المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسن توفيق - مجنون العرب



عبدالودود العمراني
18/12/2006, 11:07 AM
حسن توفيق الصحفي والأديب، يشرف على الصفحات الثقافية في جريدة الراية الدوحة.
يمتاز بسعة الاطلاع وخفة الروح. سلاحه "المقاماتي" هو السخرية والنقد اللاذع وغير المباشر، حيث الرسائل بين السطور...

من كتاباته:

القبض على مجنون العرب
مقدمة بقلم : حسن توفيق

قطع أمير الشعراء أحمد»بك«شوقي اجازته التي كان يقضيها في أحد منتجعات الدار الآخرة.. نهض، فجأة، من مكانه، كمن لذعه برغوث، مع أنه كان يبدو مرتاح البال، وهو جالس على الأريكة السندسية المفضلة لديه... مع نهوضه المفاجئِ، اكتسى وجهه بالغضب، دون أن يهتم بنظرات الدهشة التي انبثقت من عيون الحوريات المستلقيات حوله بملابسهن الشفافة، بادرتْه إحداهن قائلةً وهي تتنهد: هل أحسستَ يا سيدي بالملل؟ هل ضايقتْكَ واحدة منا؟.. كنت أظن أنك تنعم بجلستك الهادئة بيننا، خاصة اننا كلنا نسعى لإسعادك.
حاول شوقي »بك« أن يتخفف قليلا من غضبه. قال للحورية المتنهدة: إن الأمر لا يتعلق بك ولا بسواك، فكلكن لطيفات وظريفات. لهذا سأعود إليكنَّ، ولكن بعد أن أنفذ ما استقر عليه تفكيرى... بعد ثوانٍ معدودات، شوهد أمير الشعراء، وهو يخرج من أحد الأبواب السرية للمنتجع، ربما لكي يتجنب فضول الصحفيين، أو يهرب من كاميرات القنوات الفضائية التي تُصَوّب نحو المشاهير. تزاحمت التساؤلات على شفاه الحوريات. إحداهن تساءلت: ما الذي أغضب »أمير الشعراء« العرب؟..أكدت حورية أخرى: هذه أول مرة أرى فيها وجهه قد اكتسى بالغضب. أضافت حورية ثالثة: نحن لم نقصر في ملاطفته منذ أن وفد إلى هذه الدار الآخرة يوم 14 أكتوبر سنة 1932 ميلادية. ردت عليها حورية بجوارها وهي تتمطى: ربما تكون طبيعته البشرية قد عادت إليه، فأصبح يعرف الغضب وسواه من الانفعالات التي تضر صاحبها قبل غيره. قالت الحورية التي كانت تتنهد أمام شوقي »بك«: أنا أعتقد أنه قد أشتاق إلى وطنه مصر، ويريد أن يزوره ولو بمجرد الروح.. لقد سمعته أكثر من مرة، يتمتم وهو شبه نائم:
وطني لو شُغلت بالخُلْد عنه
نازعتْني إليه في الخُلْد نفسي
اعتدلت الحورية ثم تثنت بدلال، وهي تقول: على أى حال، فإننا سنعرف السر عندما يعود إلى منتجعنا هذا، كما وعدني، وهو صادق الوعد.
|||
مالم تعرفه الحوريات أن أمير الشعراء قد اندفع كالمدفع الرشاش، قاصداً مقر »الإنتربول الفضائي« حيث التقى مع كبار الضباط العاملين فيه، مطالبا إياهم بأن يتعاونوا مع ضباط »الإنتربول« الذين يعملون على سطح الكرة الأرضية، لكي يحققوا له ما يريد... هدفُ أمير الشعراء واضح ومحدد.. أن يتم إلقاء القبض على مجنون العرب بأية وسيلة. هذا الهدف يتطلب بالطبع خططا سرية بارعة، حتى لا يتمكن المجنون من الإفلات، بفضل ما لديه من حيل وأسلحة عجيبة، من بينها »الصاروخ العابر للزمان« و»طاقية الإخفاء« و»بساط الريح« و»القمقم النحاسي المسحور«.
عقد أحد الضباط حاجبيه على جبينه اللجيني الذي تتغنى به فيروز، ثم قال بأدب شديد: لماذا تتوجه إلينا بهذا الطلب يا سيدي الأمير؟.. أنا - شخصيا - أعرف أن مجنون العرب إنسان مسالم، وهو لا يستخدم ما لديه من حيل وأسلحة إلا لكي يكتشف طباع الناس وأهواءهم خلال سنوات الحياة المتاحة لكل منهم على سطح الأرض. اصطبغ وجه أمير الشعراء بالأزرق والأحمر، وهو يقول: يا حضرة الضابط الموقر.. يبدو أنك طيب جدا، فهذا المجنون ليس مسالما كما تظن، وقد جئت الى هنا لكي أطالب بالقبض عليه، لكي يقر بما ارتكبه ضدي. وعلى العموم فإني لا أريد إيذاءه.. كل ما أريد أن أقوله له هو »للصبر حدود«. أريد أن أنبهه إلى بعض ما يستوجب التنبيه، وبعدها يمكنني أن أقول »لكل حادثة حديث«.
اقترب من أمير الشعراء ضابط آخر متجهم الوجه، ويبدو على ملامحه أنه من أقارب »شيلوك« المرابي اليهودي الذي فضحه وليم شكسبير منذ عدة قرون. قال الضابط » الشيلوكي« القلب: إن كل ما لدينا من تقارير، يؤكد أن مجنون العرب إنسان شرير، وهو واحد ممن يعادون »السامية« بدليل أنه يكره وجبة »الكوشير« ويفضل عليها » الفول« و»الطعمية« ونظراً لأني متعمق في دراسة الخلافات العربية - العربية وسبل تفكيكها لا تأجيجها، فإني لن أرحم هذا المجنون الشرير، ولن أتركه يفلت من العقاب، لكي يعرف أن لدينا هنا ماهو أقسى وأعنف من »جوانتانامو« و»أبو غريب« وسواهما. كل ما عليك يا أمير شعراء العرب أن تثق بي ثقة عمياء، فأنا المؤهل وحدي للقبض على مجنون العرب.
|||
كما هي عادته، كان المجنون يتجول ببساط الريح في فضاء الكرة الأرضية، محاولاً ألاَّ ينظر إلى الأرض ذاتها حتى يُبعد عينيه عن رؤية شلالات الدماء البشرية، لكنه فوجىء بأن مجموعة من الأطباق الطائرة تحيط به من كل جانب، ورأى أحدها يكاد يلتصق ببساط الريح، وسمع صوتاً محملا بالشر، تتدحرج منه كلمات متعثرة بلغة عربية ركيكة الأداء: إحنا بنريد تعطينا من وقتك خمس دقايق يا سيد مجنون، إنزل على الأرض حالاً وإياك تهرب. قال المجنون لنفسه إن »الكثرة تغلب الشجاعة« فأخذ يهبط اضطراريا، وبمجرد أن هبط، حاصره ملثمون كثيرون بعد أن خرجوا من أطباقهم الطائرة، وحملوه معهم، حيث سلموه، بعد أن ضربوه، للضابط »الشيلوكي« القلب، وتم وضع المجنون داخل قفص شائك، تسيل على أسلاكه قطراتُ دم، وسمع »أمير الشعراء العرب« من يقول له: الحين.. تقدر تسوِّي خلافاتك العربية - العربية مع مجنون العرب!
أحس شوقي »بك« بطعم الندم، لا في حلقه، بل في روحه. لهذا لم يتوجه بأية كلمة شكر للضابط »الشيلوكى« القلب، وإنما اقترب - بهدوء - من الضابط الذي كان يعقد حاجبيه على جبينه اللُجيني ورجاه أن يُخرج المجنون من القفص، حتى يستطيع أن يناقشه بشأن نقاط الخلاف التي لم يكن المجنون يعرف عنها شيئا.. حقق الضابط رجاء شوقي »بك« الذي دخل على الفور في صلب موضوع الخلاف.
- سامحني يا مجنون، فأنا لم أقصد أبداً أن أؤذيك، لكني سمعت أنك تنوي الإساءة لي!
| هل يُعقل أن أسييء إلى شاعر عبقري، أحببته ومازلت أحبه من كل قلبي؟
-هذا ما سمعته. لهذا أرجوك أن تجيب بصدق. هل صحيح أنك تنوي إصدار كتاب جديد، تروى فيه اسرار مغامراتك وشطحاتك الغريبة؟
| هذا صحيح.
- وما عنوان هذا الكتاب؟
| أنوي أن أسميه »مجنون العرب مع الحمار والخروف والنعامة«.
- لكني سمعت عن عنوان آخر غير هذا!
| معك حق يا شوقي »بك«.. لقد كنت أنوي - في البداية - أن أسمي الكتاب »مجنون العرب مع أمير الشعراء والحمار والخروف« ثم أدركت - بعد أن فكرت - أن هذا العنوان غير لائق، لأنه قد يوحي بالمساواة بين الإنسان والحيوان، وبين أمير الشعراء والحمار والخروف، ولهذا عدلت عن هذا العنوان، واكتفيت في العنوان الجديد بالحمار والخروف وأضفت إليهما النعامة.
- إني أحب صراحتك يا مجنون، لكني أريد أن أقترح عليك عنوانا جديدا، ينطبق على ما أنت فيه الآن.
| ماهو هذا العنوان؟
- »ليلة القبض على مجنون العرب«... أعتقد أن هذا عنوان مناسب.
| وهو كذلك يا شوقي »بك«.
- الآن قل لي.. كيف أساعدك لتخرج من هذه الورطة التي وضعتُك فيها منذ أن اكتسى وجهي بالغضب؟
| لا تقلق أيها الأمير.. يا صاحب القلب الكبير.. عندي من أسلحتي ما يتكفل بعودتي آمناً إلى حيث كنت!
فجأةً لم يعد أحدٌ يرى المجنون.. في لمح البصر، وضع على رأسه »طاقية الإخفاء« وانطلق في رحلة العودة إلى الأرض، بينما أصيب الضابط »الشيلوكي« القلب بما يشبه »الصدمة والترويع« وهو الذي كان يحلم بأن يصبهما على رأس المجنون، أما أمير الشعراء، فإنه تمهل قليلاً، ربما ليتأكد أن المجنون قد اختفى تماماً عن الأنظار، وبعد أن اطمأن قلبه، قرر العودة من جديد إلى نفس المنتجع الذي كان قد غادره.
