المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوجود الأندلسي بالمكسيك



هشام زليم
28/10/2008, 01:36 AM
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

أما بعد:

سنة 1492م سقطت مملكة غرناطة المسلمة بيد الملكين الكاثوليكيين و بسقوطها اندثرت نهائيا دولة الإسلام بالأندلس بعد قرون من المجد و العزة و العطاء المستمرّ لحضارة أوربا التي ما كانت لتقف على رجليها (و تركلنا بهما ركلا بعد ذلك) و تنطلق في طريق العلم و النهضة لولا نهلها من كتب أهل الأندلس المسلمين سواء في ميادين الطب و الرياضيات والبيطرة و الصناعات ...إلخ.

و سنوات قليلة بعد رفع الصليب على أسوار و أبراج قصر الحمراء المنيعة, كشّر الصليبيون عن أنياب
أعدّت خصيصا لافتراس شعب كامل برجاله و نساءه و أطفاله جريمته أنه مسلم موحّد لله تعالى و لم يستثنوا سوى من اعتنق النصرانية و أخلص لها, فليت شعري كيف يعرفوا إخلاص الرجل من عدمه و قد عُلم يقينا أنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله؟ لحلّ هذه المعضلة أنشأ الصليبيون مجالس لمحاسبة الناس سمّيت محاكم التفتيش و لها اختصاصات لا تليق إلا بالله عز وجل. و كان هدف هذه المحاكم إقامة القيامة لمن شُكّ في إخلاصه للمسيحية. نعم لقد استمدوا نظام محاكم التفتيش من موقف يوم القيامة – جعلنا الله من الفائزين في ذلك اليوم - حيث يخاطبون المتهّم على أنه مذنب و لا ينفعه الاعتراف شيئا و يتمادون في تعذيبه بالحديد و النار و في نهاية التحقيق مع المتهم يحكمون إما بتوبته و دخوله للجنة (و لا ينال هذا الحكم إلا من أنفق ما يملك و ما لا يملك لخزينة المحاكم) أو جنايته و دخوله النار. حتى الموتى انتهكت حرمتهم و أخرجوا من قبورهم و ألبسوا الثياب و حوكموا محاكمة الأحياء و إذا ما ثبت تورّطهم أقاموا الحد عليهم فشنقوهم بداية حتى يموتوا (و الله ما أسفه عقول النصارى , الرجال موتى و هم يشنقونهم لقتلهم) ثم يحرّقون جثتهم زيادة في النكال.

أمام هذا الإرهاب الذي لم يعرف له التاريخ مثيلا إلى يومنا هذا, اضطر عدد كبير من المسلمين الأندلسيين إلى مغادرة إسبانيا إلى أي مكان لا توجد فيه محاكم للتفتيش الشيطانية (هكذا كانوا يصفونها) فعبر العدد الأكبر إلى بلاد الإسلام بشمال إفريقيا و ارتحل جزء آخر إلى فرنسا و منها إلى إسطنبول عاصمة دولة آل عثمان أنذاك. على أن أطول هجرة هي التي قام بها أولئك الأندلسيين الذين ارتحلوا إلى القارة الجديدة و بالتحديد إلى المكسيك اعتقادا منهم بعدم وجود محاكم الشيطان هناك , لكن خاب ظنهم لما وصلوا هناك حيث وجدوا الشيطان ومحاكمه قد أسسوا مراكز لهم هناك و خاصة محكمة التفتيش المرعبة san oficio.

لكن كم كان عدد أولئك الأندلسيين الذين اختاروا قطع المحيط فرارا من مخالب الصليبيين؟ لا توجد أعداد محددة تعطي صورة عن الوجود الأندلسي بالمكسيك نظرا لغياب الوثائق و تستّر الأندلسيين عن هوياتهم الحقيقية حتى لا يتعرّضوا للمجزرة.

و حتى نسلّط الضوء على حياة هؤلاء الناس في مكان هجرتهم بالمكسيك قبل 500 عام , رأيت تعريب بحث قيّم بالأسبانية كان قد قدّمه الدكتور عزيز أمحجور (الأستاذ بجامعة مدريد) خلال المؤتمر السنوي للدراسات المورسكية المنعقد بزغوان بتونس, و الدراسة بعنوان:
"La presencia morisca en Mexico: una tradicion silenciada
" الوجود المورسكي بالمكسيك: تقليد خامد"


و هذا البحث هو دراسة فريدة و شاملة لجوانب حياة الأندلسيين بالمكسيك و ظروف عيشهم هناك و تاريخ وصولهم و الآثار التي خلّفوها.

و قد قمت بتعريب البحث تعريبا لا يخلّ بمعنى الكلمات و يحترم مراد الكاتب من كلمته و جملته و اجتهدت في ذلك (طبعا قدر المستطاع و حسب معرفتي المتواضعة باللغة الإسبانية). و قد رأيت أن أضع على كل فقرة عنوانا لتكون دليلا لقارئ الموضوع و هو اجتهاد مني حتى يسهل تتبع الموضوع و قراءته و فهمه.

و قبل أن أنقل نص البحث, أريد أن أقوم بتعريف ثلاثة مفردات ذكرت كثيرا في البحث و هي المورو, المورسكيون و المدجنون.

- المدجنون :mudejar : هم أولئك المسلمون الأندلسيون الذين حافظوا على إسلامهم و عاشوا تحت حكم الكفار بالحواضر الاندلسية التي سقطت بيد النصارى.

- المورو moro: يطلق الأسبان هذه الكلمة على المسلم أندلسيا كان أو مغربيا.

- المورسكيون moriscos:: ظهرت هذه الكلمة أول مرّة لما سقطت كل بلاد الأندلس بيد النصارى حيث قاموا بفرض النصرانية على المسلمين و لم يبق نظريا وجود للمدجنين. و هي تصغير لكلمة مورو و نوع من التحقير لشأنهم و تعني المسلمون المنصّرون. و يسمون كذلك النصارى الجدد.

