المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سطو



صبيحة شبر
03/10/2006, 03:00 AM
سطو

في ظهيرة شديدة القيظ من أيام حزيران ، خرجت من منزلي في الرباط ، قاصدة المدرسة ، الشارع طويل موحش يخلو من أي مخلوق ، في وسطه أشجار باسقة تتدلى أغصانها ، كنت أمشي الهوينى ، فما زالت دقائق تفصلني عن موعد بدء الدرس الأول ، والمدرسة على بعد خطوات قصار
في الليل ، في شارع طويل موحش تتوسطه أشجار ، كنا نسير وحيدين ، أنا وأنت يا حبيبي ، كفك حمامة تحط في يدي ، كلماتك غيث ، تتشربه روحي ، وأنا جذ لى أزغرد
- أحببني ، أرجوك
تكبر كفك في يدي ، أمواج من الحنان تحيط بي وتبعث في أعماقي البهجة
- عانقني ، طوقني بساعديك
أحلامي سهلة محبطة ، مهيضة الجناح ، وأنا نشوى ، حديثك عذب يحييني وينقذني من وهدتي ، كلي أذان تصغي لئلا يضيع حرف من حروفك الرائعات
تحدثني عن أمالك والتطلعات ، وأنا أتشبث عل اللحظة تكبر وتستطيل ، أشعر أنني أسير بين النجوم ، أنا بقربك مليكة هذا الكون وأنت مولاي
صوتك ساحر يجعل الأماني تتناسل وتنمو ، تتفرع منها الأغصان ، وتزهر الثمار
لم أستمريء الفرح يا حبيبي ، ولم أعتد البهجة ، فسرعان ما تعاونت مجموعة أياد لتغتال مني الألق وتخنق في نفسي الوهج
أأنت غاضب ؟؟ يعصف بي غضبك هذا وتزداد حيرتي ويشتد قلقي ، لم الغضب ذاك ؟ ولم أجن إثما .... ماذا نقلوا لك ؟ وأي نوع من الآثام اقترفت يداي ، يشلني شعوري بالظلم ، أتصدق كل ما يقولونه عني وتقسو وانت بحر حنان ؟ يستمر غضبك ويتضخم وأنا حيرى ، لم تدع لي مجالا للدفاع عن نفسي ، أمن غير ذنب تعاقبني ؟ تهرب مني وأنا أجري خلفك أناديك أن عد يا حبيبي فلا يخرج صوتي ، لم أعد أرى إلا إياك ، وأنت ضنين علي بالتحية ، غضبك رهيب ، ما أقساه ، يتسلط على نفسي ويفقدني توارني
شيء بارد يقف على رقبتي ، سكين حاد نصلها تقطع حقيبتي اليدوية وهي على كتفي ، صوت قهقهة مكتومة يسخر مني
- بمن تحلمين أيتها العجوز ؟؟
أسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد ، ألحظ راكبها من الخلف ، يبدو مجعد الشعر أسوده ، يرتدي الجينز ، لم أستطع تسجيل رقم الدراجة ، كل ما فعلته أنني صرخت :
-أيها اللص ، أعد إلي حقيبتي
أنت جميل في كل الأمور ...... في حديثك وسكوتك ، في ابتسامتك
وعبوسك ، أفزعني غضبك ذاك وأيقنت أنني قد فقدتك
أعدو خلف الدراجة ، ولكن عبثا ، تدخل في أحد الفروع الجانبية ،
أبقى لوجدي مرعوبة ، سرقوا أوراقي وهويتي وجنسيتي والمفاتيح
كل شيء سرقوه يا حبيبي
الوطن ، الأهل ، الأصدقاء ، الهوايات ، الاهتمامات ، الشعور بالأمان ، لم يبق لنا ألا الخيال
- كيف تمكنوا منك أيتها البلهاء ؟ يسرقونك في عز النهار ؟
خيالي يكبر ،، أراك في يقظتي والمنام ، أي قدرة لك على الظهور ؟
رؤيتك تبعث في نفسي السرور ، فجأة تنبع لي ، لاشيء قربي ، وإذا بي أراك ، أحالمة أنا ؟ أدعك عيني علني وسنى ، لكنك حقا هنا .....
أهرع لأسلم عليك ، منذ دهور لم تكحل عيني طلعتك ، أمسك نفسي ، وانظر وإذا بك تبتعد ، أما زلت غاضبا مني ؟
- أي شيء فقدت يا آنسة ؟؟؟
- كل شيء
- عفوا ؟؟
- فقدت حقيبتي ...
- - هل استطعت رؤية السارق ؟؟؟
- رأيت ظهره فقط
جئت مودعا ، ألحظ طيف ابتسامة على محياك ، أدرك بأنني لن أراك بعد اليوم
تمضي السنون وآنت تظهر لي ثم تختفي ، أحقا أنك تظهر أم يتراءى
لي ؟ كل شيء أصبح بمقدوري أن أصنعه ، وبالخيال ، فما أعظم طاقتي وما أفظع جنوني
-ماذا أضعت ياعانسة ؟
- ضاع عمري كله بنصل السكين



