المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترشيحات بوكر العربية... مراهنات وتحولات



د. طلال الجعفري
31/10/2008, 11:12 AM
في سياق ما أحدثته الجائزة الدولية للرواية العربية (بوكر العربية) ipaf من حراك قوي في ميدان الرواية العربية؛ وذلك فور إعلان قائمة الفائزين بدورتها الأولى، والذين أتى على رأسهم المصري "بهاء طاهر" بروايته "واحة الغروب"، إضافة إلى قائمة الستة الفائزين بالمركز الثاني على التساوي، بزغ في فضاء الرواية العربية نسق جديد من العلاقات والسلوكيات الممزوجة بقسط غير قليل من تبني أخلاقيات المغامرة والمزايدة والتآمر والتلون وتبديل الخطاب دون خجل أو وجل.
وربما يوحي صدر حديثي بالمبالغة أو انتواء الهجوم على الجائزة أو القائمين عليها لسبب أو لآخر؛ غير أنني أقرر هنا - وهو ما أعتقد أن الشواهد التي سأوردها ستؤكده في مقالي القصير هذا - أن المسألة لا تتعدى كونها متابعة حيادية محضة لمجريات الحادث في المشهد الروائي العربي، وملاحظات مسجلة على تحولات عميقة في بنيته أملتها مؤثرات مادية واعتبارية لا يستهان بها تمتلكها الجائزة الوليدة وتملك سلطة إغداقها على نفر من الروائيين - وفقا لمعاييرها الخاصة - مسجلة تحولات مصيرية في مساراتهم الأدبية والحياتية معا؛ وهي الظاهرة التي تستوجب من وجهة نظري عشرات الدراسات لاستجلائها وتبيان نتائجها على نحو أقرب للعلمية، خاصة بعد أن تابع المعنيون بالشأن الروائي تداعيات الجائزة ومكتسباتها التي حصدها الفائزون - فضلا عن العامل المادي والإعلامي - حيث تم نقل رواية بهاء طاهر، "واحة الغروب"، إلى اللغة الانجليزية بمعرفة "همفري ديفيس"، وهو المترجم الذي ذاع صيته في ترجمة روايات الأدب العربي، وذلك بتمويل من " سيجريد روزينج"، بينما تتولى نشر العمل في المملكة المتّحدة، أواخر صيف 2009، دار "سكيبتر" (وهي دمغة الناشر "هودر أند ستيتون ليميتيد"). في هذا الإطار، ينهمك وكيل المؤلّف، المتمثّل بشركة "أندرو نورنبرج" للنشر الأدبي، في صياغة العقود بشكلها النهائي ضمن عدد من الدول المنتشرة في كلّ حدب وصوب من الكرة الأرضية. أمّا بقية الكتّاب الذين تأهلوا إلى القائمة النهائية، فنذكر منهم أوّلاً "مكاوي سعيد" الذي وقّع عقداً للترجمة إلى الانجليزية مع الجامعة الأميركية في القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، من المقرّر أن تصدر رواية "مطر حزيران"، لمؤلفها الكاتب اللبناني "جبّور الدويهي"، عن "دار الشروق للنشر" في مصر؛ كما تجري حالياً ترجمتها إلى اللغة الفرنسية في انتظار صدورها عن دار "آكت سود" للنشر. من جهته، تلقّى "خالد خليفة" عروضاً عدة لترجمة عمله إلى الإسبانية، والفرنسية، والإيطالية؛ بينما نال "إلياس فركوح" عرضاً من ناشر سويسريّ يقترح عليه نقل روايته إلى الألمانية. أمّا ترجمة رواية "مي منسى" إلى الانجليزية، فجارية على قدمٍ وساق، وتدرس المؤلّفة إصدار ترجمات بالهولندية، والفرنسية، والألمانية، كما استمرت إدارة الجائزة في تكثيف الفيض الإعلامي على فائزي الدورة الأولى، حتى بعد ابتداء فعاليات الدورة الثانية؛ إذ دعت مؤسسة الامارات الداعمة للجائزة كتّاب القائمة القصيرة في الدورة الأولى (بهاء طاهر، مكاوي سعيد، جبور الدويهي، مي منسى، الياس فركوح وخالد خليفة) إلى إحياء منتدى أدبي في أبي ظبي، من 22 إلى 26 تشرين الثاني - نوفمبر 2008. وسوف يتضمن البرنامج مجموعة متنوعة من النشاطات والمحاضرات واللقاءات مع القرّاء. الأمر الذي تكفل بإشعال طموحات الروائيين العرب - لاسيما الشبان - من كل حدب وصوب، طمعا في نيل شرف مثيل قد يسوقه الحظ من خلال نتائج الدورة الثانية.