و هذا نص البحث :


" الوجود المورسكي بالمكسيك: تقليد خامد"
للدكتور عزيز أمحجور.



1-مقدمة المؤلف

بدابة أريد التعبير عن شكري لمؤسسة التميمي و خاصة لمديرها الدكتور عبد الجليل التميمي لتوفيرهم لنا إمكانية المشاركة في هذا المؤتمر. و طبعا أريد التعبير عن شكري و امتناني لمن بفضله علمنا بالاحتفاء بهذه المناسبة هنا بزغوان, دكتورنا البروفسور رودولفو غريمو.

أود أن أبدأ بسؤال قد يطرحه زملائي المحاضرون المجتمعون بهذه المناسبة (و الآن قرّاء هذا المقال): هل هناك وجود مورسكي حقيقي بالمكسيك؟ أم مجرد زوابع لريح شرقية جاءت لهذا البلد على سفن المحتلين الشراعية؟ و إذا كان هناك وجود فعلي, فكيف تُعمّق دراسته؟ بمعنى آخر: ماذا ندرس؟ الهوية المورسكية بالمكسيك, أو ما أضافه المورسكيون للهوية المكسيكية؟

في الحقيقة الوجود المورسكي بأمريكا هو موضوع يبدو مثيرا للإنتباه و الفضول في السنوات الأخيرة. فبعد أعوام عديدة من الصمت ظهرت اليوم دراسات تعالج على الأخص المسائل العامة كالإضافة الثقافية لإسبانيا المسلمة للأراضي الأمريكية عبر التقليد الإسباني, و بالخصوص الدراسات حول الفن و المعمار الإسباني الاستعماري و المدجن, حيث ظهرت بعض التواريخ و الأفكار المتعلقة بالوجود المادي لهذا المجتمع البشري بالقارة الجديدة. أمام نقص الوثائق المنتظمة المتعلقة بهذا الموضوع, قمنا بجمع التواريخ القليلة المذكورة هنا و ناقشنا بعض الأحداث المرتبطة بها. و بنفس الطريقة تعاملنا مع المصادر التاريخية التي تناولت المكسيك. و حتى نتجاوز بشكل ما هذا النقص في الوثائق, اعتمدنا التأويل الآخذ بالاعتبار المستوى الواقعي للبحث أو البراغماتية و هي خطوة ضرورية للبحث السيميوتيكي Sémiotico.


2- نبذة تاريخية عن محنة الأندلسيين

بالطبع لا نستطيع مناقشة وجود – أو الوجود المفترض – المورسكيين بالمكسيك دون ذكر بعض الفقرات الحاسمة من تاريخهم ببلدهم الأصلي و خاصة التي حدثت بعض سقوط غرناطة.
بداية هناك سياسة التنصير التي تبنّاها الكاردينال سيسنيروس الذي وضع حجر الأساس , ابتداءا من سنة 1499م, لحملة تعميد جماعية شكلت خرقا لبنود معاهدة الدخول إلى مملكة غرناطة. ثم بعدها سياسة الأمر الواقع الشهيرة التي تبنّاها نفس الكاردينال سيسنيروس لإدماج المورسكيين. نريد أن نتذكر هذه السياسة في الاحداث المقبلة. لقد تمّ سنة 1516م التعبير عن الرغبة في دمج هؤلاء "المسيحيين الجدد" في المجتمع المسيحي, و هذا يعني أن الذين سيحترمون هذا القرار بإمكانهم البقاء و الذين يرفضون لا يمكنهم ذلك؛ لكن الكثيرين تفننوا في مخادعتهم للحفاظ على عاداتهم و طقوسهم.

براغماتية الكاردينال سيسنيروس أجبرت المورسكيين على التخلي عن زيهم, لغتهم, عاداتهم و دينهم و اعتناق أسلوب و عقلية الحياة المسيحية. هذه البراغماتية لم تستطع تحقيق الأهداف طبعا. و سنة 1567م قام فيليب الثاني نفسه بإصدار قرار جديد يدعو إلى تطبيق الإجراءات التي سنّها سيسنيروس, و أعطى مهلة 3 سنوات للمورسكيين لتعلم اللغة القشتالية و منع كتابة أو قراءة اللغة العربية أو إحياء الشعائر و الأعراس و الأعياد على الطريقة المورسكية و كذلك منع استخدام الأسماء العربية و الحمامات. أما القرار الخاص بالطرد النهائي, فكما نعلم, كان سنة 1609م.


3- قرار منع الأندلسيين من العبور إلى القارة الجديدة.

لكن قبل هذا التاريخ (1609م) و حتى قبل أمر فيليب الثاني بتنفيذ قرارات سيسنيروس, و بالتحديد سنة 1543 (في فترة حكم كارلوس الأول الممتدة من 1516م إلى 1556م ) تمّ إصدار مرسوم ملكي يمنع مرور المورسكيين إلى أمريكا. إنها وثيقة ذات أهمية لا تُقدّر بثمن , و هي في ملك خورخي غارسيا غرانادوس Jorge Garcia Granadosو عنه نشرها مؤرخ الفن المكسيكي مانويل توسانت Manuel Toussaint في مؤلفه الثمين "الفن المدجن بأمريكا" من نسخة مصوّرة عن الأصلية.
و لأهميتها التاريخية الكبرى و علاقتها المتشابكة مع موضوعنا ننقل هنا جزءا منها:
" دون كارلوس, برحمة الإمبراطور الإلاهية, إليكم, رؤساءنا و حكامنا و مستشارينا الملكيين بأراضينا الهندية, هذه الجزر الصامدة في البحر المحيط؛ إلى كل حكامنا و القضاة بالجزر و الأقاليم بأراضينا الهندية و إلى كل واحد منكم عُرضت عليه هذه الرسالة(...) : لقد أُخبِرنا بمرور بعض العبيد البربر ذكورا و إناثا و آخرين أحرار من المورو المتنصّرين حديثا رفقة أبنائهم , وهؤلاء ممنوعون من العبور مهما كانت الأسباب نظرا للأضرار التي بالتجربة عرفناها (...) و لأنه بأرض جديدة كهذه , حيث زُرِعت العقيدة حديثا, علينا استغلال كل فرصة لمنعهم من زرع و نشر فطريات محمد أو غيرها من التي تهاجم الرب –ثم تابع – هكذا قرر مجلس الأراضي الهندية أن كل العبيد البربر ذكورا و إناثا و الأشخاص الحديثي العهد بالنصرانية من المورو و أبنائهم وجب طردهم من الجزيرة و الإقليم حيث يوجدون..."

