د.رأفت رشوان
01/11/2008, 12:36 AM
تابع ترجمة كتاب نصيحة الملوك لسعدى الشيرازى:
51 ينبغي لوارثي الحكم أن يهتموا بأصحاب الحكام السابقين وجلسائهم, ويقدموا لهم كل إعزاز وتقدير, ولا يهملوا جانبهم.
52- الملوك يحكمون الرعية, فإذا ما شعرت الرعية بالاضطهاد؛ انقلبوا إلى أعداء للملوك.
53- الحكام هم الرأس, والرعية هم الجسد, فلو أن الرأس جاهلة, فإنها ستمزق جسدها بأسنانها.
54- كل من يرغب في ألا تلوكه الأفواه, عليه ألا يتحدث مع الخواص من حاشيته, فعلى الرغم من أنهم أصدقاء مخلصون, إلا إن لهم أصدقاء مخلصون أيضًا يفضون إليهم بسر السلطان, وتستمر هذه السلسلة من الأصدقاء.
55- ينبغي للحاكم ألا يجهر بالقول مع أصحابه؛ فإن الصديق لا يظل صديقًا طوال الوقت.
56- لا تشح بوجهك عن شكوى الفقراء وشئونهم, وتحدث إليهم برفق, واستمع بشغف.
57- يجب على صاحب الأمر أن يصبر, ويتحمل شكوى أعوانه وأتباعه؛ حتى لا تضيع شكواهم, ويجب أن يبحث في مطالب الجميع, ويستجيب لحاجة كل شخص منهم بحسب مراده؛ فالحاكم غير الصبور لا يليق بالحكم.
- لله الأمر والرأي والشكوى؛
فلا تعبأ بغوغاء البشر.
وقد عرض أحد الرعايا مظلمة على "الحجاج بن يوسف" , فلم يجبه, ولم يلتفت إليه, فضحك الرجل, وذهب والابتسامة على وجهه, وهو يقول: تكبر هذا على الله! (هذا أكثر تكبرًا من الله) فلما أوصلوا ذلك إلى الحجاج استدعاه وسأله: ما دفعك إلى هذا الكلام؟ فقال: إن الله تحدث مع موسى, وأنت لم تهتم بأن تتحدث مع خلق الله, فلما سمع الحجاج هذا الكلام أمر بإنصافه.
58- عقوبة ذلك الذي يفتري بغير وجه حق أنهم يحملوه إلى خصمه, فيحل عليه المصائب والنوائب من يومه – أي في التو- فتصبح فضائحه نصيحةً لمن ينتصح, وعبرةً لمن يعتبر.
59- يجب على الحاكم أن يأمر بنقل الكُتّاب في الديوان من مكان إلى مكان, كل فترة, حتى لا تبقى فتنة – خيانة- بينهم في الخفاء.
60- على الحاكم الذي يستضاف, وتوضع أمامه الهدايا والتحف, والأشياء الثمينة ألا يتعجل في قبول أمثال هذه الهدايا, ورد مقابلها, وألا يخرج عن الحدود, أو يتأخر فيها.
61- يليق بالسلطان أن يجلس مجلس الوقار والاحترام, وأن يكون ذا هيبة في عيون الغرباء, وأما في خلوته الخاصة, فيكون باشًا رحيمًا حسن الطبع, خاضعًا أمام الله.
62- ينبغي للحاكم إذا ما رأى بين شخصين عداوةً وعدم وفاق, أن يشركهما في عمل واحد؛ حتى لا تقع خيانة في العمل فيما بين هذين الشخصين.
- إذا ما وجدت آفة التوافق فيما بين الذئاب؛
هنالك يمكن أن تتآلف مع الخراف.
63- السلطان العاقل لا يؤذي الرعية, ولا يؤلبها عليه؛ فإذا ما اضطرته الأقدار, وتشاحن مع الأعداء خارج البلاد, لا يخشى من فتنة وغدر الأعداء في الداخل.
64- يوصي حرس الحدود بعدم التعدي على الغرباء؛ حتى تأمن مملكته من شر الطرفين.
65- لا يسلب العبد الذي ارتكب ذنبًا شنيعًا حق عمله السابق.
66- على الحاكم أن يتغاضى ويعفو عن مئات العيوب والخطايا التي ارتكبها أحد الخدم؛ وذلك احترامًا وتقديرًا لآبائه وأجداده.
67- يأمر بقتل ربيب النعمة إذا ارتكب جرمًا يستوجب هلاكه, ولا يهمل أهله وعياله.
68- لا يتوانى عن صرف نفقات المعيشة لأولاد وأقارب (زوجات) الجنود الذين قتلوا في الحروب مع الأعداء.
69- كلما ترفق وتواضع الحاكم مع الغريب والقريب, والخاص والعام, فلا خوف على منصبه ومكانته, بل به يعلو قدره في عيون الخلق.
70- عندما يريد السلطان أن يعفو عن ذنب ما, فعليه أن يبين هذا الأمر وأثره, ومن ثمَّ يدرك أهل الفراسة من الوجهاء ذلك, ويتشفعون به لدى السلطان؛ الأمر الذي يجعل ذلك العفو مشروطًا بتعهد وتوبة ذلك الشخص المذنب, وإصلاح حاله.
71- عندما يرسل أحد الوجهاء إلى السجن, عليه أن يعامله بوقار, وعزة واحترام, ولا يحرمه من المأكل والملبس والمشرب, ومقابلة ندمائه وعياله, ويكفل لـه أحقيته في التمتع بنعم الحياة؛ فإن الحياة يومان "الدهر يومان: يوم لي ويوم لك"( ).
72- من جملة حسن تدبير الملوك هو ألا ينثني أمام الخصم القوي, ولا يجور على الضعيف؛ فالتساهل مع الغالب ليس من المصلحة, وتقييد أيدي الضعفاء ليس من المروءة.
73- إيذاء قلوب الأحباب هو المراد الحقيقي للأعداء.
74- ليس من العدل التغاضي عن الظلم البين للخواص, ومعاقبة العوام.
75- الحاكم العادل مثل الجدار المحكم, عندما يميل فاعلم أنه أوشك على الوقوع.
76- نصيحة الأقرباء تأتي دائمًا في المقدمة, ثمَّ يأتي بعدها لوم الغرباء؛ فليس هناك شخص أقرب إليك من نفسك, فطالما لا تعمل بكلامه فلن يؤثر في الآخرين.
- تعلم أن الملك والدولة يبقيان بالتدبير, فما هو؟!
هو أن يكون الحكم بأمرك, وأنت تحكم بأمر الله.
77- كل من لا يلزم نفسه بأوامر الشريعة لا يكون جديرًا بالحكم, ولا تقوم لـه دولة.
78- الصبر والتأني مقبولان في كل الأعمال, إلا في النكبات التي لو حدث فيها تأخير لضاع تداركها, مثل إنقاذ الغريق, وإخماد الحريق.
79- لا يمكن الحفاظ على الدين إلا بعلم, ولا يمكن الحكم إلا بحلم.
80- ينبغي للحاكم أن يتجنب المعصية بكل الطرق والوسائل, فإذا ما تغلبت النفس والشيطان – والعياذ بالله – عليه, ووقع في المعصية, فليسارع بعمل الخيرات, وتقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين؛ حتى ينال العفو من الله تبارك وتعالى.
81- اعف عن الشخص المذنب؛ فهو يدعو لك بالخير, وليس كل شخص يختصك بالدعاء, وكفى.
82- يوم القيامة يخاف كل الناس إلا من كان يخشى الله, ومن لم يؤذِ الناس. وقد حكوا أن "هارون الرشيد"- رحمة الله عليه- دعا ذات يوم بهذا الدعاء: يا إلهي, ويا سيدي, ويا مولاي, لو مر علي يوم قد صدر فيه مني فعل قبيح, أو ذنب شنيع, أو عمل غير صالح, فلا تبلغن ليلته حتى أعلم هذا الذنب, وأتوب إليك, وأستغفرك, وأجبره بتقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين, وكانت "زبيدة"( ) زوجه تكرر هذا الدعاء طوال الليل والنهار؛ خوفًا من الله, قائلةً: "يا ستار الستر, احفظني في الأولى والآخرة". تحدث أحد الحكام العادلين في حضرة "الإسكندر" ( ), فقال الإسكندر: ألا تخشاني؟ فقال الحاكم: لماذا أخشاك؟! فمن يصدق لا يخاف من سلطان, فالخوف إما من خيانة العبد, أو ظلم السيد, وأنا آمن من كليهما. قال أحد الحكام لزاهد: إنني قلق من هول يوم القيامة. فقال الزاهد: فلتخش الله – عز وجل – في أيامك, ولا تقلق من غد. وقد حكوا أن أحد الخلفاء عزل أحد موظفي الديوان عندما رأى عليه خيانة بدينار, وبعد عدة أيام تشفعت لـه طائفة من الوجهاء عند الخليفة بعدم حرمانه من العمل في البلاط بهذا القدر الضئيل من المال, فقال الخليفة: ليس الغرض مقدار المال, ولكنه عندما أخذ الدينار ولم يخف من أحد, فإنه بذلك يظلم الرعية ولا يغتم.
83- كل من لا يأمن بطشك لا تأمنه, فإن الثعبان يؤذي الإنسان خوفًا من أن يقتله, ومثل ذلك أيضًا من حفر جزءًا في جدار البيت وأقام فيه, ومن قتل صغير الثعبان, وجلس آمنًا, فمن فعل ذلك فقد خالف رأي العقلاء.
84- تجنب صحبة من يذكر الآخرين بالسوء في غيابهم؛ فإنه يبدو أمامك طيبًا, ويغتابك عند غيابك.
85- لا يجوز الاعتماد على من يقولون: "كلام الملوك ملوك الكلام"؛ فإن مدعي الكلام من الحكماء قد يكررون هذا الكلام في موضع آخر, ومن ثمَّ لا يمكن للطاعنين أن يسخروا من هذا الكلام؛ فإذا ما ألقي على مسامع الآخرين لا يملكون سوى تصديقه.
86- العابد غني الصفات لا ينظر بعين التطلع إلى أموال ونعم الملوك, والسلطان الدنيء طبعه أن يطمع في أموال فقراء الرعية!
- ليس من المروءة أن يعلو القوي على الضعيف؛
فقد حمل الطائر الدون الحبة من أمام النملة.
حدث أن تاجرًا كان يمتلك صندوقًا مليئًا بالجواهر, وبعث سلطان ذلك الزمان في طلب التاجر, وعندما ذهب إليه أمره بإحضار الجواهر, فقال التاجر: أيها السلطان لقد خرجت من مدينتي منذ عام, وتركت أهل بيتي, وقد أوصتني زوجتي بألا أتعامل إلا مع من يخاف الله, ولديه دين وأمانة, وقد قيل: إن السلطان – بعد أن سمع كلامه – طمأنه, وتعهد لـه بقوله: اذهب وانتظر حتى عندما أجد في نفسي خوف الله, ولدي دين وأمانة, فسوف أتعامل معك.
87- من سفاهة رأي الحاكم أن يستهين بالعدو الصغير, أو يولي الصديق كثيرًا من المناصب؛ فإذا ما عاداه السلطان تمكن فيما ولي عليه.
88- من حسن تدبير الحاكم أن يؤدي عمل الغد اليوم, ولا يؤخر عمل اليوم إلى الغد.
89 - حق السادة على الأجراء هو القيام بالعمل على أكمل وجه, وكمال فضل السادة هو الإحسان للأجراء, وعدم المنة عليهم, وقد قال أحد الحكام الظالمين لزاهد: كيف يكون حال الملوك يوم القيامة؟ فقال: إن السلطان العادل الذي يراعي جانب الحق, ولا يهين الرعية, ولا يطمع في مالهم فهو ملك في الدارين.
- الحاكم إما ملك في الدارين؛
أو شحاذ فيهما (هنا وهناك).
90- إذا بذل الحاكم الأموال, زالت خصومة الأعداء, والدم أكثر شرفًا من المال, والعرب يقولون: "السيف آخر الحيل", أي إن الحرب تجب عندما تنعدم السبل, وتجنب الهزيمة أفضل من الضرب (المواجهة) بالسيف.
91- الرفيق الحقيقي هو الذي يذكر عيوبك أمامك؛ حتى يؤلمك بكلامه؛ فتقلع عن تلك العيوب, وفي الوقت نفسه لا يذكرها من خلفك؛ حتى لا يسيء إلى شخصك.
92- للأقوياء والأثرياء حرمه؛ وذلك لأنهم يملكون أسباب النعمة (العزة), فإذا ما زالت تلك النعمة من قلوبهم, ضاعت تلك الحرمة.
93- لكي يحافظ الحكام والجنود على الرعية؛ يجب أن يضربوا على يد القوي إذا تطاول على الضعيف الفقير, وليقطعوها إذا لم يرتدع, وأخذ في التطاول, وإلا فلن يكون للملك فائدة, ولهذا فلن يبقى.
94- يجب الشكر على كل نعمة, فشكر الغني الصدقات, وشكر الحكم تدليل (إرضاء) الرعية, وشكر القرب من الحكام قول الخير لصالح الناس, وشكر السعادة رعاية المحتاجين, وشكر المقدرة مساعدة من لا يقدر (الضعفاء).