ولا أزعم أن مقالا قصيرا كهذا قادرا على تتبع تفاصيل الصورة بأسرها، ولكن حسبي أن أسوق هنا بعض الوقائع والمتابعات التي سجلتها خلال الشهور القليلة المنصرمة، والتي استقيت مادة بعضها من خلال أحداث عاينتها بنفسي، فيما استقيت مادة البعض الآخر من خلال قراءاتي ومتابعاتي لما ينشر بخصوص النتاج الروائي الراهن من منطلق اختصاصي كناقد أدبي، ومن خلال عينة منصبة بالخصوص على المشهد الروائي المصري - باستثناء مثال أردني واحد - بالنظر إلى إقامتي وعملي بالقاهرة، الأمر الذي قيض لي متابعة حميمة للظاهرة المذكورة في السياق المصري.
فمنذ الإعلان عن فتح باب الترشيح للدورة الثانية (الحالية) من الجائزة المذكورة هرولت دور النشر العربية دون استثناء لطرح قوائمها الثلاثية - إذ تتيح الجائزة لكل دار ترشيح ثلاث من الروايات الصادرة عنها خلال العام الماضي - باستثناء عدد قليل من الدور التي اكتفت إداراتها بترشيح رواية أو روايتين؛ وهو ما نجم عنه تلقّي إدارة الجائزة فيدورتها الثانية ترشيحات لـ 131 رواية، تأهلت 121 منها للتنافس على الجائزة، من 16 بلداً مختلفاً، لتنكب لجنة التحكيم في هذه الدورة، المؤلفة من خمسة أعضاء، على قراءة الكتب وتقييمها.
سبق هذا اللهاث - بل واستمر خلاله وبعده - نسج شبكة معقدة من الوقائع والأحداث التي يتكفل تأملها بتبيان مدى الغليان الكامن في رحم المشهد؛ والذي تكشفه ملحوظة أولية أسوقها هنا داعيا المهتمين والنقاد إلى استجلاء المزيد مما فاتني، إذ لاحظت أن عددا كبيرا من المحسوبين على الكتابة في ضرب أو آخر من ضروبها قد غامروا خلال الفترة المذكورة بالتحول فجأة إلى الميدان الروائي، بعد تنسيق محسوب مع دور النشر التي يتعاونون معها، والتي سارعت بدورها إلى ترشيح هذه التجارب الروائية الأولى في تاريخ كتابها للجائزة، مراهنة على عاملين هامين: أولهما هو شهرة بعض هؤلاء الكتاب في مجاله الأساسي؛ الأمر الذي قد يأتي كعامل ضغط نفسي على لجنة التحكيم، والتي قد تتأثر بعامل شهرة هؤلاء الكتاب في ميادينهم الأخرى. فيما يأتي العامل الآخر - والذي يخلو من اعتبارات العلمية والمنطقية - ممثلا في تعويل كثير من دور النشر على عوامل وجدانية تتصل بفكرة القضاء والقدر، ممزوجة بالمعتقد الشعبي السائد عن فكرة الحظ الوافر للنتاج الأول (الباكورة)، وهو ما سمعته بأذني خلال أكثر من لقاء ببعض الناشرين الذين تربطني بهم صلات مهنية.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك كاتب قصص الرعب المصري "أحمد خالد توفيق"؛ وهو طبيب شاب يعمل أكاديميا بكلية طب جامعة "طنطا" الإقليمية، اشتهر خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة من خلال سلسلة من قصص الجيب الموجهة للمراهقين، والتي تستلهم قصص الرعب الغربية كمصاصي الدماء والمذؤوبين والأشباح التي تسكن القصور، فضلا عن القصص البوليسية، إذ كان قد رشحه الدكتور "نبيل فاروق" مؤلف سلسلة "رجل المستحيل" للكتابة لدى "المؤسسة العربية الحديثة" للنشر - وهي بالمناسبة مؤسسة معنية في الأساس بإصدار الكتب التعليمية - للكتابة في المجالات المذكورة، حيث حقق نجاحا لافتا من خلال سلسلتيه "ما وراء الطبيعة" و"فانتازيا"، اللتين دأب خلالهما على اقتباس أحداث أفلام الرعب الغربية والروايات الشهيرة في سياقها كروايات "ستيفن كينج" و"أجاثا كريستي"، لتتسع رقعة شعبيته إلى الخليج العربي عاقدا صلات تجارية مع بعض دور النشر والمواقع الكويتية لتقديم نفس الصنف من المؤلفات الموجهة للمراهقين وهواة الرعب؛ وعلى حين فجأة أعلنت دار "ميريت" للنشر والتوزيع عن ترشيحها لرواية بعنوان "يوتوبيا" للكاتب المذكور ضمن قائمة ترشيحها للدورة الثانية، متبعة