4- لماذا اكتشفت أمريكا في زمن متأخر؟

الملاحظ أن هذا الخوف من الدين الإسلامي الذي زُرِع في أمريكا لم يكن مقتصرا على أصحاب القرار بل حتى مؤرخو و مفكرو تلك الفترة. فهذا فراي بيرناردينو دي سياكون Fray Bernardino De Sahagun أفلت منه اعتراف عميق في تاريخه العام "أحداث إسبانيا الجديدة" حيث قال : " و كذلك عُلِم يقينا أن ربّنا قد احتفظ بهذا الجزء من الأرض مخفيا حتى هذا الوقت لأن قضاءه الإلهي أراد أن يظهرها للكنيسة الرومانية الكاثوليكية".

هنا نتساءل : مخفية عمّن؟ نعتقد أن الإجابة جد واضحة.

5- نجاح الأندلسيين في المرور رغم المنع

لكن رغم قرار المنع الصادر سنة 1543 يبدو أن العبيد قد نجحوا في الوصول للعالم الجديد, خاصة ما بين عام 1492 و تاريخ صدور قرار المنع. لقد اجتذبتهم تقارير المهاجرين الأوائل الذين رحلوا إلى هناك إما للاستطلاع أو للاستقرار, و كذلك للاضطهاد الذي عانوا منه فقرر البعض المغامرة في البحر الاطلسي فرارا من محارق محاكم التفتيش. (كالمورسكيون الأربعة الذين تابعتهم محاكم التفتيش حسبما أخبر به لوي كاردياك و آخرون).

و كما قال مانويل توسانت معلقا على القرار الملكي: (لكن نفس المنطق "نظرا للأضرار التي بالتجربة عرفناها" تعني أن عددهم كان كبيرا في المستعمرات خلال ذلك التاريخ). توسانت ص 10.
بالفعل فخلال خمسين سنة قطعوا خلالها المحيط من اللازم أن يكون عددهم كبيرا. هكذا تمّ طرح الموضوع بشبه الجزيرة الإيبيرية نظرا للنتائج العنيفة التي خلفتها محاكم التفتيش. كما نعتقد انه لا يمكن استبعاد أن البعض –أو ربما العديد – أمام الحقيقة المُرّة لمغادرة أراضيهم اختاروا الذهاب إلى أبعد مكان.
يقول توسانت: "يمكن أن نقول أن خلال احتلال إسبانيا الجديدة و بلدان أمريكا الأخرى عبر العديد من المنحدرين من المورو. فالأسماء و الألقاب تدعم هذا القول, و بما أن نقاء الدم يمنع من الزعامة في إسبانيا, رحل العديدون عنها بعيدا و أنشئوا حياتهم بأرض بعيدة".

6- أندلسيون ساهموا في احتلال البيرو


لقد ثبت بالوثائق أن 200 مورسكي اشتركوا كجنود في جيش Almagro (المغراوي) لاحتلال البيرو. لكن في حالة المكسيك لا توجد حالات كهذه, فكما قال توسانت :"الشيء المثير للاهتمام و الفضول بعد التثبت –يقول هذا الكاتب – هو أنه بين قضايا الابتداع العديدة المحفوظة لدى محاكم تفتيش الدولة المكسيكية, الجزء الأكبر, بل الغالبية الساحقة متابعون على أنهم يهود و لا يوجد متابعون بالإسلام" (نفس المصدر ص 10). إنها ملاحظة جيدة بخصوص من فرّ من بين مخالب محاكم التفتيش.

تعتبر التقية و الكتمان في الإسلام خيارا يسمح للمسلم بإخفاء عقيدته إن كانت حياته في خطر. أكثر من هذا :" الذين كانوا في المكسيك لم يُظهروا لعقيدتهم نفس الحمية التي كانت لأتباع دين موسى" (توسانت ص 10).

7- فقدان الروابط الاجتماعية بين الأندلسيين في المكسيك

على أي حال, إذا كان المورسكيون مرّوا إلى إسبانيا الجديدة فإن الرجال وحدهم هم الذين مرّوا و خاصة الذين أحسوا بمستقبل قاتم للمحافظة على عاداتهم و تقاليدهم الخاصة. الاجتثاث, المبني على غياب مؤسسة عائلية مورسكية بأمريكا سيؤدي إلى توجيه تعريف الهوية المورسكية نحو أبعاد أخرى.
إن بناء المجتمع المدجن و المورسكي بإسبانيا اعتمد على 3 محاور رئيسية : العائلة, الجماعة و الأمة. في إسبانيا تحولت الأمة إلى مآل محزن, أما الجماعات التي تشكل النواة التي يقوم عليها المجتمع و التي تضمن استمرارية الهوية (Epalza p 101) , في كل مرّة كانت لها مشاكل للاستمرار في لمّ شمل المورسكيين. إن الأمة كالجماعة تحولت إلى ماض يشده الحنين و يعيش في صمت و سيٌستنزف تماما مع مرور الوقت. أمّا الهوية الشخصية فطبعا ضعفت مع الوقت كذلك بفعل الزواج المختلط و تبني الطقوس الجديدة في أية مناسبة لتفادي إثارة الشبهات و السقوط بين مخالب محاكم التفتيش المسماة sant oficio.
كما شاهدنا فمن هوية جماعة بكاملها تحولنا إلى هوية الفرد التي تحولت و تبنت الحقيقة الجديدة.

أسطورة مغربي بالمكسيك
يمكن أن يكون المثال الأكثر تعبيرا و الذي نعرفه هو ل Estebanico de Orantes إيستبانكو دو أورانتس المعروف ب إيستبانكو المورو أو الأسود , و هو من طليعة المحتلين و المبدع الاصلي لأسطورة المدن السبعة؛ هكذا علّقت Alicia Arias Coello في دراستها عن "الصورة الأسطورية لأمريكا بإسبانيا خلال القرن 16".
لم يكن هذا الرجل موريا بالتحديد لكنه من قبيلة دكالة (المغرب). إنه نموذج للانصهار بالمجتمع المحلي فقد وضع تاج الريش على رأسه و الأجراس على كاحليه و يديه و تعلّم لغات الهنود و مارس –وسط هؤلاء – طقوسهم المحلية.

8- مساهمة الأندلسيين في الحضارة المكسيكية (صناعة الحرير)

لم يكن الأمر مقتصرا فقط على الإستقبال بل جاؤوا بثقاقتهم إلى البلد المستقبل. من بين المساهمات المورسكية نجد ازدهار فن الحرير إلى حد أن أول أسقف بالمكسيك Juan de Zumarraga فكّر في جلب مجموعة من المورسكيين من غرناطة ليهتموا بثقافة الحرير و ليُعلّموا هذا الفن للهنود. هذه العريضة قدّمت للملك و نال الأسقف على إثرها نظرة طيبة من العاهل, هذا حسب رواية Garcia Icazbalceta في مؤلفها "صناعة الحرير بإسبانيا (6-1935).
يقول توسانت :" هذا دليل على ان مسألة مرور المورسكيين إلى إسبانيا الجديدة لم يكن ينظر إليه بهلع في بداية القرن السادس عشر, الشيء الذي تغيّر بعد قيام محكمة التفتيش Sant oficio(توسانت ص 9) . رغم ذلك فغن هذا المشروع لم ير النور لكن المؤكد هو وجود مورسكيين عملوا في هذا الميدان إلى حد أنه في بداية القرن السابع عشر تم التفكير في إنشاء قيصرية بالمنازل الوجودة ب Cortes , و هو سوق للحرير تحدّث عنه Lucas Alaman في الجزء الثاني من مؤلفه "أطروحات حول تاريخ الجمهورية المكسيكية" (ص 207). هذا المشروع لم ير النور كذلك لكن فُتحت مكانه شوارع ضيقة حملة اسم قيصرية و توسّعت هذه الزقاق حتى أصبحت أصل شارع Calle palma بالعاصمة المكسييكية (توسانت ص 47).

إلى جانب ازدهار فن الحرير في القرون التالية للاحتلال نجد سيادة النمط المورسكي للحياة و العادات المكسيكية: " الزرابي المورسكية التي لا تتنافس إلا مع نظيراتها التركية؛ الجلود المغطية للأبواب ؛ المنصات الصغيرة التي تجلس عليها النساء فوق المساند؛ المناضد المنحدرة التي تُستعمل كمركز للغرفة؛ الشبابيك الخشبية الرقيقة لمنع النظر إلى داخل المساكن ؛ و الستائر المشكّلة لغرف استقبال صغيرة (وسط الإسطبلات الكبيرة) (توسانت ص 10) . حتى في الأطعمة وُجد هناك تأثير مدجّن , فهناك ما يُعرف باسم "حلويات بويبلا" Dulces de Puebla ذات الأصل الشرقي كما يدل على ذلك اسمها: الفاخوري Alfajores و الفنيقيس Alfeniques. و هناك أطعمة أخرى لها نفس الأصل ك Los camotes (البطاطا المطهية) و حلويات اللوز و Tortitas ( أظنه الخبز المحلى) و غيرها. (توسانت 47).

9- البصمات الأندلسية في الميدان المعماري

يبدو أن البصمات المورسكية تظهر بشكل جلي في المجال المعماري. فوجود مظاهر مُدجّنة هو شيء واضح و بدأ ظهوره بالمكسيك في القرن السابع عشر و هو ما يُصادف طرد المورسكيين من شبه الجزيرة الإسبانية, حسب قول توسانت (توسانت ص 10). و يخبرنا هذا الكاتب أن ما وُجد و لازال يوجد من معالم تشبه ما بناه المورو بإسبانيا. على سبيل المثال المعابد المفتوحة على طراز مساجد المسلمين كالكنيسة المعروفة باسم San José de Los Naturales , و الملحق بدير San francisco بالمكسيك و المكوّن صحون جميعها مفتوحة في أقصاها مع سقف تدعمه أقواس و هو يشبه في تركيبه جامع قرطبة. للأسف لم يتم حفظ هذه المعلمة لكن المعبد الملكي ل Chulula ظل كما بٌني في القرن السادس عشر و رغم تعرّضه لبعض التغييرات فقد ظل شبيها بجامع قرطبة. (توسانت ص 26).

يقول دييغو أنغولو إنييكيز Diego Angulo Iniguez في كتابه "تاريخ الفن الإسباني-الأمريكي" ( ص 144) " يجب الإعتراف أن أولئك الذين بنوا معبد Chulula الملكي كانوا يحملون ذكريات الصحون العديدة لجامع قرطبة – وتابع- فإذا كانت هذه الحالة فريدة على مستوى البناء فإن على مستوى التزيين كان الأثر المدجّن ذائعا"

إذن المظاهر الأكثر بروزا هي التزيين عبر النقوش المربّعة بخطوط هندسية, و صناعة السقوف المنحدرة, و الزخارف المنقوشة و الأقواس (ككنيسة Carmen de laVirgen ب Tepotzotlan) , و الأعمدة الاسطوانية و الأقواس على شكل حوافر الحصان, و أسوار القلاع ذات التحديبات المنتظمة و استعمال الطوب و الزليج (و هي علامة مميزة بين المدينة و القرية) و التزيين عبر الزخرفة النباتية...إلخ. "في المكسيك, الذوق للبناء و الزخرفة المدجنة امتدت طول الفترة الإستعمارية و القرن التاسع عشر (...) و استمرّ كحركة لصالح الفن المورسكي المسجّل بمدن البلاد" حسب ما أفادت به إليزا غارسيا براغان Elisa Garcia Barragan.

"مجتمع الابتكار المحض" أصبح "دائرة كاثوليكية" ب Puebla (مع وجود باحة مورسكية ثمينة و طابقها على شكل مربع به رسوم هندسية على طراز الحمراء) " و الخيمة المورسكية" (نسخة كاملة لأقواس الحمراء و قصر إشبيلية) بالعاصمة المكسيكية هو مثال جيد لهذا.فيبدو أن الإلهام قد اعتمد على هذا الماضي . لكن هناك منطق آخر يقول أن هذه الآثار قد بنيت في فترة كان فيها المورسكي و الشرقي قد غادرا للتو طرازا آخر.


10-خاتمة

في الختام نريد أن نقول أنه كما في إسبانيا قد مرّت عناصر شرقية إلى الثقافة الإسبانية عبر المدجنين و المورسكيين , فكذلك بالمكسيك مرّت عناصر إسبانية-عربية على يد المورسكيين و الأندلسيين أو الإسبان على العموم بما أن التقاليد العربية شكلت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإسبانية.

يقول توسانت:" من الواضح أن هذه التقاليد جلبها المسيحيون الأندلسيون أنفسهم فقد كانوا مجبرين على العيش جنبا إلى جنب مع المورو طيلة قرون, فتبنوا عاداتهم عن طيب خاطر, لكن هناك شيء ما أشعل الفتنة حتى لا تفشل محارق محاكم التفتيش" (توسانت ص 10) . و طبعا كان من بين من مروا إلى المكسيك مورسكيون أصليون.

رغم أنها ليست موثقة فإن المعطيات التي تأكّد الوجود المورسكي بالمكسيك تبيّن أن هذا التجمع البشري في هذه البلاد و في نقاط أخرى من القارة الجديدة قد كان حقيقة. حقيقة خامدة, خامدة و صامتة في نفس الوقت : خامدة من طرف السلطات بما أن المصادر التاريخية الرسمية لتلك الفترة لم تتطرق لهدا الموضوع, و صامتة بالنسبة للمورسكيين الأوائل الذين أخفوا هوياتهم حتى لا يسقطوا بين مخالب محاكم التفتيش. إن مصيرهم هو الصمت للأبد فلم يكن لهم حتى امتياز ذكرهم في الأرشيف العام للدولة.

و في النهاية, و حتى نختم, نستطيع أن نقول أن المورسكي القادم من مجال و نموذج مثالي للتهجين أصبح جزءا لا يتجزأ من التقليد المكسيكي , خاصة إذا علمنا أن السكان الاصليين, الوارثين لتقليد فني عجيب, شاركوا في مجموعة أعمال فنية و معمارية دمجوا فيها ثقافة جديدة جاعلين منها هوية ثقافية مكسيكية مركّبة.

انتهى


تم التعريب و لله الحمد. و صلى الله و سلّم و بارك على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

عرّبه و كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات.


و أدناه المراجع التي اعتمد عليها الدكتور أمحجور:




Alamán, Lucas (1942); Disertación sobre la historia de la República mejicana, México, Editorial Jus.

Angulo Iñiguez, Diego (1945); Historia del are hispanoamericano, Tomo I, Barcelona-Buenos Aires, Salvat Editores.

Arias Coello, Alicia (1992); “La imagen mítica de América en la España del Siglo XVI” en ACTAS del XXIX Congreso del Instituto Internacional de Literatura Iberoamericana, Tomo I, pp. 273-284, Universidad de Barcelona 15–19 de Junio, 1992.

Baxter Silvestre; La arquitectura hispano colonial en México, México, D. F., 1934.

Epalza, Míkel de (1992); Los moriscos antes y después de la expulsión, Madrid, Editorial Mapfre.

García Arenal, Mercedes (1975); Los moriscos, Madrid, Editora Nacional.

García Barragán, Elisa (1981); “Supervivencias mudéjares y presencias

orientalistas en la arquitectura mexicana” en Actas del I Simposio

Internacional de Mudejarismo, Madrid-Teruel, Diputación Provincial de Teruel. Consejo Superior de Investigaciones científicas.

García Icazbalceta, Joaquín (1935); La industria de la seda en México,

Jalapa–Enriquez, Talleres de la Escuela de Arte y Oficios.

Garrido Aranda, Antonio (1980); Moriscos e indios. Precedentes
hispánicos en la evangelización en México, México, D. F., Edición del Instituto de Investigaciones Antropológicas, Universidad Nacional de México.

López Guzmán, Rafael (Coordinación) (2002); Síntesis de culturas.
Mudéjar. Itinerario cultural del mudéjar en México, Granada, Ediciones Fundación El Legado Andalusí.