95- السلطان الذي ينعم بالراحة طوال الوقت, لن تهنأ الرعية في عهده, ولن تدوم لـه تلك السعادة.
96- يجب على رسول الحاكم أن يقدم رضاء الخالق على أمر الحاكم؛ حتى ينعم بقربه.
97- المروءة هي اعتراف الإنسان بفضل أخيه الإنسان عندما يرى فيه الخير, ومن ثمَّ يشكر لـه هذا الفضل, والحقيقة أن عزة الملوك وكرامتهم نابعة من اهتمامهم بالرعية, وشعور الرعية بعدم جدوى وجودها يجعل الملك بلا عزة واحترام, وغاية المهانة هي ألا يرعى الحاكم الفقراء, ولا يعرف حقوقهم عليه.
98- كل من يضع أساسًا سيئًا يجني ما وضع.
99- ينبغي للحاكم ألا يقوم بالهجوم على الرجال وتقطيع رقابهم, بل عليه أن يخشى نواح الأطفال, ودعاء العجائز.
100- لا يحرق قلوب المساكين, فإنها كالمصابيح تضيء المدينة.
101- على الحاكم أن يخشى الله تعالى؛ فيرعى الأمانة, ويحذر الخيانة؛ حتى لا يراه الله في معصيته.
102- إن من عاقب المجرمين ثمَّ عفا عنهم بسرعة, فهو كمن قبض على الذئب ثمَّ أعطاه عهدًا (حلف اليمين).
103- الحاكم الذي يهين التجار ويؤذيهم يسد على مدينته أبواب الخير والأرزاق والسيرة الطيبة.
104- لا يعتمد الحاكم بشكل كبير على حديثي العهد بالحكم.
105- قتل من ظهرت نواياه السيئة أفضل من إبعاده عن المدينة, فمن يدفع عن نفسه الثعبان والعقرب, لا يليق به أن يلقي بهما في منزل جاره.
106- أعط العمل للشخص الذي يستحقه, وإن لم تر منه سوى اليمين الصادق.
107- إذا ارتكب أحد ذنبًا أو جرمًا سهوًا, فالكرم أن تتجاوز عنه, فإذا ما ارتكبه مرةً أخرى بقصد, فلتنذره بسوء العاقبة, فإذا ما تجرأ بفعله مرةً أخرى, فلتهدر دمه, فإن الأصل الفاسد لا يطرح ثمارًا طيبة.
108- لا تتسرع عند الغضب, فإنه يمكن أن تقتل الحي, ولكن لا يمكن إعادة إحياء الميت, كمن يمكنه تحطيم الجواهر, ولكن لا يمكنه إعادتها مرةً أخرى.
109- ليس الشديد بالصرعة, وإنما الرجل القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب, ولا يخرج عن الإنصاف.
110- يجب تأدية أموال اليتامى, فإنه لا يليق بقدر الملوك أن تتلطخ أيديهم بتلك الأموال, ولا يبارك الله – عز وجل – فيها.
111- لا يدوم من حصاد الدنيا سوى السيرة الطيبة, والتعس حقًا هو من لم تدم سيرته بالحسنى.
112- صفة المال أنه يجمع الأعداء, ويؤلف بينهم, ولكن الحرص عليه يفرق الأخلاء, ويباعد بينهم, والابن الذي الحاكم الذي لا يعدل, ويتمنى أن يسري ذكره بالسيرة الطيبة, فهو كالذي يزرع الشعير, ويتمنى أن يكون قمحًا.
113- الحاكم الذي لا يعدل, ويتمنى أن يسري ذكره بالسيرة الطيبة, فهو كالذي يزرع الشعير, ويتمنى أن يكون قمحًا.
114- يا من يحب المال من أجل الجاه والسلطان, لتكن صفتك الكرم والتواضع, فإن الجاه ليس أسمى ولا أرفع من حب الخلق والثناء عليك.
115- الجوع أفضل من الشبع من طعام الفقراء.
- تموت العنقاء من الفقر والجوع,
ولا تأخذ طعامها من صيد العصافير.
116- إنك تحل محل أولئك الذين رحلوا عن الدنيا, ويحل من سيأتي بعدك محلك كذلك, فلا تعبأ بالعدمين.
117- إن المروءة ليست في الحرص على الدنيا, بل في امتلاكها, فالعالم يسيطر على الدنيا, وتصير ملكًا لـه, والجاهل يسيطر على الدنيا, ويصير ملكًا لها.
118- ينبغي للملوك ألا يجلسوا هكذا دون علم بشكوى المظلوم, واستجارة المحروم, فإن عمال البلاط من الحجاب والقادة لا يتركون كل شئون الرعية تمر إلى مسامع الملوك, وقد قيل: إن "أنوشيروان العادل"( ) قد وضع في قصره سلسلة, وعلق عليها أجراس, فإذا ما كانت لأحد شكوى حرك تلك السلسلة التي كان لها طرفان: أحدهما تحت وسادة الملك, والآخر في الميدان معلق على الشجرة. وكان ملوك العرب يخرجون متنكرين؛ ليتفقدوا أحوال الممالك, فإذا ما رأوا منكرًا أو ظلمًا رفعوه, كما كانوا يرسلون بعض أتباعهم إلى المدن والقرى المحيطة؛ ليعلموا مدى الظلم الذي يعاني منه الضعفاء.
119- رحل الأشرار عن الدنيا, وكذا الأخيار, وبقيت السيرة الطيبة.
120- شكر النعمة هو أن يعطف الحكام على المحرومين, وقوة الإرادة هي ألا يلطخوا أيديهم بأموال المساكين.
121- عند توليك لشئون الحكم ومقاليده, اجتهد أن تكون على قدر المسئولية.
122- جرح الضعفاء عزيمة تفوق وتتعدى قوة سواعد الأبطال.
123- لا يتوانى الحاكم في إنصاف المظلومين, ومعاقبة الظالمين.
124- يا من يغط في نوم السعادة, أتراك بعيدًا عن الأيقاظ, يا من لديه القدرة على المسير, ألا يمكنك السير مع الرفيق, يا من يتصف بالجود والكرم, ليكن عطاؤك للفقراء والمحتاجين, تأمل ماذا فعل السابقون؟ وماذا حملوا معهم؟ فقد رحلوا, وارتفع الظلم عن المظلومين, وظل الوبال والعذاب على الظالمين, والحقيقة أن الفقير المعافى (السليم) أفضل من الحاكم السقيم.
125- لو أنك تصغي بحرص إلى عظام الأموات التي كانت تتحدث وتقول: إنني كنت مثلك من البشر, ولم أدرك قيمة أيام الحياة, وضيعت عمري في الفساد!
- أصابنا الزمان بالغفلة والنسيان,
فاغتنم أنت الفرصة في كل حين.
