المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأستاذ ( بقلم : محمد سنجر )



محمد سنجر
30/10/2008, 10:12 PM
(صرخ مناديا)
: محمد يا فريد
(عندها و عندها فقط ندمت على كل ما قلته منذ لحظات ،
ندمت حتى على التحاقي بالدراسة ،
ما لي أنا و الرياضيات ؟ )
( رد زميلي ( محمد فريد ) متشفيا و كأنه يعرف ما يريده الأستاذ )
: أمرك يا أستـــــــــــاذ .
: بسرعة هات لي أكبر (خرازانة) تقابلك في طريقك .
: هواااااااا .
( بالكاد سمعناها تخرج من فمه ، انطلق ـ منه لله ـ كالريح ،
حاولت التغلب على الرعب الذي سيطر على كياني ، رفعت نظري إليه ، وجدته يقف شامخا على باب الصف ،
كانت الشمس تتعامد على وجهه ، بدا لي وقتها عملاقا جهولا ،
أخذ يتمتم و يتمتم )
: بسرعة يا محمد يا فريد ،
أكبر خرازانة ،
معاك حق ،
أنا الغلطان ،
بسرعة ياد يا محمد يا فريد .
( خيم على الصف مزيج من صوته الغاضب مصطحبا لاصطكاك ركبتاي من الرعب ،
سمعت دقات قلبي ، خلته يحاول الهرب من قفصه الصدري ،
أخذت ألوم نفسي )
: مش كنت قعدت ساكت في حالي أحسن لي ؟
و العمل إيه دلوقتي ؟
( أخذت أتمتم )
: و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ، ربنا يهديك يا أستاذ ، ربنا يحنن قلبك قادر يا كريم ،
( منذ لحظات كنت أجلس محترما لا بي و لا علي ،
الأستاذ كتب ما كتب على (السبورة) ،
حل المسألة غلط و الا صح ، و أنا مالي ؟
الطلاب نقلوا الخطأ أو لم ينقلونه ، و أنا مال أهلي ؟
لازم أعمل فيها عبقري و أقف و أعترض ؟
حتى اعتراضي كان خارج عن أبسط مبادئ الذوق و الأدب ،
نعم ، واجهته بخطئه أمام جميع الطلاب ،
كنت خدته على جنب و عرفته غلطه ، بالله عليك ما هو موقفه الآن ؟
انظر إلى زملائك ، ابتسامات السخرية و الشماتة تعلو الوجوه ،
و لكن لا ، فلقد راجعت نفسي مرارا ،
نعم ، تأكدت من أن حله لتلك المسألة الحسابية كان خطأ ،
نعم ، راجعت نفسي أكثر من مرة ،
و لكنه طلب من زميلي (محمد فريد) إحضار العصا لمعاقبتي؟
بالله عليك لو كنت مكانه ،
كيف كنت ستحفظ ماء وجهك أمام طلابك ؟
لابد طبعا من معاقبتي ،
عندها أتى (محمد فريد ) يحمل (خيزرانة) من الحجم العائلي ،
عندها فقط أيقنت استحالة الإفلات ،
أغمضت عيني و تنهدت مستسلما ،
و إذا بالأستاذ يتوسط الصف و يقول بصوته الجهور )
: الصف كله قيام ،
الكل يفتح إيده ،
( ساد هرج و مرج بالصف ،
صفق قلبي راقصا فرحا ،
لا ،
اللهم لا شماتة ،
عندها انهال الأستاذ ضربا على جميع الطلاب ،
أخذته حالة من الهياج الشديد ،
أخذ يصيح غاضبا )
: يا أغبيا ،
يا فشلة يا ولاد الفشلة ،
يا شوية بهايم ،
مفيش حد فيكم ينبهني ؟
كل ما أكتب حاجة زي البهايم تكتبوا ورايا و خلاص ؟
أنا برضه بشر مش ملاك ، مش تشوفوا الأول بتكتبوا إيه ؟
كان يبقى إيه منظري دلوقتي لو دخل علينا الموجه و الا الناظر ؟
كنت أعمل إيه أنا بقى لو حد كان شاف الغلط ده ؟
كنت أنا و ولادي دلوقتي في الشارع ؟
كنت عملت إيه دلوقتي لو كان ربنا ما رزقنيش بطالب عبقري زي ده ؟
طالب ؟ طالب إيه ؟ لا ده أستاذ الأساتذة ،
من هنا و رايح إياكم حد يناديه غير (الأستاذ محمد)
سامعين و الا لأ ؟
( أسرع إلى حقيبته ، أخرج منها السجل الخاص بأسماء و درجات الطلاب ، أخذ يسجل بها متمتما )
: محمد عبد المحسن ، محمد عبد المحسن ،
محمد ؟ الأستاذ محمد ، نعم الأستاذ محمد عبد المحسن ،
أهوه ، تلاتين من تلاتين يناير ، تلاتين من تلاتين فبراير ، تلاتين من تلاتين مارس ، تلاتين من تلاتين إبريل ،
روح يا شيخ الله يعمر بيتك ، الله يسترك زي ما سترتني ، الله ينصرك زي ما نصرتني ،
تفضل يا أستاذ محمد بالجلوس تفضل
( اتجهت مطأطأ الرأس و قد احمر وجهي خجلا من كثرة الإطراء ،
أحمد الله على توفيقه لي ، لكن سرعان ما دق الجرس معلنا انتهاء حصة الرياضيات و رحيل الأستاذ ،
فجأة ،
انتفض جميع الزملاء ،
تجمع الكل حولي ،
أخذني الكبر ،
تأهبت لنيل المزيد من كلمات الإطراء و التبجيل ،
ألم فظيع سيطر على جسدي ، حاولت للحظة واحدة أن أتبين من أين تأتيني الركلات و اللكمات ،
باءت كل محاولاتي بالفشل )