Marmol Carvajal, Luis del (1946); Historia del rebelión y castigo de los moriscos del reino de Granada, Biblioteca de Autores Españoles, Madrid, Ed. Atlas. (1ª edición en Málaga por Juan René en el año MDC).

Pezzi, Elena (1991); Los moriscos que no se fueron, Almería, Ed. Cajal.
Sahagún, Fray Bernardino de (1946); Historia general de las cosas de Nueva España, Edición, introducción y notas de Juan Carlos Temprano, Madrid, Historia 16, Crónicas de América.

Toussaint, Manuel (1946); Arte mudéjar en América, México, Editorial Porru

عامر العظم
28/10/2008, 08:46 AM
الكوبيون يعترفون أيضا.....
من موقع سفارة كوبا في سوريا

الوجود العربي في كوبا
http://www.embacubasiria.com/a000010a.html

للحديث عن وجود العرب في كوبا الذي يعود تاريخ بدئه إلي قرون عديدة وتأثيرهم على طيف ثقافتنا المتنوع ، لا بد من الانطلاق من نظرة متعددة الألوان والسياقات.


على الرغم من التخمين بوجود موريسكيين في أطقم رحلات كريستوف كلومبس عبر المحيطات ، فإن أول مؤشر على آثارهم الديمغرافية المفترضة تقدمه ، ويا للعجب ، مراسم التحريم الصادرة عن التاج الإسباني ،عبر "أوامر ملكية" منتظمة صدرت طيلة القرن السادس عشر ، والتي كانت تنبه السلطات الإسبانية الاستعمارية إلى الوجود غير القانوني في العالم الجديد لأشخاص انقلبوا مجدداً إلى "موريسكيين" وتلك هي التسمية التي عرف بها المسلمون الاسبانيون القدامى : موريسك.


إن مفعول مراسم التحريم الملكية شمل أيضا العبيد المنتمين إلى مجموعات عرقية إفريقية كالبربر والجولوفي ، الذين اعتنقوا الدين الإسلامي.


إن وجود الموريسك الواضح في القارة الأمريكية كان له صدى في كوبا ؛ ففي عام 1593 تم تعميد رجل موريسكي ، بربري الأصل ، في خورية هافانا الكبرى، اتخذ لنفسه اسم "خوان ديلا كروس".تلك الطقوس الدينية وغيرها من التي مارسها الموريسك الإسبان أو الأفارقة ، كان يقيمها كبار رجال الجزيرة المستعمرون. لقد وصل مدينة هافانا في عام 1596 ، وذلك حسب أبحاث الدكتور سيزار غارسيا ديل بينو ، بضعة عشرات من العبيد المسلمين ، من بينهم مجموعة يعود اصلها إلى ممالك المغرب وفاس وتونس وطرميسين إضافة إلى اثنين من الموريسك.


تلك الآثار الوثائقية تسمح لنا بأن نصف المرحلة الأولى من تأثير العرب في كوبا بأنه إسباني - موريسكي وموريسكي - شمال إفريقي أتى به العبيد وأشخاص أحرار انقلبوا إلى الكاثوليكية. أحد مظاهر هذا التأثير نلاحظه في بصمات الفن المعماري ، إذ أنه خلال القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر تميز الفن المعماري في هافانا وريميديوس وسانتياغو دي كوبا وغيرها من المدن بالطراز المدجن ، كإرث هام من مدرسة إشبيليا الموريسكية في التشييد.

إن الطراز المدجن ملحوظ في المباني الدينية والمدنية الواقعة في الجزء التاريخي من مدينة هافانا ( كنيسة الروح القدس ، ودار الحرف رقم 12 ، ودار الكومت تاكون رقم 4 ) وفي مدينة ريميديوس ( في كنيسة المدينة الكبيرة )


لقد ترك الإستعمار الإسباني في كوبا بصمات عربية أخرى منها الآثار اللغوية في اللغة الإسبانية بآلاف من المفردات وصلتها من اللغة العربية ، و كذلك في بعض العبارات اللغوية الكوبية ، واستخدام أنواع كثيرة من البهارات من أصل موريسكي في الأكلات المحلية والكثير من النباتات العطرية في الحدائق عندنا.


بعض التأثيرات غير المباشرة من الثقافة العربية الإسلامية وصلتنا عبر العبيد من مختلف التسميات والمجموعات العرقية الإسلامية من غربي إفريقيا . إنهم أتوا إلينا بتحية "السلام عليكم" و بعادات أخرى مثل ارتداء اللباس الأبيض واستخدام النساء للعمامة وغيرها من العادات الإسلامية التي تبنتها مختلف الأنظمة الدينية الإفريقية الكوبية.


إن اللحظة التاريخية الكبرى من وجود العرب في الأرض الكوبية أتت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية النصف الأول من القرن العشرين وذلك بمجيء اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين وبدرجة اقل المصريين والليبيين والجزائريين واليمنيين. يبدو أن أول ممثل عن هذه الموجة كان يوسف جبور الذي وصل كوبا في العام 1870 . حيث تبين إحصائيات الهجرة أن ما بين 1906 و 1913 كان 30 بالمائة من العرب الذين وصلوا إلى كوبا ، قد جاؤا مباشرة مما يسمى تركيا الآسيوية ومن بلدان أوروبية وأمريكية أخرى.


إن أكبر نسبة مئوية أتى بها المهاجرون اللبنانيون الذين هاجروا عن أراضيهم بسبب الأزمة الاقتصادية العميقة التي أفلست المنتجين المحليين ، وبسبب التناقضات مع الإمبراطورية العثمانية التي ولدت استياء المجموعات المسيحية ، خاصة المارونية منهم . أما الفلسطينيون فهاجروا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى بشكل أساسي . وتشير الإحصائيات إلى أنه ما بعد عامي 1920 و 1931 دخل كوبا ما مجموعه 9337 مواطن عربي من شرقي البحر الأبيض المتوسط .


