المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاتصال الخطابي بين الفارسية والعربية (2)



د.رأفت رشوان
16/10/2008, 09:59 PM
الخطاب الدينى:
إذا أردنا تلمس ماهية الاتصال الخطابي في المجتمع الإسلامي المعاصر فلا بد أن نضع في أذهاننا -بالإضافة إلى طبيعة الفكر الذي ينبغي أن يحكم هذا المجتمع -واقع هذا المجتمع الذي يشهد صراعا فكريا وسياسيا يهدد وجوده ذاته فأغلب أشكال الخطاب الإسلامي ،و من ثم , أغلب مناحي الحياة في المجتمع الإسلامي ، والتي تنطلق من الأرضية الإسلامية تكاد تبلغ حد الصراع علي النحو الذي تبدو هذه الخطابات كما لو كانت لا تنتمي إلى منطلقات واحدة ولا تسعى إلى تحقيق غايات واحدة . ومن ثم فلا مناص من تحديد ماهية عمليات الاتصال الخطابي في المجتمع الإسلامي – كما ينبغي أن تكون – في ضوء الغايات العليا التي تسعى للإسهام في تحقيقها، حتى يمكن معايرة الخطاب الذي يمكن أن يطلق عليه خطابا إسلاميا ، من الخطاب الذي لا ينطبق عليه هذا المسمى ، بصورة جلية.
ويمكن تعريف الاتصال الخطابي بأنه " العملية التي يتم خلالها تأسيس و بناء وطرح خطاب يحمل الحق حيال قضية أو موقف أو أي أمر من الأمور التي تقع في المجتمع الإسلامي ، انطلاقا من المسلمات أو البديهيات الإسلامية ؛ سعيا للإسهام في تحقيق غاياتها العليا "
وأقصد هنا بتأسيس الخطاب تلمس المنطلقات المعرفية التي ينطلق منها الخطاب في سعيه إلى معالجة القضية الخطابية التي يحملها موقف خطابي ما وتلمس الغايات التي ينبغي أن يسعي إليها عبر معالجة هذه القضية بشتى مكوناتها, وتلمس الوسائل التي ينبغي أن يطرحها لتحقيق هذه الغايات.
- مسلمة" الإيمان بالله إلها واحدا " ومدي هيمنتها علي الخطاب فى المجتمع الإسلامي (العربى الفارسى) :
التعريف الذي تطرحه الفكرة للاتصال الخطابي فى المجتمع الإسلامي(العربي الفارسي) أقصد به المجتمع بمعناه الواسع, وكل ما يحويه هذا المجتمع من جماعات نوعية أو أفراد داخل هذا المجتمع , كذلك أية مجموعة من المسلمين سواء سنة أو شيعة فى أى مكان.
إن الإيمان المطلق بالله  إلها واحدا مهيمنا هو: الاعتقاد الجازم بأنه (سبحانه), هو رب كل شيء وخالق كل شيء وإله كل شيء, والمهيمن على كل شى فى الوجود , وأنه من ثم هو الرب والإله فلا شريك له من بشر أو وثن أو طاغوت أو أى شي يمكن أن يكون ندا في العبودية له تعالى,من هوى أو مال أو جاه أو سلطان .إنه .. التوحيد التام, والخضوع الكامل, والتسليم الكلي, والتوجه الخالص, والرجاء المطلق. و أنه ,(سبحانه), هو المبتدى و المنتهى.
إن مثل هذا الإيمان بالله – ( سبحانه وتعالى ) – هو المحور الذى يدور حوله الإسلام برمته بل إن الدين الإسلامي برمته ليس إلا تفصيلا وافيا لمعتنقيه لأبعاد هذا الإيمان ومقتضياته.
لذا فإن أى تشوه و أي خلل يخدش هذا التصور" الإيماني" الذى يسكن عقل المسلم ويشكل وجدانه عن الخالق الأعظم, يعنى بالتبعية خللا ما يصيب تصوره عن الإيمان بالله (سبحانه) و الإيمان بالوحى الإلهي كحقيقة علوية مطلقة, وباليوم الآخر والفوز فيه برضوان الله كأعلى الغايات, و يتبع هذا الخلل تخبط – على قدر هذا الخلل- فى حركة المسلم ومقاصده في هذا الوجود . وتخبط -من ثم- فى مجمل الحياة ولاتوصف بالحياة الإسلامية, التى ينبغي أن تكون كلها تسليما وخضوعا لرب الأرباب (قُلْ أن صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) " الأنعام 162، 163 " .
و هذا الخطاب .. ينبه الفرد المؤمن, و المجتمع المؤمن إلى أي انحراف عن الصراط المستقيم, الذى لا يستقيم الإيمان إلا به" وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } " (آل عمران , 101 ) {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإذا هُم مُّبْصِرُونَ } (الأعراف201 ) {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً " (الأنفال, 29).
ومن التمسك بالأيمان يضحى بذلك القوة المعمرة التى تحيل حياة المجتمع المسلم إلى جنة يسودها الحق والعدل والصدق والرحمة وكل صفات الخير , ويسودها اليسر والعمار المادى , و يسعى لجعل أمته , امة الإسلام, أعظم واقوي الأمم ويجعل من ثم دورها فى الشهادة على الناس دورا متكاملا ..فهى تشهد عليهم يوم القيامة بكونها قد دعتهم بشتى السبل إلى الدخول فى دين الله الحق , وتشهد عظمتها ومكانتها بين أمم الدنيا, على أن ما أوصلها لمكانتها هذه هو ذلك الدين الحق .
ومن ثم فكلمة إسلامي نسبة إلى الإسلام , وإذا كان الإسلام – لغة – هو الخضوع والانقياد لما اخبر به  من البلاغ الإلهي المتمثل في القرآن الكريم , ومن البيان النبوي المتمثل في السنة النبوية الصحيحة , فإن الإسلام في الاصطلاح هو الدين الذي وضعه الله ( ( سبحانه وتعالى ) ) لعباده" إن الدين عند الله الإسلام " (آل عمران , 19 ) . فهو وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو من عند الرسول  من البلاغ الإلهي والبيان النبوي . فالإسلام في الاصطلاح, هو الوضع الإلهى ,و في اللغة الانقياد لهذا الوضع الإلهي, لأنه الانقياد لله ولما جاء من الشرائع والأحكام التي تلقيناها عن رسول الله ...فالإسلامي إذن هو نسبة إلى هذا الدين الذي وضعه الله,أي إقامة العلاقة مع الوحى ونبأ السماء ؛ ومن هنا لابد من توحيد الخطاب الديني بين العربي والفارسي ؛ فكلاهما ينبع من مصدر واحد هو الإسلام بأركانه الخمسة وشرائعه السمحة؛وأهدافه الجلية.