126- كل من لا يتألم لأحد, لا يخاف من أحد, فالعقرب الذي يخاف يهرب من فعله الخبيث, والهرة تعيش في المنزل مطمئنة؛ لأنها لا تؤذي أحدًا, والذئب يعيش في الصحراء في حيرة واضطراب, وذلك لأفعاله الخبيثة, والشحاذون نائمون في المدينة؛ لإحساسهم بالأمن, واللصوص مختبئون في الكهوف والصحاري؛ بسبب شناعة أفعالهم.
127- احترس من العدو الضعيف الذي يضحي بنفسه عندما تنعدم حيله, فالهرة على الرغم من أنها ضعيفة, إلا إنها عندما تشتبك مع الأسد تضرب بقسوة, وتحفظ عيونها بقوة مخالبها.
128- كن صديقًا للصغير والكبير, واغرس أساس المحبة في قلوب الآخرين, ولا تعتمد على أنك في حماية الملك, ولا يصل إليك أحد, فإذا ما قتلك غادر في الظلام, وأمر الملك بقتل إقليم بأكمله انتقامًا لك, فهل تعود لك الحياة؟
129- احرص على أن تذكرك الرعية بالخير في غيابك لا أمامك؛ حتى لا يكون قولهم هذا خوفًا أو طمعًا.
130- اجتهد في حياتك بأن تتقدم على الآخرين بالفضل والصلاح والكرم, فعند الموت يتساوى الغني مع الفقير, وإذا ما نظرت في قبر السلطان, وقبر مربي الكلاب, لا يمكنك التفرقة بينهما.
131- السعيد من العارفين هو من علم بأنه يجب ترك الدنيا عند الموت للآخرين, كما يتركها هؤلاء لمن بعدهم.
132 -لا يمكن أن يفرق بين الأعداء المتحالفين سوى الأشرار الذين يتخذون بعضًا منهم أصدقاء لهم.
133- حرض العدو على العدو؛ فينشب الخلاف بينهما, ويتغلب أحدهما على الآخر, ويكون الظفر لك.
134- لا تترك العدو الصغير يكبر, ولا تطلق سراح قطعة الشطرنج, فإنها تقوم بدورها.
135- استمل القلوب إليك في حالة اليسر, حتى تنفعك في حالة العسر والشدة.
136- ينبغي لك إجلال وتقدير حكام الشعوب الأخرى.
137- الحاكم الذي ينشغل باللهو والشراب, ويترك مصالح المملكة لأتباعه, يودي بحياة مملكته إلى الخراب والانهيار؛ لأنهم لن يهتموا بشئون المملكة, بل بمصالحهم الشخصية.
138- إذا كان كلامك مع الآخرين ليس بالحسنى, فلا تتألم من كلام الواشين عنك فهذا ذنبك.
- عندما تستيقظ من النوم لا تتوقع؛
أن تسري سيرتك بالخير في البلاد.
139- إن هلاك العدو يسعد الإنسان الذي اطمأن بذلك الهلاك.
140- على الحاكم أن يتناول الطعام عندما يشتهيه, وأن يتحدث عند الضرورة, وأن يأخذ قسطًا من النوم, وأن يعاشر عندما يصل الشوق إلى غايته.
141- لا يستهين الحاكم بحرقة قلوب الضعفاء, فإن النمل إذا اجتمع أوهن الأسد الهائج, وما أكثر ما تغلبت البعوضة الضعيفة على الفيل المهيب.
142- لا يدوم في الحكم من لا يعرف قيمته, ولا وقت لديه, ولا يرى الخزي والظلم في مملكته, تمامًا مثل النحلة التي تدهس بالأقدام, وتسحق لضعفها ووهنها.
143- ينبغي للحاكم أن يحذر من السم, والمكر, والقتل والغدر ليلاً, وليحذر من هؤلاء المنهكين في الأعمال المحرومين من النعم, وليحذر كذلك من دعاء المظلومين, ونواح المجروحين, وقد قال سلطان غزنة: إنني لا أخشى من رمح الرجال مثلما أخشى من مغزل النساء, وحرقة قلوبهم.
144- لا ينبغي للحاكم أن يهتم كثيرًا بأعمال الديوان السرية بقدر اهتمامه بأصحاب الديوان من أهل الفساد.
145- لو أردت ألا يأخذوا عليك دقائق الأمور, فاحفظ نفسك قبل الوقوع في مكرهم.
146- إذا أردت أن تعرف عيوبك, فلا تسأل عنها أصحابك؛ لأنهم سوف يحجبونها عنك, ولكن ابحث عنها في قول الأعداء.
147- لا تكن فظًا عندما ينبغي عليك الملاطفة في الحديث؛ لأن القيود لا تكون إلا للأنعام المتمردة, وكن حازمًا عندما ينبغي لك القسوة, فإن السكر لا يجدي إذا وضع بدلاً من السقمونيا المرة المفيدة.
148- إذا كنت خائفًا ممن يعطيك الأمر, فتلطف مع من تعطه الأمر.
149- كن حذرًا على الدوام, وكأن العدو متربص على الباب, فإذا داهمك فجأة كنت مستعدًا لـه.
150- لا تعتمد على الشخص قليل الخبرة.
151- عندما يواجه الحاكم الاضطرابات والفتن في المملكة, فعليه أن يلجأ إلى باب الرحمن في جنح الليل قبل أن ينام, ويستجديه بالبكاء راجيًا منه العون والنصر, ومن ثمَّ يعمل على رعاية الزهاد والعباد, ويجتهد في خدمتهم ورعايتهم, ثم يتجه لزيارة قبور الأولياء الصالحين, ويستمد من روحهم العون والمدد, ثمَّ يعطف على الضعفاء والمساكين, واليتامى والمحرومين, ويحرر بعض المسجونين, ويقدم الأضاحي والنذور, ويترفق بالجنود والأقارب, ويسارع في عمل الخيرات, وبعد ذلك يستعين بتدبير ونصيحة العقلاء المخلصين من أصحابه في دفع أضرار تلك الحوادث.
وعندما يفرج الله كرباته, وتتيسر لـه الأمور, فليسجد لله شكرًا وحمدًا أن هداه إلى ذلك بقدرته وعظمته, ثمَّ يقدم الولائم, ويؤدي النذور, ويداوم على الحمد والثناء, وبذل العطاء, حتى إذا ما وقع في مثل تلك الحوادث مرةً أخرى, يجد قلوب الرعية معه, وخواطرهم تتمنى لـه النصر والتوفيق.
كثير من يعمل بنصائح سعدي بإخلاص, وإرادة قوية يحالفه التوفيق من المولى, سبحانه في ملكه ودينه, وتبقى نفسه وأولاده في صحة وعافية, ويتحقق مراده في الدنيا والآخرة, والله أعلم بالصواب, وإليه مرجع المآب.>
51 ينبغي لوارثي الحكم أن يهتموا بأصحاب الحكام السابقين وجلسائهم, ويقدموا لهم كل إعزاز وتقدير, ولا يهملوا جانبهم.
52- الملوك يحكمون الرعية, فإذا ما شعرت الرعية بالاضطهاد؛ انقلبوا إلى أعداء للملوك.
53- الحكام هم الرأس, والرعية هم الجسد, فلو أن الرأس جاهلة, فإنها ستمزق جسدها بأسنانها.
54- كل من يرغب في ألا تلوكه الأفواه, عليه ألا يتحدث مع الخواص من حاشيته, فعلى الرغم من أنهم أصدقاء مخلصون, إلا إن لهم أصدقاء مخلصون أيضًا يفضون إليهم بسر السلطان, وتستمر هذه السلسلة من الأصدقاء.
55- ينبغي للحاكم ألا يجهر بالقول مع أصحابه؛ فإن الصديق لا يظل صديقًا طوال الوقت.
56- لا تشح بوجهك عن شكوى الفقراء وشئونهم, وتحدث إليهم برفق, واستمع بشغف.
57- يجب على صاحب الأمر أن يصبر, ويتحمل شكوى أعوانه وأتباعه؛ حتى لا تضيع شكواهم, ويجب أن يبحث في مطالب الجميع, ويستجيب لحاجة كل شخص منهم بحسب مراده؛ فالحاكم غير الصبور لا يليق بالحكم.
- لله الأمر والرأي والشكوى؛
فلا تعبأ بغوغاء البشر.
وقد عرض أحد الرعايا مظلمة على "الحجاج بن يوسف" , فلم يجبه, ولم يلتفت إليه, فضحك الرجل, وذهب والابتسامة على وجهه, وهو يقول: تكبر هذا على الله! (هذا أكثر تكبرًا من الله) فلما أوصلوا ذلك إلى الحجاج استدعاه وسأله: ما دفعك إلى هذا الكلام؟ فقال: إن الله تحدث مع موسى, وأنت لم تهتم بأن تتحدث مع خلق الله, فلما سمع الحجاج هذا الكلام أمر بإنصافه.
58- عقوبة ذلك الذي يفتري بغير وجه حق أنهم يحملوه إلى خصمه, فيحل عليه المصائب والنوائب من يومه – أي في التو- فتصبح فضائحه نصيحةً لمن ينتصح, وعبرةً لمن يعتبر.
59- يجب على الحاكم أن يأمر بنقل الكُتّاب في الديوان من مكان إلى مكان, كل فترة, حتى لا تبقى فتنة – خيانة- بينهم في الخفاء.
60- على الحاكم الذي يستضاف, وتوضع أمامه الهدايا والتحف, والأشياء الثمينة ألا يتعجل في قبول أمثال هذه الهدايا, ورد مقابلها, وألا يخرج عن الحدود, أو يتأخر فيها.
61- يليق بالسلطان أن يجلس مجلس الوقار والاحترام, وأن يكون ذا هيبة في عيون الغرباء, وأما في خلوته الخاصة, فيكون باشًا رحيمًا حسن الطبع, خاضعًا أمام الله.
62- ينبغي للحاكم إذا ما رأى بين شخصين عداوةً وعدم وفاق, أن يشركهما في عمل واحد؛ حتى لا تقع خيانة في العمل فيما بين هذين الشخصين.
- إذا ما وجدت آفة التوافق فيما بين الذئاب؛
هنالك يمكن أن تتآلف مع الخراف.
63- السلطان العاقل لا يؤذي الرعية, ولا يؤلبها عليه؛ فإذا ما اضطرته الأقدار, وتشاحن مع الأعداء خارج البلاد, لا يخشى من فتنة وغدر الأعداء في الداخل.
64- يوصي حرس الحدود بعدم التعدي على الغرباء؛ حتى تأمن مملكته من شر الطرفين.
65- لا يسلب العبد الذي ارتكب ذنبًا شنيعًا حق عمله السابق.
66- على الحاكم أن يتغاضى ويعفو عن مئات العيوب والخطايا التي ارتكبها أحد الخدم؛ وذلك احترامًا وتقديرًا لآبائه وأجداده.
67- يأمر بقتل ربيب النعمة إذا ارتكب جرمًا يستوجب هلاكه, ولا يهمل أهله وعياله.
68- لا يتوانى عن صرف نفقات المعيشة لأولاد وأقارب (زوجات) الجنود الذين قتلوا في الحروب مع الأعداء.
69- كلما ترفق وتواضع الحاكم مع الغريب والقريب, والخاص والعام, فلا خوف على منصبه ومكانته, بل به يعلو قدره في عيون الخلق.
70- عندما يريد السلطان أن يعفو عن ذنب ما, فعليه أن يبين هذا الأمر وأثره, ومن ثمَّ يدرك أهل الفراسة من الوجهاء ذلك, ويتشفعون به لدى السلطان؛ الأمر الذي يجعل ذلك العفو مشروطًا بتعهد وتوبة ذلك الشخص المذنب, وإصلاح حاله.
71- عندما يرسل أحد الوجهاء إلى السجن, عليه أن يعامله بوقار, وعزة واحترام, ولا يحرمه من المأكل والملبس والمشرب, ومقابلة ندمائه وعياله, ويكفل لـه أحقيته في التمتع بنعم الحياة؛ فإن الحياة يومان "الدهر يومان: يوم لي ويوم لك"( ).
72- من جملة حسن تدبير الملوك هو ألا ينثني أمام الخصم القوي, ولا يجور على الضعيف؛ فالتساهل مع الغالب ليس من المصلحة, وتقييد أيدي الضعفاء ليس من المروءة.
73- إيذاء قلوب الأحباب هو المراد الحقيقي للأعداء.
74- ليس من العدل التغاضي عن الظلم البين للخواص, ومعاقبة العوام.
75- الحاكم العادل مثل الجدار المحكم, عندما يميل فاعلم أنه أوشك على الوقوع.
76- نصيحة الأقرباء تأتي دائمًا في المقدمة, ثمَّ يأتي بعدها لوم الغرباء؛ فليس هناك شخص أقرب إليك من نفسك, فطالما لا تعمل بكلامه فلن يؤثر في الآخرين.
- تعلم أن الملك والدولة يبقيان بالتدبير, فما هو؟!
هو أن يكون الحكم بأمرك, وأنت تحكم بأمر الله.
77- كل من لا يلزم نفسه بأوامر الشريعة لا يكون جديرًا بالحكم, ولا تقوم لـه دولة.
78- الصبر والتأني مقبولان في كل الأعمال, إلا في النكبات التي لو حدث فيها تأخير لضاع تداركها, مثل إنقاذ الغريق, وإخماد الحريق.