منذ بداية وصولهم البلد ظهرت مشكلة تسمية المهاجرين العرب العامة الذين سجلوا في البداية ك " أتراك " بغض النظر عن انتمائهم العرقي الحقيقي . وبعد هزيمة الأتراك سموا بـ " السوريين ".


لقد فضلوا الاستقرار في المناطق الحضرية والتجارية من الجزيرة و في القرى المتطورة في صناعة السكر وتربية المواشي . وكانت المناطق السكنية الأكثر أهمية لهم هي مدينتا هافانا وسنتياغو دي كوبا وهما أهم الموانئ لوصول الناطقين بالعربية إلى الجزيرة . إضافة إلى المنطقة الوسطية لمدينة هافانا ( ستتو هافانا الحالية ) و الجزء التاريخي لها ، أقام العرب في الأحياء التالية : مارياناو ، سنتا أماليا ، حي خوانيلو ، ريغلا وقرى محافظة هافانا الحالية ( غوينيس و بيخوكال و كيفيكان و باوتا ) . أما في المحافظات الشرقية ، فكانت المناطق المفضلة عندهم ، إضافة إلى مدينة سنتياغو دي كوبا ، مدينة غوانتانامو ، وكويتو ، ومنسانيجو ، وأولغين ، ولاس طوناس .


أما في كماغويه ، فقد استقروا في غوايمارو ، وميناس ، ومورون ، لاسولا ، وإسميرالدا ، وسنتا كروز ، وسيغو دي أفيلا . في بقية أجزاء البلد كانت هناك تجمعات في سنتا كلارا ، وكبايغوان ، وساوا لغراندي ، ومتانساس ، وكرديناس ، وبينار ديل ريو .


إن بيع البضائع بالتجول ، المرتبط بالتعبير المشهور " أشتري الذهب القديم وأبيعه "، وتجارة الأقمشة بالمفرق ، خاصة الملبوسات والخردوات والمجوهرات ، ومحال بيع الأقمشة ومخازن الاستيراد شكلت القطاعات الأساسية التي توظف فيها العرب في كوبا .وكان لمحلات الخياطة للرجال والمطاعم التي تقدم فيها الأطباق التقليدية من الأكلات الشرقية أهمية أيضا . إن الجيل الأول من المنحدرين من أصل عربي برز ولا يزال يبرز في مجال العلوم الطبية وأوجه مهنية أخرى .


لقد تميزت كتلة المهاجرين العرب بالتنوع الطائفي الخاص بالمنطقة : مسيحيون موارنة ، وأرثوذكس ، ومالكيون ، وآشوريون كالديون ، وآشوريون نصتوريانيون ، ولاتينيون ، ومسلمون سنة وشيعة ودروز . وأكثرهم نشاطا دينيا كانوا الموارنة الذين كان لهم أربعة خوريون موارنة في مدينة هافانا يقيمون القداس باللغة العربية في الخوريات الموجودة في العاصمة : مار يهوذا ، ومار نقولاس ، وخورية يسوع ومريم ويوسف ، وخورية المسيح الحامي للمسافرين . أيضا أقام الخوريون الموارنة طقوس الزواج والتعميد والطقوس الخاصة بموتى الجالية المسيحية العربية في كوبا .


التجمع الاجتماعي للمهاجرين كان في بعض الحالات على مستوى الجنسيات ، ومالوا تاريخيا إلى توحيد الجنسيات الثلاثة الأكثر عدداً . أن معظم الجمعيات العرقية العربية - التي يبلغ عددها على مر الزمان اكثر من 30 - كانت خيرية أو ترفيهية ، وفي حالات استثنائية فقط كان لها مرامي سياسية . لقد تركز الجزء الأكبر منها فيما سمي بـ "حارة العرب في هافانا" التي امتدت من شارع "مونتي" كشارع رئيسي لها إلى غيرها من الشوارع مثل شارع مار نقولاس ، وشارع كوراليس ، وأنتون ريسيو ، وشارع فيغوراس . لقد تجمعوا أيضا في حارة "تيفولي" في مدينة سنتياغو دي كوبا .


خلال العقود غير القليلة لاستقرارهم في كوبا ، ترك العرب آثارهم في مختلف مجالات الحياة السياسية والثقافية للجزيرة ، اكثر من اثني عشر منهم انضموا بنشاط إلى الحروب الاستقلالية وترفعوا إلى رتب عسكرية مختلفة ؛ كما انه خلال النضالات الثورية في المدن ضد الاستعمار الجديد، سجلت أسماء الكثير من المنحدرين منهم في قائمة شهداء الوطن . أما العلماء الناطقون باللغة العربية فقد قاموا بإنجازات لن تمحى من تاريخ الطب وفروعه ؛ والأمر كذلك في مجال الثقافة ، حيث برزت إنجازاتهم في الموسيقى والفنون التشكيلية والشعر ، دون أن ننسى هؤلاء الذين برزوا في المحاماة وتعليم الفلسفة واكتسبوا شهرة على المستوى العالمي .


إن الكوبي المنحدر من اصل عربي ، لهو نتيجة عرقية وراثية لشكلين من الوحدة : الوحدة الداخلية ، أي ما بين أم وأب عربيين ، والوحدة ما بين عرقيات مختلفة ، أي من أب أو أم عربية فقط ، حيث كان للطرف الكوبي وزن هام . إن ارض مسقط رأسه وتربيته ووعيه الذاتي وهويته وتطوره النفسي الاجتماعي يجعله يتصرف ككوبي ، لكن العديد من العادات والتقاليد من وطن أجداده والتي انتقلت من جيل إلى جيل ، قد تبقى عندهم كممارسات دائمة . هكذا احتفظوا في بيوتهم بأكلات شرقية تقليدية ويحملون في أعماقهم اثرين لا يمحيان من عرقيتهم الماضية : الملامح الجسمانية والألقاب التي ترمز إلى أسماء مجموعات عائلات في تلك المجتمعات الأبوية .


