المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في رواية، (عين الهر)



أماني العاقل
08/11/2008, 12:53 AM
تعنى الدكتورة (شهلا العجيلي ) في روايتها (عين الهر ) بعمق تحليل تفاصيل حياتنا اليومية ،وبنقلات متميزة عبر الزمن، بشكل ٍمكثّفٍ وسريعٍ في البداية، وذلك عندما تعود البطلة \"أيوبة \" بذاكرتها إلى الوراء لسرد تفاصيل طفولتها ،ثمّ ينسكب الزمن هادئاً عميقاً عندما تتكلم عن تفاصيل رحلتها في الحياة.
نجد محورين رئيسين في الرواية ،هما شخصية \"الكاتبة \" التي تتجنب المنعطفات العاطفية تارّة، وتبحث عنها تارة أخرى، وشخصية\"أيوبة \"التي مرّت بتجربة صوفيّة ،ثمّ تطورّت معرفتها لتصبح خبيرة بالأحجار الكريمة ،مما يسمح لها بالانفتاح على مجتمعات وعوالم جديدة تمتلك خصوصية اجتماعيّة، لم تألفها ولم تألف التعامل معها.
تجتمع الشخصيتان في عالم برّاق مدهش الترف، وذلك في معرض للمجوهرات أقيم في برج العرب، \"في عاصمة المدنيّة الحديثة التقيت بطلتي الجديدة \"أيوبة\"،وبالذّات،في الرمز الأوّل لهذه المدنيّة \"برج العرب\" هناك حيث عالم واحد،وعائلة واحدة.\"
يطارد القارئ هاجس التداخل بين شخصية المؤلفة وشخصية الراوية في الرواية وخاصة من حيث المكان (حلب-الرقة-عمان) ،مما يجعل القارئ يبحث عن جواب لسؤال يردده باستمرار،\"هل شخصية الراوية هي عينها المؤلفة شهلا؟\".
تمتلك الروائية حريّة واضحة في الأداء السردي البعيد عن النمطية والتكرار، فالتشابه والتكرار يقتل كل إحساس بالجمال، ولا تقيّد شخصياتها بذلك النوع النمطي من الأداء السردي المتكرر،الذي يقوم على الحبكة والتصعيد والحل،فنرى السرد يتناوب في فصول الرواية بين شخصيّة \"أيوبة\"، وشخصيّة الكاتبة التي يداهمها خيال رجل يربطها به حبّ عجائبي الماهيّة،فتهرب منه إليه، في تفاصيل شعوريّة حسّاسة وهامسة، فترى في \"أيّوبة\" بطلة لرواية تشغل وقتها وقلبها عنه،\"كنت أتملّص من منعطفات حياتي بالتّلهي بمنعطفات حيوات الآخرين، لطالما ظننتها هواية، وإذ بها طريقة للنجاة!
واليوم بتّ أعرف أني كلما أغرقت نفسي في البحث ،قصدت الهرب ممن يبحث عني ،ولكن هذه المرّة كنت موقنة بأنك كالليل الذي هو مدركي!\".
\"سأتلهى عنك في عقر دارك بهذا المشروع الروائي سبحان الله! يرزقني من حيث لا أحتسب!\".
تعيش\"أيوبة\" في أعماق كل فتاة في المجتمعات التقليدية ،فهي إمّا أن تقهر المجتمع ،وإما أن تقهرها العقول المتحجّرة في هذا المجتمع ،ذلك المجتمع الذي يكيل بمكيالين،ويتبنى سياسة التهميش الذكوري الذي يختبئ في عباءة مشروعية الفحولة، فنرى ذلك في صورة\" الأب \"أولاً،ثم في صورة \"علي\"الذي يلعب معها،ثم يتكلم عليها بالسوء،ويرى بأنها تستحق ما فعله والدها بها،ولا ننسى بالطبع زوجها الأول .
،تتكاثف الخيوط من خلال عودة أيوبة إلى طفولتها، لتكشف عن النسق الذي تنتمي إليه طفلة تحرم من التعليم ،لأنها تلعب مع \"علي\" في الحارة،ثم ّتمضي إلى ذلك الرجل الذي يدعى\"زوجها\"،،لتكون جاريته التي تقوم على خدمته،ومن سطح ذلك البيت تعرف عالماً آخر فتسرق عيناها النظر إلى حلقات الذكر التي تقام في بيت الجيران ،لترى عينين تبكيان بخشوع هو ذلك الرجل العارف الذي تسميه\"ذو العينين الضيقتين\" ،تتزوج منه بعد طلاقها من زوجها،ليطلقها هو الآخر بأمرٍ من شيخه ! وتمضي في حياتها لتتعلم ،وتحصّل الثانويّة ،وتتعلم علم الأحجار الكريمة ،لتتعرف في العالم البرّاق على نماذج برّاقة ،لكنها دنيئة النفس ،ومنها ذلك الرجل الذي تحبه فيسرق المجوهرات من الورشة،وتلك الأسرة الغنية،المغرقة في الثراء ،والانحلال الأخلاقي.
تنتمي الرواية إلى نمط الروايات التي تقدّم معرفة للقارئ ، قد تثير \"أيوبة \"القارئ لاستكشاف عالم الأحجار الكريمة،أو زيارة جامع العادليّة والأسواق القديمة،بطريقة غير مباشرة ،وتقدم ثقافة بأنواع الأحجار الكريمة ،كالعقيق وأنواعه،والفيروز،و\"عين الهر\".
وقد تجلت الخصوصية الثقافية بشكل واضح في الرواية، فنقرأ ثقافة النسق الشعبي من خلال لغة هذا النسق وتراكيبه،فنسمع الأمثال الشعبية من مثل\"الحرامي يقول يابيتي،والزاني يقول يا مرتي\"،\"نجار وباب بيته مخلوع \".
و\"أيوبة\" التي راقبت حلقات الذكر بعين الطفلة مرّة،وبعين المرأة الناضجة مرّة أخرى،أدهشها هذا العالم،وأطربتها الأذكار،وجذبتها حالة الوجد،لكنها في النهاية ابنة ثقافة غير عالمة،ومجلس الصوفية هذا حالة اجتماعية شعبية ،لا يمت لفلسفة الفكر الصوفي بأي صلة،فلن تكون \"أيوبة\"قادرة على التفاعل معه،إلا من خلال ثقافتها .
خرجت الرواية من فخ الجسد،ولعبة اللغة الشعرية والمذكرات،وصفقة اقتحام التابوهات حتى النهاية،التي اعتاد القارئ عليها حتى فقد الاقتحام قدرته على الإدهاش.
استطاعت\" أيوبة\" معرفة النسق الذي يحميها لتعود إلى كنفه،فبقيت على إيمانها ،وبقيت مستمرة،لتنصر للقيمة في عالم متدهور ومنحلّ ،رغم خسارة جولاتها مع الرجال إلا أنها طوّرت ذاتها،وامتلكت قدرة على العطاء ،فكانت في النهاية رابحة استطاعت تعلم اللعب بأوراق الزمن والقدر،وانتصرت لأنها فهمت لغز اللعبة الذي يتلخّص بقولها(ما دامت قولة\"الله أكبر\"تتردّد اعلمي أنّ العالم بخير)،وبهذه العبارة تطوي الدكتورة شهلا العجيلي شخصية \"أيوبة\".