ذلك بعدة ندوات وحفلات توقيع تمت خلالها دعوة عشاق الكاتب من الشباب لاستثمار شعبية الكاتب في مجال الرعب للإيحاء بأن الرواية منتشرة وذات شعبية. وتدور أحداث الرواية المذكورة في سنة 2023 حيث تحولت مصر الي طبقتين؛ الاولي بالغة الثراء والرفاهية وهي (يوتوبيا) المدينة المحاطة بسور ويحرسها جنود المارينز التي تقع في الساحل الشمالي والثانية فقر مدقع وتعيش في عشوائيات ويتقاتلون من أجل الطعام والرواية تحكى قصة شاب غنى من "يوتوبيا" يريد أن يتسلى ويقوم بمغامرة لكسر ملل الحياة ورتابتها وهى صيد إنسان فقير من سكان شبرا واللعب به مع أصحابه للحصول على متعة ثم قتله والاحتفاظ بجزء من جسده على سبيل الفخر وهى من الهوايات الجديدة للأغنياء الذين يعيشون في الساحل الشمالي تحديدا في "يوتوبيا" التي تشكل عالم الأغنياء؛ وهو سياق كما نرى لا يخرج كثيرا عن الخط العام لكاتب الرعب والمغامرات، والذي حاول تضفير أسلوبه بخطاب الانتصار للفقراء والمهمشين لإضفاء نوع من الثقل على عمله القصير، كما تكشف المتابعة الفاحصة أن بنية (الرواية) - سواء على مستوى حجم النص أو تقنيات السرد - لا تخرج عن جنس (القصة الطويلة)، ولا يمكن تصنيفها بحال من الأحوال داخل جنس الرواية إلا بإهدار قسط وافر من الاعتبارات التصنيفية؛ وهو ما يكشف أن إصرار الدار والمؤلف على كتابة كلمة (رواية) على غلافها لا يتعدى مراعاة الشرط الحصري للأعمال المرشحة للجائزة، والتي يجب أن تنحصر في جنس الرواية.
ومن جانبها سعت دار "العين" للنشر والتوزيع إلى تبني خط مماثل من خلال اتفاقها مع كاتب السيناريو المصري الشهير "أسامة أنور عكاشة" - والذي صعد نجمه في سماء الدراما التليفزيونية خلال الفترة من منتصف الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي - لإصدار قصة طويلة من القطع المتوسط بعنوان "سوناتا لتشرين" لا يتجاوز عدد صفحاتها السبعين إلا بقليل. ومرة أخرى تصر الدار والمؤلف على كتابة كلمة (رواية) على غلاف القصة التي يقول "عكاشة" في مقدمتها - مبررا للقارئ إقدامه على التحول الفجائي للكتابة الروائية: " جرفتنى جاذبية الدراما وخطورتها وتميزها بقدرتها الفائقة على استقطاب أكبر قاعدة بشرية للتلقى، وحملتنى أمواجها إلى شواطئ بعيدة لم أستطع أن أقاوم التيارات التى حملتنى على ضفافها.. فانغمست حتى أذنى سابحًا ومبدعًا ومستمتعًا.. لكنى لم أستطع أبدًا نسيان الحب الأول وظللت متشبثًا بالأرض التى شهدت فجر موهبتى.. وحرصت علي بقاء انتمائي الأول لأصولي الروائية والقصصية... حيث يمارس الكاتب فيها حريته الكاملة ويتسع أمام فضائها غير المحدود.. وآليت علي نفسي أن أكتب رواية أو مجموعة قصصية وأقدمها للناس كل عام.. وجاءت سوناتا لتشرين لتكون رواية هذا العام.. أقدمها وأنا ارتجف انفعالاً وخجلاً متسائلًا: هل يغفر لي قرائي غياباتي وندرة إنتاجي؟ أم تراهم يلتمسون لي شيئاً من العذر؟ أم سيؤجلون الحكم علي ما بعد تذوق الثمرة؟"، وهو التصريح الذي يكشف بجلاء عن محاولة أخيرة من (السيناريست) العجوز لتعويض أفول نجمه في عالم الدراما وتعثر أعماله الأخيرة أمام الضربات الثقيلة لكتاب السيناريو من الشباب. يتوازى ذلك المسلك مع مجموعة التكتيكات التي تنتهجها دار "العين" مؤخرا برئاسة مالكتها "فاطمة البودي" المتخصصة بالأساس في الكيمياء الحيوية؛ والتي نجحت في استقطاب عدد من المثقفين للعمل كهيئة استشارية لتلمس التجارب البارزة في مضمار الأدب الذي تحولت إليه حديثا بعد تعثر أولي في نشر الكتب العلمية، والتي سبق وأن نفت بشكل قاطع ترشيحها لأحد كتابها في الدورة الأولى، ثم كشفت بيانات الصحافة الصادرة عن أمانة الجائزة عكس ذلك.
