المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى المقاومة العراقية



عبد الستار قاسم
16/10/2008, 10:55 AM
إلى المقاومة العراقية
عبد الستار قاسم

فاجأ شعبنا العربي العراقي المسلم العالم عندما بدأ مقاومته المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي فورا بعد سقوط بغداد. أوهمت أمريكا العالم بأن الشعب العراقي يتوق إلى الاحتلال، وسيفرش الأرض ورودا تبريكا لأقدام الأمريكان، فتبخر الوهم مع أول جندي أمريكي يسقط على يد مقاوم عراقي.
لقد أنجزت المقاومة العراقية، وحالت دون استتباب الوضع في العراق للأمريكيين وعملائهم. ولعل أعظم ما قدمته هذه المقاومة خدمة للإنسانية هو توجيه ضربة ضخمة للعولمة الأمريكية التي كانت تهدف إلى تطويع الأمم من خلال نشر الثقافة والفكر الأمريكيين، واستعمال القوتين العسكرية والاقتصادية. لم تكن تقبل أمريكا بالعالمية كآلية لترتيب الوضع العالمي، واعتبرت نفسها صاحبة الحقيقة المطلقة التي تحمل رسالة الخير والبركة للعالم، وأن منهجها في الحياة هو المنهج الأسلم تاريخيا والذي يرتقي على الحقيقة الموضوعية.
صالت أمريكا وجالت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبدأت تزمجر وتكشر عن أنيابها، ومن لم يخضع بالإغراء عملت على إخضاعه بالسلاح. وقد طال الأمر الأوروبيين الذين أخذوا يتذمرون من الغطرسة الأمريكية والتفرد في اتخاذ القرار، وإصدار الأوامر للدول والشعوب. ظنت أمريكا أن العراق سيكون الدرس الأشد لكل الأمم، وإذا ما سقط ، فلن يعود هناك من يتحدى صولجانها.
العراق لم يسقط بفعل المقاومة، وبفضلها ابتهجت دول كثيرة من ضمنها الدول الأوروبية التي رأت الخطر على ثقافتها وهويتها التاريخية. أمريكا تورطت في العراق، ولم تعد لديها قدرات على شن المزيد من الحروب، وخير دليل على ذلك ما حصل في جورجيا. دفعت القيادة الجورجية لجس النبض الروسي، ولم تقو إلا على إصدار بيانات التنديد والاستنكار أمام بأس روسيا.
لكن المقاومة العراقية دخلت في أعمال تضعفها في مواجهة العدو، وعلى رأس ذلك الانشغال في الخصومات الداخلية والثارات الطائفية والقبلية. لا أشك أبدا بأن بدايات الصراعات المذهبية قد أشعلتها أيدي المحتل الأمريكي والمتربص الصهيوني. الوطن العربي مليء بالخونة والجواسيس والعملاء، وكان يكفي أن يقوم نفر قليل من العملاء العراقيين بالاعتداء على مساجد السنة والشيعة، أو على رجالات القبائل من السنة والشيعة لتشتعل نيران الفتنة وتصبح عنوانا للدفاع عن الذات. كان من السهل جدا أن ينجح الأمريكيون والصهاينة بتأجيج الصراع الداخلي العراقي بخاصة أن المجتمع العراقي ليس محصنا ثقافيا وفكريا للهجوم السريع على نار الفتنة وإخمادها.
لم يكن الأمريكيون فقط هم المعنيون بالفتنة وإنما أيضا عملاؤهم في المنطقة العربية الإسلامية الذين سهلوا للأمريكيين استعمال بحارهم وأراضيهم وأجوائهم من أجل إقامة نظام عربي ساقط جديد في المنطقة. نظر هؤلاء بعين العداء للمقاومة العراقية، ورأوا فيها تهديدا لأنظمتهم فيما إذا انتصرت وطردت الأمريكيين. وأمام هؤلاء لم تنجح كل الأصوات الداعية إلى وحدة المسلمين، وبقيت الفتنة تجد أصداء متصاعدة مع الزمن. وقد استغل هذا الأمر رجال دين فاسقون من السنة والشيعة لتحريض وبث المزيد من روح العداء.
كان على المقاومة العراقية أن تكون أكثر وعيا، وأن تعلم أن الفتنة الداخلية أخطر على العراق من الوجود الأمريكي. الفتنة الداخلية عبارة عن مرض مؤلم قاتل يسري تدريجيا في الأوصال، أما العدو ظاهر أمام العيان، وعلاجه واضح لا لبس فيه. كان من الأجدى منذ البدء أن تعمل كل فصائل المقاومة على مقاومة الفتنة حتى لو أصابها أذى من قبل الآخرين، وحتى لو ظهرت أنها ضعيفة أمام أعدائها الداخليين. للأسف لم تكن هناك حكمة.
كفلسطيني، أقول لكم إن الاحتلال الصهيوني هو الذي يمنع الاقتتال بين حركتي فتح وحماس الآن في الضفة الغربية. هل تريدون أنتم أن تستظلوا بالاحتلال الأمريكي من أجل أن يفصل بينكم؟ إذا استسلمتم للصراعات الطائفية، فإن اليوم الذي يمجد فيه عراقيون الاحتلال الأمريكي لن يكون بعيدا.
الأصوات تتكثف الآن حول السنة والشيعة، وأنا أدعوكم للاحتكام للإسلام في كل ما تفعلون. بالتأكيد الصراعات المذهبية الدموية في الإسلام أعظم عند الله من الطائفية نفسها، والجنة لا تفتح أبوابها للمفسدين. هناك آداب الاختلاف في الإسلام، وليس اقتتال الطوائف في الإسلام. آملا ألا تلقوا السمع لكل المغرضين الفتانين الذي يقولون ربنا الله نفاقا ورياء.
أنتم أمل الأمة، وفشلكم فشلها، وانتصاركم انتصارها. الأمة تتوق إلى اليوم الذي تتخلص فيه من الاستعمار والاحتلال، وتستعيد كرامتها وعزتها؛ ولكم الخيار في أن تكونوا فرسانها الذين تجمعهم الغيرة على الوطن ووحدة المواطنين.