79- لا يمكن الحفاظ على الدين إلا بعلم, ولا يمكن الحكم إلا بحلم.
80- ينبغي للحاكم أن يتجنب المعصية بكل الطرق والوسائل, فإذا ما تغلبت النفس والشيطان – والعياذ بالله – عليه, ووقع في المعصية, فليسارع بعمل الخيرات, وتقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين؛ حتى ينال العفو من الله تبارك وتعالى.
81- اعف عن الشخص المذنب؛ فهو يدعو لك بالخير, وليس كل شخص يختصك بالدعاء, وكفى.
82- يوم القيامة يخاف كل الناس إلا من كان يخشى الله, ومن لم يؤذِ الناس. وقد حكوا أن "هارون الرشيد"- رحمة الله عليه- دعا ذات يوم بهذا الدعاء: يا إلهي, ويا سيدي, ويا مولاي, لو مر علي يوم قد صدر فيه مني فعل قبيح, أو ذنب شنيع, أو عمل غير صالح, فلا تبلغن ليلته حتى أعلم هذا الذنب, وأتوب إليك, وأستغفرك, وأجبره بتقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين, وكانت "زبيدة"( ) زوجه تكرر هذا الدعاء طوال الليل والنهار؛ خوفًا من الله, قائلةً: "يا ستار الستر, احفظني في الأولى والآخرة". تحدث أحد الحكام العادلين في حضرة "الإسكندر" ( ), فقال الإسكندر: ألا تخشاني؟ فقال الحاكم: لماذا أخشاك؟! فمن يصدق لا يخاف من سلطان, فالخوف إما من خيانة العبد, أو ظلم السيد, وأنا آمن من كليهما. قال أحد الحكام لزاهد: إنني قلق من هول يوم القيامة. فقال الزاهد: فلتخش الله – عز وجل – في أيامك, ولا تقلق من غد. وقد حكوا أن أحد الخلفاء عزل أحد موظفي الديوان عندما رأى عليه خيانة بدينار, وبعد عدة أيام تشفعت لـه طائفة من الوجهاء عند الخليفة بعدم حرمانه من العمل في البلاط بهذا القدر الضئيل من المال, فقال الخليفة: ليس الغرض مقدار المال, ولكنه عندما أخذ الدينار ولم يخف من أحد, فإنه بذلك يظلم الرعية ولا يغتم.
83- كل من لا يأمن بطشك لا تأمنه, فإن الثعبان يؤذي الإنسان خوفًا من أن يقتله, ومثل ذلك أيضًا من حفر جزءًا في جدار البيت وأقام فيه, ومن قتل صغير الثعبان, وجلس آمنًا, فمن فعل ذلك فقد خالف رأي العقلاء.
84- تجنب صحبة من يذكر الآخرين بالسوء في غيابهم؛ فإنه يبدو أمامك طيبًا, ويغتابك عند غيابك.
85- لا يجوز الاعتماد على من يقولون: "كلام الملوك ملوك الكلام"؛ فإن مدعي الكلام من الحكماء قد يكررون هذا الكلام في موضع آخر, ومن ثمَّ لا يمكن للطاعنين أن يسخروا من هذا الكلام؛ فإذا ما ألقي على مسامع الآخرين لا يملكون سوى تصديقه.
86- العابد غني الصفات لا ينظر بعين التطلع إلى أموال ونعم الملوك, والسلطان الدنيء طبعه أن يطمع في أموال فقراء الرعية!
- ليس من المروءة أن يعلو القوي على الضعيف؛
فقد حمل الطائر الدون الحبة من أمام النملة.
حدث أن تاجرًا كان يمتلك صندوقًا مليئًا بالجواهر, وبعث سلطان ذلك الزمان في طلب التاجر, وعندما ذهب إليه أمره بإحضار الجواهر, فقال التاجر: أيها السلطان لقد خرجت من مدينتي منذ عام, وتركت أهل بيتي, وقد أوصتني زوجتي بألا أتعامل إلا مع من يخاف الله, ولديه دين وأمانة, وقد قيل: إن السلطان – بعد أن سمع كلامه – طمأنه, وتعهد لـه بقوله: اذهب وانتظر حتى عندما أجد في نفسي خوف الله, ولدي دين وأمانة, فسوف أتعامل معك.
87- من سفاهة رأي الحاكم أن يستهين بالعدو الصغير, أو يولي الصديق كثيرًا من المناصب؛ فإذا ما عاداه السلطان تمكن فيما ولي عليه.
88- من حسن تدبير الحاكم أن يؤدي عمل الغد اليوم, ولا يؤخر عمل اليوم إلى الغد.
89 - حق السادة على الأجراء هو القيام بالعمل على أكمل وجه, وكمال فضل السادة هو الإحسان للأجراء, وعدم المنة عليهم, وقد قال أحد الحكام الظالمين لزاهد: كيف يكون حال الملوك يوم القيامة؟ فقال: إن السلطان العادل الذي يراعي جانب الحق, ولا يهين الرعية, ولا يطمع في مالهم فهو ملك في الدارين.
- الحاكم إما ملك في الدارين؛
أو شحاذ فيهما (هنا وهناك).
90- إذا بذل الحاكم الأموال, زالت خصومة الأعداء, والدم أكثر شرفًا من المال, والعرب يقولون: "السيف آخر الحيل", أي إن الحرب تجب عندما تنعدم السبل, وتجنب الهزيمة أفضل من الضرب (المواجهة) بالسيف.
91- الرفيق الحقيقي هو الذي يذكر عيوبك أمامك؛ حتى يؤلمك بكلامه؛ فتقلع عن تلك العيوب, وفي الوقت نفسه لا يذكرها من خلفك؛ حتى لا يسيء إلى شخصك.
92- للأقوياء والأثرياء حرمه؛ وذلك لأنهم يملكون أسباب النعمة (العزة), فإذا ما زالت تلك النعمة من قلوبهم, ضاعت تلك الحرمة.
93- لكي يحافظ الحكام والجنود على الرعية؛ يجب أن يضربوا على يد القوي إذا تطاول على الضعيف الفقير, وليقطعوها إذا لم يرتدع, وأخذ في التطاول, وإلا فلن يكون للملك فائدة, ولهذا فلن يبقى.
94- يجب الشكر على كل نعمة, فشكر الغني الصدقات, وشكر الحكم تدليل (إرضاء) الرعية, وشكر القرب من الحكام قول الخير لصالح الناس, وشكر السعادة رعاية المحتاجين, وشكر المقدرة مساعدة من لا يقدر (الضعفاء).
95- السلطان الذي ينعم بالراحة طوال الوقت, لن تهنأ الرعية في عهده, ولن تدوم لـه تلك السعادة.
96- يجب على رسول الحاكم أن يقدم رضاء الخالق على أمر الحاكم؛ حتى ينعم بقربه.
97- المروءة هي اعتراف الإنسان بفضل أخيه الإنسان عندما يرى فيه الخير, ومن ثمَّ يشكر لـه هذا الفضل, والحقيقة أن عزة الملوك وكرامتهم نابعة من اهتمامهم بالرعية, وشعور الرعية بعدم جدوى وجودها يجعل الملك بلا عزة واحترام, وغاية المهانة هي ألا يرعى الحاكم الفقراء, ولا يعرف حقوقهم عليه.
98- كل من يضع أساسًا سيئًا يجني ما وضع.
99- ينبغي للحاكم ألا يقوم بالهجوم على الرجال وتقطيع رقابهم, بل عليه أن يخشى نواح الأطفال, ودعاء العجائز.
100- لا يحرق قلوب المساكين, فإنها كالمصابيح تضيء المدينة.
101- على الحاكم أن يخشى الله تعالى؛ فيرعى الأمانة, ويحذر الخيانة؛ حتى لا يراه الله في معصيته.
102- إن من عاقب المجرمين ثمَّ عفا عنهم بسرعة, فهو كمن قبض على الذئب ثمَّ أعطاه عهدًا (حلف اليمين).
103- الحاكم الذي يهين التجار ويؤذيهم يسد على مدينته أبواب الخير والأرزاق والسيرة الطيبة.
104- لا يعتمد الحاكم بشكل كبير على حديثي العهد بالحكم.
105- قتل من ظهرت نواياه السيئة أفضل من إبعاده عن المدينة, فمن يدفع عن نفسه الثعبان والعقرب, لا يليق به أن يلقي بهما في منزل جاره.
106- أعط العمل للشخص الذي يستحقه, وإن لم تر منه سوى اليمين الصادق.
107- إذا ارتكب أحد ذنبًا أو جرمًا سهوًا, فالكرم أن تتجاوز عنه, فإذا ما ارتكبه مرةً أخرى بقصد, فلتنذره بسوء العاقبة, فإذا ما تجرأ بفعله مرةً أخرى, فلتهدر دمه, فإن الأصل الفاسد لا يطرح ثمارًا طيبة.
108- لا تتسرع عند الغضب, فإنه يمكن أن تقتل الحي, ولكن لا يمكن إعادة إحياء الميت, كمن يمكنه تحطيم الجواهر, ولكن لا يمكنه إعادتها مرةً أخرى.
109- ليس الشديد بالصرعة, وإنما الرجل القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب, ولا يخرج عن الإنصاف.
110- يجب تأدية أموال اليتامى, فإنه لا يليق بقدر الملوك أن تتلطخ أيديهم بتلك الأموال, ولا يبارك الله – عز وجل – فيها.
111- لا يدوم من حصاد الدنيا سوى السيرة الطيبة, والتعس حقًا هو من لم تدم سيرته بالحسنى.
112- صفة المال أنه يجمع الأعداء, ويؤلف بينهم, ولكن الحرص عليه يفرق الأخلاء, ويباعد بينهم, والابن الذي الحاكم الذي لا يعدل, ويتمنى أن يسري ذكره بالسيرة الطيبة, فهو كالذي يزرع الشعير, ويتمنى أن يكون قمحًا.
113- الحاكم الذي لا يعدل, ويتمنى أن يسري ذكره بالسيرة الطيبة, فهو كالذي يزرع الشعير, ويتمنى أن يكون قمحًا.
114- يا من يحب المال من أجل الجاه والسلطان, لتكن صفتك الكرم والتواضع, فإن الجاه ليس أسمى ولا أرفع من حب الخلق والثناء عليك.
115- الجوع أفضل من الشبع من طعام الفقراء.
- تموت العنقاء من الفقر والجوع,
ولا تأخذ طعامها من صيد العصافير.
116- إنك تحل محل أولئك الذين رحلوا عن الدنيا, ويحل من سيأتي بعدك محلك كذلك, فلا تعبأ بالعدمين.
117- إن المروءة ليست في الحرص على الدنيا, بل في امتلاكها, فالعالم يسيطر على الدنيا, وتصير ملكًا لـه, والجاهل يسيطر على الدنيا, ويصير ملكًا لها.
118- ينبغي للملوك ألا يجلسوا هكذا دون علم بشكوى المظلوم, واستجارة المحروم, فإن عمال البلاط من الحجاب والقادة لا يتركون كل شئون الرعية تمر إلى مسامع الملوك, وقد قيل: إن "أنوشيروان العادل"( ) قد وضع في قصره سلسلة, وعلق عليها أجراس, فإذا ما كانت لأحد شكوى حرك تلك السلسلة التي كان لها طرفان: أحدهما تحت وسادة الملك, والآخر في الميدان معلق على الشجرة. وكان ملوك العرب يخرجون متنكرين؛ ليتفقدوا أحوال الممالك, فإذا ما رأوا منكرًا أو ظلمًا رفعوه, كما كانوا يرسلون بعض أتباعهم إلى المدن والقرى المحيطة؛ ليعلموا مدى الظلم الذي يعاني منه الضعفاء.
119- رحل الأشرار عن الدنيا, وكذا الأخيار, وبقيت السيرة الطيبة.
120- شكر النعمة هو أن يعطف الحكام على المحرومين, وقوة الإرادة هي ألا يلطخوا أيديهم بأموال المساكين.
121- عند توليك لشئون الحكم ومقاليده, اجتهد أن تكون على قدر المسئولية.
122- جرح الضعفاء عزيمة تفوق وتتعدى قوة سواعد الأبطال.
123- لا يتوانى الحاكم في إنصاف المظلومين, ومعاقبة الظالمين.
124- يا من يغط في نوم السعادة, أتراك بعيدًا عن الأيقاظ, يا من لديه القدرة على المسير, ألا يمكنك السير مع الرفيق, يا من يتصف بالجود والكرم, ليكن عطاؤك للفقراء والمحتاجين, تأمل ماذا فعل السابقون؟ وماذا حملوا معهم؟ فقد رحلوا, وارتفع الظلم عن المظلومين, وظل الوبال والعذاب على الظالمين, والحقيقة أن الفقير المعافى (السليم) أفضل من الحاكم السقيم.
125- لو أنك تصغي بحرص إلى عظام الأموات التي كانت تتحدث وتقول: إنني كنت مثلك من البشر, ولم أدرك قيمة أيام الحياة, وضيعت عمري في الفساد!
- أصابنا الزمان بالغفلة والنسيان,
فاغتنم أنت الفرصة في كل حين.
