المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإبداع



د. محمد اسحق الريفي
20/10/2008, 04:41 PM
الإبداع

لقد شغل مفهوم الإبداع العديد من الباحثين على مر العصور, وصار استخدام كلمة إبداع شائعاً كثيراً من قبل كافة المختصين وغير المختصين، مع أن أكثرهم لا يملك تفسيراً واضحاً لمعنى الإبداع. ولمحاولة تحديد مفهوم الإبداع لا بد من طرح العديد من الأسئلة التي توضح المهفوم لكافة الطبقات ومن هذه الأسئلة:

1 ـ هل الإبداع قدرة عقلية وذهنية يمتلكها كل البشر وإن كان بتفاوت كالذكاء وسرعة البديهة؟
2 ـ هل هنالك علاقة بين الذكاء والإبداع والموهبة؟
3 ـ هل يمكن قياس الإبداع وتحديده وتعليمه والتدرب عليه؟
4 ـ ما هي المعايير لوضع عملٍ ما ضمن مجالات الإبداع؟ وهل هناك أصلاً معايير لتحديد أي عمل إذا كان إبداعاً أم لا؟
5 ـ كيف يمكن الحصول على أفكار إبداعية وكيف يمكن إبراز ذلك؟
6 ـ كيف نستفيد من العوامل الشخصية والوراثية والبيئية والاجتماعية لتطوير الإبداع؟
7 ـ هل يمكننا أن نعمم قواعد معينة يمكن أن تطبق في مجالات الحياة وتعتبر إبداعاً؟

إن هذه التساؤلات وغيرها الكثير تعبر عن مدى اتساع مفهوم الإبداع ومدى غموضه، ومدى صعوبة إجابات واضحة وشافية لهذه التساؤلات. ولكن مع كل هذا الغموض إلا أننا يمكننا أن نتوصل إلى الكثير من الحقائق وذلك بعد مرور تجارب كثيرة قام بها باحثون عالميون.

تعريف الإبداع (لغة):
الإبداع في اللغة هو الاختراع والابتكار على غير مثال سابق. وبصورة أوضح هو إنتاج شيء جديدٍ لم يكن موجوداً من قبل على هذه الصورة. وقد عرفت الموسوعة البريطانية الإبداع على أنه القدرة على إيجاد حلول لمشكلة أو أداة جديدة أو أثر فني أو أسلوب جديد.

كما أنه لا يمكننا إلا أن نبرز التعريفات المشهورة للإبداع وذلك حسب تعريف العالم (جوان) gowan:
الإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا وجدت بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتائج أصلية ومفيدة للفرد أو الشركة أو المجتمع أو العامل.
كما أن العالم تورانس torance قد عرف الإبداع فقال الإبداع هو عملية وعي بمواطن الضعف وعدم الانسجام والنقص بالمعلومات والتنبوء بالمشكلات والبحث عن حلول، وإضافة فرضيات واختبارها، وصياغتها وتعديلها باستخدام المعطيات الجديدة للوصول إلى نتائج جيدة لتقدم للآخرين.

كما أن هنالك العديد من التعريفات نذكر منها:
* الإبداع عملية تثمر ناتجاً جديداً وغير عادي يتقبله المجتمع لفائدته.
* الإبداع هو التميز في العمل أو الإنجاز بصورة تشكل إضافة إلى الموجود بطريقة تعطي قيمة أو فائدة إضافية.

معايير الإبداع:
في البداية لا بد من التأكيد على حقيقة أن المصدر الأساسي لمصادر الإبداع هي الدراسات التي تناولت الأشخاص الذين برزوا قديماً وحديثاً وكان لهم تأثير كبير في هذه المسيرة، وهنا يبرز سؤالان.
1 ـ من هم هؤلاء الأشخاص الذين اعتبروا مبدعين؟
2 ـ ما هي المعايير التي تبعث لاعتبارهم مبدعين؟

أ- المعيار الأول: الشهرة التاريخية:
أشهر معيار اعتمد لتصنيف المبدعين هي الشهرة التي اكتسبها المبدع عبر السنين وظل نتاج أعماله يحظى بالاعتراف والتقدير من المثقفين والمختصين والناس وأمثال ذلك ابن سينا أينشتاين ـ نيوتن الخوارزمي، ابن خلدون وغيرهم الكثير.

ومن غير المحتمل أن يثير أحد شكوكاً حول أي من هؤلاء لأن إبداعاتهم لم تفقد رونقها وقيمتها على مرِّ السنين، وأصحاب الشهرة هؤلاء لا نستطيع إخفاء إبداعهم ولو أغفلنا العديد من جوانب شخصياتهم سواء أكانت سلبية أو إيجابية وأكبر دليل على إبداعهم صمود إبداعاتهم أمام اختبار التاريخ.

ب ـ المعيار الثاني: المصادر والمطبوعات:
ويقصد هنا الموسوعات والمعاجم وكتب التراجم وكتب التاريخ والتي تبرز حياة شخص عبر تأريخه وذكر الأعمال التي قام بها، ولعل من أقدم من ألّف في هذا المجال - galton جالتون بكتابة المشهور (العبقرية الموروثة).

جـ ـ المعيار الثالث: أحكام الجزاء:
وهذا المعيار له أهمية خاصة حيث أن الباحث أو الخبير تكون عنده علاقة مع المبدع موضوع الدراسة، بحيث أنه يرى نتاجه ومدى فاعليته وتمييزه عن النتاجات الأخرى في المجال نفسه. وهنا يقوم الباحث أو الخبير بوضع عدة أساليب لاختيار المبدع.

ومن هذه الأشكال:
1 ـ ترتيب المرشحين في قائمة تبرز درجة إسهام كل واحد في مدى تقدمه العلمي ويراد ترتيبهم من الأعلى إلى الأدنى وكلٌّ في مجال تخصصه.
2 ـ وضع عناوين رئيسية لمواصفات كل واحد على حدة وتعبئة نموذج يبرز أصالة التفكير ـ المرونة ـ التخطيط ـ الدقة ـ الرقابة ـ وغيرها.
3 ـ ترشيح عدد من الأشخاص وهم الأكثر إبداعاً في مجالهم.
د ـ المعيار الرابع: غزارة الإنتاج:
ويقصد بها عدد الدراسات أو المؤلفات أو المنشورات أو براءات الاختراع أو البحوث التي أنجزها بمفرده أو مع آخرين. وتؤخذ نوعية الإنتاجات بعين الاعتبار إضافة إلى الكم.

وهنا سلبية لا بد من ذكرها وهي أن الإنتاجات إذا كانت مؤلفات أو نظريات أو منشورات فإنه يصعب فعلياً معرفة عدد المساهمين في العمل وإذا كانت اختراعاً فإنه ينبغي الاكتفاء ببراءة الاختراع حيث أن العديد من الاختراعات لا تبرز مواصفاتها خوفاً من المنافسة وينبغي الاكتفاء بالمعايير التي يضعها وكتب تسجيل براءة الاختراع.

هـ ـ المعيار الخامس: مستوى الأداء على اختبارات الإبداع:
تستخدم الاختبارات النفسية من قبل باحثي علماء النفس والتربويين المعنيين بموضوع اختبارات الإبداع بصورة واسعة. وأن الأشخاص الذين يتم اختيارهم كمبدعين هم الحاصلون على درجات عالية في هذه الاختيارات. وهذه الاختبارات تعطي قياساً موضوعياً يسجل عملية التمييز بين الأفراد حسب أدائهم، ولكنه قياس يقتصر على الخصائص العقلية والمصرفية وليس له علاقة بالخصائص الشخصية والاجتماعية. وأيضاً من سلبيات هذا المعيار أنه هنالك العديد ممن حصلوا على درجات عالية باختباراتهم ولم يحققوا أي إنجاز أو إبداع يذكر، وأيضاً لا تزال قدرة التبوء لهذه الاختبارات موضع شك لدى العديد من الباحثين.

و ـ المعيار السادس: الملاحظة المباشرة:
يتميز هذا المعيار بالرؤية المباشرة والتجارب الحية التي يمكن على أثرها معرفة الإبداع وتمييزه. وهذا المعيار يعتبر من أهم معايير الإبداع حيث أن النتيجة تظهر أمامك مباشرة. ويمكنك لمس حركة الإبداع ويعتبر هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يتيح فرصة التعرف على الإطار المرجعي الداخلي للفرد في مقابل الأساليب الأخرى التي تعتمد أساساً على أطر مرجعية خارجية كتقديرات الخبراء أو المحكمين، وقد يساعد في التعريف على أفراد يرون أنفسهم مبدعين بينما لا يراهم الآخرون كذلك.

صفات المبدع:
يتصف المبدعون عموماً بعدد من الخصائص الشخصية والتي تولد دوافع الإبداع وتنبغي الإشارة إلى أنه ليس من الضروري توفر كل صفات المبدع في شخص واحد ولا سيما أننا ارتأينا أن نقوم بتجميع كل صفات المبدع التي توصل إليها الباحثون، علماً أن العديد من الباحثين وضعوا صفات ولم يضعوا الأخرى، ولكن رأينا أن وضعها كلها أفضل:

1 ـ الثقة بالنفس لدرجة الأنانية والتمركز حول الذات ولو على حساب الآخرين.
2 ـ اليقظة والوعي والإحاطة بما يدور حوله.
3 ـ الاجتهاد والانهماك الزائد بالعمل.
4 ـ الانهماك المفرط بالعمل.
5 ـ عدم الاهتمام بالحياة الاجتماعية والحيويات الشخصية واعتبارها مضيعة للوقت.
6 ـ عدم التمسك بالأعراف والأتيكيت وقواعد السلوك والتصرف بطريقة غير تقليدية.
7 ـ الميل للعزلة ومواجهة الصعوبات في التعامل مع الآخرين.
8 ـ المزج بين الطفولة والرشد في الأفكار والسلوك.
9 ـ التعبير عن العواطف بصراحة وبقوة بصورة مباشرة وغير مباشرة.
10 ـ معاناة حالة من الكآبة والتوتر بين الحين والآخر.
11 ـ مقاومة الضغوط الخارجية والقيود المفروضة وحب التحرر.
12 ـ حب الاستطلاع والمساءلة.
13 ـ حب التعلم والانفتاح على الخبرات الجديدة.
14 ـ الانتماء للعمل والاندماج فيه.
15 ـ التركيز على المهمات وعدم التشتت.
16 ـ القدرة على التنظيم الذاتي.
17 ـ التأثير بالآخرين.
18 ـ التأمل والانسحاب من المواقف الميؤوس منها.
19 ـ الميل للتلاعب بالأفكار.
20 ـ تقدير الأصالة والإبداع.
21 ـ الحدس وسرعة البديهة.
22 ـ الأمانة والشجاعة والحرص على الإقدام والمثابرة.
23 ـ التعاطف مع الآخرين.
24 ـ القدرة على جذب الجماهير.
25 ـ الحاجة للدعم والثناء.
26 ـ البحث عن التشويق والإثارة.
27 ـ تجنب العلاقات مع الآخرين وعدم الاقتراب كثيراً من الرفاق.
28 ـ المعاناة من شدة التوتر والانفعال.
29 ـ الانشغال الذهني والتخطيط والتبصر بالأمور.
30 ـ الاعتماد على الذات بدرجة كبيرة.

خصائص المبدعين:

خصائص المبدعين التطورية:

1 ـ غالباً ما يكون المبدع هو المولود الأول للأسرة.
2 ـ قد يكون عانى من فقدان أحد الوالدين.
3 ـ أجواءه الأسرية غنية بالخبرات والتنوع.
4 ـ يستمتع بالشهرة ويثابر على العمل.
5 ـ يقدم مبادرات تدل على نبوغه المبكر.
6 ـ يفضل التعلم على صحبة الناس وينكب على المطالعة.
7 ـ يتعرض لتجارب وخبرات متنوعة من سن مبكرة.
8 ـ يحب الدراسة والنجاح.
9 ـ يقيم علاقات مميزة مع مجموعات ضيقة.
10ـ يتأثر بالقدوة.
11 ـ يتمتع بإنتاج ضخم.

الخصائص المنطقية:

1 ـ الانضباط الذاتي والاستقلالية وكراهية السلطة.
2 ـ مقاومة الضغوط الاجتماعية.
3 ـ الانتباه للتفاصيل.
4 ـ تحمل الغموض والقلق.
5 ـ حب المغامرة والإثارة.
6 ـ تفضيل المسائل المعقدة.
7 ـ امتلاك قاعدة معرفة كبيرة.
8 ـ القُدرة على التفكير المتشعب.
9 ـ الحاجة للإسترخاء.
10 ـ الحاجة لمجتمع وبيئة داعمة.
11 ـ عدم تحمل الملل والروتين.
12 ـ حسن الفهم والاستيعاب.

الخصائص الحدسية للمبدع :

1 ـ الانفتاح بغير حدود.
2 ـ الرومانسية.
3 ـ الحساسية الزائدة.
4 ـ الحماس والتسرع.
5 ـ الإحساس المتزامن بالألوان والأصوات والروائح.
6 ـ تقديم أفكار جديدة لحل المشكلة.
7 ـ التفاعل مع الأفكار الجديدة والأصيلة.
8 ـ القدرة على تحرير الأفكار والتعبير عنها.
9 ـ القدرة على مقاومة الاتهام بالشذوذ وغرابة الأفكار.

الخصائص العاطفية للمبدع:

1 ـ كفوء في التعبير عن نفسه.
2 ـ يدرك الأشياء بطريقة خاصة.
3 ـ ينجذب إلى المواقف المجهولة والمحيرة.
4 ـ له قدرة خاصة على حل الصراعات الداخلية والتناقضات الثنائية.
5 ـ له قدرة على دمج العناصر المتفرقة.
6 ـ يتقبل ذاته جيداً ولا يعبأ برأي الآخرين عنه.
7 ـ يتحمل المواقف المربكة.
8 ـ له القدرة على التركيز.
9 ـ لا يكبت مشاعره ويعبر عن مواقفه جيداً.
10 ـ يتحلى بالشجاعة لمخالفة العادات والمسلمات.
11 ـ سريع البديهة.
12 ـ يشعر مع الآخرين ويتوحد معهم بسرعة.

الخصائص الحسية للمبدع:

1 ـ منفتح على الأفكار والخبرات الجديدة.
2 ـ يضبط نفسه ويتحكم بذاته.
3 ـ عنده قدرة على التلاعب بالعناصر والمفاهيم.
4 ـ عنده اهتمام بالعالم الخارجي والداخلي.
5 ـ لا يستعجل النهايات.
6 ـ يتقبل الصراعات والتوتر.
7 ـ عنده قيم نظرية وجمالية مرتفعة.
8 ـ عنده أداء حاذق للفنون التقليدية.


النظرية العبقرية:

وتفترض هذه النظرية أن الأعمال الإبداعية تظهر فجاء في لحظات إيحاء بغض النظر عما أنجز سابقاً وبمعزل عن التجارب والخبرات المتوفرة عند المبدع. وبالتالي فإن المبدع حسب هذه النظرية لديه القدرة على تجاوز حدود المعرفة الحالية وإنتاج ما هو جديد بخطوة واحدة وكأنها حالة خاصة ظهرت فجاءة ولم يرتكز على أي من بيئته وتجاربه ومعرفته السابقة.

نظرية التحليل النفسي:

وهذه النظرية مصدرها فرويد.
وترتكز على أن الصراعات الداخلية للفرد والتي ظلت مكبوتة تولد عنده الإبداع في مرحلة معينة وكأنه تفجير للمشاعر والأحاسيس والغرائز، وكأنه يحاول إشباع غرائزه بجر هذا الإبداع.

نظرية القياس النفسي:

وتعتبر هذه النظرية امتداداً لحركة القياس النفسي، والتي بدأت مع العالم الفرنسي (ألفرد بينيه)(binet) في تطوير أول اختبار لقياس الذكاء. وترتكز على قياس الذكاء وعلى وجود علاقة بين السلوك والذكاء والإبداع. وعلى أن الإبداع شأنه شأن الذكاء يجب أن يخضع للبحث التجريبي والقياس وهو موجود لدى كل الأفراد وبنسب متفاوتة وبالتالي فإنه يمكن قياسه وتحديده.

نظرية حل المشكلة والإبداع:

وتفترض هذه النظرية أن العملية الإبداعية هي عملية إيجاد حل إبداعي لمشكلة غير عادية.

نظرية أسبورن osborn:

اعتقد أسبورن أن أفضل طريقة للتوصل إلى حلول ناجحة وهو توليد أكبر عدد من البدائل المحتملة وتقييمها واحدة بعد الأخرى، وقد اعتمد هذا الأسلوب في إجراء دراسة مكثفة حول طبيعة العملية الإبداعية وتعليم الإبداع وهذا انعكس بصورة إيجابية على تطوير برامج تربوية بهدف تقوية الإبداع لدى المتعلمين. وكان يعتقد أن تفعيل القدرة على التخيل هي المفتاح لعملية الحل الإبداعي لأي مشكلة.

ومن الجدير ذكره أن المشكلة التي نتحدث عنها هي الأسلوب المتبع لحل يكمن بتراتب هذه الخطوات:

1 ـ إيجاد المشكلة.
2 ـ إيجاد الحقائق.
3 ـ إيجاد الأفكار.
4 ـ إيجاد الحل.
5 ـ قبول الحل.

البرنامج التدريبي للحل الإبداعي للمشكلات:

يتكون البرنامج التدريبي من (16) جلسة تدريبية مدة كل منها ساعة ونصف، ويمكن تقصير مدة البرنامج أو إطالتها حسب الحاجة. وفي كل جلسة تعرض مواد معدّة جيداً بعناية وبطريقة منهجية، وتتضمن المواد إرشادات واقتراحات لتحفيز الإبداع، كما تتضمن اقتباسات من أقوال لأشخاص مبدعين، أو خلاصات من دراسات الإبداع بهدف تشجيع المتدربين وإثارة طاقاتهم الإبداعية. أما خبرات البرنامج فإنها مصممة بطريقة متدرجة ومثيرة للاهتمام، ويمكن تأطيرها في أربع مراحل، هي:

المرحلة الأولى: يتركز دور المتدرب في هذه المرحلة على ملاحظة المدرب وهو يقوم بتطبيق استراتيجيات البرنامج وتقنياته.
المرحلة الثانية: يتطور دور المتدرب ليقوم بالعمل مع مجموعة صغيرة من الأفراد تحت إشراف مباشر من قبل المدرب.
المرحلة الثالثة: يقوم المتدرب بالعمل مع شخص آخر من المشاركين بإشراف غير مباشر من قبل المدرّب.
المرحلة الرابعة: يتولى المتدرب المسؤولية بنفسه عن تطبيق جميع الاستراتيجيات والتقنيات المناسبة في كل خطوة من خطوات العمل التي يتضمنها برنامج «حل المشكلات الإبداعي»، وذلك لإيجاد حل لإحدى المشكلات التي يختارها المتدرب.

منقول للفائدة العامة

عبدالقادربوميدونة
20/10/2008, 05:40 PM
سبحان بديع السماوات والأرض ..لا مبدع إلا الله..
أشكرأخي الكريم الدكتور محمد أسحاق الريفي على طرحه جملة من التساؤلات المهمة في هذه المرحلة التي تعرف تدفقا في الكتابة لا نظيرله عبرالتاريخ بحكم اكتشاف وسيلة الكتابة والنشرالحديثة ..وتشجيعا وتحفيزا لمواصلة الكتابة ودعوة أخوتي في " واتا " لتعريف الإبداع استسمحكم جميعا لأن أقدم انطباعا عابرا في هذا الشأن
إجابة عن جزء من تلك الأسئلة الكثيرة والتي يتطلب كل جزء منها مقالات ..إنما ما يشفع لوجوب طرحها اليوم هو طغيان الرداءة في الكتابة لغة وأسلوبا ومعطيات .. فلا رقيب ولا حسيب ..وهذه مشكلة تبقى قائمة ما لم يتم التصدي لها بوضع معايير تدون وتنشرحتى يستطيع كل كاتب في الانترنت أومشروع كاتب معرفة الإطارالذي وضعه الله فيه وذلك لتحسين مستواه والانتقال درجة نحومدارج الإبداع وترقيته..والطريق مفتوح للجميع والهدف واضح.. إنه محاولة الوصول إلى درجة الإبداع الحقيقي الخالد.
غيرصحيح أن الإبداع يأتي من عدم أولم يسبقه شكل يشبهه ..الإبداع باختصارفي رأيي السريع هوإضافة متميزة شكلا ومحتوى وفي أي مجال أدبي كان ..إضافة تدهش وتبهروتثيرالاستغراب وثم الاعتراف بالجودة والإمتاع والقبول لدى عدد غيرقليل ممن يملكون أدوات المعاينة والتقييم والحكم ...
وإذا أراد المرء أن يتكلم الآن في محاولة لقول شيء يبدوغريبا نوعا ما ولكنه يفرض نفسه فرضا فنقول :
إن الإبداع هوأن تضع لبنة جديدة إلى جانب أوفوق جدارأوصرح الحضارة الإنسانية الذي وضع لبناته الأولى أقوام سبقونا فمنهم من وضع لبنة ترابية ومنهم من وضع طوبة صنعت من خليط ترابي وتبن ومنهم من وضع لبنة اسمنتية ومنهم من أضاف صخرة ظاهرها صلابة وباطنها ذهب والعكس صحيح.. ومنهم من ساهم بوضع جدار كامل مكتمل البناء بحكم ابتكاره لأدوات صنع الجدرجاهزة التركيب والتشييد ..
والصناعات والابتكارات والاختراعات ومنجزات الحضارة قديمها وحديثها ما هي سوى نتاج تلك الإبداعات سواء كانت شفوية أو مكتوبة ..أي أن الإبداع هوذكاء فطري أولا.. وثانيا نتاج حاجة.. ثم اكتساب بوساطة التعلم وحسن الهضم ثم الانتاج والتراكم والتركيم ..ولا يمكن لأي شخص يريد أن يساهم في بناء ذلك الجدارالحضاري أن يقدم شيئا ذا قيمة إلا إذا شاهد وسأل واستوعب وهضم وتمثل ثم تبين مواطن وجود الفراغ الذي ينبعي ملؤه. قصة.. شعرا.. رواية.. مقالة.. فنا ..
إني وإن كنت الآخرزمانه * لآت بما لم تأت به الأوائل .
هؤلاء وضعوا 28 حرفا للغة العربية فأت ب 29 ..
الله يأتي بالشمس من مشرقها فأت بها من المغرب.. شكرا لكم جميعا .

د. محمد اسحق الريفي
20/10/2008, 07:32 PM
أخي الكريم الأستاذ عبد القادر بوميدونة،

اسمح لي في البداية أن أصنفك ضمن المبدعين، هذا طبعاً إن جاز لي، رغم أننا نختلف في بعض الأمور، ولكن ما نتفق عليه أكثر بكثير مما نختلف فيه. واسمح لي أن أشكرك على مشاركتك القيمة في هذا الموضوع وخاصة أنك تعرف الإبداع بطريقة منسجمة مع مواصفات العمل الإبداعي المقدم كجزء من متطلبات الحصول على رسائل الدكتوراه. فيشترط في المتقدم للحصول على درجة الدكتوراه، في الرياضيات مثلاً، أن يأتي بعمل نوعي؛ كنظرية جديدة، أو طريقة جديدة. هذا العمل النوعي هو بالفعل لبنة أو عدة لبنات في بناء متكامل، أقام أسسه المبدعون السابقون، ويسعى المبدعون اللاحقون إلى المساهمة فيه؛ بإتمامه وإكماله، أو علاج نواقصه، أو تزيينه، أو الإضافة عليه... وهكذا.

تحية مبدعة

عبدالقادربوميدونة
20/10/2008, 10:53 PM
إذن ..الأستاذمحمد اسحاق الريفي المبدع.. الكتابة والإبداع أضحيا أكثرمن واجب وإليكم ما أبدع الأستاذ المبدع الآخر مجذوب مبارك المجذوب .وليته يواصل في هذا المجال في هذه اللقطات التي وضعها في مكان ما هنا في " واتا " تبدولغير العارف أنها كتابة عابرة وفقط وهي في الحقيقة مساحة مغرية مفتوحة لمشروع رواية تتناول كل جوانب الحياة الاجتماعية التي نحياها اليوم بحلوها ومرها ..فهوكما ترى يملك أدوات الإبداع ووسائله مخيالا وتعبيرا وقدرة على التركيب والتفكيك الفني.. وقد كتب مجيبا عن سؤال لماذا تكتب ..مازجا بين السخرية والجد.. فمن باستطاعته فعل مثل ما فعل.؟ ولا أطيل عليكم ها هونصه الضائع :

" لماذا أكتب؟؟
لأنني أقرأ...فالقراءة مدخل والكتابة مخرج..
والقراءة ليست حصرا على حروف الورق أوحروف الشاشة، بل كل موقف يمربك في حياتك اليومية هوحروف يمكن قراءتها...من نشال ينال نصيبه من الصفع، الى شخص لا يهمه من كل ورق الصحيفة إلا أخبارالرياضة، إلى طفل يتمرد على أمه في أحد الأسواق، إلى خبرعاجل موشح باللون الأحمر، إلى عشرات الراقصين والراقصات في (فيديو كليب) ووجوههم تبدوكمومياوات محنطة، إلى كلب لم يجد مكانا لقضاء الحاجة أنسب من حائط طلي بلون جميل، وهكذا ..فإذا قرأت كل هذا ستجد أنك بحاجة للكتابة.. وإذا لم تكتب ستتحول أنت شخصيا إلى حروف يقرأها غيرك عندما يقبض عليك رجال عتاة يسمون ممرضي الصحة النفسية ويودعونك سيارة مصفحة باعتبارك شخصا خطرا
لذا على كل من يقرأ عليه أن يكتب..لتفادي هذا المصير البائس."

ببساطة إنه الفن والإبداع ..ولا شيء غير الإبداع ..من يعلق بما فيه لم يسبق ؟

ياسرسعد
06/01/2009, 11:30 PM
الاخ الكريم د محمد الريفي
احب وان أن اضيف اثراء لموضوع الابداع وماهيته .... الخ بصورة موثقة علميا
وذلك جزء من رسالة الدكتوراه الخاصة بي فى هذا المجال ارجو ان ينتفع بها الجميع ولا نسالكم سوى الدعاء لنا ولاهل غزة

الإبداع

M الإبداع شكل راقٍ للنشاط الإنسانى متنوع ومتعدد الجوانب والتوجهات، لذا تعددت تعريفاته شأنه فى ذلك شأن معظم المفاهيم النفسية الأخرى، وذلك حسب مناحى الباحثين وهو فى ذلك يشبه بلورة لها العديد من الأوجه اللامعة وكل وجه منها يصف جانبا من هذه البلورة، لذا صعب على الباحثين تحديد مرجعية متكاملة لتعريف الإبداع تعريفا جامعا شاملا للعمل بمقتضاه يتفق عليه الجميع، ونظرا لطبيعة وأهمية الإبداع فقد تناوله المختصين بالكثير من الاهتمام كل حسب منحاه الفكرى، وما اختلاف العلماء فيما بينهم حول فهم المقصود من الإبداع، وعدم اتفاقهم إلا مؤشرا لتعقد هذا الموضوع وما ينطوى عليه من غموض، ويعتبر هذا التنوع خير دليل على أهمـية الإبداع.
والإبداع بمعناه العام والإبداع التقنى كقدرة نوعية بصفة خاصة ظاهرة معقدة، وإنه من الصعوبة تعريفة تحـديدا دونما تقديم إطارا نظريا يوضح ويعمق معنى الإبداع التقـنى لذلك يتناول الباحث المرتكزات التالية فى محاولة لتوضيح معنى الإبداع التقنى وما هى أبعاده وأنواعه وأساليب دراسته وتنميته لغرض الدراسة الحالية تفصيل ذلك فى الآتى:
أولاً: مفـاهيم الإبــداع:
1.الإبداع ومدلــوله اللغوى.
2.الإبـداع اصــطــلاحـاً.
3.أبعــاد وجـــوانب الإبــداع.
4.أنواع الإبداع ومســـتوياته.
5.الإبداع التقــنى.

ثانيا: أساليب دراسة الإبداع:
1.الإبــداع كأســلوب للحــياة.
2.الإبداع كمجموعة من الســـمات الشخصــية.
3.الإبـداع كإنتــاج (إبـــداع محـدد).
4.الإبداع باعتباره تعبيرا عن مجموعة من الدوافع.
5.الإبـداع كقدرة.
6.الإبـــداع كعملية عقلـــية.
وفيما يلى توضيح وتفصيل ما تقدم:
أولاً: مفاهيم الإبداع:
الإبداع ومدلوله اللغوي: تستخدم كلمتا إبداع و ابتكار لنفس المعنى فى المجال التربوى وهما ترجمة الكلمة Creativity كما أن الباحثين لم يفرقوا فى استخداماتهم لهاتين الكلمتين، وقد أوضحت المراجع اللغوية ذلك، ومصطلح (Creativity) فى اللغة اللاتينية يعنى "تخليق الشيء، ويشتق من المقطع اللاتينى Creare بمعنى يصنع To Make "( ). وإذا كان الاهتمام بالإبداع العلمى والمبتكرين علميا، مهما بالنسبة للمجتمعات المتقدمة، فينبغى أن تتزايد أهميته فى الدول النامية وأن تبذل الجهود المكثفة والمتواصلة من أجل تطوير العملية التعليمية، وتحسين نوعية التعليم فى جميع مستوياته بحيث يكون الاهتمام بالإبداع العلمى والمبتكرين علميا أحد مجالات النهضة العلمية والتربوية المنشودة للحفاظ على مستوى رفيع من التعليم وتحسين نوعيته( ).
ويعرفGuilford الإبداع بأنه عملية معرفية أو نمط من التفكير التباعدى الذى يتصف بالطلاقة والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وينتج عنه ناتجا إبداعيا. ( )والإبداع فى رأى Fisher عبارة عن شيء ما يستخدمه الأشخاص المبدعون فى إنتاج أشياء بديعة وتتضمن تلك المنتجات الإبداعية أعمالاً وفنونا ونظريات عملية كما تتضمن أشياءً غير ملموسة مثل تصورات خيالية أو أفكار جديده أما إنتاج أنماط تقليدية مهما كانت منقحة فلا تعد من الإبداع فى شيء.( )ويعرفه البعض على أنه ذلك النوع من أنواع التفكير الذى يصل فيه العقل الإنسانى إلى درجة فائقة من اليقظة والنشاط الذهنى بما يسمى ثورة العقل أو عاصفة الذهن ونتيجة لذلك يتمكن الفرد من إيجاد أفضل التفسيرات للمهام والظواهر البيولوجية التى يتعرض لها من خلال مواقف وخبرات عقلية معينة والتوصل إلى أرقى الحلول( ).
ويعرف جروان الإبداع بأنه "نشاط عقلى مركب وهادف توجهه رغبة قوية فى البحث عن حلول أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة سابقا، ويتميز التفكير الإبداعى بالشمولية والتعقيد – فهو من المستوى الأعلى المعقد من التفكير لأنه ينطوى على عناصر معرفية وانفعالية وأخلاقية متداخلة تشكل حالة ذهنية فريدة" ( ).
1- الإبداع لغة: لعله من الحكمة فى البداية أن أحاول العثور على معنى هذا اللفظ فى تراثنا العربى خصوصاً أنه دار جدل كثير فى لغتنا العربية فحسب، بل لدى غيرنا من الدارسين له فى الخارج. وبداية جاء قاموس "محيط المحيط" ( ) الإبداع لغة مشتق من الفعل "أبدع الشئ" أى بدأه وأنشأه،واخترعه لا على مثال،من بدعه يبدعه بدعاً .. ومنه (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)( ) أى مبتدعها وموجدها، والبديع من أسماء الله الحسنى ومعناها المبدع أو أنه بديع فى نفسه لا مثل له والبديع وهو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام، وأبدع الشاعر أى جاء بالبديع، والبديع المبتدع. وهناك تداخل بين عدة مصطلحات (الإبداع- الابتكار – الخلق) إذ يستخدم البعض لفظ (ابتكار) كمرادف للفظ (إبداع)، بينما يستخدم البعض لفظ (إبداع) يقتصر على السبق وإتيان الأمر أولاً على خلاف لفظ إبداع الذى يقترب من مفهوم الخلق( ).
وهناك من يخلط بينهما، أى الإبداع والابتكار، ففى الدراسات النفسية نجد أحدهم تحت عنوان معنى الابتكار يقول : يعرف "شتاين" الإبداع والابتكار بأنه"علمية ينتج عنها عمل جديد يرضى جماعة ما، وتقبله على أنه مفيد" .( ) فواضح أنه يسوى بينهما،ويعرف معجم علم النفس، القاهرة والتربية ( ) الابتكار على أنه : "القدرة على اكتشاف علاقات جديدة أو حلول أصيلة تتسم بالجدة، والمرونة ويسمى الإبداع فهو يسوى بينهما أيضاً. ومنهم من يعد الابتكار شرطاً من شروط الإبداع حيث يقول عبد الحليم محمود يتمثل جوهر الإبداع فى نشاط الإنسان الذى يتصف بالابتكار والتجديد( ) وبالتالى فلإبداع هنا يحمل بين طياته ابتكاراً، أو كنوع من أنواع التخيل الإبداعى كما يراه يوسف مراد حيث يقول:"إن التفكير الابتكارى نوع من التخيل، بل إنه درس تحت اسم المخيلة المبدعة" ( ).
أما كلمة (الخلق) أو الصنع، والتى تستخدم مرادفة للإبداع فمن الأنسب استخدام لفظ (إبداع) وذلك لما قد يحدث من خلط بين المعنى الدينى لكلمة (خلق) أو المعنى اللغوى لها، وإن كان معنى كلمة إبداع يتلون أيضاً بلون الحقل الأيديولوجى "الذى تستعمل فيه، ففى الحقل الدينى تعنى كلمة "إبداع" سواء فى الإسلام أو فى النصرانية، أو فى اليهودية، أو فى الفلسفة المرتبطة بهذه الأديان –"الخلق من عدم أى اختراع شئ لاعلى مثال . والإبداع بهذا المعنى وفى الحقل الدينى على وجه التحديد خاص، فالإبداع لا يعنى الخلق من عدم بل إنشاء شئ جديد انطلاقاً من العام – نوع خاص من التعامل- مع شئ أو أشياء قديمة . وقد يكون هذا التعامل إعادة تأسيس أو تركيب للعناصر الموجودة، وقد يكون نفياً أو تجاوزاً ويتضح كل ذلك بصورة أعمق فى المعنى الاصطلاحى للإبداع فيما يلى:
2- الإبداع اصطلاحاً: من الملاحظ أن الباحثين فى مجال الإبداع وقدراته اتخذوا اتجاهات مختلفة والاختلاف هنا لا يعنى أنه يوجد رأى صحيح وأخر خطأ ولكن كل الآراء صحيحة والاختلاف هنا فى الاتجاه الذى يتبناه كل منهم ونظرا لتعقد تلك الظاهرة واختلاف نظرة الباحثين إليها فقد تعددت الزوايا والاتجاهات التى تبحث فى كيفية الوصول إلى تعاريف كافية لتلك الظاهرة. والمتأمل فى تعاريف الإبداع أصلاً يجدها تتميز بعدم التحديد، والتركيز على جانب دون الجوانب الأخرى، وبالإضافة إلى اختلاف بؤرة الاهتمام بين التركيز على عملية الإبداع أو اللحظة الإبداعية، أو المبدع نفسه، أو على حسب توجهات البحث فى المجال الذى ظهرت فيه، ولقد جمع البعض من العلماء والباحثين كثير من التعريفات التى تصدت لمفهوم الإبداع والإبداعية، فقد جمع رودس Rhodes ما يقرب من (32) تعريفاً، وقام سيد خير الله بجمع ما يقرب من(60) تعريفاً من مائة تعريف للإبداع حيث لم يتفق على محك معين للإبداع سوى أنه ينتج لنا شيئاً جديداً، وقد استطاع "أحمد عبد اللطيف عباده " جمع ما يقرب من الـ 150 تعريفاً للإبداع ( ). ومما لا شك فيه أن هذا العدد قد تضاعف اليوم حيث أن الإبداع مازال من الموضوعات التى تجذب اهتمام الكثير من الباحثين . ولكن على الطرف الآخر نجد أن : Getzels، 1985 بعد أكثر من عشرين عاماً من بحوثه الرائدة فى ميدان الإبداع يقول : "أنه على الرغم من وجود قدر من الاتفاق على ما هو الإبداع من صوره العليا كما تتمثل فى الأعمال العلمية والأدبية والفنية الممتازة،وحتى صوره الأقل تميزاً فى صورة نشــاط تباعدى . وعلى الرغم من عدم الاتفاق على تعريف محدد وجامع للإبداع الا أن ذلك يرجع فى المقام الأول الى أن طرق تحديده متنوعة، ونظرياته متعددة، وطرق البحث فيه ونتائجه متفاوتة فى الجهود والدقة،ومع ذلك فقد اتفق على أن التفكير الإبداعى هو أرقى الوظائف العقلية عند الإنسان، وأن الإنتاج الإبداعى هو قمة الإنجاز الإنسانى.( )
وإذا كانت تعريفات الإبداع تختلف فيما بينها، فإنه لا يكون فى ذلك بدع بين العمليات النفسية، فقد عانى "الذكاء" طويلاًً من نقص الاتفاق على تعريفه، إلى أن تم فيه من السعة والمرونة بحيث يجعل من تعريفات الإبداع إبداعاً . ويؤكد ذلك أن كل تعريف شائع فى الميدان يركز على أحد جوانب الإبداع المتعددة دون سواه. وإن اختلاف العلماء فيما بينهم حول فهم المقصود من الإبداع، وعدم اتفاقهم حتى على تعريف واحد ما هو إلا إشارة على تعقد هذا الموضوع وما ينطوى عليه من غموض،وقد يظن البعض أن مثل هذا التنوع يعكس اختلافات حقيقية وتناقضات بين المحدثين فى هذا المجال، غير أن واقع الأمر ليس بهذه الصورة، إذ يعتبر هذا التنوع خير ما يدل ويعبر عن تعقيد الظاهرة الإنسانية التى ندرسها الآن . والنشاط الإبداعى شأنه فى ذلك شأن أى نشاط إنسانى آخر متعدد الأبعاد والجوانب.ومن المحاور التى تم تصنيف تعريفات الإبداع على ضوئها ما يلى:
تعريفات تركز على العملية الإبداعية، أو الكيفية التى بها يبدع المبدع.
تعريفات تنظر إلى الإبداع على أنه أسلوب للحياة وطرق لحل المشكلات.
تعريفات تنظر إلى الإبداع كمجموعة من السمات الشخصية المبدعة، وكتعبير عن مجموعة من الدوافع والخبرة الذاتية للمبدع، والتى تيسر له الوصول إلى الإنتاج الجديد والمفيد.
تعريفات تنظر إلى الإبداع كإنتاج محدد له جدته وندرته ومقوماته وفائدته.
تعريفات تركز على الإمكانية الإبداعية، كما تنكشف من خلال الأداء على الاختبارات النفسية التى تنهض بقياس القدرات والمقومات الإبداعية المشكلة لهذه الإمكانية.
وغيرها من المحاور الأخرى...
والواقع أن الإبداع ليس من الشذوذ بالدرجة التى تدعو إلى البعد عنه وعدم التصدى له لصعوبته، وغموضه، أو لاستحالة دراسته، كما أنه ليس من السهولة أو البساطة التى تجعل لكل فرد الحق فى الإدلاء برأيه وصفاً أو تفسيراً لجوانبه . لأن الاختلاف فى تعريف الإبداع قد يكون راجعاً فى جوهره إلى اختلاف الأطر النظرية التى تنتسب إليها هذه التعريفات، ومن المعلوم أن المفاهيم المختلفة حول الإبداع –شأنها شأن غيرها من المفاهيم النفسية- تشتق من مصادر سيكولوجية متنوعة ابتداء من نظرية التعلم الكلاسيكى، ثم النماذج المختلفة للتحليل العاملى، وكذلك الصيغ المختلفة للتحليل النفسى، وبالطبع فإنه لا يوجد من هذه الاتجاهات النظرية المختلفة ما يستغرق جميع جوانب الظاهرة النفسية البحث ومنها الإبداع( ).
ولعل هذا ما يفسر لنا أن جميع التعريفات المختلفة للإبداع ليست محصنة ضد النقد ما دام كل منها يستبعد بعض المكونات أو الجوانب التى تعتبرها التعريفات الأخرى هامة.
وربما كان من المفيد بدلاً من محاولة استقصاء وتتبع كافة التعريفات التى تعرض لها الدارسون أو الشائع استخدامها بين الباحثين والمهتمين بالإبداع ونشتت أنفسنا وراء مئات التفسيرات والتعريفات- وهى معلومة بالضرورة لديهم ولدى كل المتخصصين فى هذا المجال – أن تفترض أن ظاهرة مركبة كالإبداع ينبغى أن نوطن أنفسنا على عدم إمكانية التوصل إلى تعريف جامع مانع لها، وإنما نتقبل أن الإبداع عملية متعددة الأبعاد والجوانب، وكل ما ينبغى ذكره هنا- بعد دراسة كافة التعريفات المختلفة للإبداع- هو توصيف للإبداع وتوضيح لجوانبه وأبعاده وما يخص هذه الدراسة من ذلك، وأعتقد أن هذا ما يهم المتخصص فى الإبداع وغير المتخصص أيضاً، إلى أن نصل إلى التعريف الإجرائى للإبداع التقنى كأحد أنواع الإبداع النوعى والخاص بهذه الدراسة حيث يتحدد الإبداع فى كل دراسة بدقة ووضوح تعريفه فيها، ومدى توظيفه لخدمة جوانبها.
3- أبعاد وجوانب الإبداع التقنى: الإبداع نوع من السلوك يصدر عن شخص بعينه (أو عن جماعة بعينها- كالجماعات المهنية) إذ يواجه مشكلة ما أو موقفاً مثيراً، فيحاول أن يجد لهذه حلاً ولهذا الموقف استجابة ويأتى هذا الحل وهذه الاستجابة على كفاءة عالية فى أداء المقصود من كل منهما . ويكون فى الوقت نفسه حلاً غير مسبوق واستجابة متفرد ة وأن هذا السلوك يكشف عن نفسه بدرجات متفاوتة ومتباينة فى مجالات النشاط المختلفة بدءً من مواجهتها مواقف الحياة اليومية أيا كان حجمها ووزنها ومستوى تركيبها، وانتهاء بجودنا فى ميادين العمل العلمى والفنى والاجتماعى جميعاً، ومعنى ذلك أن الإبداع مستويات لأن كفاءة الحلول التى نتوصل إليها، ومقدار الجدة فيها مستويات ومعناه أيضاً أن الإبداع يمكن أن يقع فى أى ميدان من ميادين الحياة الإنسانية( ).
وبالتالى فإن مفهوم الإبداع ليس مجرد "هيكل نظرى" وإنما هو قاعدة أو مبدأ عام تتدرج تحته كثير من المظاهر والجوانب الأساسية، ولا يمكن دراسة هذا الموضوع إلا إذا أحطنا بها إحاطة شاملة لأنها تتداخل وتتكامل معاً لكى تؤلف الظاهرة الإبداعية.
