المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كشمير والحق



إبراهيم محمد إبراهيم
06/11/2008, 08:49 AM
كشمير والحق
د / إبراهيم محمد إبراهيم
رئيس قسم اللغة الأردية وآدابها
كلية الدراسات الإنسانية
جامعة الأزهر – فرع البنات
القاهرة
دخل المسلمون شبه القارة الهندو باكستانية فاتحين لأول مرة عام 712م بقيادة الفاتح العربي " محمد بن القاسم " ، وظل الحكم الإسلامي يتعاقب على البلاد حتى استطاع الإنجليز بدهائهم المعهود القضاء عليه عام 1857م بعد أن سحقوا ثورة التحرير في ذات العام ، وتفرغوا لسحق أهل البلاد بعدها ، وخاصة من المسلمين الذين رأى فيهم الإنجليز خطراً داهماً على استمرار تسلطهم على البلاد ، واستطاع المسلمون بعد نضال مرير استمر تسعين عاماً أن يستخلصوا لأنفسهم وطناً من بين أنياب السبع الإنجليزي بعد أن حطموا هذه الأنياب ، وأجبروه – ولو إلى حين – على أن يتخلى عن قانون الغاب الذي كان يتعامل به معهم ، وظهرت دولة باكستان في الرابع عشر من أغسطس عام 1947م ، وانقسمت شبه القارة الهندو باكستانية إلى دولتين هما " باكستان " المسلمة ، و " الهند " الهندوسية ، وصار من حق مسلمي شبه القارة الهندية أن يسجل لهم التاريخ أنهم – بحصولهم على دولة باكستان – حافظوا بأرواحهم ودمائهم على الفتوحات الإسلامية في المنطقة ، ولم يتركوها لقمة سائغة في أفواه المستعمر يبتلعها كما ابتلع الفتوحات الإسلامية في الأندلس ولم يبق منها شيئاً .
وهذا يعني من جانب آخر أن الحكم الإسلامي لشبه القارة الهندو باكستانية قد استمر بشكل أو بآخر لأكثر من ألف ومائة عام حتى الاحتلال الإنجليزي للبلاد عام 1857م ، ولم يسجل التاريخ خلال هذه الفترة نوعاً من الصراعات الدامية بين الطوائف المختلفة في البلاد ، كما أنها لم تنقسم إلى دول متحاربة متناثرة هنا وهناك ، في الوقت الذي سجل التاريخ فيه أن الاحتلال البريطاني للبلاد لم يستمر أكثر من تسعين عاماً ، ومع ذلك فقد تركها تغلي فوق أتون من نار الفتنة الطائفية التي أشعلها ، ولم يبخل عليها بما يزيدها اشتعالاً ، ويحفظ لها استمراريتها وامتدادها فيما جاورت ، ولم يكن كل ذلك إلا للتسامح الذي اتصف به المسلمون أينما حلّوا ، والوحشية التي يتسم بها الاحتلال أينما وقع .
ولكن هل كان للاحتلال الإنجليزي أن ينجح فيما نجح فيه دون مساعدة من طامعين ومتعصبين وخونة ؟!. التاريخ يثبت أن خمسين بالمائة على الأقل من مسئولية الظلم تقع على عاتق الظالم ، وخمسين بالمائة تقع على عاتق من يساعده ويمد له يد العون ، وعلى الذين يتقاعسون عن مناصرة الحق ضد هذا الظلم ، وخاصة إذا ما كان هذا الذي يساعد الظالم تغلب على فطرته صفة الظلم والاضطهاد ، فيتحول هو الآخر إلى طاغية كبير ، وإن شئت الحق فإنه لا يتحول تدريجياً ، وإنما يسفر عن وجهه القبيح لحظة بعد أخرى ، وهذا بالضبط هو ما حدث في شبه القارة الهندو باكستانية حين مالأ الهندوس المتعصبون المحتلّ الإنجليزي ، وتضافروا معهم للقضاء على المسلمين الذين علموا أهل الهند حين قدموا إليهم كيف تكون الحياة ، وخلقوا لهم حضارة تضارع أعرق الحضارات .
لقد أغرق المتعصبون من الهندوس ، ومثلهم معهم من الطوائف الأخرى في البلاد ، في محاولة طمس كل معالم للمسلمين هناك ، وحرمانهم من حق الحياة في البلاد التي منحوها الحياة ، فوقفوا صفاً واحداً مع المحتل - الذي أذاقهم هم الآخرين من عذابه ومرّه – للتنكيل بالمسلمين وإذلالهم ، ترعبهم في ذلك عقيدة الجهاد في الإسلام ، تلك العقيدة التي تعيد الروح إلى المسلم ، وتجعله ينتفض على الظلم ، وتمنحه قوة تحار لها عقول من يجهل تاريخ المسلمين ، ولكن الله لا يغفل ولا ينام ، فقيّض للمسلمين بعضاً منهم ، يقودهم نحو النهضة والوعي ، والتشبث بالحياة الكريمة في ظل الإسلام الذي بذل أجدادهم من أجله أرواحهم حتى يصل إليهم وينالوا سعادة اعتناقه ، فقام " السيد أحمد خان " ودعا المسلمين إلى مواكبة التطور التعليمي والدخول إلى معترك الحياة وتجنّب العزلة . ثم جاء مفكر الشرق وفيلسوف الإسلام العلامة " محمد إقبال " ، فرسم لمسلمي الهند خريطة جهادهم ، وسلط الضوء على أهدافهم ، وأعاد إليهم إحساسهم بمجدهم ، ولم يتركهم حتى سلّم رايتهم إلى من وصل بها إلى شاطئ الأمان وبرّ النجاة ، وهو القائد العظيم مؤسس باكستان " محمد علي جناح " ، وظهرت باكستان إلى حيّز الوجود رغم أنف المتعصبين والغلاة والجهلة والمستعمرين .
ولكن هل يصمت الظلم على هزيمته ؟!. وهل يرضى الظالم بفشله ؟!. إن التاريخ يعلمنا أن الصراع قائم ودائم بين العدل والظلم ما دامت السماوات والأرض ، وأن النصر لا بد أن يكون من نصيب العدل ، حتى وإن خبا نوره ، وتوارت أشعته في فترة من الفترات بشرط أن يبقى عدلاً . وقد عمل الإنجليز على ترك أذيال مسمومة لاحتلالهم ، وأجيال مشوهة لمناصرتهم ضد المسلمين خاصة ، ولم تتوان هذه الأذيال ولا تلك الأجيال في اقتناص الفرصة كلما سنحت دون مراعاة لأية نزعة أو حقوق إنسانية . وقد اتضح هذا كله بجلاء في مشكلة " كشمير " التي كانت حتى الاتفاق على تقسيم شبه القارة إمارةً مستقلة ضمن أكثر من خمسمائة إمارة أخرى ومن أكبرها ، وكان مبدأ التقسيم ينص على أن تنضم المناطق ذات الأكثرية المسلمة إلى باكستان ، والمناطق ذات الأكثرية الهندوسية إلى الهند ، بينما للإمارات المستقلة حق للانضمام طبقاً للمبدأ السابق ، أو البقاء مستقلة ، وكان هذا يعني بطبيعة الحال انضمام كشمير ذات الأكثرية المسلمة التي تنوف على تسعين بالمائة من تعدادها البالغ عندئذ أكثر من أربعة ملايين نسمة إلى باكستان ، أو على أقل تقدير تبقى مستقلة إن أراد أهلها ، وفي الحالتين تزداد الدولة الوليدة قوة على قوة .
ولكن هل يرضى الإنجليز أو الهندوس أن يصير المسلمون أقوياء ؟!. إنهم في رعب دائم ، ليس من المسلمين فقط ، وإنما حتى من آثار هؤلاء المسلمين وإنجازاتهم ، بل ولغتهم – الأردية – التي هي لغة قطاع عريض منهم أيضاً ، ولذلك لم يضطهدوا المسلمين فقط ، بل اضطهدوا اللغة الأردية أيضاً، مما يكشف لك عن عقلية تحمل في طياتها كميات هائلة من الحقد الذي زاد الإنجليز ناره اشتعالاً ، ولذا ما أن أعلن قيام باكستان في الرابع عشر من أغسطس عام 1947م حتى سارعت الهند إلى الاستيلاء على الإمارات المستقلة واحدة تلو الأخرى حتى وإن أعلنت بعض هذه الإمارات عدم موافقتها على الانضمام إليها ، وشجع الهند على القيام بهذه الأعمال الغوغائية ما تعلمه جيداً من أن باكستان ما زالت وليداً صغيراً لم يتماسك بعد ، ولن تستطيع الدفاع عن نفسها خاصة وأن القسمة – بفضل الإنجليز – كانت قسمة ضيزى ، فلم تحصل باكستان على أنصبتها المقررة من ممتلكات شبه القارة الهندو باكستانية ، فاستقلت ولم يكن لحكومتها مقر ، ولا لوزرائها مكاتب يديرون منها شئون بلادهم ، بل وأربكت هجرات المسلمين بالملايين من الهند إلى باكستان هرباً من تعصب الهندوس أحوال البلاد ، ووجدت الدولة الوليدة نفسها في خضم هائل من المشاكل المحيطة التي كان من الممكن – لولا عناية الله ، ثم إخلاص القائد العظيم " محمد علي جناح " ورفاقه ، ثم قوة إيمان المسلمين الذين صمموا على الحصول على وطنهم الحر المستقل – أن تؤدي إلى هدم البناء الذي كان لا يزال في دور التكوين والتشكيل .
استغلت الهند كل هذه الظروف بتشجيع من بريطانيا ذاتها في صورة اللورد " مونتباتن " الذي كافأته الهند على دوره في تحقيق أهدافها على حساب الدولة الوليدة بتنصيبه حاكماً عاماً عليها ، وجاء الدور على كشمير ذات المساحة التي تزيد على مائتين وأربعين ألفاً من الكيلومترات ، والتي باعها الإنجليز المحتلون للمهراجا " جلاب سنج " بموجب معاهدة بينهما في السادس عشر من مارس عام 1846م بمبلغ سبعة ملايين ونصف من الروبيات وقع عليها كل من الإنجليزي " هاردينج " و " فريدريك كيوري " والمهراجا " جلاب سنج " حاكم " جامو " وذلك في مدينة " أمرتسر " ، منها خمسة ملايين تم دفعها فوراً عند كتابة المعاهدة ، ومليونان ونصف كان من المفترض أن تدفع في الأول من أكتوبر عام 1846م أو قبل ذلك ، ولكن هذا المتبقي من المبلغ ظل يدفع على أقساط حتى الرابع عشر من مارس عام 1850م .
وذاق الشعب الكشميري المسلم كل أنواع العذاب على يد حكامه الهندوس الذين عمدوا إلى إذلاله والتنكيل به ، إلى أن جاء وقت قيام باكستان ، فادعت الهند أن حاكم كشمير أعلن الانضمام إليها رسمياً ، وطلب منها أن ترسل قواتها إلى المنطقة لقمع المتمردين على حكومته ، وكان ذلك في يوم مشئوم هو السابع والعشرين من شهر أكتوبر عام 1947م . وبالفعل دخلت القوات الهندية تسحق في طريقها كشمير وأهلها ، وتفرض عليهم وجودها ، وتضمهم بغير رغبتهم ولا حتى استشارتهم إلى ممتلكاتها .
إنه منطق القوة ، وقانون الغاب ، وفطرة من لا عهد لهم ولا ذمة ، وكانت الهند تظن أن باكستان التي لا تزال تحبو على قدميها ، كيف ستخوض حرباً ضد هذا العدو البغيض وهي لا تملك من العدة والعتاد إلا ما يكفي ضرورة الدفاع عن البلاد بالكاد ، ولكنه الإيمان بالحق هو الذي يدفع أهله إلى عدم التفريط فيه مهما ضعفت قوتهم . وهب رجال القبائل الباكستانية للدفاع عن إخوانهم في كشمير ضد الاعتداء الهندي ، وحرروا من أيديهم ثلث مساحة المنطقة ، وأقاموا عليها " كشمير الحرة " ، وبقي الثلثان لا يزال يرزح تحت نير الإحتلال الهندي الذي لم يذعن إلى أي قرار من الهيئات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة .
ومضت أكثر من خمسين عاماً ، ولا تزال كشمير – ومعها فلسطين – تنتظر لحظة التحرير والاستقلال ، ولن يكون هذا إلا بدماء الشهداء ، هكذا علمنا التاريخ ، فالظلم لا يتنازل بمحض إرادته ، وإنما يتم إجباره ودحره ، وشعب كشمير لم يبخل في يوم من الأيام بتضحية من التضحيات ، ولكن مثلما قلنا إن خمسين بالمائة على الأقل من مسئولية الظلم تقع على الظالم ، وخمسين بالمائة على من يساعده ، نقول كذلك إن خمسين بالمائة من تحقيق النصر للحق تقع على صاحب الحق ، وخمسين بالمائة على من يمد له يد العون ، ويد العون ليست قاصرة على العون المعنوي فقط ، بل لا بد من العون المادي حتى لا يضيع الحق ، إذ لا بد للحق من قوة تحميه ، ولا تزال باكستان في مقدمة من يقفون بجانب كشمير وأهلها ، ولن تتخلى عنها . وكيف تفعل وقد ربطها القدر بروابط لا تنفك ، ولا كرامة لواحدة منهما دون الأخرى ، فأكثر أنهار باكستان تنبع من كشمير أو تمر منها ، وليس لكشمير منفذ تجاري على العالم إلا من خلال باكستان ، وقبل كل هذا يجمعهما الإسلام والتاريخ والحضارة والثقافة .
ومن هنا فلا يأس ولا قنوط ، وطالما أصر أهل كشمير – وأهل فلسطين – على استرداد حقوقهم ، فلن تمنعهم قوة من تحقيق ذلك ، حتى وإن كانت هذه القوة هي الهند أو إسرائيل أو غيرهما ، فالله قادر على تغيير مجرى الأمور في لحظة ، بل وقلبها رأساً على عقب ، وما المصير الذي آل إليه " الاتحاد السوفييتي " السابق ببعيد عنا ، وما ضاع حق وراءه مطالب .

راسخ كشميري
09/11/2008, 10:34 PM
أتمنى أن أرى اليوم الذي تلحق فيه كشمير القابضة بباكستان في حياتي، وكشمير سقى الله أرضها بدماء الشهداء، وستثمر الحرية يوما ما بإذن الله...


شكرا لك يا دكتور شكرا لك

إبراهيم محمد إبراهيم
10/11/2008, 07:19 AM
وليس ذلك على الله ببعيد