126- كل من لا يتألم لأحد, لا يخاف من أحد, فالعقرب الذي يخاف يهرب من فعله الخبيث, والهرة تعيش في المنزل مطمئنة؛ لأنها لا تؤذي أحدًا, والذئب يعيش في الصحراء في حيرة واضطراب, وذلك لأفعاله الخبيثة, والشحاذون نائمون في المدينة؛ لإحساسهم بالأمن, واللصوص مختبئون في الكهوف والصحاري؛ بسبب شناعة أفعالهم.
127- احترس من العدو الضعيف الذي يضحي بنفسه عندما تنعدم حيله, فالهرة على الرغم من أنها ضعيفة, إلا إنها عندما تشتبك مع الأسد تضرب بقسوة, وتحفظ عيونها بقوة مخالبها.
128- كن صديقًا للصغير والكبير, واغرس أساس المحبة في قلوب الآخرين, ولا تعتمد على أنك في حماية الملك, ولا يصل إليك أحد, فإذا ما قتلك غادر في الظلام, وأمر الملك بقتل إقليم بأكمله انتقامًا لك, فهل تعود لك الحياة؟
129- احرص على أن تذكرك الرعية بالخير في غيابك لا أمامك؛ حتى لا يكون قولهم هذا خوفًا أو طمعًا.
130- اجتهد في حياتك بأن تتقدم على الآخرين بالفضل والصلاح والكرم, فعند الموت يتساوى الغني مع الفقير, وإذا ما نظرت في قبر السلطان, وقبر مربي الكلاب, لا يمكنك التفرقة بينهما.
131- السعيد من العارفين هو من علم بأنه يجب ترك الدنيا عند الموت للآخرين, كما يتركها هؤلاء لمن بعدهم.
132 -لا يمكن أن يفرق بين الأعداء المتحالفين سوى الأشرار الذين يتخذون بعضًا منهم أصدقاء لهم.
133- حرض العدو على العدو؛ فينشب الخلاف بينهما, ويتغلب أحدهما على الآخر, ويكون الظفر لك.
134- لا تترك العدو الصغير يكبر, ولا تطلق سراح قطعة الشطرنج, فإنها تقوم بدورها.
135- استمل القلوب إليك في حالة اليسر, حتى تنفعك في حالة العسر والشدة.
136- ينبغي لك إجلال وتقدير حكام الشعوب الأخرى.
137- الحاكم الذي ينشغل باللهو والشراب, ويترك مصالح المملكة لأتباعه, يودي بحياة مملكته إلى الخراب والانهيار؛ لأنهم لن يهتموا بشئون المملكة, بل بمصالحهم الشخصية.
138- إذا كان كلامك مع الآخرين ليس بالحسنى, فلا تتألم من كلام الواشين عنك فهذا ذنبك.
- عندما تستيقظ من النوم لا تتوقع؛
أن تسري سيرتك بالخير في البلاد.
139- إن هلاك العدو يسعد الإنسان الذي اطمأن بذلك الهلاك.
140- على الحاكم أن يتناول الطعام عندما يشتهيه, وأن يتحدث عند الضرورة, وأن يأخذ قسطًا من النوم, وأن يعاشر عندما يصل الشوق إلى غايته.
141- لا يستهين الحاكم بحرقة قلوب الضعفاء, فإن النمل إذا اجتمع أوهن الأسد الهائج, وما أكثر ما تغلبت البعوضة الضعيفة على الفيل المهيب.
142- لا يدوم في الحكم من لا يعرف قيمته, ولا وقت لديه, ولا يرى الخزي والظلم في مملكته, تمامًا مثل النحلة التي تدهس بالأقدام, وتسحق لضعفها ووهنها.
143- ينبغي للحاكم أن يحذر من السم, والمكر, والقتل والغدر ليلاً, وليحذر من هؤلاء المنهكين في الأعمال المحرومين من النعم, وليحذر كذلك من دعاء المظلومين, ونواح المجروحين, وقد قال سلطان غزنة: إنني لا أخشى من رمح الرجال مثلما أخشى من مغزل النساء, وحرقة قلوبهم.
144- لا ينبغي للحاكم أن يهتم كثيرًا بأعمال الديوان السرية بقدر اهتمامه بأصحاب الديوان من أهل الفساد.
145- لو أردت ألا يأخذوا عليك دقائق الأمور, فاحفظ نفسك قبل الوقوع في مكرهم.
146- إذا أردت أن تعرف عيوبك, فلا تسأل عنها أصحابك؛ لأنهم سوف يحجبونها عنك, ولكن ابحث عنها في قول الأعداء.
147- لا تكن فظًا عندما ينبغي عليك الملاطفة في الحديث؛ لأن القيود لا تكون إلا للأنعام المتمردة, وكن حازمًا عندما ينبغي لك القسوة, فإن السكر لا يجدي إذا وضع بدلاً من السقمونيا المرة المفيدة.
148- إذا كنت خائفًا ممن يعطيك الأمر, فتلطف مع من تعطه الأمر.
149- كن حذرًا على الدوام, وكأن العدو متربص على الباب, فإذا داهمك فجأة كنت مستعدًا لـه.
150- لا تعتمد على الشخص قليل الخبرة.
151- عندما يواجه الحاكم الاضطرابات والفتن في المملكة, فعليه أن يلجأ إلى باب الرحمن في جنح الليل قبل أن ينام, ويستجديه بالبكاء راجيًا منه العون والنصر, ومن ثمَّ يعمل على رعاية الزهاد والعباد, ويجتهد في خدمتهم ورعايتهم, ثم يتجه لزيارة قبور الأولياء الصالحين, ويستمد من روحهم العون والمدد, ثمَّ يعطف على الضعفاء والمساكين, واليتامى والمحرومين, ويحرر بعض المسجونين, ويقدم الأضاحي والنذور, ويترفق بالجنود والأقارب, ويسارع في عمل الخيرات, وبعد ذلك يستعين بتدبير ونصيحة العقلاء المخلصين من أصحابه في دفع أضرار تلك الحوادث.
وعندما يفرج الله كرباته, وتتيسر لـه الأمور, فليسجد لله شكرًا وحمدًا أن هداه إلى ذلك بقدرته وعظمته, ثمَّ يقدم الولائم, ويؤدي النذور, ويداوم على الحمد والثناء, وبذل العطاء, حتى إذا ما وقع في مثل تلك الحوادث مرةً أخرى, يجد قلوب الرعية معه, وخواطرهم تتمنى لـه النصر والتوفيق.
كثير من يعمل بنصائح سعدي بإخلاص, وإرادة قوية يحالفه التوفيق من المولى, سبحانه في ملكه ودينه, وتبقى نفسه وأولاده في صحة وعافية, ويتحقق مراده في الدنيا والآخرة, والله أعلم بالصواب, وإليه مرجع المآب.>