ونحاول أن نرد هذه الأبعاد أو الجوانب المختلفة إلى عدد محدد، يمكننا من خلاله إعادة تنظيم المعلومات المتوفرة فى أدبيات التراث العلمى والسيكولوجى الذى يقدمه علماء النفس والاجتماع، وقد حدد "دونالد ماكينون" أنه هناك أربعة جوانب نفسية رئيسية للإبداع، تلخص أهم المنطلقات لدراسة الإبداع وهى( ):
أ-الشخص المبدع : Creative person
ب-البيئة التى يتم فيها الإبداع (الموقف الإبداعى) : Creative Situation
جـ- العملية الإبداعية Creative process
د- العمل الإبداعى أو المحصلة الإبداعية (المنتج الإبداعى –المبدع)Creative product
وكل مظهر أو جانب من هذه المظاهر أو الجوانب الأربعة يمكن أن يقدم بعض الإجابات عن عدد من المشكلات المتعلقة بالموضوع ككل مثل الملامح الأساسية والخصائص والسمات المميزة للشخص المبدع وخصائص ومقومات الموقف الإبداعى والظروف الاجتماعية والثقافية التى تساعد على ظهور التفكير الإبداعى والعقل المبدع الخلاق، وذلك بالإضافة إلى الإبداع الحقيقى الأصيل والخصائص والمقومات التى يمكن عن طريقها تحديد الإنتاج الإبداعى وطبيعة الأعمال الإبداعية( ).ومن ثم فالإبداع وحدة متكاملة بأطرافها الأربعة، كما أن مدخل الدراسة فيه مدخل تكاملى يحيط بالظاهرة من كل نواحيها. ويمكن أن أقدم هنا نموذجاً يوضح أبعاد وجوانب الإبداع الأربعة.
ولتوضيح هذا النموذج سأعرض خلاصة ترسيب وتأثير القراءات المختلفة فى مجال الإبداع بصفة عامة فى الفن،والأدب، وعلم النفس... حول هذه الأبعاد وهذه الجوانب فيما يلى:
1- الشخص المبدع : الإنسان كائن مبدع، وهو فى إبداعه لا يحاكى الخلق الكونى فينشئ من العدم بل أهم ما يتميز به الإنسان هو استثماره لما فى الطبيعة من مواد وما فى عقله من أفكار، وما له من رغبات، وما يحمل بين طيات نفسه من حس جمـالى قادر على تذوق تلك التكوينات الفريدة المحيطة به.والإبداع هنا حصيلة توافق عدد من العناصر الداخلية أو حتى الفطرية، مع عوامل أخرى خارجية أو بيئية، وتتمثل العناصر الداخلية فى النشاط الذهنى والوجدانى الذى يحدث داخل عقل المبدع لما يتلقاه من الكون من إيقاعات معينة فى حسه، تتوقف على طبيعة هذا الحس، بين العمق والضحالة، والكبر والضآلة، وتتوقف على المساحة التى يكشف عنها حسه من صفحة الكون الكبير، ثم يمضى يحاول التعبير عن هذه الإيقاعات بالطريقة الإبداعية الميسرة له، من لفظ أو لحن، أو خطوط، أو ألوان... ( ). ولعل من أبرز التطورات التى أدت إليها الدراسة العلمية للإبداع هى إمكانية النظر للمبدع بصفته فرداً لا يختلف فى طبيعته ونوعيته عن الآخرين، كما كانت التصورات الفلسفية القديمة تعتقد خطأ فى ذلك، بل إنه شخص يختلف فى مقدار الخصائص والقدرات الدالة على الإبداع والتجديد، وبعبارة أخرى فإن كل فرد بإمكانه أن يكون مبدعاً لو عرف الطريق لهذه القدرات ووعاها، ونماها . وأن كلا منا قد مرت عليه لحظات كان فيها مبدعاً...
هذا هو الفرق، وليس فى أن هناك مبدعين وآخرين غير قادرين على الإبداع . ولقد كشفت بعض الدراسات التى أجريت فى مجال الإبداع عن أن كل شخص يمتلك قدراً معيناً من تلك "القدرات الخاصة" التى نسميها"الإبداع" وأن كل الناس ولدوا مبدعين حيث أن هناك درجات مختلفة للإبداع وأن لكل فرد حظاً ونصيباً من التفكير الإبداعى، والفرق بين شخص وآخر هو فرق فى الدرجة فقط وليس فى النوع.( )
وهذا ما أبرزه "عبد الحليم محمود السيد " بقوله :"إننا نتوقع وجود قدرات إبداعية لدى كل الأفراد مهما تكن ضئيلة وتفرض أن الأفراد المبدعين يتميزون فقط بأن لديهم قدراً من القدرات الإبداعية أكبر مما لدى معظم الناس( ).
وٌيعزى ذلك إلى وجود مقومات وعوامل تظهر بدرجات متفاوتة لدى الأفراد المختلفين وتؤثر فى كل الجوانب الأخرى من نشاطهم، وهذا يعنى ضرورة النظر للإبداع وفق الفروق الفردية.
فالمبدع لا يختلف نوعياً عن غيره من البشر ولكنه فرد يختلف عن غيره فى مقدار انتظام وظائفه العقلية بصورة تجعله قادراً أكثر من غيره على الإبداع بصورة واضحة، وفى مقدار التأثير الذى يتركه هذا النظام على شخصية المبدع وبنائه العقلى والوجدانى، ولا توجد صورة أو صيغة واحدة يمكن أن تناسب كافة المبدعين . فالصورة الكلية للمبدع تتطلب صوراً وليست صورة واحدة فقط. وجدير بالذكر أنه يمكن تعهد هذه القدرة الإبداعية وتنميتها بالتدريب والمران وخصوصاً أن السلوك المتصل بالمردود الإبداعى Creative Output حسب التعبير الذى يستخدمه "ايفانزوسميث" –يتضمن كثيراً من عناصر حب الاستطلاع والرغبة فى الكشف وإثارة التساؤلات وتقديم إجابات غير نمطية وغير مألوفة عن هذه التساؤلات، وظهور كثير من بوادر وعلامات الاستقلال والتمايز فى التفكير ..وغيرها( )وأن كل هذه العناصر والعوامل التى تبدو بسيطة وعادية فى ذاتها تطورت بشكل غير مألوف فى ذلك الشخص الذى نصفه بأنه "مبدع" وتمثلت فى تلك الخاصية التى نطلق عليها"الإبداع".
وأن الإبداع لا يقتصر فى الأغلب على سن دون أخرى، وإنما يمكن أن نجد إبداعاً فكرياً أو فنياً راقياً لدى الأفراد فى مختلف فئات العمر، فتقدم السن بالإنسان ليس حاجزاً أو عائقاً يقف دون الإبداع، وكثير من الإنجازات الكبرى فى العلوم والفنون والآداب على السواء، قام بها أشخاص مبدعون فى مراحل متأخرة من العمر، والأمثلة كثيرة، وفى كل ميادين الإبداع( ) وأن حلم الإنسان بالإبداع يرافقه طوال رحلة العمر وإن اختلفت القدرة على تحقيق هذا الحلم بين مرحلة وأخرى بفعل قبضة عوامل تنطلق به من جهة والمجتمع الذى يعيش فيه من جهة أخرى لذا فالإبداع لا يقدم إبداعاً بنفس الكم أو على نفس المستوى من الكيف طوال حياته أو فى إطار جميع الظروف، وإنه قد يتوقف لبضعة أيام أو لبضعة أشهر أو حتى لبضع سنوات عن الإبداع . بالإضافة إلى أنه قد يكون مبدعاً بعد الخروج من المدرسة (فى مجال الحياة العامة) بالرغم من عدم وجود بوادر ذلك فى المدرسة وكذلك وجود بوادر مشجعة وإرهاصات إبداعية فى المدرسة واحتفائها فى الحياة العامة وكذلك بعض الحالات التى فيها يستمر إبداعه الذى تنامى فى المدرسة وجنيت ثماره فى الحياة العامة.
وختاماً فالإنسان لا يبدع للاشئ، والإبداع ليس إفرازاً طبيعياً لا إرادياً وليس شيئاً أشبه بالنتح فى النبات . إن الإنسان لا يمكن إن يبدع ما لم تتوافر له رؤية حياتية مستقبلية يسعى إلى تحقيقها، ويتأكد لديه شعور بالانتماء الاجتماعي، وتكتمل لديه السمات والخصائص والمعوقات التى تقوده إلى الإنجاز والوصول إلى مكانة إبداعية عالية. ويتحكم فى إبداعه أيضاً مجموعة من العوامل والمؤتمرات البيئية والاجتماعية والثقافية، ... والتى يتم فيها الإبداع والموقف والحالة الإبداعية، والتى نتعرف عليها فيما يلى:
ب- البيئة التى يتم فيها الإبداع (الموقف الإبداعى):يقتضى الحديث عن الموقف الإبداعى والحالة الإبداعية الإشارة إلى أن المبدع ليس سمة محددة ثابتة من سمات الشخصية، بل هو شئ عارض يتغير مع الزمن، فيشتد أحياناً ويفتر أحياناً أخرى، وهو فى حقيقته اقرب إلى الحوار المتبادل بين الأوضاع الثقافية السائدة فى المجتمع- والتى تشير نوازعه واستعداده الإبداعى – والتكوين النفسى والوجدانى للشخص المبدع وقد يكون هناك فارق بين توجه الفرد والمجتمع نحو الإبداع، فالإبداع بالنسبة للفرد تحقيق لوجوده كإنسان، ولكنه بالنسبة للمجتمع دعوة إلى التغيير وإتباع جديد لم يألفه الناس.
وإنه من الخطأ أن نقصر وجود الإبداع والظاهرة الإبداعية على المجتمعات المتقدمة ذات الحضارة الراقية أو على المجتمعات الصناعية، دون غيرها من المجتمعات والثقافات فالإبداع ظاهرة كلية يمكن أن نجدها فى كل المجتمعات وفى مختلف مراحل التطور الإجتماعى والثقافى والسياسى، وأن النظرة الأكثر شمولاً وعمقاً لظاهرة الإبداع تجعلنا نقر بأن تطور المجتمع البشرى عبر مراحله المختلفة، منذ المراحل البدائية الأولى وحتى المجتمعات الحديثة والمعاصرة، يشهد بأن كل تقدم مرت به البشرية كان مقروءاً بإبداعات إنسانية سواء كانت فردية أو جماعية، ومع إقرارنا بهذه الحقيقة البدهية إلا أن الموضوع أكثر تعقيداً، نظراً لأن ظاهرة الإبداع فى حد ذاتها ظاهرة معقدة ومركبة يتداخل فيها العام والخاص، والاجتماعى، والنفسى، والتاريخى ( ). فضلاً عن أن الإبداع مفهوم نسبى يختلف باختلاف الزمان والمكان فما قد يكون إبداعياً فى مجتمع ما قد لا يكون كذلك فى مجتمع آخر، وما قد يعتبر إبداعياً فى مرحلة تاريخية لمجتمع معين، لا يعتبر كذلك فى مرحلة تاريخية متقدمة، بل قد يصبح عائقاً فى سبيل تطور وتقدم هذا المجتمع.
وفى النهاية يجب أن ينظر إلى الإبداع على أنه عملية تنمية تتحكم فيها الظروف والبيئة المحيطة وهو كأى سلوك آخر تحدده عوامل عدة بعضها مزاجى وبعضها الآخر وجدانى، كما تحدده أيضاً عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية وبيئية فى ظلها تبرز العوامل الأولى وأنه لا يمكن تعليم الإبداع وإنما يمكن استخراجه بالتقدير عندما يحدث، وإعطاء الطالب الفرصة ليختبر ويجرب، ويرتكب أخطاء، يستكشف ويكتشف بدون إحساس بالذنب، و"التفكير الإبداعى لابد له من دوافع تحركه وتشجعه، وتدفع صاحبه لبذل الجهد والطاقة والاستمرار فى ذلك لفترات قد تطول أوتقصر.
وليس ثمة إتقان على الظروف والأوضاع التى تسهل أو تساعد على الإبداع، وتلك التى قد تحد أو تعيق قيامه وعلى الرغم من وفرة النتائج التى تم التوصل إليها إلا أنها ليست يقينية أو مجمعاً عليها فى تحديد الظروف المسهمة أو المعيقة للإبداع ومن ثم يصعب حصرها هنا.
ولكن بصفة عامة ترتفع القدرات الإبداعية للأبناء فى الأسر التى تسود فيها علاقات المودة والديمقراطية والاحترام بين الوالدين، عنها فى الأسر التى يسودها جو من القهر والتسلط من أحد الوالدين تجاه الأبناء أو تجاه بعضها البعض، أو عنها فى الأسر التى يسودها جو مبالغ فيه من الحرية أو التدليل أو الفوضى، كذلك الأمر بالنسبة للمجتمعات التى تتميز بمستوى ثقافى مرتفع عنها فى المجتمعات الأخرى، وينسحب هذا على جميع العوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...( ).
وسوف نتعرف على علاقة بعض هذه المتغيرات بالإبداع التقنى فى تكنولوجيا التبريد والتكييف من خلال التحقق من فروض الدراسة الحالية، إن هذه المتغيرات وهذه المؤثرات تعد كسياج يحوى العملية الإبداعية ويحيط بها، وكقوة دافعة وحافزة للموقف الإبداعى، وفيما يلى نتعرف على ماهية وطبيعة العملية الإبداعية، والحالة الإبداعية.
جـ- العملية الإبداعية:إن التفكير الإبداعى يثمر ثمرات منوعة شتى، قد تكون اختراعا جديدا ليس له مثيل قبل ذلك أو قصيدة شعرية أو رواية أدبية أو لوحة فنية...، وتتسم هذه المنتجات بسمة تجعلنا نصفها بقولنا هذا"عمل أصيل" أو "إنتاج مبدع"، وهنا نسأل هل المفكر المبدع نوع خاص من الناس أم أنه إنسان كغيره، وماذا يعمل حين يفكر تفكيراً مبدعاً خلاقاً، كيف تولد الفكرة فى مخيلته، وكيف تلمع الومضة العبقرية فى ظلمات الداخل المغلق، ومن أين تتجمع الخيوط التى تتشابك لكى تؤلف ذلك النسيج بعصارات التشكيل والتنامى والتكامل، وهل هى عملية إرادية أم تلقائية وما هو الخاطر أو الهاتف أو الإلهام إذا جاز هذا التعبير، وكيف تنطلق شرارته فى مخيلة المبدع لتكون النواة الأولى لعمل إبداعى كبير.
وهل يأتى هذا النتاج الإبداعى ... فى لحظة ... لحظة الإلهام أو التجلى، أم أن ذلك يستغرق زمناً هو غير اللحظة ... زمناً قد يطول ساعات ...وقد يمتد سنين، وإذا كان الأمر يستغرق زمناً هو غير اللحظة، فهل تأخذ العملية الإبداعية نسقاً أو وتيرة واحدة، أم أنها تمر بمراحل أو "محطات" عبر زمنها الممتد من بداية نشأتها إلى كمالها، إن إجابات عن تساؤلات من هذا القبيل يمكن أن نجدها فى مصادر أساسية كثيرة ومنها الكتب الفلسفية، سير حياة المبدعين وما يقوله علماء النفس على اختلاف أطرهم النظرية ومناهج بحثهم المختلفة... وغيرها.
وما يبدو مقبولاً عندهم هو أن العملية الإبداعية ليست إنتاج أو إنجاز عمل إبداعى معين بالذات مثل قصيدة من شعر أو رسم لوحة زيتية أو تأليف قطعة موسيقية،وإنما المقصود بالأخرى العملية الذهنية التى يمكن عن طريقها تصور العمل الإبداعى كوحدة كلية قبل الشروع فى إنجازه أو تحقيقه بالفعل، فهى التى تساعد الكاتب الروائى على أن يحدس الرواية أو القصة كلها كوحدة قبل أن يضع كلمة واحدة على الورق، وهى التى تساعد الرسام على أن ينظر إلى "المنظر الطبيعى" أمامه فيرى ما الذى سوف يرسمه، كما أنها التى تساعد الموسيقى على تصور السيمفونية كوحدة متكاملة مؤلفة من مجموعة أنغام تدور فى ذهنه قبل أن يترجمها إلى علامات موسيقية يسجلها على النوتة.
أما تنفيذ وتحقيق العمل الإبداعى ذاته فإنه لا يخرج عن أن يكون مجرد تشكيل المواد والعناصر الخام التى يستخدمها ذلك الشخص المبدع والتى تختلف باختلاف مجال إبداعه الخاص (الكلمات، والألوان، والأصباغ، والأنغام الموسيقية، وما إليها) بحيث يقترب فى آخر الأمر من تلك الرؤية "Vision" الذهنية التى سبقت العمل ذاته. فكأن الشخص المبدع تتكون لديه فكرة عامة أو تصور كلى للموضوع الذى يريد إبداعه قبل أن يشرع فعلاً فى اتخاذ أى خطوة عملية نحو تنفيذه . ويبقى عليه بع هذا أن يبذل كثيراً جداً من الجهد والعمل الشاق لتحقيق ذلك التصور، مسترشداً طوال الوقت بتلك الرؤية العامة الشاملة التى توقدت فى ذهنه بسرعة خاطفة( ).
والذى يتابع أية عملية إبداعية أثناء تخلفها أو قبل أن تكتمل لا يمكن أن يتصور طريق العذاب الذى سلكه العمل الإبداعى أثناء رحلة التكوين . والتجربة الإبداعية فى مجموعها عملية تراكمية بحتة، حيث أنها تتألف من جزئيات متفرقة جمعها قدرها فى رقعة واحدة لتحقيق هدف معين، وسواء كانت هذه الجزئيات مادية أى من مختلف الوسائط والخامات أو معنوية كالأفكار والأحاسيس والخواطر، فإنها فى النهاية تمثل الأبجديات التى تشكل البنية الإبداعية فى مجملها، وبالتالى يكون تجميع هذه الأبجديات وترتيبها فى نسق إبداعى متكامل هو المشكلة الكبرى التى تواجه المبدع أثناء محاولته التوفيقية بين العناصر المتفاوتة الطبائع والأمزجة.
إنها عملية قيادية تتطلب من المبدع حنكة عالية وخبرة تقنية، كما أنها تتطلب حساسية بالغة الرهافة..وهى معركة ضاربة لا يعرف المبدع إذا كان سيخرج منها غالباً أو مغلوباً.
إن العملية الإبداعية تشبه إلى حد كبير العملية التى يمر بها نشوء الجنين، من تكوين بدائى بسيط إلى تكوين متكامل . وهكذا الأعمال الإبداعية العظيمة .. وقد تكون فكرة على غاية من البساطة، يلتقطها المبدع فيحتضنها من "رحم" أفكاره وخبراته وثقافته وإضافاته اليومية ومعاناته ليخرجها بعد ذلك فى أحسن وأروع تكوين.
ومما لاشك فيه أنه لا يوجد عمل إبداعى من أى نوع إلا إذا أثاره مثير خارجى مثل سطح البحيرة الذى يظل ساكناً ما لم يلق فيه حجر أو تثيره الرياح .. وقد يأتى المثير من داخل الشخص المبدع، فكرة أو قضية تقلقه وتبحث عن قالب أو شكل تتقمصه لتلقى بوجدان المتلقى، وتحتك به فى حوار حميم يختلف باختلاف درجة التعبير ودرجة حرارته وليس بالضرورة أن تكون الفكرة أدبية أو وصفية إذ قد تكون تشكيلية بحتى إلى عالم التجريد واللاموضوع.
وتتم أثناء عملية التخلق عشرات المحاولات والتجارب بواسطة الإضافة والحذف بحثاً عن القميص الملائم للفكرة شكلاً وحجماً ... وقد يكون المثير الخارجى مشهداً صادف المبدع فى الحياة العامة، أو موضوعاً يكلف به، وقد تدخل العشوائية العفوية كطرف فى عملية الإبداع مثلما يحدث لبعض الروائيين أثناء كتابتهم فوق قطعة الورق بكلمات بلا هدف فتبرز من خلالها تركيبات وجمل تحمل بين طياتها أفكاراً إبداعية تصنعها الصدفة ويمكن أن تكون الخلية الأولى لعمل ملحمى كبير.
ولاشك أن عين الفنان المثقفة هى وحدها التى تستطيع التقاط هذه الخلايا الجزافية التى قد تصادفه فى الطبيعة بين أتفه الأشياء مثل حصاة نائتة أو ورقة ذابلة أو سحابة عابرة أو عظمة متآكلة، أو حائط مهدم، ليبدع من خلالها أروع اللوحات الخلاقة.
ومع ذلك فإن بعض علماء النفس الذين اهتموا بدراسة العملية الإبداعية وتحليلها يميلون إلى التمييز فيها بين عدد من المراحل أو المراتب يختلفون حول عددها وأهميتها، وإن كان البعض الآخر يرفضون هذه التسميات ويفضلون الكلام عن أوجه أو مظاهر هذه العملية الإبداعية.وهكذا نجد"جراهام ولاس" مثلاً يثبت أن العملية الإبداعية تمر بمراحل وأن النتاج الإبداعى هو ليس وليد لحظة التجلى، وهذه المراحل هى:
- مرحلة التهيؤ والإبداع Perparstion
- مرحلة الاختمار Incubation
- مرحلة الإلهام Illumination
- مرحلة التحقق Verification & Revision( )
د- العمل الإبداعى (المنتج الإبداعى-المبدع):
ليس للحياة معنى إلا فى الإبداع، فقد جعل الله سبحانه وتعالى الكائن الحى قادراً على الإبداع، فالشجرة كائن حى لأنها تبدع من التراب غصوناً وأوراقاً وزهوراً وثماراً والإنسان حى بقدر ما هو مبدع خلاق، والأمة تسرى فيها الحياة بمقدار ما هى قادرة على الإبداع.
الإبداع مظهر من مظاهر السلوك يقوم به الإنسان من أجل وضع ما يدور فى ذهنه من أفكار فى شكل يتوافر له الجمال، ولا يسعى إلى توصيل معرفة، بل يسعى إلى توصيل تلك المعرفة مقرونة بما يثير متعة المتلقى بل تكون تلك المتعة فى بعض الأحيان هى غايته الأولى وقد تصير غايته الوحيدة .والإبداع – على الرغم أنه عمل واحد – تتعدد مصادره وتتنوع، حسب المادة التى يعمل المبدع فيها والأدوات التى يعمل بها، فإذا كنا قد اتفقنا على تسمية ذلك العمل بالفن مثلاًَ فإننا نجد المتلقين سموا أعمالاً منه بالفنون التعبيرية وأخرى بالفنون التشكيلية تبعاً للحاسة البشرية التى تتلقى هذه الأعمال، ولم يقتصروا على ذلك بل فرقوا فى هذه الفنون بين رسم ونحت وعمارة وبين موسيقا وغناء، وأدب، وتمثيل ثم تمادوا ففرقوا بين أنواع ميزوا بينها تحت كل واحدة من هذه الفنون، فصار الأدب شعراً، ونثراً، والتمثيل مأساة، وملهاة، واستمرت عملية التمييز فصار الشعر غنائياً وتمثيلياً، وقصصاً .......... إلخ، وما زالت عملية التمييز جارية، مع ما يتبعها من إعادة الضم والتفريق والحق أن الإبداع ليس عملاً أو نشاطاً بشرياً واحداً بل هو عدة أنشطة يختلف بعضها عن بعض ومن يستطيع أن يتمم التناسق بين هذه الأنشطة المختلفة فى إقتدار غير الفنان المبدع .
و الإبداع عملية لا تنتهى عند مجرد إنتاج عمل جديد له كيانه المتميز، ربما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى المبدع نفسه، ولكن المبدع يدفع بعمله هذا إلى الآخرين وكان تحقق العمل الإبداعى لن يتم إلا من خلال هؤلاء. والواقع أن العمل الإبداعى لا وجود له بغير مستقبلية، فهؤلاء هم الذين سيقرون أنه إبداع أو ليس إبداعاً، وهم الذين سيحكمون له أو عليه، وذلك من خلال مجموعة الشروط والخصائص التى يجب أن تتوافر فى الإبداع الحقيقى والتى تعد من أهم المعايير للمنتج الإبداعى ومنها:
أولاً: أنه يتضمن استجابة أو فكرة يمكن وصفها بأنها جديدة وغير مسبوقة ضمن مدى مرجعى ما أو على الأقل قليلة التردد من وجهة النظر الإحصائية، وأنه إيجاد شئ جديد سواء كان هذا الشئ اختراعاً أو فكرة بحيث يكون أصيلاً، والذى بدونه لا يوجد إبداع، وضرورة توافر معايير أو محكات فى هذا الناتج الإبداعى ومنها أنه يتميز بالجدة والسبق والطلاقة، والمرونة، والأصالة، وله صفة جمالية ويحقق نوعاً من النشوة والرضا ... وغيرها من مقومات سوف تكون مادة خصبة ومحاور للمقياس الحالى.
ثانياً: مع أن الجدة جانب ضرورى من الإبداعى فإنها لا تكفى وحدها ... إذا كانت الجدة حليفة أن تشكل جزءً من العملية الإبداعية فلابد لها من أن تكون إلى حد ما قابلة للتكييف أو التوافق مع الواقع، أى لابد أن تسهم فى حل مشكلة ما أو الانسجام مع وضع قائم، أو تحقيق هدف يمكن تمييزه والتأكد منه، وإن هذه الفائدة وتلك الأهمية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا قبلتها الجماعة، فالإبداع نتيجة تفاعل بين الفرد وبيئته وجماعته، حيث أن الشخصية المبدعة على وعى تام وعميق بالعالم الذى تعيش فيه، وإلا اختلط الإبداع بالخرافة والجنون، وأن روح ثقافتنا الأصلية قد أضافت خاصية أخرى للعمل الإبداعى لكى يكون ملائماً تتمثل فى دعم القيم الإنسانية وإلا صار إبداعاً شيطانياً أو قوة هائلة بلا قلب ولا عقل، وهو ما تعانى منه كثير من المجتمعات الحديثة التى تنتج أفكاراً جديدة ومنتجات عظيمة القوة، ولكنها تسخر ضد كل قيمة سامية من قيم الإنسانية.
ثالثاً: إن الإبداع الحقيقى يتضمن الفكرة الأصلية الجديدة ومتابعتها وتقوميها وتوسيعها وبالتالى تطويرها تطويراً كاملاً. أولاً بأول( )، وغيرها من الخصائص والمقومات وهنا يمكن أن نتساءل هل الإبداع قدرة عامة لا تختلف من مجال لآخر أو إنه قدرة نوعية خاصة وله أنواعه ومجالاته المتعددة، ولكل نوع منها خصوصيته التى تميزه عن غيره ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل: "أن الإبداع قدرة نوعية خاصة تختلف من مجال لآخر وليس قدرة عامة وسوف يتضح ذلك فيما يلى:
4- أنواع الإبداع ومستوياته :
لقد عالجنا فى المرتكزات السابقة الخصائص العامة والعوامل المشتركة لمختلف أشكال الإبداع ولكن الإبداع كما أوضحنا يظهر دوماً ظهوراً خاصاً لقد قال أحدهم: "توجد أنواع من الإبداع بقدر ما تشتمل عليه الطبيعة الإنسانية من خصائص (جسمية- نفسية –عقلية –انفعالية...الخ) (108) فالإبداع العلمى يختلف عن الإبداع الفنى ويختلف الإبداع فى المجال الواحد حيث تتمايز الأنواع والأشكال المختلفة للإبداع وفقاً لنوع العلم أو نوع الفن وفى الوقت ذاته يمكن للفرد أن يكون مبدعاً فى مجال ما، لكنه فى مجالات أخرى يظهر التزاماً ومجاراة ودافعية بسيطة وقلة اهتمام، لقد كان فارادى مفكراً مقداماً وأصيلاً لكن سلوكه كان تقليدياً وكذلك كان ليولورد كلفن يجمع بين الاهتمام العلمى والاختراع التقنى.
عادة ما يتم الحديث عن الإبداع من دون أى خصوصية، الإبداع بشكل عام وبالتأكيد فإن الإبداع ينطوى على عوامل مشتركة بين أشكاله المختلفة، ولكن توجد أيضاً عوامل اختلاف وتمايز، وهكذا فأنه لا يوجد إبداع عام، لأن هذا الإبداع يظهر دائماً بطابع خاص كالإبداع الفنى والأكاديمى، والعلمى التقنى، والأدبى ... وغيرها.
إن معرفة الخصائص والقوانين العامة للإبداع لازمة وضرورية من أجل إعداد الأشكال الخاصة للإبداع وهى أيضاً لازمة من أجل أهداف عملية لإيجاد الطرائق والوسائل التى تكون وتطور وتكشف عن القدرات الإبداعية عند الإنسان، والإبداع من جهة أخرى ينبغى أن يصاغ فى مظاهره المختلفة لأنه أصلاً لا يظهر فى الواقع العيانى إلا بأشكال خاصة فى مجالات النشاط المختلفة.
ولا يقتصر الأمر على مجرد الاعتراف بمجالات الإبداع التقليدية أى الإبداع فى العلم والتقنية و فى الفن والأدب وغيرها، وما لكل منها من خصوصية يعترف بها سواء فى الاستعدادات أو العمليات أو الأطر الاجتماعية، فهناك الآن دراسات تشير إلى أن الإبداع مراتب ومستويات، وأن لكل منها خصائصها ودينامياتها التى يجب التعرف عليها إذ أردنا ضمان فاعلية جهود تنميتها( )
وقد اهتمت أيضاً كثير من الأبحاث والدراسة بمعالجة مختلف أنواع النشاط الإبداعى ومستوياته ودرجاته وفى مقدمة كتاب المداخل الحديثة فى التفكير المبدع (Contemporary Approaches to Creative things) ذكر مؤلفوه أن دراسة الإبداع يجب ألا تتوقف عند حدود العظيم والعبقرى المدهش، إذ توجد قرابة بين الإبداعيين الصغير والكبير، ومن الممكن أن توجد قرابة بينهما وبين الإبداع اليومى أيضاً( ).