استقبلت الحوريات شوقي »بك« وهن فرحات مبتهجات، أما هو فإنه لم يكن مغتبطا تماما، بعد أن لاحظ مالم يكن قد تنبه إليه من قبل، فقد رأى عدة حوريات، كل منهن ترتدي فستانا من الفساتين التي كانت ترتديها »شهرزاد« على امتداد »ألف ليلة وليلة« بينما رأى حوريات غيرهن، ترتدي كل منهن فستانا من فساتين عارضات الأزياء الأوروبيات في باريس ولندن وميلانو، كما رأى أخريات محجبات ومنقبات، ورأى غيرهن قانعات بارتداء قطع حريرية أصغر من » ورقة التوت« التي كانت »حواء« تستر بها ما أرادت أن تستره. تساءل أمير الشعراء عن سر هذه الخلطة الغريبة، وعما إذا كان التنوع يدل على خصوبة الحياة وثرائها، أم أنه يؤكد أن الفوضى قد وصلت إلى أقصى مداها، حتى عند الحوريات؟!
|||
»المجنون ليس أنا..« هذا ما قلُته من قبل، وأحب أن أؤكده الآن بكل وضوح، حتى لا يظن العقلاء بي ما قد يظنون، فيتجنبني بعضهم أو يهرب من طريقى غيرهم. وفيما يتعلق بحكاية القبض على مجنون العرب، ونجاحه في الإفلات والهرب فإنه - شخصيا - هو الذي رواها لي، بحكم الصداقة العميقة بيننا.
طبعا تترتب على الصداقة أعباء ومسؤوليات، يعرفها العاقل والمجنون على حد سواء، ومن هذا المنطلق طلب مني صديقي مجنون العرب أن أسجل ما يرويه لي من مغامراته ورحلاته، لأنه - كما يزعم - لا يجد الوقت الكافي لتسجيلها بنفسه، وقد وافقتُ على هذا الطلب، مشترطا عليه أن يتحمل هو وحده المسؤولية الكاملة عما ورد في هذه المغامرات والرحلات، تماما كما حدث في الكتاب الأول »مجنون العرب - بين رعد الغضب وليالي الطرب« والحقيقة أن المجنون لم يعترض على هذا الشرط، ثم قام على الفور بإهدائي مجموعة جميلة من الأقلام والأوراق، لكي أتحمس في تدوىن مغامراته ورحلاته دون تلكؤ أو تباطؤ، فضلا عن أنه أهداني بعض تذكاراته الشخصية التي يرى أنها نفيسة وذات قيمة تاريخية، ومن بين تلك التذكارات، البنطلون »الجينز« الذي ارتداه امرؤ القيس عندما قرر التخلص من ماضيه العربي، لكي يتحول إلى إنسان متدين عصري، فضلا عن »برذعة« حمار كان قد حاول التخلص من حموريته العريقة، وأن يتمرد على الواقع الذي عاش في إطاره.
يعرفُ الذين قرأوا الكتاب الأول أن مجنون العرب قد التقى مع كثيرين من الشعراء العرب الذين غابوا عن الدنيا منذ قرون، ومن بين هؤلاء امرؤ القيس وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وعمر بن أبي ربيعة ومجنون ليلى قيس بن الملوح. ويعرف الذين قرأوا الكتاب الأول أيضا أن المجنون - كما يزعم - قد واجه نيرون بشجاعة، كما تصدى لهولاكو ببراعة ووقف في وجه الإمبراطور طائش بن راعش الذي يقتلع الخضرة والحشائش، ويرتكب الفواحش. أما من ناحيتي فإني أعلنت وقتها براءتي من الآراء والمواقف المتهورة التي أبداها هذا المجنون تجاه الملوك والأباطرة والرؤساء، وأكدت - بشكل واضح - أنه يتحمل، وحده، عاقبة ما قد تصل إليه الأمور مع أي ملك أو امبراطور أو رئيس، كما أنني أكدت، دون أن أتعرض لأية ضغوط خارجية أو داخلية أنني أحب كل الملوك والأباطرة والرؤساء، وأرى أنهم جميعا من المصلحين الذين لا يبغون في الأرض فسادا، وكما هو شأن كل العقلاء، وبالذات أولئك الذين يسمون أنفسهم »مثقفين« فإني دائما أبايع كل حاكم، وأرجو له طيب الإقامة على كرسي الحكم، أما إذا انقلب - لسبب أو لآخر - من على الكرسي، فإني أبايع من يجييء بعده دون أي تأخير، وشعاري في هذا هو المثل الشعبي المصري »اللي يتجوز أمي.. أقول له يا عمي«!
يبدو لي أن المسألة أسهل في هذا الكتاب الثاني، وذلك لأن المجنون لا يواجه فيه نيرون أو هولاكو أو غيرهما، وإنما يلتقي مع حمار، ويتعاطف مع خروف، أو يتعقب ديكا من الديوك، ويحاول مساعدة نعامة كانت بائسة ويائسة من إصلاح واقعها المتردي. ولهذا السبب فإني مطمئن- في هذا الكتاب الثاني- أني لن أتعرض للشنق أو لإطلاق الرصاص أو لسيارة مفخخة أو للاعتقال أو الخطف، فكل الذين يلتقي معهم المجنون أو معظمهم، هم من الحيوانات، وليسوا من بني آدم الذين قال عنهم -فيما مضى - أبوالعلاء المعري:
أفضلُ من أفضلهم صخرةُُ
لا تظلمُ الناسَ ولا تكذبُ
قد يقول لي أحد العقلاء، قاصداً أن ينبهني أو أن يخيفني: ولكن هناك حيوانات مفترسة، وهنا أقول له وأنا شبه مطمئن إن المجنون لم يلتقِ في معظم مغامراته ورحلاته الجديدة إلا مع حيوانات أليفة، طيبة ومطيعة، فهو لم يلتقِ مع الأسد أو النمر أو الفهد أو وحيد القرن. ولكن لابد من الاعتراف بأني شخصيا قد تحدثت عن هؤلاء وسواهم مع المجنون خلال عدة جلسات سرية، حيث اندمجنا في قراءة أو إعادة قراءة مجموعة من الكتب التي تجرأ أصحابها ووصفوا فيها صفات الأسد والنمر والفهد ووحيد القرن، ومن هؤلاء الذين تجرأوا بل تهوروا »أيسوب« الإغريقي و»لافونتين« الفرنسي ومن عندنا »أمير الشعراء« بلحمه وشحمه، وكذلك »الجاحظ« و»الدميري« من الأدباء العرب القدامى.
ولا بد هنا أيضا أن أنبه العقلاء إلى أن كتاب »حياة الحيوان الكبرى« للأستاذ العلامة والقدوة الفهامة الشيخ كمال الدين الدميري، هو كتاب يجمع بين العقل والجنون، وبين الحكمة والخرافة. على سبيل المثال، فإن الدميري أراد أن يعظ الناس، ويشرح لهم أضرار الخمر، فروى لهم حكاية خرافية بكل معنى الكلمة، أثناء حديثه عن الطاووس، حيث قال: »حُكي أن آدم لما غرس الكرمة جاء إبليس فذبح عليها طاووسا فشربت دمه، فلما طلعت أوراقها ذبح عليها قرداً فشربت دمه، فلما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسداً فشربت دمه، فلما انتهت ثمرتها ذبح عليها خنزيراً فشربت دمه، فلهذا شاربُ الخمر تعتريه هذه الأوصاف الأربعة، وذلك أنه أول ما يشربها وتدب في أعضائه يزهو لونه ويحسن كما يحسن الطاووس، فإذا جاءت مبادىء السكر لعب وصفق ورقص كما يفعل القرد، فإذا قوي سكره جاءت الصفة الأسدية فيعبث ويعربد ويهذي بما لا فائدة فيه، ثم يتقعص كما يتقعص الخنزير ويطلب النوم وتنحّل عُرا قوته..«.
هذا مثال من مئات الأمثلة التي تدل على ما في كتاب »حياة الحيوان الكبرى« من خرافة، وهناك بالطبع مئات الأمثلة الأخرى التي تدل على ما في نفس هذا الكتاب من علم وحكمة، ومن هنا فإني أرى أن كتاب الدميري مفيد حقا لكل من المجانين والعقلاء على حد سواء، شأنه في هذا شأن كثير من الكتب العربية القديمة التي تمتزج فيها الخرافة بالعلم!
أعود الآن إلى هذا الكتاب الذي اقترح أمير الشعراء أحمد »بك« شوقي أن يكون عنوانه »ليلة القبض على مجنون العرب« حيث تبدأ أولى المغامرات بسهرة مطولة جمعت - بالمصادفة - كلا من المجنون وأمير الشعراء في ملهى »الليدو« بباريس، وكان المجنون قد احتال، فسمى نفسه »رمسيس« حتى يهرب من ملاحقة الجواسيس، نظراً لأن اسمه العربي قد يوقعه في مآزق أو مشكلات، أقلها هو اتهامه بأنه »إرهابي« أو »أن هناك صلات مشبوهة تربطه بالقاعدة«... روى المجنون لشوقي »بك« حكاية قطة أصبحت في ورطة، بعد أن جاءها في المنام أن الفأر قد تعهد بأخذ الثأر، والحقيقة أن ما أحست به القطة من ورطة، هو نفس ما يشعر به الطغاة الأقوياء حين يرون أن الأمور قد أفلتت من أيديهم وعلينا أن نتذكر هنا منظر »شاوشيسكو« ديكتاتور رومانيا بعد أن ظل يحاول أن يهرب من مصيره المحتوم دون جدوى!
بعد السهرة المطولة مع أمير الشعراء، أخذ المجنون يتسكع في الشوارع والحارات، إلى أن التقى مع حمار، يحاول التمرد على ما في الحياة من انحطاط وانحدار، وقد اعترف هذا الحمار للصحافة، بأنه لا يحب النظافة، وصدر قرار بقطع ذيله، بعد اتهامه بفضح الأسرار، فأخذ يبحث عن وسيلة للفرار، بعد أن توعده السيف البتار، وبعد نجاته من عدة كمائن تحايلَ كي يتحول من حمار إلى مواطن لكنه ما لبث أن واجه الناس مؤكداً أن معظمهم وسواس خناس، وبعد هذه المواجهة كان لابد له أن يقرر العودة للأصل حتى يلتئم الشمل مع الأهل.