في الوقت الراهن يتجمع الوافدون الشرقيون والمنحدرون منهم في الجزيرة في الاتحاد العربي في كوبا ( U A C ) وهو منظمة غير حكومية تأسست رسميا في الرابع من شهر نيسان / أبريل من عام 1979 نتيجة عملية توحيد الجمعية اللبنانية في هافانا ، والجمعية العربية المركزية ، والجمعية العربية الفلسطينية في كوبا . ومثل ذلك الانصهار تحقيق أمنية قديمة لمسئولي الهيئات المذكورة : لم شمل العائلة العربية في كوبا ، وأداء عمل افضل فيما يخص نشر الهوية والتقاليد والثقافة العربية والترويج لها.


يشكل الاتحاد الغربي في كوبا أحد أعضاء اتحاد الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية ( FEARAB - AMERICA) البارزين والناشطين ، فيجري تبادلات أخوية مع الاتحادات العربية الموجودة في البلدان الأعضاء.


ويحافظ الاتحاد العربي في كوبا على روابطه العائلية والتاريخية مع الوطن الأصلي لأجداده عبر علاقاته الثنائية وعبر FEARAB - AMERICA .


هناك هيئة هامة أخرى تعمل في سبيل نشر ارث الثقافة العربية في وطننا ، ألا وهي " دار العرب " التابع لمكتب مؤرخ مدينة هافانا ، الذي أقيم في عام 1983 والذي يحتضن في قاعاته متحفا عربيا تبرز من بين قاعاته الأكثر إبداعا قاعة عرض تاريخ المهاجرين العرب في كوبا .


هناك عناصر أخرى تضاف إلى تراث الثقافة العربية في كوبا لم تنجُ من الميل والحب للعروبة في القرنين الآخيرين في الفن المعماري ، كالقصور والفنادق ذات شهرة ، أو عادة شراء مطرزات حائطية عليها رسوم ترمز إلى مشاهد البدو و المتاجرة ، أو حتى استيراد أدوات وتماثيل خاصة بثقافة الإسلام . إن كل تلك المؤشرات تضاف إلى تلك الذكريات التي احتفظ بها أبناء العرب أنفسهم بما فيها الإنجيل والقرآن باللغة العربية وحتى العود ، وهو أداة موسيقية عربية الأصل اندمجت في موسيقانا الشعبية.


وتكتمل البصمات الثقافية العربية في الجزيرة بالتضامن التاريخي والمتزايد الذي لا زالت كوبا تمارسه مع مختلف الشعوب العربية في نضالها من اجل الاستقلال والعدالة . لقد ورث المواطن الكوبي الحالي من أفكار خوسيه مارتي تقديره العالي لحضارة عريقة كانت مقوماتها العرقية - على حد قول المعلم خوسيه مارتي - "مخلوقات الأرض الأكثر خفة في الحركة والأكثر إثارة للإعجاب"


ريغوبيرتو منينديس

سرجون محمد
28/10/2008, 12:45 PM
بارك الله بكم لهذه النافذه التاريخية

وفقكم الله

جمال الأحمر
28/10/2008, 12:58 PM
الأستاذ البارع؛ هشام بن محمد


1- تحيتي وشكري على هذا المجهود الطيب ...

2- ها قد اكتشفنا فيك مترجما من العربية إلى الأسبانية. بارك الله لك في علمك...

3- البحث رائع، بل ممتاز، نثمن فيه جهد الدكتور عزيز أمحجور (الأستاذ بجامعة مدريد)، مثلما نشكر القائمين على المؤتمر السنوي للدراسات المورسكية المنعقد بزغوان بتونس، وهم مؤسسة التميمي وصاحبها الدكتور ع الجليل التميمي.

4- أنا معجب بطريقة اختيارك للموضوع، وبأدائك الرائع في الترجمة إذ جعلت النص كأنه مكتوب بالعربية أساسا.

5- لدي بعض الملاحظات القليلة على بعض الكليمات هنا وهناك في الترجمة واللغة، التي أنوي إضافتها لاحقا، وأرجو من حضرتك اتساع صدرك لها،،،وهي خفيفة جدا، لأني أقرأ الأسبانية ولا أكتب بها.

6- أدعو القراء الكرام للاستعداد بإقامة ذكرى انتهاء القرن الرابع (400 سنة) على إخراج آخر موريسكي (أوربي قوطي الأصل وعربي وبربري وزنجي) من بلاده الأندلس، واستيطان (الأوربيين القشتاليين والأرغونيين بها، بغير حق، من باب الاحتلال الكاسع بعد إخراج أهلها منها).
وهذا التهجير القسري كان آخره عام1609 م ونحن على أبواب عام 2009م.

وسوف نقيم الذكرى عند موافقها الهجري (1018-1019هـ) ليكون هو الأصل بعد ذلك.

جمال الأحمر
28/10/2008, 01:05 PM
أستاذنا الهمام؛ عامر العظم
تحية طيبة

1- أشكركم جزيل الشكر على هذه المشاركة القيمة على الرغم من أشغالكم واهتماماتكم الكثيرة...بارك الله في جهدكم.

2- لقد أفردت رابطا لموضوع "الأندلسيون في كوبا"،
وقد لا أجيد نقل مشاركتكم إلى هناك، دون فقد اسم صاحبها...

http://arabswata.org/forums/showthread.php?p=271914#post271914

تحياتي الأخوية من الأندلس إلى فلسطين...الهدف شوهد، حـــــــــــــوِّل :)