وقد أشار " Keating Doniel إلى أنه يوجد هناك نوعان من الإبداع، حيث يرى النوع الأول على أنه سمة موزعة على كل الأفراد بطريقة تشبه توزيع الذكاء على الأفراد، أما النوع الثانى يمكننا وصفه أو تسميته بالمفهوم الخاص بـ حالة الإبداع حيث نجد أن أداته التحليلية الأولى هى فحص الجماعات الإبداعية المعيارية بمقارنتها بمجموعات أقل إبداعاً( )
وقريب من هذا المعنى ما ذكره Ghislin من أن للإبداع نوعين يمثلان مستويين مختلفين له وهما:
الأول) أساسى) :وهو إبداع الموهبة "خلق عالم من الاستبصارات الجديدة أو تقديم عنصر جديد ذى معنى مثلما فعلته نظرية "أينشتين" عن النسبية حيث قدمت مجالاً جديداً من الفهم، ولم يكن موجوداً .
الثانى (ثانوى) : وهو أشبه ما يكون بعملية امتدادات تطبيقية لأفكار موجودة دون أن تمس هذه الامتدادات الجوانب الجوهرية لتلك الأفكار( ).
وهذا ما أكده أيضاً "ماسلو" فيما يسمى بـ "الإبداع وتحقيق الذات" حيث يميز بين نوعين من الإبداع : إبداعية الموهبة، إبداعية تحقيق الذات، ويقصد "ماسلو" بإبداعية الموهبة :"تلك التى تعتمد أساساً على الموهبة الخاصة التى تظهر ثمراتها فى إنتاج الأعمال العظيمة ولا يهتم "ماسلو" بهذا المعنى الإبداعى، وإنما جل اهتمامه موجه نحو إبداعية تحقيق الذات أو ما يسميه "بالإبداعية الأولية" تلك العملية التى تنبع من الفرد، وتستخدم العملية الأولية أكثر من استخدامها للعملية الثانوية، وهى التى تتميز بالتعبير عن الأفكار والحوافز دون هدف من سخرية الآخرين( ).
ولعل ماسلو فى تسميته لإبداعية تحقيق الذات بالإبداعية الأولية، يعنى أنها إبداعية موجودة لدى كثير من الناس-بل كل الناس- كما أكد (Jaes، A. Smith، 1969، 24-25) وأن "ماسلو" قد قام بتوسيع حدود كلمة الإبداع كى تشتمل على جوانب أخرى غير الشعر والرواية، والقصة والموسيقى، والفن التشكيلى والنظريات العلمية، ومن ثم قام بالتمييز بين إبداعية الموهبة "Specal Talent Creativiness "، وبين إبداعية تحقيق الذات" Self Actualizing Creativiness "( ).
ويرتبط النوع الأول بالإبداع التقنى والعلمى والفنى والأدبى، بينما يرتبط النوع الثانى بمجالات الحياة المختلفة والذى لا يظهر فقط- فى النواتج الإبداعية العظيمة والواضحة ولكنه يظهر –أيضاً- خلال وسائل عديدة يستخدمها الإنسان كالفكاهة أو أداء شئ بطريقة غير مألوفة أو الرغبة فى التدريس بشكل جيد غير تقليدى، أو إيجاد أفكار جديدة، ومفردات،وتراكيب وجمل، تعبر عن أفكار ومعان جديدة، وهذا هو المحور الذى تركز عليه الدراسة الحالية.
وبصفة عامة يمكن القول بأن هناك نوعين من الإبداع داخل كل فرد حسب تعبير "جولان" : الإبداعية الفعلية "Actual Creativity" والإبداعية الكامنة "Potential Creativity" والإبداعية الفعلية هى عبارة عن الإبداعية الكامنة بعد أن تنمى وتقوم بوظيفتها، أما الإبداعية الكامنة فتشمل على الإمكانات والمقومات والدوافع الموجودة داخل الفرد سواء ما ينمى، أو ما لا ينمى.( )
والإبداع العلمى التقنى يختلف عن الإبداع الأدبى، ويختلف الإبداع فى المجال الواحد حيث تتمايز الأنواع والأشكال المختلفة للإبداع وفقاً لنوع العلم، أو نوع الفن، وفى الوقت ذاته يمكن للفرد أن يكون مبدعاً فى مجال، ولكنه فى مجالا ت أخرى يظهر التزاماً ومجاراة ودافعية بسيطة وقلة اهتمام ( ).
ومن ثم فالإبداع ليس قدرة عامة بقدر ما هو قدرة نوعية خاصة تختلف من مجال إلى آخر ولذا سوف أتناول فى هذه الدراسة نوعاً من أنواع الإبداع المتعددة وهو الإبداع التقنى وبصفة خاصة الإبداع فى تكنولوجيا التبريد والتكييف عند طلاب المرحلة الثانوية الصناعية وتنميته من خلال البرامج الالكترونية المثيرة لجوانب الإبداع.
ومن أجل توضيح العلاقة بين العام والخاص فى الإبداع يمكن استيضاح أن الحد الأدنى الذى لا يقع دون العادى ضرورى فى أى نشاط إبداعى(أى أن الذكاء عندما يتعدى حداً معيناً فإن الترابط مع الإبداع لا يكون بالضرورة دالاًَ)، وبالرغم من ذلك إلا أن هذا المستوى يختلف من مجالاً لآخر.
وعلى العموم فإنه من الضرورى أن يكون الحد الأدنى عالياً فى الإبداع العلمى (الرياضيات والفيزياء الرياضية) ويكون أقل فى مجالات أخرى كالإبداع الفنى حيث أن الاستعدادات الخاصة تلعب الدور الأساسى والتى ينبغى أن تكون واقعة فوق الوسط ويمكن أن لا يلعب أى دور فى مجالات أخرى.
غير أن الذكاء ينطوى على أنواع أخرى(اللفظى، المكانى، الاجتماعى، التقنى...الخ) فاختبار الذكاء اللفظى يحصل الكتاب على علامات أكثر مما يحصلوا عليه فى اختبار الذكاء المكانى أما لدى المعماريين فالحالة معكوسة أما فيما يتعلق بدور الاهتمامات ومظاهر الدافعية فإنها لازمة بأى شكل من أشكال الإبداع كل حسب طبيعة النشاط وغالباً ما يتم تمييز أنواع الابداع إلى ابداع علمى وإبداع فنى ويميز ماكنون بين نوعى من الإبداع النوع الأول يكون النتاج فيه تعبيراً عن الحالات الداخلية(مثل الحاجات، الإدراكات والدوافع والتقويمات) للمبدع وفى هذا المجال من الإبداع فإن المبدع يظهر ما فى داخله إلى الخارج ومن أمثلة هذا النوع من الإبداع ما نجده متوافر لدى الرسامين أو النحاتين التعبيريين أما النوع الثانى من الإبداع فيكون النتاج مرتبطاً بالمبدع كشخص، إنما يكون النتاج كوسيط بين الحاجات والأهداف المحددة خارجياً.
وفى هذا النوع من الإبداع يعالج المبدع مظاهر متعلقة بوسطه أو بالمحيط الذى يوجد فيه مستهدفاً تحقيق نتاج جديد ومناسب وإنه يضفى على هذا النتاج من ذاته وأسلوبه كشخص.
وأمثلة هذا النوع من الإبداع توجد لدى الباحثين فى الفيزياء والهندسة والصناعة والميكانيكا ويضيف ماكينون أيضاً أن المبدع فى النوع الأول يحقق نتاجه من العناصر التى لم تكون موجودة بينما النوع الثانى يمكن النتاج المركب من العناصر الموجود مسبقاً ويضيف أنه يوجد نوع متوسط بين النوعين المذكورين حيث يكون النتاج تعبيراً عن الحالة الشخصية للمبدع، وفى الوقت ذاته تعبيراً عن المشكلات الخارجية وإن هذا النوع كما يقول ماكنون يمكن أن يسمى النوع الثالث للإبداع ومن أمثلته ما يوجد لدى رسامى المناظر الطبيعية ولدى المؤلفين، ولكن من يجمع بين نوعى الإبداع هم المهندسون المعماريون حيث أنهم علماء وفنانون فى الوقت ذاته وهناك باحثون يميزون الإبداع فى العلم أو (العلم – التقنية) والفن انطلاقاً من الفائدة أو مدى التوظيف الاستعمالى للأعمال الإبداعية وهكذا فإن الإبداع يظهر فى رد فعل الملاحظ تجاه الإبداع العلمى أو الفنى هذا ما يميز نوعى الإبداع فالفن البصرى والموسيقى والآداب يتم التعبير عنها ذاتياً وانفعالياً بينما تتحد الإنجازات العلمية والتقنية وفقاً لاستعمالاتها(المباشرة أو المتوقعة) بصيغة علمية أو عقلية.إذن الهدف من الابتكارات التقنية هو الطابع المفيد عملياً بينما فى حال الفنون هو المتعة والجمال ويمكن لهذين النوعين أن يلتقيا من حيث تحقيق الأهداف كما فى فن العمارة الذى يحقق الوجه الممتع والجميل، والوجه الآخر العلمى المفيد.
أ- الإبداع التقنى:
وفيما يلى سنتابع التقسيم المذكور نفسه للإبداعين العلمى من جهة والفنى من جهة أخرى وفى الوقت ذاته سنميز أنواع الإبداع فى كل من المجالين المذكورين.
لقد كتبت روى وهى واحدة من الباحثين البارزين فى الإبداع العلمى التقنى أن ما درج عليه معظم الباحثين فى تقويمه للعلماء المبدعين هو أنهم يتصفون بالموضوعية فى أعمالهم، وغالباً ما يتسمون بالملاحظة المتفككة دون اكتراث فى المظاهرة المدروسة ومثل هذا التقييم بعيد عن الحقيقة لأن الإنسان العالم شخص ملاحظ، وعدم تفاعله الانفعالي مع الظاهرة المدروسة يأتى فى نطاق ضيق جداً، إن الإنسان العالم – على العكس- يشارك انفعالياً فى مجال عمله، فهو ممحص ومدقق ويعيد الأجزاء ويركبها ويحللها، ومواظب على عمله ولديه دافعية قوية ومثابرة للوصول إلى نتائج بغض النظر عن إيجابياتها أو سلبياتها، وقد فصلت روى الفيزيائيين إلى (نظريين وتجريبيين)، والبيولوجيين إلى (فزيولوجيين ونباتيين وعلماء وراثة وبيوكيمائيين) على اعتبار أنهم يشكلون مجموعات متشابهة وقد تم الإجراء نفسه على ممثلى العلوم الاجتماعية(علم النفس والإنثربولوجى)( ).
ويبدو أن مظاهر الاختلاف فى مجال الإبداع العلمى التقنى بين مختلف فروع العلم والتقنية ترجع فى صورة أساسية إلى الأنواع المختلفة للذكاء أو التفكير(النظرى، التقنى، المكانى، الإجتماعى) وإلى توجه الاهتمامات ونوعية المعلومات والتقنيات الخاصة بالمجال المعنى، وإلى شروط التكوين المهنى -كصناعة التبريد والتكييف- وعلى الرغم من ذلك إلا أن التفكير المبدع يستخدم –من حيث الأساس- الأساليب والاستراتيجيات الاستكشافية ذاتها، الأمر الذى يجعل مظاهر الاختلاف أقل عمقاً بالنسبة للإبداع العلمى التقنى قياساً بالإبداع الفنى.
وكل ذلك لا يعنى وجود نقاط اختلاف بين أنواع الإبداع فحسب، بل يعنى وجود نقاط مشتركة أيضاً وفى بعض الحالات يلتقى العلم بالفن كما فى الهندسة المعـمارية.
وباستقراء المعطيات الخاصة بأدبيات الإبداع يمكننا أن نصل إلى نتيجة مفادها أن الاستعدادات العلمية ليس لها طابع حتمى بل قد تنطوى على ليونة للتداخل بين لعوامل العقلية من جهة والإستعدادية من جهة أخرى وعوامل الدافعية والطبع من جهة أخرى، حيث توجد إمكانات متنوعة للتجميع والتعويض.
وقد بينت الأبحاث أن الجماعات العلمية والتقنية تسهم هى الأخرى فى التقدم العلمى والتقنى وقد أكدت Stedman، J.، بأن الصناعة تسير قدماً ليس بجهود المبدعين والمكتشفين فحسب بل بجهود المبدعين والتقنيين والناس ذوى الجدة الذين تؤدى جهودهم باستمرار نحو توجهات جديدة، ويؤكد ذلك أن فى بعض الإحصائيات بالولايات المتحدة الأمريكية وجد أن نسبة 80% من حالات الإنتاج الجديد بالولايات المتحدة كانت بسبب التقنيين والمهنيين العاديين( ).
ومن المهمات الأساسية التى تلقى على عاتق علماء النفس والمختصين(المهندسين وعلماء الاجتماع والاقتصاد) هى الإسهام فى تنظيم عمل جماعات الإبداع التقنى – العلمى فى المؤسسات وفقاً لتقنيات وطرائق حفز الإبداع المعروفة من العصف الذهنى وطرائق أخرى.
وقد تم إجراء بعض الأبحاث ذات الاهتمام بالعوامل المناسبة بالإبداع-التقنى العلمى، فى البيولوجيا والطب وصناعة المحركات ولجماعة التقنيين لمهنة التعليم وقد توصلت إلى أن معظم هذه العوامل الدافعية للفرد: الصدق فى العمل، التقييم الموضوعى للعمل، النزاهة، الاستقامة فى العلاقات فى إطار الجماعة، وبالمقابل كانت هناك عوامل سلبية تحدد هبوط إنتاجية العامل مثل: عدم تقبل الجديد، عدم الثقة فى الأشخاص المبدعين، عدم احترام الشروط اللازمة للإبداع، تفكك العلاقات وعدم تماسكها بين أفراد المهنة.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى عملية تحليل نشاط التصميم الهندسى للمختصين عملية معقدة المهام وأن هذه العملية تنطوى على مجموعة مراحل كل مرحلة لها أنواع من المشكلات المختلفة وقد افترض هذا البحث الذى تم تنفيذه بمعمل التصميم الهندسى( ).
ومن خلال عرضنا لكل ما تقدم حول الإبداع العلمى التقنى يمكننا أن نستنتج أنه بين الإبداع فى العلم والتقنية من جهة والإبداع الفنى من جهة أخرى يوجد بعض الخلافات الناتجة من وجود أو عدم وجود الاستعدادات ولاهتمامات الخاصة فى طبيعة النشاط، والمعلومات والتقنيات لدى كلاً من مجالى الإبداع(العلمى التقنى-الفنى)، أما فيما يتعلق بعملية الإبداع نفسها فتوجد نقاط مشتركة، ففى أى نشاط إبداعى يكون الأمر حول إنجاز إنتاج جديد وأصيل وذى قيمة، ومثل ذلك يفترض وجود عمليات – نفسية مشتركة- وهى التى يمكن أن تكون نفسها فى مختلف فروع مجالات الإبداع : العمليات الاستكشافية للتفكير، الدافعية القوية، والاستعداد المتفجر ..الخ . غير أن ذلك لا ينفى وجود اختلاف فى العلمية الإبداعية خصوصاً فى المرحلة الأخيرة "التحقق" ففى مجال العلم تتم متابعة النتائج فيما إذا كان يطابق الحقيقة . وفى مجال التقنية فيما إذا كان النتاج فعالاً، وفى الفن فيما إذا كان النتاج محققاً للجمالية (أولاً من وجهة نظر نقدية، وثانياً من وجهة نظر الناس عامة).
