المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطفل والصياد



بهائي راغب شراب
16/10/2008, 09:48 AM
قصة
الطفــل والصيـاد
بهائي راغب شراب

رمى الصياد الطيب شباكه إلى البحر ، لقد بدا يومه الجديد الآن ، وهو يسعى لأن يصيد كمية من الأسماك تكفي حاجته ، فيطعم أسرته ويبيع ما يتبقى للناس في السوق .
كان البحر هادئاً ، رائق اللون كالمرآة ، وكان السمك يظهر داخله وهو يلعب ويتنقل بحرية وسهولة ، له بريق اللآلئ والمرجان والياقوت .
ومن بعيد رأى الصياد الأمواج وهي تترامى تحت أقدام الشاطئ الصغير الضيق ، تدغدغ خاصرته الصخرية وكأنها تلعب معه لعبة شد الحبل ، مرةً تأتيه من هنا ومرةً أخرى من هناك .
وفي أحد جوانب الشاطئ ، كان ثمة صخرة كبيرة جداً تشرف على البحر مباشرة ، حيث الأمواج كثيرة ومتسارعة ، لم يكن أحد يرتادها غير بعض الصيادين المتمرسين الأقوياء ، بالإضافة إلى البعض ممن يحبون المناظر الطبيعية
بدأ القارب يهتز قليلاً ..
علم الصياد أن شباكه قد اصطادت سمكاً ، وهَمَّ بشدِّها إلى قاربه ، عندما حانت منه إلتفاتة تجاه الصخرة العالية ، فإذا به يرتجف وترتعش يداه ، وأفلتت الشباك منه ، حيث غاصت مع السمك في قاع البحر ..
ماذا رأى الصياد .. ما الذي أرعبه إلى هذه الدرجة ..
رأى طفلاً صغيراً ، لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات ، يجلس بمفرده قريباً من حافة الصخرة ، لم يكن معه أحد .. ولا شيء بجواره يحميه لو تعرض لخطر السقوط إلى البحر ..
أحس الصياد بالخطر ..
يا للهول .. الطفل وحده فوق الصخرة ..
ربما تأتي ريح خفيفة فتدفع الطفل نحو البحر ..
وربما يتزحلق الطفل فجأة ، أو ربما يفقد توازنه فيسقط في البحر ..
وربما يلعب ويسهو ويتدحرج عن الصخرة ، فيهوي إلى البحر .. وربما وربما ..
الوساوس تتسارع ، والمخاوف تتدافع داخله ..
الطفل .. لا بد أنه سيموت .. وسيأكله البحر ..
الطفل .. خسارة أن يذهب وهو بعد لم يتدرج على سلم الحياة ، ومن المحزن أن يفتقده أبويه وإخوانه وأخواته فلا يجدونه ..
يا للمصيبة ..
ماذا أفعل يا ربي .. عليّ التصرف بسرعة وفورا .. كل دقيقة تضيع أفقد فيها فرصة لإنقاذه ..
نعم يجب أن أنقذ الطفل ، وأن أبعده عن الصخرة ..
ازداد غليان الدم في عروق الصياد ، واجتاحه الغضب من هذا الموقف الغريب ، لو كان قريباً لقفز فوراً ، لكنه بعيد عن الشاطئ ، وكالمرجل الملتهب أمسك الصياد بالمجدافين ، وبدأ يحركهما دافعاً القارب باتجاه الصخرة ..
أحس بقوة جديدة لم يشعر بها من قبل ، تحتويه وتدفعه للعمل .. يشعر بها لأول مرة ، إنها قوة الحياة ، قوة الخير الذي يعيش داخله ويملأ جذوره ..
الطفل يجب أن يعيش ..
لقد قصرت المسافة كثيراً وبسرعة ..
القارب يقترب أكثر وأكثر ..
القارب يندفع نحو الصخرة أسرع وأسرع ..
نَظَرُ الصياد ثابتٌ نحو الطفل ..
يريد أن يتأكد أنه ما يزال في مكانه ..
يريد أن يطمئن أنه ما يزال جالساً ، ولم يتحرك نحو حافة الصخرة ..
وفجأة عندما كاد أن يصل إلى الصخرة ، لمح ظل إنسان يقترب من الطفل ، ركز بصره نحوه ، كانت امرأة ..
نعم كانت امرأة تقترب بهدوء وحذر باتجاه الطفل ..
أخذت المرأة تقترب وتقترب بلا صوت ، كانت حذرة جداً ، بدا عليها أنها لا تريد من الطفل أن يشعر بمجيئها ، وهي لا تريده أن يتحرك قبل أن تصل إليه وتمسكه ..
أي حركة خاطئة منها كفيلة بأن تجعل الطفل يهوي إلى البحر ، وهي لا تريد أن تفقده .. يبدوا أنها أمه .. يبدوا أنه طفلها ..
ها .. ها هي قد اقتربت .. إنها تمد يديها نحوه .. إنها تمسكه .. بيد واحدة .. بيديها الاثنتين .. إنها تحتضنه .. تضمه إلى صدرها .. تقبله ..إنها تبكي فرحاً ، وهي تبتعد عن الصخرة .. لا تريد البقاء فوقها ..
يا الله .. الحمدلله .. الحمدلله
لم يسقط الطفل من الصخرة ..
ولم يبتلع البحرُ الطفلَ ..
**
عاد الصياد وقد اطمئن على نجاة الطفل ، إلى مكانه الأول وسط البحر حيث سقطت الشباك منه إلى الأعماق ، وجاء بحبل طويل ربطه بالقارب وأمسك بالطرف الآخر ورمى نفسه إلى البحر ، وغاص إلى الأسفل بحثاً عن شباكه ، وبعد عدة محاولات وجدها حيث ربطها بالحبل ثم صعد إلى القارب .
أخذ الصياد يشد الحبل ويشد حتى ظهرت الشباك على سطح البحر ، وكانت ثقيلة لما تحمله من أصناف الأسماك ، وبعد محاولات أخرى تمكن الصياد الطيب من رفع الشباك إلى داخل القارب ، وكم كانت فرحته كبيرة فقد كانت أول مرة في حياته ومنذ احترف الصيد له مهنة يصيد مثل هذه الكمية الكبيرة جدا من الأسماك خلال يوم واحد .

:fl::emo_m6::fl::emo_m6::fl:
نظر الصياد إلى السماء ، رفع يديه نحوها وهو يشكر الله الذي رزقه بأكثر مما يحتاج ، وبما أصابه من الخير الوفير .

ناهد يوسف حسن
16/10/2008, 10:31 AM
الأستاذ بهائي راغب شراب
قصصك للأطفال مميزة وجميلة
هل فكرت بجمعها في كتاب ؟ أم أصدرت بعضها منفصلاً؟
تحياتي لإبداعك

بهائي راغب شراب
16/10/2008, 11:05 PM
الأستاذة /
ناهد يوسف حسن
شكري وتقديري لمرورك ولتعليقك الطيب

أما عن سؤالك . فالحقيقة اني لم أنشر قصصي كمجموعة ..
وذلك لأسباب كثيرة .. لعل اهمها .. غياب القاريء الحقيقي للأدب او غيره ( باستثناء مسرحية : حاجز التفاح )

وقد وجدت في الشبكة العنكبوتية ميدانا أكثر حرية ، وأوسع انتشارا ،وأيسر في الوصول إلى القارئ العربي في أي مكان كان ..

ومن هنا فقد ، ولأجل ذلك أنشأت مدونتي الخاصة بي .. وعنوانها في توقيعي المرفق ..
وأعلم ان الكتاب المطبوع له نكهته الخاصة جدا ، وله جاذبيته التي لا تقاوم ..

آمل أن أنشر في المستقبل للأطفال في كل مكان ..

وجزاك الله خيرا:fl::fl::fl: