك غير منشورة؟
صالح الشتيوي
السيد الفاضل سي ابراهيم
تحية الكتابة
كتبت للسيد حسونة المصباحي لاستفساره،بكل الاحترام.والله لم أتهمه بشيء.أنا قرأت قصته في هذا الصيف،ولا أذكر الجريدة أو
المجلة..ربّما هي العرب.. وهذا ردّه.ولله في خلقه شؤون
----- Message d'origine ----
De : Hasouna Mosbahi hamosbahi@hotmail.com
À : shtiwis@yahoo.fr
Envoyé le :vendredi,3 Octobre 2008, 11h48mn 15s
Objet : رد
من أنت حتى تكنب لي هذه التفاهات. أعرف من يقفون وراءك.وسأفضحهم. كلهم سكروا بنبيذي كما يقول العزيز شكري. وإليك:
ـ أولا أنا كتبت قصتي" بسبب تلك البنتّ منذ أكثر من عام في أصيلة..واقعة عشتها بالفعل..وظننت القصة ضاعت لاني كلفت بنت مغربية برقنها على الخاسوب ووضعها في وثائقي...ولم أجدها الا هذا الصيف.
ـ ثانيا يبدو انك جاهل بالكتابة.. كتاب كثيرون وسينمائيين... ورسامين ... كتبوا عن القطارات
فهل عني أنهم سراق؟ ودرغوثك لا يعرف الا القطارات الوسخة البائسة.. لا احب أن أقرا قصته ولا قصة غيره.. أنا ركبت في كل قطارات العالم..وعشت عوالمها.
ـ ثالثا أنا لا أقرأ للتوانسة لانهم لا يعرفون يكتبون.. ما عدى المسعدي والبشير خريف والشابي.. أخيرا اقول لك لا تزعجني يا شتيوي.. لم أسمع بك.. واذا أردت أترك هذه القصة لصاحبك الدرغوث..خليه يشيخ بيها
تفوه..
----- Message d'origine ----
De : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
À : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
Envoyé le : Samedi, 4 Octobre 2008, 13h18mn 28s
Objet : مودة و تقدير من تونس
اخي صالح
تحياتي و مودتي
لا تعجب يا أخي فكثير ممن يدعون الكتابة مرضى بأنواع عديدة من الأمراض
الجسدية و التفسية . و لعل حسونة المصباحي واحد منهم.
ففشله في ايجاد مكان له تحت شمس الابداع في تونس جعله يمقت كل الكتاب التونسيين الأحياء. و لعلك لا حظت أنه لم يعترف سوى بثلاثة كتاب أموات من تونس
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
Envoyé le : Dimanche, 5 Octobre 2008, 11h09mn 59s
Objet : Re : مودة و تقدير من تونس
شكرا لكم سي ابراهيم
قصة المصباحي منشورة بالقدس العربي بتاريخ04سبتمبر2008 تحت عنوان "بسبب تلك البنت على الأرجح"ولم أتمكّن من سحبها لارسالها اليكم.أتمنى عليكم قراءتها.ولكن هل ممكن أن يحدث هذا؟
أخوكم صالح
----- Message d'origine ----
De : Shtiwi Salah <shtiwis@yahoo.fr>
À : Dargouthi Brahim <dargouthibahi@yahoo.fr>
Envoyé le : Vendredi, 10 Octobre 2008, 11h46mn 23s
Objet : Re : Re : Re : مودة و تقدير من تونس
أخي الكاتب المبدع سي ابراهيم
كنت في البادية في الاردن حيث لا أتترنيت ، ماعدا النقال في آذان كل الناس أطفالا ورجالا ونساء..وجدت يوم 06 أكتوبر رسالة من السيد المصباحي يدعوني للاتصال به على رقمه أو ارسال رقمي اليه
وقد فعلت وياليتني ما فعلت. هذا السيد معتوه أم ماذا؟ كلمني بلطف وهو يقول أنّ القصة للدرغوثي وأنه اطلع عليها في المغرب، فوجدها مليئة بالاخطاء السردية، بعبارته، وماكان منه سوى أن أصلحها وغير أزمنتها ووضع لها عنوانا آخر، لييين أن التوانسة لا يعرفون يكتبون.وعندما قلت له: هذا غير موجود في جريدة القدس.قال: سقط من الجريدة.فقلت : لكنك كتبت لي كلاما آخر. عندها صرخ: من أنت يا كلب؟ وما دخلك؟ أنا اعرفك... أنت الصحابي منصور(أو اسم هكذا لم أسمعه جيدا) ولم اجد سوى أن أضع السماعة.
وعاود الاتصال بي وقد قررت أن أتحاشاه الى الابد.. وغير الارقام.. ولم يفلح معي..قال كلاما آخر لا أستطيع أن أعيده:شتائم ما
أنزل الله بها من سلطان.
صيق تونسي في باريس يعرف المصباحي جيدا، قال لي بعد أن عرف الموضوع: لا يعقل أن يكون المصباخي بهذه السذاجة ليسطو
على قصة كاتب معروف جدا مثل سي ابراهيم، ولابد أن المصباحي فعل ذلك في حال هلوسة وتخميرة في المغرب، أو هو كان في خالة وعي وغرضه اثارة الغبار حوله ليبين أنه مستهدف. ولذلك انصح سي ابراهيم بصرف النظر عن هذا الامر. أما زوجتي وهي أجنبية ففسرت الموضوع على نحو آخر.قالت ومن أدراك؟ ربما هناك طرف آخر يعبث..
أتمنى ألا أكون سببت لكم أي ازعاج.
ـ اليوم رفعت زوجتي السماعة عرّف بنفسه ولكنها حذرته من مغبّة الاتصال بنا.
كنت سأسكت عن هذا الفعل الشائن الذي لا يليق بممتهني الإبداع لو كان صاحبه كاتب مبتدئ يبحث لنفسه عن مكان تحت شمس الإبداع فالتجأ لنصي ينسبه لنفسه،
أما ان يكون السارق حسونة المصباحي الكاتب المعروف هذا الذي يدعي أنه خير من يسعى به قلم، فقد قررت فضحه ورفع نسب نصي هذا منه . نصي هذا الذي سهرت الليالي لتجويده حتى يصير قبلة للراغبين في السطو على كتابات الآخرين.
ابراهيم درغوثي
قاص وروائي تونسي
نائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين
dargouthibahi@yahoo.fr