ومن كل ذلك ينتج، فيما نعتقد أنه إلى جانب معرفة المظاهر والقوانين المشركة للإبداع يجب أن نعرف المظاهر الخاصة والفروق القائمة بين مجالات الإبداع فالعبور إلى العام يجب أن ينطلق مما هو فردى وخاص، وهذه النقطة شبيهة بما أكده كاتل وبوتشر يقول هذان الباحثان : من أجل أن يكون الأمر مضموناً ينبغى أن يعرف الإبداع تقريباً إجرائياً فى كل من مجالات النشاط . وأن ما تسهم فيه عوامل الشخصية فى الإبداعيين عن العلمى والفنى يجعلنا نقول : إن المقاييس أو المعايير مرتبط بعضهما بعض إيجابياً ويمكن إيجاد العامل المشترك بينهما، أو يمكن البرهان على أن الإبداع يسير فى كل المجالات مسيرة ممائلة ( ).
وعلى ذلك يكون من الضرورى الكشف عن التباين والاختلاف الموجود بين مجالات الإبداع المتنوعة، وذلك لمعرفة كل مجال بخصائصه الفردية والوصول بعد ذلك إلى المظاهر والقوانين العامة التى تساعد على فهم الإبداع فهماً أعمق وأشمل لأشكاله كافة، والعمل على تكوينها وترتيبها.
ثانيا:أساليب دراسة الإبداع التقنى:
تعددت الأساليب التى تناولها العلماء فى النظر إلى القدرات الإبداعية وفهم طبيعة تلك القدرات، ومن هذه الأساليب المختلفة لدراسة الإبـداع..
1-الإبداع كأسـلوب للحياة وطرق لحل المشكلات.
2-الإبداع كمجموعة من الســمات الشخصية المبدعة، وكتعبير عن مجموعة من الدوافع والخرة الذاتية للمبدع، والتى تيسر له الوصول الى انتاج جديد.
3-الإبداع كإنتاج (إبداع محدد).
4-الإبداع باعتباره تعبيرا عن مجموعة من الدوافع.
5-الإبــداع كقـــدرة.
6-الإبـــداع كعملية عقلـــية.
وسوف تتناول تلك الأساليب بشيء من التفصيل كالآتى:
1- الإبداع كأسلوب للحياة:
يشمل هذا الاتجاه العديد من التعريفات، التى تنظر إلى الإبداع باعتباره نشاطا سلوكيا للفرد وأن الإبداع يتمثل فى أنماط تحقيق الذات من حيث المعنى والهدف، أو الغاية، والتوظيف الكامل لطاقة الفرد وقواه، وهذا التوظيف للقوى معناه أكثر من مجرد حل للمشكلات، والتوصيل إلى نواتج إبداعية ومفهوم الإبداع كأسلوب للحياة يعنى النظر إليه على أساس أنه النشاط الذى يمارسه الفرد، وأسلوبه فى الحياة، وطريقة تعامله مع نفسه ومع كل ما يحيط به فى بيئته، والذى يعبر عن فردية الشخص وطريقة تحقيقه لذاته.ويميزه عن غيره( ).
2-الإبداع كسمات شخصية:
يشمل هذا الاتجاه العديد من التعريفات التى تنظر إلى الإبداع باعتباره مجموعة من سمات الشخصية التى يتميز بها الشخص المبتكر، فيرى ممدوح الكنانى بأن هناك أسبابا تدفع الباحثين إلى الاهتمام بدراسة شخصية المبتكر، ولعل من أوائل هذه الأسباب هو إدراك المهتمين بهذه الظاهرة بأن الإنتاج الإبداعى أمر لا يتوقف على عملية الإبداع بل هو عمل معقد له متطلبات أخرى، فهو يحتاج إلى أسلوب معين فى الإدراك، وحساسية خاصة لنواحى القصور والضعف فيما يوجد لدينا من ثقافة، ويحتاج أيضا لعمل شاق ومستمر ويحتاج إلى أسلوب معين فى التعبير فيما ينتهى إليه المفكر بالإضافة إلى القدرة على التفكير بأسلوب معين. ( )
3- الإبداع كإنتاج إبداعى محدد:
فالإبداع كما تكشف عنه هذه الآراء المختلفة لعلماء النفس والتربية هو قدرة الفرد على تجنب الروتين العادى والطرق التقليدية فى التفكير إلى أنتاج جديد يحقق رضاء مجموعة كبيرة فى فترة زمنية معينة.
وقد أكد فؤاد أبو حطب إلى "أن تناول الإبداع بوصفه إنتاجا إبداعي من قبل المحكات لأنه يعبر عن مستويات أداء فعلية وما عداه يعد من قبل المنبئات التى تمثل مؤشر على إمكانية حدوث الإبداع دون أن تضمن تحقيقه بالفعل" ( ) بمعنى أن الإبداع يعنى الإنتاج الإبداعى الجديد وظهور هذا الإنتاج.
4- الإبداع باعتباره تعبير عن مجموعة من الدوافع:
يرى Shtein بأن الشخص المبدع يسرع فى إبداع عمل ما من خلال شعور بحالة من عدم الإتزان وأنه يستطيع أن يستعيد توافقه مع البيئة من خلال عمله الإبداعى وعملية التكيف التى تتم فى هذه الحالة تخترع بناء على الحاجة إليها لذلك يمكن القول بأن الحاجة أم الاختراع فكل اختراعات الإنسان جاء بها لكى تساعده على التكيف مع ظروف بيئته فالسلوك الناتج فعلا هو السلوك القائم على مواجهة الفرد لمشكلة أو موقف معين يتطلب منه شيئا من المرونة، ويسمى هذا النوع من المرونة باسم المرونة التكيفية لأنها تحتاج لتعديل مقصود فى السلوك المتفق مع الحل السليم، فكأن عملية التكيف لا تقلل من النشاط الإبداعى إذا اتخذت من مبدأ الاختراع طريقة للتعامل مع حل المشكلات. ( ).
5- الإبداع كقدرة:
يرى حنورة أن "الشخص المبتكر يكون مبتكرا عندما يمتلك القدرات العقلية (الطلاقة –المرونة –الأصالة)مع بعض القدرات العقلية الأخرى مثل الاستدلال المنطقى والتذكر هذا بالإضافة إلى تسلحه ببعض من سمات الشخصية الإيجابية مثل المغامرة وحب الاستطلاع" ( ).
6- الإبداع كعملية عقلية:
ويعرف Guilford الإبداع بأنه عملية إشتقاق حلول مبتكرة من المخزون المعرفى لمواجهة متطلبات الموقف المشكل اعتمادا على تعاقب وتزامن من العمليات المعرفية بدءا بالانتباه ومرورا بالمعرفة والذاكرة والتفكير التقاربى والتفكير التباعدى وانتهاء بالتقويم وهذا ما يوضحه نموذج Guilford ( ).
وفى ضوء العرض السابق لآراء بعض من العلماء والباحثين من حيث تعريف كل منهم للإبداع بصفة عامة، ومن خلال استخلاص أهم النقاط التى اتفقت عليها التعاريف والأساليب السابقة فى تناولها للإبداع عامة يستنبط الباحث مفهوم الابداع التقنى فى النقاط التالية:
- يوجد إتفاق على أن الإبداع خلق شىء جديد، سواء أكان هذا الشيء اختراعا أم فكرة بحيث يكون أصيلا.
- أكدت التعريفات السابقة على الفائدة كشرط للإنتاج المبتكر، حيث لا يمكن أن يحقق الإنتاج الإبداعى الفائدة إلا إذا قبلته الجماعة.
- يرتبط الإبداع التقنى بهؤلاء الأشخاص الذين يكونون على وعــى عميق بالعالم الذى يعيشون فيه، فالإنتاج هو نتيجة تفاعل بين الفـرد وبيئته.
- قد يكون الإبداع التقنى كامنا وقد يظهر فيما بعد، كما أنه يجب ممارسته حتى يصير محدودا وواضحا.
- القدرة على الإبداع التقنى موجودة لدى جميع الأفراد، ولكن بدرجات متفاوتة وأن الفروق بينهم ما هى إلا فروق فى الدرجة، كما أنها تتوزع توزيعا اعتدا ليا كالقدرات العقلية الأخرى.
- إن الإبداع التقنى تفكير مرن غير جامد يتم فى نسق مفتوح طليق، ومتنوع وأصيل فالمعلومات أو المعرفة العلمية ليست مطلقة فى صحتها أو مقدسة بل يمكن فحصها ونقدها لإدراك ما بينهما من تغييرات وإختلالات ليست لها حلول متعلمة.
- يتميز العمل الإبداعى عن العمل العادى بسمات تشكل فى مجموعها المعايير التى تقاس بها الأعمال والمنتجات الصادرة عن المبتكرين لتقرير ما إذا كانت أعمال إبداعية أو عادية ومن أهم هذه السمات الجدة أو الحداثة، والمرونة، والاصالة، والقابلية، للتكيف مع الواقع والتطبيق النافع.
- أن القدرات الإبداعية التقنية الأساسية هى قدرات عقلية معرفية، يقع معظمها ضمن مجموعة القدرات التى يطلق عليها قدرات التفكير المنطلق والمثل فى ذلك عوامل الطلاقة وعاملى المرونة وعامل الأصالة.
- تختلف القدرات العقلية التى تسهم فى العملية الإبداعية التقنية لدى الفرد الواحد من حيث مستوياتها، وإن كان ذلك لا يمنع من وجود فرد قد زود من هذه القدرات ما يضعها جميعا فى مستوى مرتفع واحد، غير أن هذه الحالة لا تمثل القاعدة.
- أنه على الرغم من أن القدرات العقلية التى تقع فى نطاق التفكير المنطلق هى القدرات الإبداعية التقنية الأساسية، إلا أن ذلك لا ينفى أهمية القدرات العقلية الأخرى فى عملية الإنتاج الإبداعى التقنى، فلا شك أن الإبداع التقنى فى مجال تكنولوجيا التبريد والتكييف يحتاج إلى عدد من القدرات العقلية النوعية قد يختلف فى بعضها عما يحتاجه الإبداع فى مجالات أخرى.
- يتعلم الأفراد (المتعلمون) بدرجة أكبر وفاعلية أعلى فى البيئات التى تهىء شروط تنمية الإبداع، فقد تتوفر عند الفرد المتعلم القدرات العقلية التى تؤهله للإبداع تقنيا إلا أن البيئة (البيت – المدرسة – مجموعة الرفاق – والمجتمع) قد لا يتوافر فيها المناخ المناسب أو التربية الصالحة للتعلم والإنتاج الإبداعى الخلاق.
- أن هناك علاقة بين القدرة على الإبداع التقنى والقدرة على إحساس وإدراك وحل المشكلات، حيث أشارت بعض أدبيات البحث التربوي المتعلقة بالإبداع إلى قدرة المبتكر على الإحساس، بالمشكلات وإدراك الثغرات والإختلال فى المعلومات والعناصر المفقودة وحل المشكلات بطريقة إبداعية تتضمن الأسئلة والتخمين والتقصى والاكتشاف والتجريب، وعلى ضوء ما تقدم يمكن أن نعرف الإبداع على أنه القدرة على إنتاج أكبر عدد ممكن من الاستجابات المختلفة(ألفاظ – أفكار) المتنوعة وغير الشائعة عندما يواجه الفرد مشكلة أو موقف مثير وهو إنتاج أكبر عدد من الأفكار العلمية وتطوير الأفكار العلمية العادية والشائعة، وإيجاد حلول للمشكلات بطرق غير مألوفة لم يسبقهم إليه أحد .
ومن خلال العرض السابق يتبنى الباحث الأسلوب الذى يؤكد أن الإبداع التقنى إنتاج إبداعى محدد ذلك لاتفاقة مع طبيعة الدراسة ومحتواها العلمى التقنى وطبيعة المرحلة العمرية الخاصة بموضوع البحث، فالهدف الأساسى من الدراسة هو تنمية الإبداع التقنى لدى طلاب التعليم الثانوى الصناعى تخصص التبريد والتكييف أى تنمية قدرات الطلاب على ممارسة القدرات الخاصة بالإبداع التقنى بحيث تصبح تلك القدرات وكأنها جزءًا لا يتجزأ من شخصية الطالب وأن يتبع فى تناوله للظواهر المختلفة التى يتعرض لها وإنتاج أفكار جديدة أثناء دراسة تكنولوجيا التبريد والتكييف و إتباع الأسلوب العلمى فى النظر إليها والبحث عن حلول إبداعيه للمشكلات التقنية والعلمية التى تواجهه وأن يلتزم إلى حدًا ما بإتباع النمط الإبداعى فى نظرته للمواقف المختلفة التى يواجهها فى بيئته العملية وألا يقف عاجز أمام المشكلات التى تعترضه وتنمية المرونة والأصالة والطلاقة لديه فى التعامل مع تلك المشكلات وبالتالى اعتبار الإبداع التقنى إنتاج غير مسبوق لاستجابات وأفكار جديدة واستخدام الطالب لها فى جميع ممارساته سواء داخل المدرسة أو خارجها.
ومن هنا تبنى الباحث فى تناوله لتنمية الإبداع التقنى- لدى طلاب التعليم الثانوى الصناعى تخصص التبريد والتكييف -النظر إلى الإبداع على أنه إنتاج إبداعى خصوصا أننا فى الوقت الحالى نحتاج إلى الأشخاص المبدعين فى جميع الميادين الذين يمارسون الإبداع فى جميع تعاملاتهم، والنتاج الإبداعى فى تكنولوجيا التبريد والتكييف لا بد أن يتميز بالمرونة والأصالة والبحث التالى يهدف من خلال تدريس البرنامج الالكترونى المقترح لتكنولوجيا التبريد والتكييف تنمية الإبداع العلمى ومساعدة المتعلم على التفكير والإنتاج الجديد للأفكار وحل المشكلات .
مكونات الإبداع التقنى:
إن القدرة على الإبداع التقنى لا تمثل قدرة واحدة منفردة وإنما تتضمن مجموعة من القدرات وهى الطلاقة، والمرونة والأصالة، وحل المشكلات وأن هذه القدرات ليست مستقلة عن بعضها البعض عمليا ويتضمن الإبداع بوصفه قدرة متكاملة مجموعة من القدرات الأساسية والتى تمثل المفهوم المتكامل للإبداع بوصفه مجال عقلى متميز عن غيره
والبحث الحالى يهدف إلى تنمية القدرات الإبداعية التقنية، وفيما يلى تعريف لكل قدرة من هذه القدرات:
الطلاقة: Fluency:
ويعرف خليل معوض الطلاقة بأنها "القدرة على إنتاج عدد وفير من الأفكار الجيدة ذات القيمة فى وحدة زمنية معينة، فالشخص المبتكر أكثر إنتاجا لمثل هذه الأفكار عن الشخص العادى"( ).
ومن صور الطــلاقة (الطلاقة اللفظية (طلاقة الكلمات):)Word Fluency:
وهى القدرة على إنتاج أكبر عدد من الألفاظ تحت شروط معينة، وهى سرعة التفكير فى الكلمات بإعطاء كلمات فى نسق محدد تبدأ بحرف معين أو مقطع معين أو تنتهي بحرف معين أو مقطع ومثال ذلك أن يستدعى المفحوص أكبر عدد من الكلمات تبدأ بحرف معين أو تنتهى بحرف معين .