بعد عودة الحمار إلى حظيرته، التقى المجنون مع نعامة، ضلت خطاها سكة السلامة، وكان المجنون قد عرف من »الدميري« حكاية عجيبة تروي أن النعامة قد ذهبت لكي تطلب لها قرنين، حتى يتسنى لها أن تدافع بهما عن نفسها إذا اقتضت الضرورة، لكن الناس الظالمين بدلا من أن يعطوها القرنين قطعوا لها الأذنين، ومن يومها لم تعد تسمع حتى أعلى الأصوات!
تحمس المجنون بشهامة لأن يساعد النعامة، وهذا ما تحقق بفضل صديقه »المارد« العملاق الذي يقدم له خدمات جليلة، حيث يقوم باستدعائه من القمقم النحاسي المسحور، وعلى الرغم من أن المارد قد ساعد النعامة في استرداد ما كان لها من أذنين، إلا أنه »رفض الخوض في أي حديث.. يتعلق بشهرة النعامة في الجري الحثيث.. لأن ما كانت تتحلى به من عنفوان.. قد أصبح في خبر كان.. أما الآن فإنها لا تحصل إلا على درجة صفر.. في كل مسابقات هذا العصر..«.
تقديراً لما أهداني المجنون إياه من أقلام وأوراق لابد أن أستطرد فأشير إلى أنه قد التقى مع أحد الديوك، وقد أكد هذا الديك أن الدجاج، أصبح يبيض الآن بدون مزاج، ونظرا لأن هذا الديك كان من الماكرين فإنه حَبَكَ تمثيلية مكشوفة، محاولاً أن يعيد بها شعبيته المفقودة بين جموع الدجاج، وملخص هذه التمثيلية أن يقفز هذا الديك من أعلى سور. محتجاً على إنفلونزا الطيور!
على امتداد أربع حلقات أو »مقامات« يستطيع العقلاء أن يتعرفوا على شخصية »خروف« يحاول أن يتمرد على الواقع بل أن يتجاوزه لكي يهرب من المصير المحتوم، فقد أكد هذا الخروف للمجنون أنه »ضحية« وأنه سيحاول إقناع مجلس الأمن بأن ينظر في قضيته التي تتعلق بقيام المسلمين بذبح أقاربه وبني جنسه باستمرار وخصوصا في »عيد الأضحى« وقد تأكد الخروف أن أكبر المحرضين على ذبح أقاربه وبني جنسه هو الشاعر القطري - العربي - المسلم محمد بن خليفة العطية الذي أرسل للمجنون رسالة »موبيل« يطالبه فيها بعدم التعاطف مع القضية الخروفية، وهذا هو النص الحرفي للرسالة:
»أيها المجنون ما جدوى القضية
بعد أن تقضي على الكبش المنية
إنما كبشك قربان »طليقٌ«
فاشحذ السكين وانحره هدية
وَدعِ اللغوَ مع الكبش فإن
اللغو لا يمنع أقدارَ الضحية«
لم يتجاوب المجنون مع رسالة صديقه الشاعر محمد بن خليفة العطية، وأخيرا ارتاح الخروف من التفكير بعد أن قرر التحول إلى خنزير، لكن أغرب ما جرى هو أن هذا الخروف قد وقع في مأزق جديد بعد أن تحول إلى خنزير، فقد رآه أحد جيران المجنون، وهو مستر »سيمون« - الهندي المسيحي، وحاول أن يربطه بحبل متين.. بعد أن تصور هذا الجار أنه أمام خنزير سمين.. وأنه من الممكن تحويله إلى وليمة شهية، يدعو لها أصدقاءه الذين يدينون بالمسيحية. كان لابد من البحث عن حيلة جديدة، وهكذا استدعى المجنون صديقه »المارد« وأمره أن يحّول الخروف إلى بقرة، مستعينا في هذا بطقوس كتاب »مسخ الكائنات« للشاعر الروماني أوفيد، والذي ترجمه إلى لغتنا العربية ترجمةً رائعةً الكاتب الفنان الدكتور ثروت عكاشة، وهكذا تجلى الخروف في هيئة بقرة.. ولم يعد أحد يقتفي أثره، لا من المسلمين ولا من المسيحيين، خاصة بعد أن حمله »المارد« وأوصله إلى الهند وقد أصبح الخروف - بهيئته البقرية الجديدة - معبودا للهندوس الذين يعبدون الأبقار.. المشكلة الجديدة، وهي مشكلة داخلية هذه المرة وليست خارجية، أن الخروف تحول في الهند إلى طاغية مستبد، فاغتاظ المجنون وأرسل إليه مهددا بإلقائه في أبشع هاوية لكي يلقى نفس المصير الذي يلقاه الطغاة من البشر.
بعيداً عن الحمار والنعامة والديك والخروف، التقى المجنون كذلك مع إنسان ليس من لحم ودم، وهو الذي يسمونه »الروبوت« أو »الانسان الآلي« أما مكان اللقاء فهو سطح كوكب المريخ الذى وصل إليه المجنون بصحبة صديقه المارد المطيع... كان المجنون يتصور أن كوكب المريخ، لا بد أن يكون مملوءاً بالبطيخ، طالما أن لونه أحمر، أو أن سكانه الذين انقرضوا هم من الشيوعيين الذين يرفعون الأعلام الحمراء، لكن أغرب ما حدث يتمثل في أن »الروبوت« باح للمجنون بما ينوي أن يفعله حين يصبح أكثر ذكاء وقدرة على الاستقلال في التفكير وفي الحركة.. أكد »الروبوت« أنه سيتمرد على أوامر الذين أرسلوه من الأرض إلى المريخ، لأنه عرف نواياهم الخبيثة، فهم يريدون استغلال العلم في الشر، وليس في الخير الذي ينفع الناس ويجعل حياتهم أكثر جمالاً، ونظراً لخطورة الكلام الذي باح به »الروبوت« لا بد لي أن أنقل النص الحرفي لكلامه، حتى يتحمل وحده المسؤولية، ومما قاله »الروبوت« بالنص: ».. إن المتجبرين من الآدميين.. يريدون أن يبنوا فوق المريخ زنازين.. لأن زنازين الأرض لم تعد كافية.. رغم أن قتل السجناء يحدث في كل ثانية.«.
عاد المجنون من المريخ، ليلتقي أو يتعرف على نساء مختلفات، منهن من تحولت أجسادهن إلى سلع ُتشترى أو تؤجر لطالبي المتعة من الرجال وقد رقَّ قلب المجنون وهو يقول: ».. من الليدو إلى كازينو بديعة.. يظل أمثالُ عمر بن أبي ربيعة.. يتفحصون جمال الزهرات.. ويتذوقون نبيذ الرغبات.. بينما ترقص الزهرات بسيقانهن العارية.. في ليالي المدن القريبة والنائية.. ولا مكانَ لمن تظل باكية.. فعلى كل زهرة أن تبدو زاهية. وتتظاهر بأن روحها من الهم خالية. »ومن ناحية أخرى، فإن المجنون الذي يعرف قيمة الحب، تشاجر مع »كارمن« وأكد لها أن عاشقها ليس بخائن.. وتجَّول المجنون مبتعدا عن »كارمن« الغجرية الأسبانية، ليتعرف على مصير »ذكرى« المطربة التونسية، ثم رأى بعينيه أفعى غادرة.. تتسلى بامرأة فاجرة.. لكنها تزعم أنها طاهرة.. كما رأى »ليلى العامرية« وهي تتأرجح بينما ظل قيس بن الملوح يترنح، وهو يقول:
يبوحُ القلبُ دوماً باشتياقي
لِليلاي المريضة في العراقٍ
أرى جسداً تُفتته المآسي
على أرضٍ تئنُ من الشقاقِ
وتحلمُ بالنهارِ يبثُ فيها
شموساً للتناغم والتلاقي
ولكنْ كيفَ يشفيها طبيبٌ
يدسُّ السُّمَ في جسد الوفاقٍ؟
قلت من قبل إن المجنون - في هذا الكتاب الثاني - يلتقي مع حيوانات، حيث يتعاطف مع حمار وخروف، لكن هذا لا يعني أنه لم يشاهد نماذج من الرجال الذين يُفترض أنهم من الآدميين، لكن هؤلاء ليسوا كثيرين على أي حال ومن هؤلاء »السيد المهاب« الذي قال لأحد أعوانه:
نادِ المثقفَ واعطه بقشيشَا
وإذا تلكأ.. وَفِّه التلطيشَا
ومن هؤلاء أيضا »المهووس الأحمق« الذي أوقع نفسه في مأزق.. و»مهبوش بن مرعوش« الذي يتصور أنه أقوى من كل الوحوش.. ونظراً لإدراك المجنون لكل وسائل الخداع التي يلجأ إليها الطغاة، فإنه قال لي بالحرف الواحد إن إعلان الذئاب.. عن تغيير الثياب.. لا يعني أنها بلا أنياب، وقال المجنون لي إنه سمع الذئب الأكبر يقول: ».. كلٌّ منا سيرتدي صوفَ خروف.. أما الفعل فسيظل كما هو مألوف.. وبدلاً من أن نوصف بأننا متوحشون أجانب.. ويأتينا اللوم من كل جانب.. فإننا سنصبح قوة متعددة للنهش.. وهذا ما سيطمئن قلبَ كل جحش«.. وعلى الرغم من أن »مجنون العرب« ظل حزينا أو شاردا أو متململا أو مغتاظا وهو يروي لي ما ضايقه، فإنه أكد تمسكه بالأمل.. فمن يدري؟.. ربما استطاع »الإنسان الآلي« أو »الروبوت« أن يُسخر العلم لخدمة الناس، بدلاً من القضاء على الضعفاء منهم.. من خلال التمسك بالأمل، اختتم المجنون ما رواه وهو يؤكد أن »الليل تدحرج في الغابة.. والنور يعانق أحبابه«.
مرة أخرى أؤكد أن »المجنون ليس أنا«.. والمجنون وحده هو الذي يتحمل مسؤولية ما رواه لي، أما أنا فلم أقم إلا بتسجيل مغامراته ورحلاته، بعد أن أهداني مجموعة جميلة من الأقلام والأوراق، ومن ناحيتي فإني لست مهتما بأن يصدق العقلاء ما رواه المجنون أو أن يكذبوه أو أن يطالبوا بالقبض عليه، كما فعل أمير الشعراء شوقي »بك« فالمهم أني شخصيا بريء ومطيع ولا أحب التمرد، وإنما أحب أن أكرر ما قاله » الواعظ« في »مأساة الحلاج« لأستاذي العظيم صلاح عبد الصبور:
باح...!
ِبمَ باح، لكي تأخذه الشرطة؟
لا أدري، وعلى كل، فالأيام غريبة
والعاقل مَن يتحرز في كلماته
لا يعرضُ بالسوء
لنظامٍ أو شخصٍ أو وضِعٍ أو قانونٍ
أو قاضٍ أو والٍ أو محتسبٍ أو حاكمْ

معتصم الحارث الضوّي
20/12/2006, 01:50 AM
شكرا للأخ عبد الودود لهذه المشاركة الرائعة .. الأستاذ حسن توفيق الشاعر و الصحفي و الأديب المخضرم رجل يندر وجوده في عصرنا هذا المظلم ..
تشرفت بمعرفته منذ سنوات .. فكان لي نعم الأخ الأكبر و الموجّه .. و أصبح بالفعل أبي الأدبي و قدوتي الإبداعية ..
و لأدبه الساخر بصفة خاصة آفاق ثقافية موسوعية .. فتجد الأدب مضمخا بعلم الأخلاق .. و تعثر على الفلسفة مبثوثة بين السطور مترعة بخلاصة تجربته الشخصية .. و تتزين نظرته العميقة في تحليل التاريخ بفهمه و إدراكه الحصيف بحقائق العصر ..
أدرك أن الكلمات تهرب مني و أنا أصف حسن توفيق .. و يعتورني ذلك الشعور الشاهق بالإجلال .. فأنا كنت و ما زلت تلميذا صغيرا في محراب علمه ..

احترامي و تقديري

عبدالودود العمراني
20/12/2006, 11:07 AM
أهلاً بأخي معتصم،
صدقت وأصبت. ثم نضيف التواضع... التواضع يا أخي هو ما شدني لحسن... لن تراه يتشدق أو "يزيد في الطار نغمه" كما نقول في تونس... وإني أحبه في الله...

لكن مشكلتي معه... كما ترى لدي مشكلة;) هي ترجمة نصوصه. إن ترجمة حسن توفيق عمل مرهق، وعصيب، ويجعلك تلعن (مجازاً) اليوم الذي قررت فيه أن تمتهن الترجمة... إلا أن ترجمة حسن توفيق هي أيضاً مشوقة، وممتعة لدرجة أنك تبقى أمام حاسوبك وتنسى طعامك وشرابك إلى أن تأتي الزوجة المصون قائلة: حرام يا رجل... لجسمك عليك حق، ولنا عليك حق... فتجيبها: لا بل قولي أن الغيرة تحركك، يا ست أترجم حسن توفيق، لا حسناء توفيق، هو رجل والله... فتبتسم وتذكرني: أولم يتخاصم الأبناء والإخوة وأبناء وبنات العم والجيران والأصدقاء، وكل يجذب "مجنون العرب" له؟؟؟

قلت لك أخي إذاً أني أترجم إلى الفرنسية "مجنون" حسن توفيق، وكلما استعمل كاتب المجنون المجاز، تراني أقطع شعري لأجد طريقة لتفسير المجاز بالفرنسية... وكلما ذكر شخصية معروفة في حضارتنا، وهو يذكر العشرات (يقفز من امرئ القيس إلى أم كلثوم مروراً بشوقي وفيروز فالرندي، وعطية...). وكأن ذلك لا يكفيه ليقتلنا نحن معشر المترجمين، ترى سي حسن يطرس* بأبيات الشعر بكل ألوان الطيف من الجاهلية إلى العمودي الحر. لا بل يزيد: يغير حسب نزوات جنونه بعض الأبيات الشهيرة لتخدم مقاصده... آآآآآآآآآآآآه.

وفي الخاتمة، أعتبر أن ترجمة المجنون عمل يخدم ثقافتنا وحضارتنا بصفة إيجابية وممتازة.
أولاً لأن روح الفكاهة التي يمتاز بها العزيز حسن تجعل المتلقي الغربي يتمتع بالقراءة؛
ثانياً لأن فن المقامة فن عربي أصيل ولون محبوب من الأدب يشبه النقد الاجتماعي والكاريكاتير وغيرها من الفنون التي تجد لها صدى واسعاً في الغرب
ثالثاً لأن حسن يتناول مختلف المسائل بأصالة ورفعة وأناقة... لا يبيع أصله ولا يتعصب له
رابعاً لأن مقامات الحسن يمكن تناولها من عدة جوانب وعلى عدة مستويات: تجذب الطفل، والكهل والشيخ ومن اقترب من القبر، متوسط الثقافة والدكاترة الجهابذة...
خامساً لأنها فرصة (ويا لها من فرصة) لتقديم نجوم لامعة في سماء الإبداع العربي الإسلامي إلى الجمهور الغربي...

وكفى الله المؤمنين شر القتال
والسلام عليكم
عبدالودود
* التطريس: أمَّا في كتابه: "الطروس" فقد وقف "جينيت" عند أهمّ المصطلحات الداخلة ضمن مصطلح "التطريس" منها: "1 ـ التناصّ: وهو الوجود الفعلي لنصّ في نصّ آخر: "والترافق: أي علاقة النصّ بما يصاحبه مثل: "العناوين والتمهيدات, والعبارات التوجيهيَّة والتوضيحات. والتماسات الأُخرى" 3 ـ العلاقة النقديَّة: هو التعليق الذي يقوم فيه نصّ على نصّ آخر وقد أَطلق عليه مصطلح "النصيَّة الأوليّة". 4 ـ النصّيَّة الضَّامَّة: هي العلاقة التي تضمَّ نصّاً إلى نصّ سابق". ويُقَدّم هذا الكتاب لوحة متكاملة للشعريّة ومصطلحاتها, والتطريس وأشكاله, وهو أفضل كتب جينيت, لأنَّه لا يكتفي... بتصنيف وتعريف وتغيير المصطلح فقط, بل لأَنه يُوَضِح مجالاً ضخماً من الأَبحاث.‏(المصدر: البديل العراقي (http://www.albadeeliraq.com/showdetails.php?kind=culture&id=2379) مع الشكر لسي ابراهيم درغوثي لنشره مقالة تتناول المصطلح، مما جعلني أبحث هل هي التطريز (كما كنت أكتب :o ) أم التطريس. انظر مداخلته بعنوان: التطريس في قصص ابراهيم درغوثي

عبدالودود العمراني
24/12/2006, 10:33 AM
بعض من مشاكل ترجمة "الأدب الساخر" والدعابة والفكاهة بصفة عامة. أو "فنّ ترجمة الفنّ"
إن العبارة/التعبير التي تجعل العربي يبتسم، تختلف عن أختها التي تجذب البسمة إلى وجه الفرنسي أو الانكليزي أو الإيطالي أو الصيني.
ويعتبر هذا الإشكال عقدة على المترجم أن يحلها إذا أراد إنتاج ترجمة أمينة. ما هي التقنيات/الحيل/الإبداعات التي يستخدمها المترجم للوصول إلى مبتغاه؟؟

دعوة لطيفة للمشاركة
وفي انتظار مداخلاتكم، أورد لكم أنموذجاً من مسودة ترجمتي لمؤلف صديقي حسن توفيق: "ليلة القبض على مجنون العرب" جيث أستخدم الحواشي أو الأمثال الفرنسية نفسها وغيرها من وسائل التعبير الأدبي لتفسير المقصود و/أو للتعريف بتراثنا...

والسلام عليكم
عبدالودود

La nuit de l’arrestation
de Magenoun al-Arab.

Oeuvre arabe originale de Hassan Tawfik:
"Laylat al-qabd ala magenoun al-arab"

Traduite par Abdelouadoud El Omrani

L’arrestation de Magenoun Al-Arab


Introduction


L’Émir des poètes Ahmad Chawki[1] « Bek » coupa court au congé dont il profitait dans l’une des régions touristiques de l’au-delà… Il se remit debout d’un seul coup, comme s’il avait été piqué par une puce, bien qu’il apparaissait quelques minutes avant, tout a fait quiet, se prélassant sur son divan préféré… En se levant brusquement, son visage se colora de colère et il ne prêta aucune attention aux regards surpris émanant des yeux des houris[2] étendues tout autour de lui et couvertes de voilures légères. Soupirant, l’une d’entre elles l’aborda : Es-tu ennuyé mon cher ? Est-ce que l’une d’entre nous t’a importuné ?... Je pensais que tu appréciais ta séance calme entre nous, surtout que nous essayons toutes de te faire plaisir !

Chawki « Bek » essaya de contenir quelque peu sa colère et répondit à la houri en soupirs : cela n’a rien à voir avec toi ou l’une d’entre vous ; vous êtes toutes gentilles et agréables. D’ailleurs je reviendrai entre vous, mais pas avant de m’être défait d’un souci qui me tracasse… Quelques secondes plus tard, on vit l’Emir des poètes quitter discrètement la zone touristique par l’une des portes secrètes ; probablement pour éviter la curiosité des paparazzi ou pour échapper aux caméras des chaînes satellitaires braquées vers les célébrités. Les questions se bousculèrent sur les lèvres des houris. L’une d’entre elles demanda : qu’est-ce qui a pu énerver l’Emir des poètes arabes ? Une autre affirma: c’est bien la première fois que je vois son visage se couvrir de colère ; et une troisième ajouta : nous n’avons jamais manqué de lui tenir douce compagnie depuis qu’il est arrivé ici dans l’au-delà, le 14 octobre 1932. Une houri voisine lui répliqua : il est probable que sa nature humaine lui soit revenue, il a ainsi connu de nouveau la colère et les autres réactions qui nuisent en premier lieu à qui les ressent. La houri qui soupirait en face de Chawki « Bek » répondit : je pense que son pays natal, l’Egypte, lui manque et que le désir de le visiter, même si ce n’est qu’avec l’esprit, l’a envahi… Je l’ai entendu plus d’une fois murmurer en somnolant :

Même si l’éternité me sépare de mon pays natal,
Mon esprit me le disputera dans l’éternité.

La houri se reprit avec grâce et se pencha légèrement en toute élégance en disant : de toute manière, nous connaîtrons le secret à son retour parmi nous ; il me l’a promis et il tient toujours sa parole.


***


Ce que les houris ignoraient, c’est que l’Emir des poètes était parti tel un pistolet mitrailleur, en direction du siège de « l’Interpol spatial » où il y rencontra les hauts gradés et leur demanda de coopérer avec « l’Interpol » travaillant sur la terre, pour obtempérer à sa requête… Ce que voulait l’Emir des poètes était clair et décidé… On devait arrêter par tous les moyens Magenoun Al-Arab. Cet objectif nécessitait naturellement d’habiles plans secrets afin que Magenoun ne puisse en aucun cas échapper en faisant usage de ses ruses et ses armes étranges. On comptait parmi son arsenal « la fusée traversant le temps », « le capuchon qui rend invisible », « le tapis volant » et « la carafe cuivrée magique ».
L’un des officiers plissa son front argenté que chante Fayrouz[3] et dit en toute courtoisie : Pourquoi nous demandez-vous cela Monsieur l’Emir ? Je sais personnellement que Magenoun Al-Arab est un être pacifique qui n’utilise son arsenal de ruses et d’armes que pour découvrir la nature des humains et leurs désirs durant les années de vie qui leur sont autorisées sur terre. Le visage de l’Emir des poètes s’empourpra pendant qu’il répondait : Monsieur l’Officier, vous semblez bien bon ! Ce Magenoun n’est pas paisible comme vous le pensez ; je suis venu ici revendiquer son arrestation afin qu’il reconnaisse ses méfaits contre moi. Et de toute façon, je ne veux pas lui nuire… tout ce que je désire lui dire c’est que « la patience a des limites[4] ». Je voudrais attirer son attention sur ce qui mérite l’attention et je dirais ensuite : « à tout lieu, un discours donné[5] ».
Un autre officier au visage renfrogné s’approcha de l’Emir des poètes ; ses traits suggéraient qu’il était un proche de « Shylock[6] » l’usurier juif dénoncé par Shakespeare depuis des siècles. L’officier au cœur « shylockien » affirma : tous les rapports dont nous disposons confirment que Magenoun Al-Arab est un homme maléfique et qu’il est un antisémite, pour preuve il déteste la nourriture « Kasher » et préfère « les fèves » et « la taamia[7] ». Et Considérant que je me suis approfondi dans l’étude des différends arabo-arabes et des moyens de les décomposer et non les attiser, je serai impitoyable envers ce Magenoun maléfique et je ne le laisserai pas échapper au châtiment. Il saura ainsi que nous avons ici pire et plus impitoyable que « Guantanamo » et « Abou-Ghreib » et ce qui leur ressemble. Tu dois juste te fier aveuglément à moi, Emir des poètes, je suis le seul apte à arrêter Magenoun Al-Arab.

***

Comme à l’accoutumé, Magenoun se baladait dans l’espace au-dessus de la terre sur son tapis volant, essayant d’éviter de regarder vers la terre afin d’éviter à ses yeux la vision des cascades de sang humain. Mais il fut surpris lorsqu’un groupe de soucoupes volantes l’encercla de toutes parts ; il en aperçut une qui collait presque à son tapis et entendit une voix chargée de maléfices, roucoulant des paroles hésitantes dans une langue arabe mal prononcée : nous voudrions cinq minutes de votre temps Monsieur Magenoun, descendez immédiatement sur terre et gare à vous si vous essayez de vous échapper ! Magenoun se dit à lui-même que « le nombre gagne contre le courage » et il commença à descendre contre son gré. A peine fut-il sur terre, que plusieurs hommes encagoulés descendirent de leur soucoupe, l’encerclèrent, l’amenèrent avec eux et le délivrèrent après l’avoir roué de coups à l’officier au cœur « shylockien ». On enferma Magenoun dans une cage dont les barbelés ruisselaient de gouttes de sang. L’Emir des poètes arabes entendit quelqu’un lui annoncer : à présent, vous pouvez régler vos différends arabo-arabes avec Magenoun Al-Arab.
Chawki « Bek » sentit le goût du remords, non à la gorge mais dans l’âme. Il n’adressa d’ailleurs aucune parole de remerciements à l’officier au cœur « shylockien », mais se rapprocha – calmement – de l’officier qui plissait les sourcils sur son front argenté et le pria de faire sortir Magenoun de la cage. Il désirait discuter avec lui des points de discorde dont Magenoun ne savait encore rien… L’officier exauça le désir de Chawki « Bek » qui entra immédiatement dans le vif du sujet de discorde.
- Excuse-moi Magenoun, je n’ai jamais eu l’intention de te nuire, mais j’ai entendu dire que toi, tu en avais l’intention !
- Se peut-il que je nuise à un poète génial que j’ai aimé et que j’aime encore de toute mon âme ?
- C’est ce que j’ai entendu, et c’est pour cela que je te demanderais de me répondre en toute sincérité. Est-il vrai que tu as l’intention de publier un livre où tu raconterais les secrets de tes aventures et de tes étranges péripéties ?
- Ça c’est vrai.
- Et quel est le titre de ce livre ?
- J’ai l’intention de l’appeler « Magenoun Al-Arab avec l’âne, l’agneau et l’autruche ».
- Mais j’ai entendu parler d’un titre différent !
- Tu as raison Chawki « Bek »… J’avais l’intention… au départ… d’appeler le livre « Magenoun Al-Arab avec l’Emir des poètes, l’âne et l’agneau ». Puis j’ai réalisé que ce titre n’était pas convenable, puisqu’il pouvait suggérer une certaine égalité entre l’homme et l’animal, entre l’Emir des poètes et l’âne et l’agneau. Je me suis alors contenté dans le nouveau titre, de l’âne et de l’agneau auxquels j’ai ajouté l’autruche.
- J’aime ta franchise Magenoun ; mais je voudrais te suggérer un autre titre qui sied à ce que tu vis maintenant.
- Et quel est ce titre ?
- « La nuit de l’arrestation de Magenoun Al-Arab »… Je pense que ce soit un titre convenable.
- En effet Chawki « Bek » !
- Maintenant dis-moi, comment puis-je t’aider à te sortir de ce traquenard où je t’ai mis depuis que mon visage s’est couvert de colère ?
- Ne te préoccupe pas Emir au grand cœur ; j’ai assez d’armes pour me permettre de retourner sain et sauf d’où je viens !
Soudain, personne ne vit plus Magenoun… En un clin d’œil il posa sur sa tête le capuchon qui rend invisible et commença son voyage de retour vers la terre. L’officier au cœur « shylockien » fut pris par quelque chose qui ressemblait au « choc et effroi[8] », lui qui rêvait de les déverser sur la tête de Magenoun. Quant à l’Emir des poètes, il patienta un petit instant, juste le temps de s’assurer que Magenoun a bien disparu des regards. Après s’être rasséréné, il décida de retourner à la région touristique qu’il venait de quitter.
Les houris accueillirent Chawki « Bek » avec joie et bonheur, quant à lui, il n’était pas tout à fait joyeux. En fait, il a observé ce qu’il n’avait pas remarqué auparavant. Plusieurs houris portaient un des costumes que revêtaient Shéhérazade le long de ses « mille et une nuits », mais d’autres portaient ceux des modèles de mode européenne de Paris, Londres et Milan, d’autres encore s’étaient recouvertes la tête du voile ou du « Nikab[9] ». Chawki « Bek » en vit aussi qui ne portaient comme accoutrement que de petits bouts de soie plus petits que la feuille de vigne utilisée par Eve pour couvrir ce qu’elle avait envie de couvrir. L’Emir des poètes se posait bien des questions à propos du secret de cet étrange mélange, se demandant si la diversité indiquait la fertilité et la richesse de la vie ou bien signifiait-elle que le chaos avait atteint son comble, même chez les houris.

***

« Le Magenoun, ce n’est pas moi… » C’est ce que j’ai dit auparavant et que je voudrais affirmer très clairement maintenant, de façon que les sages n’aillent pas penser je ne sais quoi de moi. Certains pourraient m’éviter, d’autres tenteraient de prendre une autre route que la mienne. En ce qui concerne l’histoire de l’arrestation de Magenoun Al-Arab, et comment il a réussi à s’enfuir et s’échapper, c’est lui-même - en personne - qui me l’a racontée en vertu de la profonde amitié qui nous lie.
L’amitié engage évidemment de lourdes responsabilités que le sage connaît bien, et le fou aussi d’ailleurs. Et c’est en partant de ce principe que mon ami Magenoun Al-Arab m’a demandé d’enregistrer l’histoire de ses aventures et ses périples, puisque, prétend-il, il ne peut trouver le temps de le faire lui-même. J’ai acquiescé à cette demande, tout en posant la condition qu’il prenne seul la responsabilité de ce qui arrive lors de ces périples ; comme ce fut le cas d’ailleurs avec le premier livre « Magenoun Al-Arab entre la fureur de la colère et les nuits.. ». En vérité, Magenoun ne s’est pas opposé à cette condition. Il m’a offert une belle collection de stylos et de papier pour me motiver dans la rédaction de ses aventures et périples sans plus tarder ; et il y a adjoint aussi quelques souvenirs personnels qu’il considère précieux et d’une valeur historique. Parmi ces témoins des temps passés, il y avait le pantalon en jeans porté par Imrou al-Kaïs[10] quand il décida de se défaire de son passé arabe pour se convertir en homme religieux moderne, et il y avait aussi la selle de l’âne qui a essayé de se défaire de son ânerie ancestrale et de se rebeller contre la réalité vécue.
Ceux qui ont lu le premier livre savent que Magenoun Al-Arab a rencontré plusieurs poètes arabes disparus de ce monde depuis des siècles, et il y avait parmi eux Imrou al-Kaïs, Antara Ben Chaddad[11], Zouheir Ibn Abi Sulma[12], Omar Ibn Abi-Rabia[13] et le fou de Leila : Kaïs Ibn al-Moulaouah[14]. Les lecteurs du premier livre savent aussi que Magenoun – selon ses propres dires – a affronté courageusement Néron[15], s’est opposé avec brio à Houlagou[16] et a résisté face l’empereur Tahech Ben Raech[17] qui arrache herbes et verdures et commet les vices. Pour ma part, j’avais pris alors mes distances vis-à-vis des idées et des attitudes saugrenues, exprimées par ce fou, envers les rois, les empereurs et les présidents. J’ai affirmé – sans équivoque – qu’il était le seul à devoir subir les conséquences de ce qui pourrait advenir avec ces éminents personnages, et j’ai assuré aussi, sans avoir subi aucune pression externe ou interne, que j’aimais tous les rois, les empereurs et les présidents, et que je considérais qu’ils étaient tous de bonnes gens qui ne voulaient faire aucun mal sur terre. D’ailleurs comme ceux-là qui se font appelés « intellectuels », j’exprime mon allégeance à tout gouvernant et je lui souhaite un agréable séjour sur la chaise du pouvoir ; mais s’il lui arrivait, pour une raison ou une autre, de culbuter de sa chaise, alors je porterais allégeance à qui lui succède sans tarder. Ma devise en cela est ce proverbe populaire égyptien qui dit : « celui qui épouse ma mère… se verra appeler: mon oncle » !
La chose me semble plus aisée dans ce deuxième livre, vu que Magenoun n’y affronte pas Néron ou Houlagou ou quelque autre illustre personnage, mais qu’il y rencontre un âne, sympathise avec un mouton, poursuit un coq ou essaie d’aider une pauvre autruche désespérée de réformer sa situation matérielle déplorable. Pour cette raison, je suis tranquille – dans ce deuxième livre – de ne pas m’exposer à la pendaison ou à des coups de feu ou à une voiture piégée ou à l’arrestation ou l’enlèvement. Tous – ou la majorité de - ceux que Magenoun rencontre sont des animaux et ne sont point des humains ; ces mêmes humains dont Abul Alaa Al-Maarri[18] a dit –dans le passé :

Le meilleur des meilleurs d’entre eux est un roc,
Qui ne commet pas d’injustice et ne ment point.

Mais un sage désirant m’avertir ou me faire peur pourrait me rétorquer : mais il y a des animaux féroces. Là, je répliquerai presque sûr de moi-même que Magenoun n’a rencontré dans la plupart de ses périples que des animaux domestiques, bons et dociles ; il n’a pas rencontré le lion, ni le tigre ou le léopard, ni le rhinocéros. Mais je dois reconnaître que j’ai parlé avec Magenoun d’eux et d’autres de leur trempe lors de rencontres secrètes, lorsque nous avons relu ensemble un certain nombre d’ouvrages dont les auteurs ont osé décrire les qualités du lion, du tigre, du léopard et du rhinocéros. Parmi ces imprudents téméraires, il y a Ésope[19] le Grec, La Fontaine[20] le Français puis parmi les nôtres « l’Émir des poètes » en chair et en os et al-Jahiz[21], et enfin al-Damiri[22] parmi les anciens.
Je dois toutefois avertir les sages que le livre « la grande vie des animaux » de l’illustre et respecté savant Kameleddine al-Damiri est une œuvre qui allie raison et folie, sagesse et fable. Par exemple, lorsque al-Damiri voulut conseiller les gens et leur expliquer les méfaits du vin, il leur raconta, lors du passage parlant du paon, une histoire « fabuleuse » au vrai sens du terme, disant : « on raconte que lorsque Adam planta la vigne, le Diable vint y égorger un paon dont le sang abreuva la plante ; lorsque les feuilles poussèrent il y égorgea un singe et elle s’en abreuva ; lorsque les fruits apparurent, il y égorgea un lion et son sang l’abreuva aussi ; lorsque enfin ses fruits finirent, il y égorgea un porc et la plante s’en abreuva de même. Ainsi, celui qui boit le vin passe par ces quatre états : dès qu’il le boit et que le liquide court dans son corps, sa couleur s’épanouit et il ressent ce que ressent le paon ; lorsque les prémices de l’ivresse arrivent, il joue, applaudit et danse comme le fait le singe ; lorsque l’ivresse s’empare de lui, il est dans l’état du lion, badinant, rugissant et délirant inutilement ; avant de s’écrouler comme s’écroule le porc, cherchant le sommeil et à bout de force… »
C’était un exemple parmi des centaines qui témoignent des fables contenues dans la « Grande vie des animaux ». Mais il y a des centaines d’autres exemples aussi qui montrent la science et la sagesse contenues dans cette œuvre. Voilà donc pourquoi je pense que le livre d’al-Damiri est vraiment utile aux fous autant qu’aux sages, comme c’est le cas d’ailleurs de plusieurs autres écrits arabes anciens où la fable se mélange avec la science.
Je reviens maintenant à ce livre dont l’Émir des poètes a proposé le titre « la nuit de l’arrestation de Magenoun al-Arab ». La première aventure de ce dernier débute lors d’une longue soirée qui a réuni – par hasard – Magenoun et l’Émir des poètes au cabaret parisien du Lido. Le Magenoun avait auparavant rusé en se faisant appeler Ramsès afin d’échapper aux espions et vu que son nom arabe pouvait lui attirer bien des déboires dont le moindre serait celui de l’accuser d’être « un terroriste[23] » ou « qu’il y avait des liens douteux qui le reliaient à al-Qaïda[24] »… Magenoun raconta à Chawki « Bek » l’histoire d’une chatte qui se trouvait dans un cul-de-sac après avoir vu en rêve que le rat s’était engagé de se venger. En vérité, ce que la chatte ressentait c’était exactement les mêmes sentiments que ressentent les puissants dictateurs quand ils voient les choses leur échapper. Rappelons-nous à ce propos l’aspect de Ceausescu, le dictateur roumain essayant en vain d’échapper à son sort fatidique.
Après sa longue soirée en compagnie de l’Émir des poètes, Magenoun est parti flâner dans les rues et les tavernes jusqu’à ce qu’il eût rencontré un âne qui tentait de se révolter contre la bassesse et la décadence dans la vie. L’âne avait en fait reconnu à la presse qu’il n’aimait pas la propreté, on décréta l’ordre de lui couper la queue après l’avoir accusé de dévoiler des secrets, et il cherchait une échappatoire du châtiment menaçant qui le guettait. Après avoir évité plusieurs guets-apens, il se transforma en citoyen, mais ne tarda pas à affronter les gens affirmant que la plupart d’entre eux étaient de vrais diables. Suite à cette confrontation, l’âne n’avait d’autre issue que de revenir à son état originel et de retrouver les siens.
Après le retour de l’âne à son étable, Magenoun rencontra une autruche qui errait, perdue. Il avait su auparavant d’al-Damiri l’étrange histoire racontant que l’autruche était allée demander des cornes pour pouvoir se défendre en cas de nécessité. Mais au lieu de les lui donner, les gens injustes lui ont coupé les oreilles, depuis ce jour elle a perdu l’ouie ; n’étant plus capable d’entendre même les voix les plus stridentes !
Magenoun s’enthousiasma et décida d’aider avec noblesse l’autruche ; il put y arriver avec l’aide de son ami le djinn géant qui lui rendait bien souvent de grands services lorsque Magenoun l’invitait à quitter la carafe cuivrée magique. Bien qu’il aida l’autruche à recouvrer ce qu’elle avait perdu comme oreilles, le djinn « refusa de participer à la discussion… concernant la célébrité de l’autruche dans la course au trot… considérant que la force légendaire de l’autruche… faisait désormais partie du passé… et qu’elle n’obtenait plus qu’un zéro tout rond… dans toutes les courses de notre temps… »
En signe de gratitude pour les crayons et les stylos colorés que m’a offerts Magenoun, je me sens dans l’obligation de continuer à vous relater la suite. Il rencontra un des coqs qui lui affirma que les poules pondaient désormais sans aucune envie ni motivation. Il s’agissait d’ailleurs d’un coq fort rusé, qui avait tramé une franche comédie afin d’essayer de récupérer sa popularité perdue auprès de la volaille. En peu de mots, notre coq devait sauter du haut d’un mur pour manifester contre la grippe aviaire.
Ensuite et au cours de quatre épisodes ou maqamat[25], les sages pourront découvrir la personnalité d’un « mouton » tentant de se révolter contre la réalité, ou plutôt de la dépasser pour échapper à son destin fatidique. Le mouton a affirmé à Magenoun qu’il était une « victime » et qu’il allait tenter de convaincre le Conseil de Sécurité d’étudier son affaire : il met en cause les musulmans qui égorgent continuellement ses proches et ceux de sa race, surtout durant « l’Aïd al-Idha[26] » ; le mouton était sûr que parmi ceux qui encourageaient le carnage de ses proches et ceux de sa race, il y avait le poète qatari – arabe – musulman Mohammed Ben Khalifa al-Attia[27] qui avait envoyé un SMS au Magenoun lui demandant de ne pas soutenir l’affaire « moutonnière » et dont le texte intégral est reporté ici:

« Ô Magenoun, où est l’utilité de cette affaire,
Quand la mort aura rattrapé le mouton pour le taire?
Ton mouton n’est qu’un bouc émissaire « en liberté »,
Prépare plutôt le couteau et égorge-le avec piété.
Et laisse tomber les palabres avec le mouton,
Les palabres n’arrêtent pas le destin imminent. »

Magenoun n’a pas vraiment réagi à la lettre de son ami poète Mohammed Ben Khalifa al-Attia. Le mouton a finalement trouvé répit, en décidant de se métamorphoser en porc. Mais le plus étrange est qu’il s’est retrouvé dans « de beaux draps » après la métamorphose. En effet, un voisin de Magenoun, M. « Simon » un Indien Chrétien le vit et essaya de l’attacher avec une corde solide… imaginant qu’il avait entre les mains un porc gras… qu’il pouvait transformer en faste festin auquel il inviterait ses amis de foi chrétienne. Il fallait trouver une nouvelle ruse, et c’est ainsi que Magenoun invita son ami djinn et lui ordonna de métamorphoser le porc en vache ; il pouvait se faire aider par les rites expliqués dans le livre des « Métamorphoses » de l’écrivain romain Ovide[28], traduit magistralement en arabe par l’écrivain et artiste Dr. Tharwat Akacha. Voilà comment le mouton apparut sous l’aspect d’une vache… et personne ne le poursuivit plus, ni Musulmans, ni Chrétiens. D’autant plus que le djinn l’emporta dare-dare en Inde et le mouton sous sa nouvelle allure « vachère » devint l’idole des Hindous qui adorent la vache… Le nouvel hic qui apparut comme un problème intérieur cette fois et non plus externe, c’est qu’en Inde, le mouton devint un dictateur despote. Magenoun devint fou de rage et lui envoya un avertissement, le menaçant de le jeter dans le pire des gouffres afin qu’il trouve la même destinée des despotes humains.
Loin de l’âne, de l’autruche, du coq et du mouton, Magenoun fit aussi la rencontre d’un homme mais non en chair et en os, celui-là qu’on appelle « robot » ou « homme machine ». Ils se sont rencontrés sur la surface de la planète Mars où Magenoun avait atterri en compagnie de son ami docile le djinn… Magenoun imaginait que la planète Mars était pleine de pastèques mûres, puisqu’elle était toute rouge, ou que ses habitants disparus étaient tous les communistes qui brandissaient les drapeaux rouges. Cependant, ce qui s’est passé de plus étrange est que le « robot » a avoué à Magenoun ses intentions lorsqu’il deviendrait plus intelligent et plus apte à l’indépendance de raisonnement et de mouvement… Le « robot » a affirmé qu’il se révolterait contre les ordres de ceux qui l’avaient envoyé de la terre vers Mars, parce qu’il était au courant de leurs mauvaises intentions : ils voulaient exploiter la science au service du mal, et non l’utiliser pour le bien des gens et rendre leur vie encore plus belle. D’ailleurs, vu les dangers contenus dans les paroles confessées par le « robot », je dois reproduire mot à mot ce qu’il a dit, afin qu’il en prenne seul la responsabilité. Le « robot » a dit entre autre : « … les despotes humains… voudraient construire des cellules de prison sur Mars… parce que les cellules sur terre ne sont plus suffisantes… même si on est en train de tuer les prisonniers toutes les secondes. »
Magenoun est revenu de Mars pour rencontrer ou faire la connaissance de diverses femmes. Certaines ont vu leurs corps se transformer en marchandise à vendre ou à louer aux hommes à la recherche de plaisirs. Le cœur de Magenoun s’est adouci alors qu’il chantonnait : « Du Lido au Casino de Badiaa, ceux qui ressemblent à Omar Ibn Abi Rabia[29]… admirent la beauté des fleurs… et apprécient le nectar des désirs… pendant que les belles dansent avec leurs jambes nues… dans les nuits des villes voisines et lointaines… sans qu’il y ait de place pour celles qui pleurent… car toute fleur doit paraître joyeuse en permanence. Elle doit feindre d’avoir l’âme libre de tout chagrin.
« D’un autre côté, Magenoun qui connaît bien la valeur de l’amour s’est disputé avec ‘Carmen’ lui affirmant que son amant n’était pas infidèle… tout en s’éloignant de ‘Carmen’, la gitane espagnole pour s’informer du destin de ‘Dhikra[30]’ la chanteuse tunisienne. Il vit aussi de ses propres yeux une vipère se divertissant avec une femme sans aucune moralité, et prétendant qu’elle était infidèle… Il vit aussi « Leila al-Amiriya » se balançant pendant que Kaïs Ibn al-Moulaoueh titubait en chantant :

Le cœur trahit toujours ma nostalgie
Envers ma Leila malade en Irak ;
Je vois un corps rongé par les tragédies
Sur une terre gémissant de scissions
Et rêvant d’un jour où s’allumeront
Des soleils d’harmonie et de rencontre.
Mais comment pourrait-elle être guérie par un médecin
Qui glisse le poison dans le corps de la concorde ?

J’ai dit auparavant que Magenoun… a rencontré dans ce deuxième livre, des animaux… puisqu’il sympathise avec l’âne et le mouton ; mais cela ne veut pas dire qu’il n’a pas vu de spécimen d’hommes supposés être des humains… Mais le fait est qu’ils ne sont pas nombreux en tout cas… et parmi eux il y a « Monsieur Le Craint » qui a dit à un de ses agents :

Appelle l’intellectuel et file lui un pourboire,
Et s’il rechigne… Sers lui généreusement les gifles.

Et il y a aussi parmi eux « l’Idiot obsédé » qui s’est mis dans de mauvais draps, et « Mabouche Ben Marouche » qui s’imagine être plus fort que tous les fauves… Et étant parfaitement au courant de toutes les ruses utilisées par les despotes, Magenoun m’a dit à la lettre que la déclaration faite par les loups affirmant qu’ils changeaient d’habits, ne signifiait pas qu’ils n’avaient plus de crocs, et qu’il avait entendu le Grand Loup dire : « Chacun d’entre nous se vêtira désormais de laine du mouton… quant à nos actes, ils demeurent ce qu’ils ont été… Ainsi, au lieu de nous faire traiter d’étrangers sauvages… et qu’on nous en veut de toutes parts… nous deviendrons une force multi mordante… et les cœurs de tous les bourricots s’apaiseront »… Bien que « Magenoun al-Arab » demeurait tour à tour triste ou hagard ou impatient ou furieux pendant qu’il me racontait ces déboires, il a assuré qu’il gardait espoir… qui sait ?... Peut-être bien que le « robot » ou « l’homme machine » arriverait à mettre la science au service des gens, au lieu d’en détruire les plus faibles. Tout en gardant donc l’espoir, Magenoun a clôturé son récit affirmant que « la nuit a dégringolé dans la forêt… et la lumière enlace ses amis[31]».
Je réaffirme encore une fois que « Magenoun ce n’est pas moi »… et qu’il est seul à prendre les responsabilités de ses récits ; quant à moi, je me suis juste contenté d’enregistrer ses aventures et ses périples après qu’il m’eut offert une belle collection de crayons et de feuilles. Pour ma part, je ne suis pas intéressé à ce que les sages le croient ou ne le croient pas ou qu’ils demandent de l’arrêter, comme l’avait fait l’Émir des poètes Chawki « Bek ». L’important c’est qu’en fait, je suis personnellement innocent et docile et que je déteste me rebeller ; j’aime juste répéter ce qu’a dit « le prédicateur » dans « la tragédie d’al-Hallaj » de mon grand Professeur Salah Abdussabour[32] :

Avouer…
Avouer quoi pour que la police l’emmène ?
Je ne sais… Mais en tout cas, les jours sont drôles
Et le sage est celui qui prend garde en parlant,
Il n’offusque
Ni système, ni individu, ni rang, ni loi,
Ni juge, ni gouverneur, ni contrôleur ni gouvernant.

____________
Notes du traducteur:
[1] Ahmed Chawki (1870-1932) est un célèbre poète égyptien et l’un des pionniers de la poésie arabe moderne. Les critiques ont recensé plus de 23500 vers écrits par Chawki. Poète très raffiné, ses poésies sont apprises par cœur et enseignées à travers le monde arabe.
[2] Les houris sont - dans la tradition islamique - des femmes parfaites, intentionnellement créées par Dieu pour tenir compagnie aux heureux de l’au-delà.
[3] Fayrouz, de son vrai nom Nuhad Haddad (1935-) est une célèbre chanteuse libanaise, se distinguant par une fine voix aiguë de soprano.
[4] Titre d’une fameuse chanson de la célèbre chanteuse égyptienne Oum Kalthoum (1904-1975): « Ne me fais donc pas patienter avec des promesses, des paroles mielleuses et des assertions […] car la patience a des limites, ô mon amour! » Texte de Abdelouahab Mohammed , musique de Mohammed Al-Mougi
[5] Dicton arabe.
[6] Shylock était le riche usurier juif dans “Le marchand de Venise” du poète et dramaturge anglais William Shakespeare (1564-1616).
[7] Plat traditionnel populaire égyptien à base de fèves.
[8] Nom de guerre de la campagne principale d’invasion américaine de l’Iraq en Avril 2003.
[9] Voile couvrant totalement le visage de la femme.
[10] Imrou al-Kaïs est le maître de la poésie arabe antéislamique (al-Jahiliya). Auteur d’une poésie consacrée qui avait reçu l’insigne honneur d’être suspendue à la Kaaba, en signe de respect pour la sagesse qu’elle charrie et la beauté de son verbe. Ces poèmes étaient ainsi appelés Muallakat (les poèmes suspendus). Sa poésie est aussi marquée par la précision descriptive et la splendeur des métaphores, son verbe était rugueux comme l’environnement saharien où il avait vécu.
[11] Antara Ben Chaddad al-Abaçi est un fameux poète antéislamique. Esclave de peau noire, il était très célèbre pour sa poésie et sa force au combat. Sa tribu ayant été attaquée, on lui demanda de la défendre et il répondit qu’un esclave ne savait le faire, on lui répliqua alors : « Combats et tu es libre ! » Il combattit et devint libre. Amoureux de Abla qui était une jeune fille libre de race blanche, il lui consacra de magnifiques poèmes.
[12] Zouheir Ibn Abi Sulma (530-611 ou 627) est une autre grande figure de la poésie antéislamique, même s’il est mort après l’apparition de l’Islam. L’un des dix poètes consacrés dont la poésie était suspendue à la Kaaba. Ses écrits sont marqués par la sincérité, la générosité et la sagesse.
[13] Omar Ibn Abi Rabia (644- ?) est considérée comme le plus fin poète parmi ses contemporains. Il a dédié de nombreuses poésies aux femmes ; son œuvre est marquée par l’élégance, le raffinement et la douceur.
[14] Kaïs Ibn al-Moulaouah est surtout connu sous l’appellation du « Fou de Leïla » prénom de sa bien-aimée à laquelle il a dédié plusieurs poésies. Il y avait à son époque deux courants de poésie amoureuse : une première qui chantait l’amour platonique et celle à laquelle appartenait Kaïs qui était plus explicite.
[15] Néron (37-68) est Lucius Domitius Claudius Nero, empereur romain accusé, à tort semble-t-il, d’avoir brûlé Rome. Déclaré en 68 par le Sénat ennemi public, il se donna la mort.
[16] Houlagou Khan (1217-1265), petit-fils de Gengis Khan, ce monarque mongol est fameux dans le monde arabe en tant que violent sanguinaire. L’histoire retient sa destruction de Bagdad durant laquelle il massacra 800.000 personnes.
[17]
[18]
[19] Fabuliste grec (probablement IVs. Av. J.C.). La légende raconte qu’il était un esclave phrygien affranchi.
[20] Jean de La Fontaine (1625-1695), fabuliste français de l’époque classique européenne. Auteur des Fables.
[21] Abou Othman Amr ibn Bahr est né à Bassora dans le sud de l’actuel Irak vers 776-780, il y est mort en 868 ou 869. Surnommé al-Djahiz ou al-Jahiz en raison de ses yeux saillants. Parlant de sa propre laideur physique, il raconte qu’une femme le prit un jour par la main au milieu du Souk et l’obligea à la suivre jusqu’à un proche bijoutier. Arrivée à l’artisan, elle lui dit : comme celui-ci ! Et s’en alla. Intrigué, al-Jahiz demanda au bijoutier de quoi il s’agissait et ce dernier lui répondit : Monsieur, cette femme vint me voir et me demanda de lui graver le visage d’un diable sur une bague ; je lui répondis que je n’en avais évidemment jamais vu et que j’étais incapable de le faire. Elle vous amena et me dit: comme celui-ci ! Al-Jahiz était un prolifique écrivain, auteur de plus de 200 écrits sur plusieurs sujets : l’éloquence, la traduction, la sagesse ; dont les plus importants sont : al-bayane wal-tabyine (la clarté et la démonstration) et al-hayawane (les animaux).
[22] Al-Damiri, Kameleddine Muhammad ibn Moussa (Le Caire 1341-1405). Tailleur de profession, il s’est plongé dans les sciences religieuses et la littérature devenant une autorité en la matière. Connu pour son œuvre : Hayat al-Hayaouane al-Koubra (la grande vie des animaux) dans laquelle il présente une abondante information philosophique, médicale, théologique, folklorique et proverbiale se rapportant aux animaux. Son œuvre fut traduite en anglais, en turc, en persan et en latin.
[23] Terminologie technique consacrée et utilisée à tort et à travers dans la presse occidentale et non, depuis les attaques du 11 Septembre 2001.
[24] Nom d’un groupe jihadiste salafiste conduit par le Saoudien Ossama Ben Laden, et considéré comme terroriste.
[25] Un genre littéraire arabe. Rédigée en prose rimée, la maqamat est un écrit divertissant et instructif. Les grands maîtres de la maqamat sont al-Hamadhani (967-1007) et al-Hariri (1054-112). L’œuvre que tu as entre les mains, cher lecteur, est la traduction des maqamat modernes de Hassan Tawfiq, tu t’en seras douté !
[26] Fête du Sacrifice, célébrée annuellement par les Musulmans pour commémorer le sacrifice d’Abraham.
[27] Poète qatari contemporain auteur de divers recueils de poésie dont : Miroir de l’esprit et Mémoire sans portes. Mohammed est lié d’amitié avec Hassan Tawfiq, l’auteur de ce livre.
[28] Poète latin (43 av. J.C. – vers 17 apr. J.C) auteur des Métamorphoses et de l’Art d’aimer.
[29]
[30] Dhikra est le nom artistique de Dhikra (ou Zikra) Mohammad Dali (1961-2003), une célèbre chanteuse tunisienne dramatiquement assassinée au Caire par son mari jaloux le 28 novembre 2003.
Note du traducteur: le texte français a été "rédigé d'un trait", il n'est pas encore revu, ni corrigé, merci de votre compréhension.

عبدالودود العمراني
27/01/2007, 01:25 PM
فصل آخر من مقامات حسن توفيق، من مؤلفه: ليلة القبض على مجنون العرب

المجنون يسمي نفسه رمسيس..ليهرب من ملاحقة الجواسيس

خلال إحدى جولاته في باريس.. سَمَّى المجنون نفسه »رمسيس«.. متصورا أن هذا الاسم.. يبعده عن المكائد التي لا تجلب إلا الهم.. خصوصا وأن هناك ولعاً بالحضارة الفرعونية.. في قلب كل فرنسي وفرنسية.. وهكذا أنكر المجنون أنه عربيّ.. حتى لا يقال إنه إرهابيّ.. وحتى يبتعد عن ملاحقة الجواسيس.. ويخطف - في نفس الوقت - قلوب بنات الفرنسيس.. ممن تتميز أجسادهن بالرشاقة.. وتجيد كل منهن التنهد قبل النوم وبعد الإفاقة.. كما تتبع كل منهن في الموضة أدق المقاييس.. لأنهن يعرفن الفرق بين النساء والجواميس.. ويرفضن أن تتحول المرأة إلى جاموسة.. وإن كُنَّ لا يرفضن أن تعمل جاسوسة.. طالما أن إغراءها.. يتكفل بجعل الحمقى يندفعون وراءها.. لكي يُقبِّلوا التراب تحت قدميها.. ويخبئوا أسرارهم ما بين نهديها!.
زاغ المجنون من قطة كانت تلاحقه وهي تموء.. ودخل ملهى »الليدو« بكل هدوء.. واحتار قليلا إلى أن اختار مائدة.. اتخذ منها لنفسه قاعدة.. يراقب منها حركات النساء.. ويستمتع بما حوله من لهو ورقص وغناء.. إلى أن أقبلت نحوه قطة لطيفة.. تستر جسمها بأوراق توت خفيفة.. حيث أشعلت الشمعة التي أمامه.. وسألته - بلطف - عما يثير اهتمامه.. وماذا يفضل في العشاء.. ومن أي بلاد الأرض جاء:
| إسمي »مونيكا باريس«.. وأنتَ من تكون يا »خيرَ جليس«؟
- أنا »رمسيس«!
| من أقارب »إيزيس« و»أوزوريس«؟
- هذا ما كان.. أما الآن.. فهناك ملهى باسمي في مصر.. ودور للسينما بلا حصر.
| هذا يعني أنك لا تعيش الآن سنوات المجد؟
- لكل بحر جزر ومد.
| إذن أتركك الآن مع ذكرياتك.. وأتمنى أن تحقق كل أمنياتك.
بعد قليل تلفتَ المجنون حواليه.. فرأى رجلا تطل العبقرية من عينيه.. لكنه أحس أنه ليس غريبا عليه.. وكان الرجل يتمتم بين الحين والحين.. بشعر عربي مبين:
مال واحتجب وادعي الغضب
ليت هاجري يشرح السبب
عتبه رضي ليته عتب
علي بيننا وأشياء كذب
بعد أن سمع المجنون ما سمع في اللحظة والتو.. اختلطت في ذهنه قواعد اللغة والنحو.. وخاف أن يقع في خطأ أو سهو.. لأنه أدرك أن الرجل هو أمير الشعراء.. ورأى المجنون دون إبطاء.. أن يتأكد من الأمر.. وكان لا بد أن يلجأ إلى الشعر.. فقال على الفور:
»يا جارة الوادي« رجعتُ مؤملاً
أن آكلَ البرقوقَ من يمنَاكِ
فتبعثرتْ لغةُ الكريز وزحلقتْ
رِجْليَّ في أرض الندى رجلاكِ
نظر أحمد شوقي للمجنون في غضب.. وقال له: ما هذا الذي تقول يا أخا العرب؟.. إذا كنت تحب الكرز والبرقوق.. فإني مستعد أن أشتري لك منهما أكثر من صندوق.. لكني أرجوك أن تتوقف عن الهزل.. لأني لم أقل أبدا مثل هذا القول.
أدرك المجنون أن الرجل هو »شوقي بك« بالفعل.. فأحس كأنه قد غرق في الوحل.. وعلى الفور قام من مكانه بسرعة.. واندفع ليقبل أشهر صلعة.. صلعة أمير الشعراء.. وأكد له وهو يجهش بالبكاء.. أنه لم يكن يقصد الإساءة.. بقدر ما كان يريد التأكد أن الرجل الجالس إزاءه.. والذي تشع العبقرية من عينيه.. هو أمير الشعراء الذي لا يعلو أحد عليه.
ارتاح »شوقي بك« واتخذ هيئة الطاووس.. وهو يأمر المجنون بالجلوس.. لكي يسقيه من الشراب ما يشاء.. طالما أن هناك من يتذكرون أمير الشعراء.. في زمن عربي يخلع الرداء.. ويُقبِّل أقدام الغرباء الدخلاء.. بمجرد أن يعرف أنهم أقوياء.. وقبل أن يسأل »شوقي بك« المجنون.. عمن تراه يكون.. قال له: طمئني عن الأحوال.. أما زال العرب والمسلمون يواجهون الأهوال؟.. وهنا رد المجنون وقال:
»إلام الخُلفُ بينكمو إلامَا
وهذي الضجة الكبرى عَلاَمَا
وفيم يكيد بعضكم لبعضٍ
وتبدونَ العداوة والخصامَا؟«

معتصم الحارث الضوّي
01/02/2008, 02:41 AM
أعدتُ قراءة موضوعك هذا يا أخي عبد الودود، وبرنامج السهرة أصبح بالتالي واضحاً، فهو في صحبة "مجنون العرب" للمرّة لعلها الخامسة أو السادسة.

مع فائق تقديري ومودتي