المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سارة شما .. الرسم بين الصورة وظلها!



عمار حسن
24/10/2008, 05:46 PM
سارة شما
الرسم بين الصورة وظلها!

..تلك الريشة البريئة التي تطلق لونها بكل استمتاع بمنح العين الأخرى العذوبة والتعذيب الجميل! تلك الريشة تتسلى, تتوجع, تلعب, تحلم, تقبل, تلون سطوح الأقمشة وكأنها تلون على العيون حرارة الوجوه المتناسلة بشفافيات الرغبة بالخروج إلى فضاء الهواء برقص تعبيري مبهم ولكن لا يخفي حرارة الانعتاق من اسر ما؟! كدخان سيجارة يعلو دخانها يعلو ثم يتلاشى ولكن اللوحة تبقيه ليكون دخان الوجوه العابقة بانفعالات ملونة لينة ومؤرقة, تخرج من بوتقة عوالم سارة المضمخة باللون وعذوبات عجائنه! وينتشي برقص ريشتها فتتداخل تضدات الأشياء لتخرج اللوحة عميقة كبحيرة وبسيطة كلون!
لربما تكون الكتابة عن الفنانة سارة شما من أصعب الكتابات! ذلك لأنه يمكن الانطلاق من زوايا عديدة لقراءة لوحتها وهذه أول الإشكاليات فهل تكتب عن سارة كجزء من عملها الفني وامتداد تعبيري له؟! أم ُتقرأ أعمالها بكل ما تحمله من دعوة للغوص التحليلي في أبعاد الصورة, وبعيدا عن سارة, ووفق مقترح بارت بموت المؤلف؟! وهنا تختلف شكل القراءتين! وان كنت أرى حسب قول احدهم أن الفنان يرسم ثلثاه ثم يقول: لست أنا! وبين القراءتين ثمة حل بان تتمان معا.

سارة في الجانب الأخر!
أين تقف سارة في لوحتها؟ تقف بها كلها, فهي لا تزال بكل بهاء طفولتها ولكن تعود من جديد لتزيل الغبار عن وجهها الطفولي ليبرز أكثر, فتستعرض معه صورها الذاكرية على القماش ما ينعشها لدرجة اصطدام وجهها ولسانها بزجاج نافذة تأخذها لزمن الشقاوة, وهي تستعرض شقاوتها الطفولية هذه أمامنا فبين طفولتها التي أسرتها, وريشتها التي أغوتنا في الرجوع إلى الحلم الطفولي, يكون لمعرضها الأخير طعم اللعب والرغبة بالعودة إلى التزويق على الجدران بعيدا عن أي قيد, فهل يكون هذا الرجوع إلى الطفولة نكوصيا؟! بمعنى من المعاني, أو تحليقا حرا بفضاء أخر بعدما أوغلت كثيرا في تعب الوجوه وارقها! أم أن الخط الزمني الفاصل بين سارة الصغيرة والكبيرة مازال من الشفافية بحيث لا ُيلحظ! سارة ومن أي زاوية نظرنا إلى حيز عرضها الطفولي فثمة حقيقة انه ينبغي أن لا يتراكم الغبار على اشياؤنا الحميمية! وان كان عرضها الأخير بجزءه الأكبر طفوليا يكون بمعنى أخر اموميا, وبكلتا الحالتين تقدم معرضها بالاستناد إلى مقدرتها التصويرية العالية, ولمقدرتها الثانية على منح المشهد حرارة المفارقة والألم ومزيدا من الحضور.

سارة واللون الأزرق!

لربما غريبا أن نتحدث عن اللون الأزرق في أعمال سارة وخصوصا الأخيرة بل عن لونين هما الأحمر والأصفر, وبعيدا عن التوصيف المدرسي فثمة انحيازا حادا للدفء ودفعه باتجاه التوهج اللوني بزيادة تونات الأحمر أو تخفيفه بدرجات الأبيض على مساحات اللوحة, أو جعله حلميا بزيادة الأسود..سارة التي تجيد الرقص على ثنائية اللون هذه على مساحة الدرجات الوسيطة تتقصد تصعيد دفقة التفاعل النفسي البصري ما بين المتلقي ولوحتها ما يشي بتوجيه شكل الخطاب البصري ومنحه هذا البعد الانفعالي المتعدد الإشارات, سيما
وان محور العمل هو الوجوه بكل أبعاد انفعلاتها وانكساراتها وتوهجها ومن هنا سارة تطلق الكثير من الشحنات السلبية في سماء اللوحة عبر حكايات الوجوه التي تحمل الكثير. ولذا يغيب الأزرق الذي يمكنه كسر حدة الحرارة التي تنبعث من الأعمال
ويخلق توازنا بصريا ولكن سارة لا تريده لتترك وجوهها في عاصفة الألم دونما خلاص, وهذا يمنح منجزها التميز التراجيدي بعيدا عن الغوص في البحث عن الموضوع, وان كان من البساطة بحيث لا تتوقع عمقه!

الوجوه المكسرة!
تجيد شما قص حكايات الوجوه وهي تخفي حلمها أو وجعها, وتجيد أيضا إشعال الحرائق في تلك الوجوه لتطاير أقنعتها وتسبح في الحلم حتى الاصطدام بزوايا الواقع الحادة, كحلم أخر, وأخر ويتكرر صدى الصورة وكأنها على زجاج مكسور! سارة تضحك من هذا التشظي فهي تعرف انه ثمة صورة واحدة وان كانت نصف صورة أو نصف وجه وما بين تشظي الوجوه ونصف الوجه ثمة مقدرة عالية على إنضاج اللوحة, لكن في الجهة الأخرى ثمة حقيقة وحلم, صورة وظل وهذه هي لعبة سارة المفضلة وهي فلسفة عميقة وبسيطة في كل الأحوال وتحتمل الكثير من الجدل, فهل الصورة هي ذاتها أو ما تخفيه؟! وهل هي ذاتها التي تراها انت أو أنا؟!
هناك خط ما بينهما يفصلهما ولكن يقود اليهما
وهو الخط الذي يتدلى من أعلى لوحات سارة إلى أسفلها خط يمثل طرحا هاما يفضي إلى حقائق الأشياء وتقابل الأضداد والصور, هذا الخط الواهي كحاجز بصري تتقصده سارة فهل تزيحه وتدخل اللوحة نصف الوجه أو المكسرة الوجوه..!

الدوائر..

تتراوح مواضيع سارة بين تصاوير انفعالات الوجوه, ووجهها هي, وبين صورة الرجل! والذي يصبح هي ببعده التعبيري في الهم الوجودي والإنساني المشترك..لكن مواضيع أخرى بحاجة للكثير من التوقف وهي الدوائر الحلزونية التي تنتهي بنقطة المركز وتقدمها بستة أعمال وتضيفها على بدايات الصفحات الداخلية وغلاف كتابها الأخير وتتراوح مقاصد الفنانة في هذه الطروحات مابين التشكيل الطفلي بالأصابع لهذه الدوائر بحثا عن تلمس الذات وصولا إلى حمل هذه الهوية باعتزاز عندما تحملها بين يديها بسعادة, أو بلوحة أخرى
عندما تنام بمركزها وان كان لرمزية تقابل نصف الجسد النصف العاري مع نصف الدائرة دلالات أخرى! هذا الاعتزاز بامتلاك معرفة الذات يقودها بعمل أخر لتكون هذه الدوائر على طبل يضرب عليه رجل بحالة من الانتشاء, فهل تكون الدوائر هنا هي المرأة المحبوبة أو المرأة السر المكتشف
كنصف أكيد لاكتمال دائرة الحياة؟! سارة تضيف هذه الدائرة على فضاء لوحة أخرى تجمعها مع نفسها بمرحلة الطفولة.. وتبقى أخيرا ذات الخلفية لصبية تعزف على الناي ودون الخوض في الدلالات الرمزية.

الرجل الحامل..!

إن كانت تتشابه كل الصور مع سارة, لدرجة يمكننا القول أن سارة ترسم نفسها, ترسم نفسها إلى حدود تصبح غيرها في المشترك الإنساني, لكن الإضافة أن الرجل في لوحات سارة هو نفسه ويتطابق هو الأخر في مشتركها التعبيري والامتداد لوهجها الانفعالي وهنا هو الموازن النفسي الطبيعي لعناصر مجموع لوحاتها, ويمثل العاكس لما تتوقف عن قوله
فنراه معشوقا أو منبوذا, جميلا يحمل الكثير من الحلم والبريق آو خائبا متكورا في رحم البرودة,
وليس هذا وحسب بل نرى سارة تنوع في أسلوبها في الرسم وفق الحالة التي تريده أن يبدو عليها فتختلف حركة فرشاتها من الضربات العريضة النافرة إلى الخطوط العشوائية السريعة على مساحة الوجه وكأنها تعاقبه على شيء ما! وان كان امتدادا وعاكسا فلما لا يحمل وينتفخ بطنه وتطفو على فضاء العمل صورا لأجنة كبار بوضعية الجنين الراسي؟! الحامل هنا سعيدا بحمله تماما كحال امرأة تنتظر مولدا لا بل وعيناه مغرورقتان بدموع الفرح والاستسلام اللذيذ, وهنا يمكن القول أن الرجل يحمل الحلم, أو يشارك المرأة صورة الحمل, لكن لما لا نقول: أنها ذات الرغبة التي حملها الرجل نيابة عنها ولكن بشكل رمزي؟! إلا أن الموضوع لا يقفل عند هذا الحد فمن قال أن الرجل لا يحمل فهناك 90 حالة في العالم من هذا النوع, حتى إن الأمريكي توماس بيتي حمل وأنجب طفلة!


عمار حسن
Ammar7h@yahoo.com
الموضوع منشور بجريدة البناء التابعة للحزب القومي السوري

عمار حسن
24/10/2008, 05:46 PM
http://www.arabswata.org/forums/imgcache/648.imgcache.jpg