المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية حاجز التفاح5



بهائي راغب شراب
18/10/2008, 07:05 PM
مسرحية حاجز التفاح5
بهائي راغب شراب


مشهد الظلام

على الجانب الاخر من حاجز التفاح وداخل غرفة محصنة بمكعبات الاسمنت الضخمة التي تتخللها فتحات صغيرة تستخدم في قنص الأطفال المارين بأمان إلى بيوتهم ، يجلس جنديان صهيونيان خلف سلاحهما المصوب تجاه المواطنين ، أحدهما يضع سماعة الهاتف الخلوي على أذنه ويبدوا واضحاً انه يكلم شخصاً آخر ..
الجندي ناعوم : أوه .. حبيبتي ناعومي أحبك كثيراً كثيراً .
ناعومي ( من الهاتف ) : أوه .. جميل ما أسمع منك ، أرجو أنك لا تخدعني ..
ناعوم : أخدعك .. وهل هذا معقول ربما أخدع العالم كله إلا أنت يا حبيبتي ( يشير برأسه نحو زميله قائلا له : الغبية من تحسب نفسها هذه الشمطاء ، أراهنك أنها تكلمني وهي في أحضان رجل آخر .. ) ..
ناعومي : ماذا تقول لا أسمعك جيدا ..
ناعوم : لا شيء يا عزيزتي فقط كنت أحضر لك مفاجاة طيبة ..
ناعومي : مفاجأة .. أوه .. كم أحبك ، هل ستحضر لي هدية
ناعوم : هدية .. آه .. نعم .. نعم هدية ( في نفسه : لا أدري كيف عَرَفْتُ هذه الغبية .. من تحسب نفسها .. )
ناعومي : متى ستأتي ونلتقي ، يجب ان تعود سريعاً إليّ .. أنا متشوقة لأستلم هديتك ..
ناعوم : قريباً سأحضر إليك لكن عليك أن تعدينني بأنني سأستمتع بك ..
ناعومي : وهل عرفتني أمنع نفسي عنك لن تجد مني إلا ما تشتهي ..
ناعوم : حسنا حبيبتي انا مضطر الأن لانهاء المكالمة ، لدي عمل مهم يجب القيام به ..
( يغلق هاتفه المحمول ويضعه في جيبه ، ويقوم بتحريك سلاحه باتجاه طفل فلسطيني يحمل على ظهره حقيبته المدرسية ويكاد يدخل إلى بيته عندما .. وانطلق الرصاص .. )
ناعوم : آه .. لقد أصبته يا عزيزي ، أصبته بين عينيه تماماً
الجندي جولدمان : ماذا تفعل أيها المجنون ، ماذا جنى الطفل حتى تقتله ..
ناعوم : أوه .. جولدمان .. نسيت أنك رجل طيب وأنك صاحب القلب الرقيق وأنك .. ( باحتقار )
جولدمان : لا .. لا .. أرجوك لا تواصل أسلوبك المهين هذا .. لم أعد أتحمل المزيد .. إنك تعاملني وكأنني عدوك ..
ناعوم : أبداً يا عزيزي .. أنت عدوي .. لا يمكن أنك تفكر بهذه الطريقة .. عدوي هو عدوك فقط ( يشير باتجاه المواطنين الفلسطينيين الذي انشغلوا باسعاف الطفل بطريقة توحي أن هؤلاء هم الأعداء ) .. انت لست عدوي .. (في نفسه : على الأقل حتى اليوم )
جولدمان : نعم ناعوم إنك تتعامل مع الجميع وكأنهم أعدائك
ناعوم : من تقصد بالجميع .. لا أظنك تعني أولئك العرب الارهابيين ..
جولدمان : بل أعني الأطفال الذين لا تنفك تقتل المزيد منهم كلما حانت لك الفرصة ، رغم بعدهم الشاسع عنا ..
ناعوم : أوه .. جولدمان حبيبي ، يبدوا عليك الارهاق كثيرا ، ألم تنم ليلة أمس .. ( باستهزاء )
جولدمان : قاتل .. قاتل .. لا أتصور كيف أعتبرك صديقي
ناعوم : شكرا لك يا صديقي على شعورك اتجاهي .. أتعلم لماذا نحن صديقين .. لأننا هنا .. في هذا المكان .. يجب أن نحمي انفسنا .. وعلينا أن نقتل لنعيش
جولدمان : بامكاننا العيش دون قتل الأطفال
ناعوم : أذا لم تقتلهم قتلوك
جولدمان : لا لن يقتلوني ، لو تركتهم وعدت إلى دياري
ناعوم : تعود إلى ديارك ، هذه ديارك أيضاً
جولدمان : لا .. هنا ليست دياري ولا ديار احد منا ، انها ديارهم
ناعوم : ديارهم .. لترحل إذن .. ماذا تنتظر لتعود إلى ديارك ..
جولدمان : نعم أشعر انه علي ان اترك هذا المكان بأسرع وقت ممكن
ناعوم : وحتى ذلك الوقت عليك أن تقتل كي تعيش
جولدمان : متوحش قاس .. من أي طينة جبلت أيها القاتل
ناعوم : من نفس الطينة التي جبلت أنت منها
جولدمان : لا .. أظنك قد جبلت من نار شيطانية تحرق كل شيء أمامها من أجل اللذة والزهو واللهو الخبيث
ناعوم : انا أحب عملي
جولدمان : عملك أن تكون قاتلا
ناعوم : ولم لا ما دام ذلك يبهجني ، وقبل ذلك هو واجبي وعملي ، ويجب تنفيذه بدقة لأرتقي وأنال الحظوة التي نالها القاتلون جميعهم قبلي ..
جولدمان : إذن القتل بالنسبة إليك هو صفقة تجارية مضمونة الربح وليس إجراء تدافع به عن نفسك ..
ناعوم : نعم ..
جولدمان : أيها القاتل السافل ، مجرم أنت .. مجرم
ناعوم ( مستهزئا ) : مجرم أنا ، حسناً يا زميلي الطيب ، أخبرني إذن ماذا تكون أنت ، الحمل الوديع ، ألم تقتل مثلنا ، أولست تقتل حتى الآن ..
جولدمان : لا أتلذذ في القتل وهو ليس هوايتي
ناعوم : لكنه حرفتك
جولدمان : لا احب القتل .. أكره الموت كثيراً ، وكل مرة أبكي عندما يسقط طفل منهم مضرجاً بدماءه
ناعوم : أوه .. كم أنت رقيق وشاعري .. كم قصيدة قرضت من الشعر في رثاء ضحاياك
جولدمان : أسكت .. أرجوك .. أسكت
ناعوم : لن أسكت ، كم طفلا أصبت اليوم ، من الذي أصاب الطفلة الصغيرة عندما عَلِقَتْ قدمُها الصغيرة وسقطت على الأرض ، أنا .. أم أنت .. ( مشيرا إليه باسلوب من يتهم )
جولدمان : أسكت أيها المجرم القاتل .. أسكت
ناعوم : لن أسكت ، أمثالك كثيرون يدّعون الرحمة والرقة وهم القاتلون الأشداء ، أنت قاتل قاتل وأشد مني سفكاً لدماء اولئك الأطفال
جولدمان : لا أعرف ما يصيبني ، أكره ما أفعله لكنني لا أستطيع رفضه
ناعوم : ها .. إذن أنت تعترف ، ولماذا لا تستطيع أيها القاتل الطيب
جولدمان : لأنني .. لأنني .. لأنني قاتل
ناعوم : لقد تساوينا إذن .. عندما أقتل أنا .. أتلذذ وأستمتع ، وعندما تقتل أنت .. تبكي وتذرف دموعك .. أظنهم يقولون عنها دموع التماسيح .. أليس كذلك .. دموع التماسيح أيها التمساح المفترس الطيب
جولدمان : لا لسنا متساويين
ناعوم : بل متساويين أنت قاتل وأنا قاتل ، كلانا قاتل .. ولا يفيد الضحية أن تبكي عليها بعد أن تذبحها أيها الزميل
جولدمان : لكن ..
ناعوم : لم يعد هناك لكن ، علينا أن نقتل ونقتل ونقتل .. ويبدوا أن لحظة القتل تقترب اكثر وأكثر ..
جولدمان : لا . . لا .. يكفي .. يكفي ..
ناعوم : بل استمر وسنتستمر .. خذ آلة التصوير ( ماداً يده إليه بها ) والتقط منظراً طبيعياً جميلاً لي وأنا أصوب على ذاك الطفل الذي يسير إلى جانب أمه .. لقد وعدت ناعومي بهدية ثمينة ، وهذه الصورة ستكون أفضل هدية لها ، إنها مثلي تماماً تحب هذه الألعاب ، هيا تحرك .. ولاتنس أن تجعل اللقطة انسانية ها .. ها .. ها ..
جولدمان ( يأخذ آلة التصوير من ناعوم ويعدها للعمل ) : مجرم .. مجرم .. لا أعرف إلى متى يمكنني التحمل .. هدية لناعومي ..؟ هدية .. القتل هدية ..؟! يبدوا أنها عادة متأصلة فينا .. تقول أن عشيقتك اسمها ناعومي .. ألست مخطئاً .. ربما كان اسمها سالومي .. تذكر جيداً .. سالومي
ناعوم : آه أيها الخبيث ، عرفت مقصدك ، اطمئن اسمها ناعومي وليس سالومي .. لكن ماذا يهم الاسم ما دامت تسير على خطاها ..**

وسط الهرج والمرج يعم السكون المكان بما يثير الوحشة والألم في النفوس ومن وسط الهدوء المفعم بالترقب ينطلق صوت المغني وهو ينشد ..

" أنادي يا وطني
أنادي شعب العروبة التليد
أين المروءة والشجاعة
أين شيخكم والوليد .
ماذا بقي ..
بعد الكرامة أن تضيع .
ماذا بقي ..
بعد القدس أن يُهَوِّدَها اليهود .
ماذا بقي ..
بعد الطفولة يذبحها الجنود .
ماذا بقي ..
أثمة بقايا من قلب ومن ضمير
أثمة بقايا من هوية الوطن الكبير .
ماذا بقي ..
حتى تستنفروا قواكم ..
الكبير منكم والصغير .
ماذا بقي ..؟
بعد القدس ..
أتكون مكة والمصير .
قولوا لنا :
إلى متى هذا السكون المستحيل . " •

**

:fl::emo_m6::fl: