المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كن شجاعا - الرسالة الخامسة



بهائي راغب شراب
27/10/2008, 05:05 PM
الرسالة الخامسة
بهائي راغب شراب

يا ولدي .. إذا أردت أن تكون قائدا صالحا ..
فكن شجاعا

نعم يا ولدي إذا أردت أن تكون قائدا صالحا فكن شجاعا ، ولا تكون شجاعا إلا إذا كنت صابرا ، ولا تكون صابرا إلا إذا كنت قويا .
القائد الصالح يجمع قيم الشجاعة والصبر والقوة معا ، في روحه ونفسه ويده ، وهم في الإنسان يمثلون حالة انتصار على النفس الهيِّنة الضعيفة التي تستسلم بسهولة للمغريات والأهواء .
فالقوة عنصر أخلاقي أصيل في الإنسان الصحيح الفكر والمذهب والبدن ، وهي أساس الثبات والتماسك وألف باء الهجوم والدفاع والعمل .
والفرد لا يكون قويا بدون صبر ، يتحمل الألم ووعورة الدروب واشتداد المحن ، فلا يستسلم ولا يرفع راية الخنوع والضعف والتخاذل وينسحب من موقع الفعل والتأثير وصناعة الأمل .

نعم الصبر يعتبر علامة فارقة بين الصحيح والسقيم ، وبين القوي والضعيف ، فهو لواء المجاهدين المثابرين من أصحاب العزائم والإرادة المتوهجة .. فكن صبورا تكن شجاعا ..
اصبر على الخوف تغلبه ،
واصبر على العدو تهزمه ،
واصبر على الظلام تبدده ،
واظلم على الظلم تبعده ،
واصبر على الحزن تقهره ،
واصبر واصبر واصبر ..
تكن شجاعا من يتشجع شجاعة فهو شجاع ..
لكن احذر يا ولدي فالصبر يكون بما يخصك ويمسَّكَ من لأْواء .. فأنت تصبر على حقك عند الغير ، وتصبر على خسارة تصيبك ، وتصبر على جروحك النازفة .. لكن الصبر بالنسبة لما يصيب الناس عمل أحمق لا تدع الناس أبدا يرون فيك المتخاذل الضعيف الذي لا يستطيع استرداد حقوقهم ، أو لا يستطيع الدفاع عنهم ، الناس لا يحتملون ما تحتمله ، والناس لا تصبر مثل صبرك ، فكن عونا مسرعا في تقديم النجدة إليهم.. وإياك وأن تتركهم لوساوسهم الشيطانية ، فيتخيلونك عونا عليهم وتعمل ضدهم فينقلبون عليك ، ويستخلصون حياتك ..
اصبر على نفسك ولنفسك وعلى أذى نفسك .. لكن الناس لا .. فلا تصبر على أذاهم أبدا ، فإن معاناة الناس أشد من معاناتك ، وجروحهم تفتك بهم أكثر مما تفتك بك جروحك ..انجدهم ولا تصبر على ذلك .. فهم العون والنجدة والمدد الذي ينقذك وسادك ويساندك عندما تستدعيهم .

واعلم أن الناس يا ولدي صنف واحد في مواقفهم وفي ميلهم للشجاعة .. هم يحبون الشجاع ويصفقون له ، بدون استثناء ، وبالرغم من التفاوت في درجات تحليهم وانتمائهم للشجاعة أو عكسها .

والشجاعة يا ولدي همة عالية .. تصّعّد في السماء ، ترنو إليها العيون تراقبها وتستدعيها لتكون المساعد والمؤازر لهم عندما تحل بهم المصائب والمحن ، أو عندما تعوزهم الحاجة والأمل .

وهي يا ولدي روح في الإنسان تدفعه لفعل ما هو مميز ، وبها يصبح الفرد العادي مميزا ، فكيف بالقائد الصالح المستحق للقيادة ، هل يُقْبَل أن يكون ضعيفا أو مهزوزا أو مترددا ، فكيف سيكون قائدا .. كيف سيمارس هذه القيادة .
وبمقياس الشجاعة يُفَرِق الناسُ بين مَنْ يجب توجيه حبهم إليه ومن يجب عليهم النفور منه وعدم منحه ولائهم أو حبهم .. الشجاعة سلوك أيضا يبين منه المزيف من الحقيقي .. فكن يا ولدي حقيقيا في نفسك وفي أدائك وفي شجاعتك ..

واعلم أن الشجاعة أمر لا يمكن المراءاة فيه ولا الرياء ، قد تكذب على الناس وتخدعهم لكن عند مواقف الحسم والمروءة والقوة ,, ستنكشف دواخلك ، وستسقط عند أول امتحان للإرادة .. لأن الشجاع يثبت ويواصل .. بينما غيره يناور ويناور ويناور ، وهو يقدم خطوة واحدة نحو الأمام ويؤخر عشرة إلى الخلف ، بعيدا عن صولة الميدان وعن وطيس المعركة .
فلا تتطفل أبدا على أمر ليس لك وليس منك وليس فيك ما يسند إدعائك أو مطامعك .. فالقيادة لن تكون لك ولن تصير أبدا بمثابة القائد الشجاع الذي يحبه الجميع ويخلصون له ... وأجدر بك الانسحاب من البداية وأنت سليم في نفسك وفي جسدك ومالك وأهلك ..

فالقائد الشجاع يخدم بشجاعته الناس والوطن والقضية والعقيدة .. القائد الشجاع هو الذي يلتف الجميع حوله جنوداَ يأتمرون بأمره .. وكما قيل :" جيش من أرانب يقوده أسد أفضل من جيش أسود يقودهم أرنب " ..

أنظر إلى هذا المعنى الجميل .. القادة الضعفاء يضيعون شعوبهم وبلادهم ومستقبلهم .. ولماذا ؟؟.. لأنهم بكل بساطة إذا لم يكونوا شجعانا فسيكونون جبناء .. وهذا والله الأخس والأذل بين الناس .. مكروهون في كل زمان ومكان ، مكروهون في كل موقع يوجدون فيه .. ولأن الجبان نذل في ذاته ، هين على أقرانه وأهله و أصحابه ، وأسير لدى أعدائه .. إنه مملوك لمن لا يستحق أن يمتلكه .. العدو وهوى النفس الآثمة ..

فإياك - يا ولدي - أن تقرب من حدود هذا العدو المسمى (الجبن) فتكون هالكاً في نفسك ، مهلكاً لمن معك .

والشجاعة – يا ولدي – لا تكون بقوة الجسد وصبره فقط ولكنها تكون أيضاً بالكلمة الطيبة والحكمة الراشدة التي تدفن الشر عند بوادر ظهوره ..
وانظر إلى سيرة نبينا المكرم المصطفى محمد عليه أفضل الصلوات والسلام .. كيف أن الشجاعة منه تجاوزت الصفة إلى كونها سلوك رباني ، ومبادرة سريعة لا تخطئ مسارها ، تنحاز للحق والعدل والمحبة والنور ، فقد صحا أهل المدينة يوماً على صوت جلبة شديدة ، فقاموا يريدون استكشاف الأمر ورده لو كان شراً ، فإذا بهم يرون رسول الله عائداً فوق فرسه يدون صهوة ولا لجام .. حيث هدأهم وطمأنهم أنه ليس في الأمر خطر .. فعادوا آمنين مطمئنين ..
وأذكرك أيضا بمقولته التي حفرت في نفوسنا صغارا كما حفرت في نفوس أجدادنا وستحفر في نفوس أحفادنا .. عندما قال لعمه أبي طالب الذي جاءه برسالة من المشركين يساومونه على رسالته ونبوته : " والله يا عم لو أنهم وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه .. ما تركته "
نعم .. هذا هو القائد الحق المسئول الرائد الذي يضع نشر الرسالة التي يحملها والتي بعث عليها ، وحماية الناس ورعايتهم من أول واجبات قيادته . وإن كنا كبشر لن نصل إلى مستوى النبوة فإنه من الأجدر بكل فرد وواجب عليه أن يجعل من الأنبياء جميعاً قدوة ودرساً وفي مقدمتهم القدوة الكاملة الحية التي لا تزال ماثلة أمام عيوننا وإلى يوم القيامة، إنه :"محمد نبينا" ، الذي قال الله تعالى فيه :" ولو كنت فظاَ غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، وقال أيضاَ :" وإنك لعلى خلق عظيم" .

والقادة الشجعان في تاريخنا يحتلون موقعاً كبيراً في أنفسنا ، فها هو خالد بن الوليد الذي لم يبق في جسده موضع إلا واخترقه سهم أو ضربه سيف أو طعنه رمح ، والذي يقول وهو على فراشه الأخير :" لا نامت أين الجبناء" .
وهذا سعد ابن ابي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص و طارق بن زياد ، وهذا قتيبة بن مسلم وعماد الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس .. ولا ننسى أمير المؤمنين على بن أبي طالب الذي نام وهو ابن عشرة على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته إلى يثرب ليموه على مشركي مكة ..

لقد كانوا شجعاناً .. فكن شجاعاً في جميع أحوالك وكن قوياً في جميع أعمالك التي تصدر عنك ، وكن صابراً ثابتاً عند المحن والشدائد ..
نريدك أن تكون قائداً صالحاً .. فالزم الشجاعة فإنها لك وقاء ، وزينة للصالحين ..

:fl::fl::fl: