المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولاية أمريكا العراقية



عبد الستار قاسم
03/11/2008, 06:14 PM
ولاية أمريكا العراقية

عبد الستار قاسم

تفوح رائحة الاتفاقية الأمنية التي تريد أمريكا فرضها على العراق بين الحين والآخر، وتتمحور الأخبار في الغالب حول مثول الجندي الأمريكي أمام القانون العراقي. تسترخي الأخبار حينا، ويتناسى الإعلام أن أربطة أمنية على العراق يتم شدها وتمتينها، وفجأة تظهر المسألة من جديد. السبب هو أن القيادة العراقية على وشك اقتراف جريمة كبيرة بحق العراق وبحق الأمة العربية، وتريد أن تجرّع السمّ للعراقيين خاصة وللعرب عامة نقطة نقطة حتى لا يكون الخازوق الأمريكي مؤلما إلى درجة الصراخ. هذه هي سياسة الخطوة خطوة، أو الركلة الركلة، التي يبلّعها العملاء للأمة تحت شعارات المصلحة الوطنية العليا والتفكير العقلاني الحكيم.

لقد باعوا الأمة بعقلانيتهم العظيمة، وبددوا ثرواتها، وطوعوها مطية ذليلة لأعدائها لقاء شهواتهم، والإبقاء على سلطانهم.

المنقذون الأمريكيون

أتى الأمريكيون، وفق دعايتهم، لإنقاذ العراق من نيران الاستعباد والاستبداد، ولنشر الديمقراطية. وأتوا من أجل محاربة ما يسمى بالإرهاب ونزع أسلحة الدمار الشامل. قالوا إنهم منقذون قد أرسلهم الرب من أجل نشر السعادة الأبدية في الدنيا. أما الآن وقد خربوا العراق، وقتّلوا أبناءها، ونشروا الفتنة والفساد، وأهدروا ثرواتها، وجعلوا الأخ ضد أخيه والجار ضد جاره، فما الذي يريدونه بعد؟ من المفروض أن المنقذ هو الذي يعمل خيرا دون انتظار شكر أو تقدير أو امتنان، وهو يعمل إما لله أو لإرضاء ضميره أو تحقيقا لقيم ومبادئ إنسانية.

الأمريكي لم يأت للإنقاذ وإنما أتى للاحتلال، على أن يمارس هذا الاحتلال أبناء العراق بالوكالة. أمريكا تريد أن يبقى جيشها في معسكراته متنعما، لكنه مشرف على حسن سلوك عملائه العراقيين الذين يقومون بالأعمال القذرة ضد شعبهم بالوكالة.

سيادة العراق

وجود جندي أمريكي واحد على أرض العراق عبارة عن انتهاك للسيادة العراقية، وانتهاك لأعراض العراق وشرف العراق وشرف كل الأمة العربية. فما بالك عندما يكون هناك جيش بأكمله على أرض العراق؟

تبسيط الأمور إلى مسألة خضوع الجندي الأمريكي للقانون العراقي عبارة عن سذاجة يقصد منها فقط تضليل السذج من أبناء الأمة. المسألة أكبر بكثير من سوء تصرف جندي أمريكي في بار في بغداد، أو مغازلته لفتاة تسير على شاطئ دجلة، أو في سرقته لحانوت يبيع لفافات التبغ. المسألة هي أن هناك جيشا أمريكيا فوق أرض العراق، وفوق قانون العراق، وأحذيته فوق رقاب أنذال العراق.

يحاول بعض سياسيي العراق التابعين أن يقولوا لنا بأنهم لا يستسلمون للأمريكيين، ولا يلبون لهم مطالبهم، ودليلهم على ذلك بأنهم يعطلون الاتفاقية الأمنية من أجل التأكيد على سيادة العراق وإخضاع الجندي الأمريكي للقانون العراقي. هل وجود القوات الأمريكية في العراق منسجم مع الدستور العراقي، ومع القوانين العراقية؟ أم أن الاتفاقية الأمنية فوق القانون وفوق الدستور؟ هذه اتفاقية أمنية تعطي الأمريكيين حق الوجود العسكري على أرض العراق، وتعطيهم امتيازات على حساب أمن العراق وتكامل الأرض العراقية واستقلال العراق، وهي وسيلة لتهديد أمن دول الجوار، وتهديد فصائل المقاومة المناوئة للاحتلال والاستعمار والحريصة على استقلال الأمة العربية والإسلامية. إنها اتفاقية أمنية تجعل من الأرض العراقية قاعدة انطلاق ضد شعب العراق وضد شعوب المنطقة ككل، وتحول أرض العراق إلى مجرد ولاية عسكرية أمريكية تسهّل على أمريكا اعتداءاتها التقليدية على الأمة، وتعطيها ميزة الدفاع عن الكيان الصهيوني، وتسهيل أعماله العدوانية.

لا سلطان لحكومة العراق

لا يستطيع من يتلقى الحماية من الأمريكيين أن يتمرد عليهم، أو أن يدعي بأنه يضع شروطه عليهم؛ ولا يستطيع من يأكل من خيرات الأمريكيين أو يستمد الجاه منهم أن يقول بأنه يعمل على حماية العراق والمحافظة على استقلاله وسؤدده. أكبر شوارب (شنبات) في الحكومة العراقية لا تعلو فوق قامة جندي أمريكي منتن يختبئ في جحر هربا من المقاومة العراقية. أنتم يا من تدعون الدفاع عن العراق لم يكن لكم أن تكونوا أصحاب جاه وسلطان لولا هذا الجندي الأمريكي الذي تقولون إنكم تخضعونه للقانون العراقي. أنتم لا قيمة لكم بدون الأمريكيين، ولا تستطيعون الصمود أسبوعا لولا الدبابات الأمريكية. أنتم عبارة عن أدوات.

الأمريكيون ليسوا معنيين بتجريدكم من كل ملابسكم أمام الإعلام وأمام الناس لأنه من مصلحتهم أن يظن البعض بأن لكم كلمة. إنهم معنيون بأن تظهروا وكأن لكم قيمة، وكأنكم أصحاب قرار. لدينا أمثالكم في فلسطين، وأهل فلسطين أدرى بأساليب الأعداء في صناعة زعماء وهميين لا يلوون على شيء سوى الجعجعة الإعلامية التي لا تصنع إلا أوهاما لدى السذج. وفي الساحة العربية، هناك قيادات وهمية أمثالكم في مصر والسعودية وتونس والمغرب ومراكش واليمن، الخ.

أنتم تبيعون العراق

لا شكر لكم يا قادة الحكومة العراقية إذا حددتم فترة وجود الأمريكيين حتى العام 2011. سيأتي عام 2011، وستمر الأعوام والسنين والأمريكيون سيبقون على أرض العراق إلا إذا استطاعت المقاومة العراقية طردهم. أنتم لن ترتاحوا إذا خرج الأمريكيون من العراق، بل أن الأرض ستضيق عليكم بما رحبت إذا خرج الأمريكيون. من سيحميكم، ومن سيدافع عنكم إذا غادر الأمريكيون أرض العراق؟