عامل الأصالة: Originality:
يرى سيد خيرالله والكنانى بأن "الأصالة هى قدرة الفرد على إعطاء أفكار غير شائعة بالمعنى الإحصائى فى المجموعة التى ينتمى إليها سواء كانت هذه المجموعة جماعة حضارية أو جماعة مهنية أو اى تجمع أخر ذي خصائص مميزة" ( )
ويرى حنورة "أنها قدرة الفرد على "إنتاج أفكار واستجابات جديدة تتصف بالجدية وعدم الشيوع وتعتبر الأصالة من أهم مكونات الإبداع ويصفها البعض أنها لب التفكير الإبداعى" ( )
عامل المرونة:Flexibility:
إن المرونة عامل هام من عوامل الإبداع، فالإنسان الذى يقف عند فكرة أو يتصلب، بالنسبة لطريقة من الطرق يعد أقل قدرة على الإبداع من إنسان مرن التفكير قادر على التغير حين يكون ذلك لازما.، أى أن المرونة هى القدرة على تغيير الفكر الذى يميز الأشخاص المبتكرين عن الأشخاص العاديين، الذين يجمدون تفكيرهم فى اتجاه معين،وتعرف على أنها القدرة والسهولة التى يتميز بها الفرد فى تغيير أساليب تفكيره تبعا للمواقف التى يكون بصددهـا.
ويعرف تورانس المرونة بأنها قدرة الفرد على إنتاج أنواع مختلفة من الإبداع، على أن يتحول تفكيره من مدخل إلى آخر، أو أن يستخدم مجموعة مختلفة من الأساليب .إن الركن الأساسي للإبداع هو مرونة التفكير، حيث يفهم منها إعادة البناء السريع والمناسب للمعلومات والأنظمة المتعارف عليها وفقا لمتطلبات الحالات المستجدة، وتغيير شكل الصياغة أو شكل الرسومات التعبيرية، عندما لا يبرهن الشكل السابق على فاعليته ( ).
بالإضافة إلى ما سبق من مكونات الإبداع فقد اهتم وليامز بدراسة مكونات الإبداع المعرفية العاطفية لدى الطلاب ومن هذه القدرات حب المغامرة،تحدى الصعاب، حب الاستطلاع، التخيل والدراسة الحالية تحاول من خلال تدريس البرنامج الالكترونى المقترح لتكنولوجيا التبريد والتكييف تنمية قدرات الطلاقة اللفظية والمرونة والأصالة كقدرات فرعية من قدرات الإبداع التقنى.
أهمية تنمية الإبداع التقنى لدى طلاب المرحلة الثانوية الصناعية:
إن من أهدف التربية تخريج رجال قادرين على إنتاج أشياء جديدة وليس إعادة عمل ما أنتجه الآخرون وتربية العقول الناقدة التى تستطيع أن تبحث فى الأشياء وتنقدها ولا تقبل كل ما يقدم إليها دون بحث وتمحيص،و تنمية الإبداع والتدريب عليه ضرورة هامة لكل مواطن، خاصة اذا كان ذلك يتعلق بحاجات ومتطلبات لا غنى عنها ومن أهم تلك المتطلبات المتطلبات التقنية للعلم والتكنولوجيا والمتمثلة فى المبتكرات والاجهزة الحديثة والتى ترتبط بمناحى الحياة المختلفة مما تؤثر تأثيرا مباشرا فى البنية المجتمعية، وتعمل على تقدم المجتمعات او تخلفها وجعلها من مجتمعات منتجة الى مجتمعات مستهلكة للتقنية، وفى هذا إهدار لطاقات المجتمع، لأن بعض المشكلات العامة والخاصة يصعب التغلب عليها باستخدام طرق التفكير التقليدية،ولذلك يجب أن نقدم لافراد المجتمع تعليم إبداعى لملاحقة تحديات العصر التكنولوجى والآلي،كما يجب الاهتمام بتربية الإبداع، وذلك ما يتطلبه الواقع وما تستلزمه الحياة، وقد أكد عبد العزيز البحيرى أنه يجب تنمية الإبداع لأنه:
- يساعد على تحقيق الذات.
- ييسر البرامج الدراسية وينمى التحصيل الدراسى.
- يساعد على القدرة على تكوين العديد من الأفكار.
- يساعد على تكوين شخصية الفرد فى ظل مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
- يساعد على التخلص من الطرق المعتمدة على الحفظ والتلقين ( )
أساليب تنمية الإبداع التقنى:
نتيجة عدم وضوح مدلول وطبيعة الإبداع التقنى بصورة تكاملية سيكون الحديث مقصورا على ما نشاهده من آثار الإبداع دون التركيز على نتائج الأبحاث التى أجريت على المخ من ناحية تشريحية أو فسيولوجية، وسيكون التناول باعتبار الإبداع التقنى مهارات متعلمة أو إستراتيجيات لمعالجة المعلومات فى مواقف مختلفة.
ويكاد الباحثون يجمعون على إمكانية تعليم مهارات الإبداع، بل وضرورته وأنه ينبغى أن يكون هدفا للمؤسسات التربوية ( )
ومما يدل على هذا الافتراض وجود كثير من البرامج التى صممت وطورت خصيصا لتعليم مهارات التفكير الإبداعى وتنميتها فى بلدان كثيرة حول العالم، وهذه البرامج تنحو منحى عمليا من خلال تنشيط العمليات المعرفية وتركز على المستويات العقلية العليا.
ومن الأساليب التى تساعد على تنمية الإبداع استراتجيات التعلم المفرد Individualization of instruction ومن أهمها التعلم المبرمج والتعلم بمصاحبة التعليم الالكترونى والتعلم من خلال برامج الوسائط المتعددة وقد أثبتت تلك الوسائل فاعليته فى تنمية الإبداع التقنى. ( )
دور المدرسة وبرامجها وتنمية الإبداع التقنى:
قدر ممكن من الأنواع، كأن يطلب من المتعلم ذكر أكبر عدد ممكن من العوامل التى تؤدى إلى زيادة حرارة الجو. إن تنمية القدرة على الإبداع تعتبر من الأهداف الملحة لإعداد الطلاب لمواجهة مشكلات الحياة، لأن الفرد المبتكر هو القادر على التعبير عن مشكلتة وإيجاد الحلول المناسبة لها، ولا يتم ذلك بتزويد الطلاب بالمعلومات والمعارف بل يكون بإطلاق إمكانياتهم، فالفرد المبتكر يستطيع أن يكتشف وأن يتعلم كيف يلاحظ ويستنتج بطريقة تؤهله لمواجهة المشكلات، الأمر الذى جعل من تنمية الإبداع لدى الطلاب أحد أهداف تدريس العلوم التقنية.( )
وعلى الرغم من ذلك فإن واقعنا التعليمى المعاصر على المستوى التنفيذي يشير إلى غير ذلك، فالبرامج الدراسية تركز على المعرفة لذاتها دون استغلال الإمكانيات العقلية للطلاب ، الأمر الذى قد يحد من إنتاج الأفكار الجديدة، إذ لا تزال إستراتيجيات التعليم والتعلم تركز على الحفظ والتلقين وحشو أذهان الطلاب بنتائج المبتكرين بدلا من تعليمهم كيف يبتكرون، كما أن نظام التعليم يستند إلى ثقافة الذاكرة، ويتضح ذلك بالنظر إلى أغلب الامتحانات التى تقيس الذاكرة والتفكير المعرفى فى أدنى مستوياته، ويعنى ذلك أن برامج التعليم العام تنحو بعيدا عن ثقافة الإبداع التى تنمى وتطور الإمكانيات الخلاقة للعقل البشرى( )
إن المواهب الكامنة فى النفس البشرية تحتاج إلى إتاحة فرص مناسبة لانطلاقها وأن ذلك يتطلب توفير برامج و مواد تعليمية ذات طبيعة إبداعية وغير تقليدية كما تضمن استخدام أساليب تدريسية تشجع على ممارسة الإبداع وتحفز على الإبداع بالاعتماد على التكنولوجيات المستحدثة فى الحاسب والالكترونيات وتكنولوجيا الانترنت والشبكات الدولية للمعلومات.
إن محتوى الكتب الدراسية يقدم المعلومات جاهزة للطلاب ولا تطرح مشكلات يقوم الطالب بالوصول إلى حلها وبالتالي يفقد الطالب القدرة على الاستقراء والاستنباط والقدرة على التفكير الإبداعى يفقد معه الطالب الاحساس بالعلم أو التقنية ولا يستطيع ان يستفيد مما تعلمة فى حل مشكلاتة بما يعوق عملية الإبداع التقنى.
وإذا كان التعليم بالطريقة التقليدية قائما على استخدام الطالب لعدة قدرات مثل التعرف والتذكر والاستدلال والذكاء، فإن التعليم بالطريقة الإبداعية يعتمد على القدرات نفسها ويزيد عليها قدرات التفكير الإبداعى ولقد تبين أن كثيراً من المدرسين لا يرحبون بالطلاب المبتكرين ناظرين إليهم على أنهم أفراد مشاكسون أو شاذون ويعطلون الدرس فالطالب الذى يناقش ويسأل ويبتكر يضيع وقته من وجهة نظرهم ( )
ويقدم تورانس بعض الإرشادات التى يمكن للمعلم أن يسترشد بها فى مساعدة الطلبة على نمو الإبداع:
- ألا يخاف من الوقوع فى حب موضوع ما أو عمل ما، وأن يستمر فى أدائه بتركيز وعمق، فالمتعلم يجب أن يشجع إلى أقصى درجة ممكنة على فعل الأشياء التى يحبها والتى يستطيع أداءها على نحو أفضل.
- أن يتعرف على أقصى حدود قدراته وأن يفهمها، وأن يزهو بها وأن يتدرب عليها ويستخدمها ويستفيد منها ويستمتع بها.
- أن يحرر نفسه من توقعات الآخرين إزاء دوره وأن يتجنب الأدوار التى يحاول الآخرون فرضها عليه.
- أن يؤدى الدور الذى يريده لنفسه وبطريقة تجعله يحسن استخدام ما لديه من قدرات وأن يواصل تحقيق طموحاته وأحلامه.
- أن يكون المعلم نفسه قدوة طيبة للمتعلم.
- أن يتجنب إهدار قدر كبير من طاقاته التى لا تعوض فى محاولة منه لأن يكون محبوبا أو محاطا بواسطة الآخرين.
- أن يكتسب مهارات الاستقلال الذاتى وأن يطلق العنان بغير حدود لكل مظهر من مظاهر القدرة لديه. ( )
وتعد البيئة المدرسية أحد المكونات الأساسية التى تساعد على نمو الإبداع و من الأهمية بمكان أن نميز بين بيئة مدرسية غنية بالمثيرات ومنفتحة على الخبرات والتحديات و بين بيئة مدرسية فقيرة ومغلقة لا ترحب بالتجديد والتغيير الذى قد يكون طوعيا أو مفروضا من الخارج، ويتشكل المناخ المدرسى من مجموع المتغيرات المادية والاجتماعية والإدارية التى تحكم العلاقات بين الأطراف ذات العلاقة بالعملية التربوية داخل المجتمع المدرسى وخارجه، وتحدد المسؤوليات وطريقة التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات.
خلاصة بعض ما يمكن عمله فى المدرسة: نذكر فى بداية هذه الخلاصة بما قاله تورانس من أن تربية الإبداع اتخذت شكل ثورة صامتة تناولت كل الأنشطة والمحتويات والنظم والأساليب التربوية وعلاقاتهم.
البدء بأهمية التوعية على الإبداع وخلق الحساسية له عند المسئولين أنفسهم من أساتذة ومديرين ونظار.
يتوقف التشجيع على الإبداع وتذوقه واكتشافه فى نفوسنا على اكتشاف مضادات الإبداع التي تطمسه سواء فى نفوسنا على شكل مقاومة ذاتية نفسية وذهنية ومعرفية أو فى المؤسسة التربوية وأنظمتها وأهدافها.
طالما أن الإبداع هو الخطوة المتقدمة من الإتقان فلا بد من تأسيس تقاليد الجهد المنظم المستمر، والنجاح من خلال العمل الدءوب وتجاوز النجاح السهل بأى ثمن، لا بد من تعزيز صورة الإنسان الصانع المنتج وليس الإنسان الطفيلي الذي يفخر بوجاهة الاستهلاك، وهو ما يتطلب تحويل العملية الدراسية، وبمختلف الوسائط من الدراسة من أجل الامتحان إلى التربية من أجل تكوين الشخصية.
ويستتبع ذلك تحويل طريقة التدريس من التلقين الحرفى للمعرفة وإعادة إنتاجها فى الامتحان بالاستظهار إلى تعلم نشط بالمشاركة والممارسة: واستثارة الأسئلة والتساؤلات، طلب التعليق على الأفكار، التعبير عن وجهة النظر، تعليل الظواهر، توليد أكبر عدد من الأفكار حولها، إطلاق وفتح الشهية المعرفية، وتعزيز البدائل الأصلية فى الإجابات، مكافأة التساؤلات المبتكرة .
أما محتوى عملية التعليم فلا بد أن يأخذ منحنى تكوين رصيد علمى وثقافى واسع ومتكامل فى وقت واحد معا، فالمعرفة الغنية المتنوعة والمتكاملة هى وحدها التى تشكل خزان المادة الخام التى يتزود منها الإبداع ويعمل عليها، يحقق هذا التوجيه هدفا أخر هاما.
يبقى أخيرا موقف وتساؤل، إذا كان الإبداع يمثل حالة متقدمة من الإنجاز القائم على الإتقان، فهو يعنى بالتالى نمو القدرة الذاتية على العطاء، إنه يعنى الانطلاق نحو الرشد ليس فى العمر الزمنى، بل فى أسلوب الوجود والتعامل الفعال مع عملية الانطلاق هذه ؟ إلى أي حد يستطيعان تحمل الاستقلالية كي ينبع العطاء من الداخل، وإلى أي مدى يطيقان كسر قماقم التبعية ؟ تشكل الإجابة على هذا التساؤل حدود ومدى إمكانية انطلاق السلوك الإبداعى ذي النهايات المفتوحة من حيث التعريف.
مما سبق يتبين أن أساليب التعليم العادية تعوق الطلاب عن الإبداع، و أن محتوى برامج تكنولوجيا التبريد والتكييف يقدم المعلومات بصورة جاهزة للطالب بل ومقتضبة تعتمد على التلقين ولا تشجعه على التعبير عن أفكاره الأصيلة أو الغريبة، وأن المدرسين يتذمرون من الطالب الذي لديه الاستعداد للإبداع لكثرة أسئلته وتعدد اهتماماته وانفراده برأيه وعدم سيره على الخطة التى يرسمونها له والتى قوامها خريطة البرنامج التعليمى التقليدى والتى اعدت سلفا منذ أجيال عتيقة لم تتغير وتعانى التهلهل العلمى والتقنى اضافة الى تقادم المعلومات بها وارتباطها بكلاسيكيات علمية فقيرة فى المحتوى والمضمون والافكار....