المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبع العراقيون ديمقراطية



عبد الستار قاسم
03/11/2008, 06:00 PM
شبع العراقيون ديمقراطية

عبد الستار قاسم

27/تشرين أول/2008


ما زالت أمريكا تصر على أن وجودها العسكري في العراق ضروري من أجل أهل العراق، وهي دائما تردد بأن غيابها عن المسرح سيؤدي إلى حرب أهلية. وجودها، حسب قولها، يعزز الديمقراطية المزدهرة، ويعزز الإنجازات التي تم تحقيقها في العراق؛ ويخيف الإرهابيين الذين لن يتوانوا عن جرّ العراق إلى صراعات دموية فيما إذا سنحت لهم الفرصة، وشعروا بضعف الحكومة العراقية. ولهذا هي حريصة على توقيع اتفاقية أمنية مع حكومة العراق لشرعنة وجودها العسكري، أو احتلالها المستمر للعراق.

أمريكا لا تريد أن تعترف أن أهل العراق قد شبعوا ديمقراطية، بل أصابتهم تخمة ديمقراطية أدت إلى سيل منهمر من الدماء العراقية، وإلى عذابات وأحزان وآلام لا تنقطع ولا تهون، وإلى أحقاد وبغضاء هدمت النسيج الاجتماعي، وقضت على أسس المحبة والتآلف بين الناس. لدى العراق ما يكفي من حصاد الديمقراطية لعشرات من السنين القادمة: لديه من الأرامل والأيتام ومقطعي الأوصال والمعوقين والمهجّرين والمشردين والجوعى والمعوزين الملايين، وما فيه يكفيه، ويفيض. ربما على أمريكا أن تبحث عن مكان آخر غير أرض العرب والمسلمين لتصب عليها لعناتها الشيطانية، وجرائمها الوحشية الهمجية. أو من الأفضل أن تنكفئ على ذاتها، ولا تعود ثانية إلى تعذيب الأمم والشعوب.

أمريكا تريد اتفاقية امنية مع العراق لشرعنة وجودها العسكري، أو احتلالها، وبهذا إنما هي تصر على مزيد من الاقتتال بين العراقيين. أدى احتلال العراق إلى شلالات من الدماء في مختلف أرجاء العراق، والاتفاقية الأمنية لن تكون نتائجها أقل وطأة وأخف عنفا. أي اتفاقية أمنية تعطي حقوقا للاحتلال الأمريكي في العراق ستؤدي حتما إلى تأجيج الصراعات الداخلية، وإلى مزيد من سيول الدم العراقي.

تدعي أمريكا أن وجودها يمنع الفتنة في العراق، ويحول دون الاقتتال الدموي الشامل، وينقذ العراق من براثن التقسيم، ويوفر الحماية للعراقيين أمام الغزو الأجنبي. كل هذا الذي تخشاه أمريكا قد أتت به إلى العراق، ولولا غزوها، لما تكبد أهل العراق كل هذه المحن والشدائد. والمشكلة أن زعماء عربا كثرا ووسائل إعلام أجنبية وعربية تردد بأن على القوات الأمريكية أن تبقى في العراق من أجل العراق والعراقيين. جميعهم يندبون حظ العراق فيما إذا انسحبت القوات الأمريكية. الواقع العراقي يشير إلى عكس ذلك، ويثبت أن الغزو الأمريكي هو الذي سبب كل هذه الأحزان في العراق.

ما رأيكم أن نجرب غياب القوات العراقية لمدة شهر واحد أو شهرين لنرى كيف يتصرف العراقيون؟

القوات الأمريكية هي سبب الأزمات الداخلية العراقية، ووجودها وضع العراقيين ضمن ظروف غير اعتيادية أدت إلى العديد من الانزلاقات التي دفع ثمنها أهل العراق غاليا. لقد تصرف كثيرون في العراق من موقع غير مسؤول بسبب وجود الاحتلال، وآخرون مندسون تصرفوا وفق مصالح أجنبية، وعلى راسها المصالح الصهيونية، تتغذى وتنتعش على دمار العراق وخرابه.

تقديري أن العراق سيشهد تطورا إيجابيا سريعا فيما إذا انسحبت القوات الأمريكية. في الغالب، ستسقط الحكومة العراقية الحالية لأنها لا تمثل تطلعات القوى غير المرتبطة بالاحتلال الأمريكي، لكن قادة هذه القوى سيصبحون في موقع مسؤولية يدركون معها بأن عليهم الالتزام بواجبهم حيال وحدة العراق وطنا ومواطنين. قادة أهل السنة وأهل الشيعة سيجدون أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية، ولا مفر أمامهم إلا الاعتراف بأن العراق قوي بأهله الموحدين الذين يعترفون بتنوعهم المذهبي والقومي. عند انسحاب القوات الأمريكية، سيشعر الجميع ومن ضمنهم فصائل المقاومة العراقية بأن الأمانة ضخمة وكبيرة، ولا تحتمل التنازع والاقتتال. ولهذا أتوقع تحولا كبيرا في الأوضاع العراقية عندما يتمتع العراقيون باستقلالهم.

الأمريكيون ليسوا حريصين على استقرار العراق، إنما هم في الحقيقة يخشون قوى المقاومة العراقية التي يمكن أن تتسلم قيادة العراق فيما إذا انسحبوا، وبذلك تصبح العراق جزءا من قوى الممانعة في المنطقة التي ترفض الهيمنة الأمريكية، وتصر على استقلال الأمة وتقدمها بقدراتها الذاتية، وبتعاون حر مع الأمم الأخرى. أمريكا تريد أن تطمئن إلى بقاء العراق دولة ساقطة تحت الهيمنة الأمريكية كغيرها من الدول العربية التي تذللها أنظمتها، لكن كل سياساتها وأهدافها ستتساقط تحت أقدام المقاومة العراقية.