في المقابل نشط الكاتب الأردني فلسطيني الأصل "صبحي فحماوي" في تبني عدد من تكتيكات المراهنة الذكية التي احتشد لها بأسلوب فردي بالأساس؛ موظفا معه من حين لآخر أفراد ومؤسسات لتقوية محاولاته المستميتة في نيل الجائزة والخروج من إسار النظرة العامة لزملائه الذين لا يرون فيه أكثر من مهندس حدائق متطفل على مضمار الكتابة؛ إذ أفلح مؤخرا في إقناع "دار الفارابي" للنشر والتوزيع لترشيح روايته الأخيرة "الحب في زمن العولمة" للجائزة، وهي الرواية التي يكشف عنوانها عن محاولة مستميتة للفت الانتباه بداية من عتبة النص الأولى (العنوان) والذي صاغه اقتباسا من عمل "ماركيز" الأشهر "الحب في زمن الكوليرا" للفت الأنظار إلى النسخة العربية على طريقة (لعل وعسى). من جهة أخرى عمد "فحماوي" إلى الإنفاق بسخاء على مشروعه الطامح للجائزة؛ إذ تعاقد بشكل شخصي لترجمة روايته إلى اللغة الإسبانية، وذلك بإشراف الأستاذ الدكتور "سليمان العطار"، رئيس قسم الأدب الإسباني في جامعة القاهرة، وذلك كي يمرر رسالة صامتة للجنة التحكيم بكون الرواية جديرة بالترجمة، ومن ثم جديرة بالانضمام للروايات الفائزة التي ستقوم الأمانة العامة بإتاحتها للترجمة وفقا لما تنص عليه لائحة الجائزة.
كما شهدت المؤتمرات العلمية المعنية بالأدب والندوات الدائرة في ذات السياق حضورا مكثفا ل"فحماوي" الذي حرص على الظهور ضمن فعالياتها بأسلوب سينمائي، مجندا معه عددا من الأكاديميين والنقاد الذين تولوا مهمة تعريف الحضور به وذكر روايته ضمن بحوثهم مع الإشارة إليه بصفة (واحد من أهم الروائيين العرب)؛ وهو ما شهدته وقائع "مؤتمر جامعة فيلادلفيا الدولي الثالث عشر" بالأردن، والذي دارت بحوثه حول ثقافة (الحب والكراهية) خلال الفترة من 27 إلى 29 أكتوبر- تشرين الجاري؛ حيث خرج الدكتور "عبد الله أبو هيف" أستاذ اللغة بجامعة "تشرين" السورية في الجلسة الخامسة للمؤتمر عن سياق بحثه فجأة ليقدم "فحماوي" للحضور داعيا إياهم للتصفيق له، ليفاجأ الجميع ب"فحماوي" في حلة صفراء فاقع لونها يلوح لهم على طريقة الزعماء السياسيين، مباشرا مهمة توزيع نسخ من روايته المذكورة عقب انقضاء الجلسة، موضحا للجميع كونها مرشحة للجائزة، وهامسا في أذن البعض أنه قد تلقى اتصالات سرية من بعض أعضاء الأمانة تفيده بقوة موقفه وتخبره بضرورة الاستعداد لتلقي خبر الفوز وبأن (إحداهن) من المتنفذات في الجائزة قد وعدته (خيرا)، مصطحبا "ابا هيف" في ختام اليوم في سيارته الفارهة للاحتفال في مطعم فاخر.
وربما كان من الأوفق هنا أن نرجئ متابعة وتحليل بقية الشواهد والوقائع التي تتكفل بإلقاء مزيد من الضوء على المشهد الملتبس إلى مناسبات لاحقة؛ كونها تستأهل مقاربات مختلفة بدرجة أو بأخرى.
هذا، ومن المقرر أن يتم الاعلان عن اللائحة الطويلة (16 رواية) عبر بيان صحفي في 11 تشرين الثاني- نوفمبر 2008، في حين أن القائمة القصيرة (6 روايات) سوف تُكشف في العاشر من كانون الأول - ديسمبر في لندن، في إطار حفل يقام في "ساوث بانك سنتر". أما الحفل الختامي، فسيجري في أبي ظبي يوم الاثنين الواقع في 16 آذار - مارس 2009.