صبيحة شبر

حسام الدين نوالي
28/01/2007, 02:35 PM
إذا كانت القصة القصيرة "شكلا أوليا" كما يعلن "إيخنباوم"، فلأنها سليلة طقس بدائي شفهي ارتبط بالأسطورة وصِلاتها، وحافظتْ على الكثير من سمات "السرد الأسطوري" كالرمز والتكثيف وأدمجت به "سرد السمة" – كما في الرواية- ( ج. كريستيفا)، ولأنها قصيرة فإن التوتر الفني فيها مرتبط باشتغالها على محوري الجمال والمشابهة للحقيقة على السواء، ولأنها ومضة -لا علاقة لها بما قبل أو بما بعد- فإنها مفارقة للتقاليد الواقعية.
وقصة "سطو" في اشتغالها على محورمشابهة الحقيقة تنطلق بدءً بزمن ومكان محددين جدا (ظهيرة شديدة القيظ -حزيران ،في الرباط ،شارع طويل موحش، مشجر، والمدرسة على بعد خطوات قصار)، إنه الاشتغال التأريخي للحدث، وواقعية سرعان ما ستتخلى بعدها القصة عن تآفقية الزمن، وبالتالي ستزاوج عناصرها على طول ما يتبقى من النص مستعينة بأدوات عديدة كالشذرية والقطع والقفز والإيقاع المتسارع.
القصة رحلة داخلية، سفر في عالم الساردة، لا فكاك من حلمها، تفكيرها متشبث بها، طاغ، متجاوز- في الحدث وفي مساحة القصة- للحاضر، إنه زمن ماض لا ينكسر إلا في لحظتين بالغتي الحساسية وغريبتين: (لحظة "نصل السكين على الرقبة" و لحظة "صوت الشرطي في المخفر")..
ولنتأمل:
اللحظتان سمتهما المشتركة هي "القوة"، لنسمِّ الأولى "قوة الطبيعة" (بالمفهوم الفلسفي للطبيعة مقابل الثقافة) وتتمرأى من خلال النص عبرثلاث ثنائيات:

1--------امرأة/رجل------ الساردة: خرجت ..قاصدة المدرسة
---------------------ألحظ راكبها ..مجعد الشعر أسوده

2-------الحلم/الواقع-------بمن تحلمين أيتها العجوز؟


3-------البطء/السرعة-----لم أستطع تسجيل رقم الدراجة
---------------------أسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد

ولنسمِّ القوة الثانية "قوة الحضارة"، إنها تقابل القوة الثانية لكونها ثقافية من جهة، ولكونها حوارية من جهة ثانية (حوار الشرطي متصل/ تواصلي، فيما حوار اللص منقطع، اللص والساردة لا أحد يرد عن خطاب الآخر: جملتان في الفراغ).
ولنستخلص أن العودة للواقع وقطع حبل الحلم يتم عبر معبرين –هما فاعلان- : قوة الطبيعة، وقوة الحضارة.
ويقدم النص لحظتين متجاورتين على مستوى الخطاب، متباعدتين على مستوى الحقيقة ودراما النص، هما لحظتان زمنيتان: الحاضر والماضي؛ يرتبط الحاضر –بدلالة الحدث- بالعنف أوالسلطة (اللص والمخفر)، فيما يمتد الماضي على بساط الحلاوة والجمال واللذة والمتعة (أنا جذلى أزغرد، حديثك عذب يحييني، وأنا أتشبث عل اللحظة تكبر وتستطيل ، أشعر أنني أسير بين النجوم...)
ولننتبه أن زمن الحكاية هو زمن ماض، لذا يبدأ النص بأفعال مصرفة في الماضي، لكن زمن السرد هو زمن حاضر، غير أن الساردة تتشبث بالأفعال المضارعة على طول النص، باستثناء الفقرة الأولى.. وشخصيا أقرأ هذا كاستحضار للماضي الجميل مع الحبيب، وتعلق به، وإعادة عيشه الآن..
وهنا لا أقصد "بالماضي والحاضر" أزمنة الفعل، بل الحدث. هناك "حاضر" متمثل في السير إلى المدرسة، وفي المخفر، وهناك ماض هو ذكرى الحبيب.
والملاحظ أن الانتقال من الحاضر إلى الماضي في النص تم في محطتين: الأولى هادئة "وصف شارع طويل مشجر"، والثانية متوترة عند "-أيها اللص ، أعد إلي حقيبتي".. فيما أن الانتقال من الماضي إلى الحاضر يتم عند غضب الحبيب: فقرتيْ "أأنت غاضب؟" و "أما زلت غاضبا مني؟".
وبقي أن ننظر إلى الفقرة الأخيرة، وهي فقرة ذكية استطاعت الخروج من النص بشحنة أكبر من العاطفة والتفكير معا:
فما أعظم طاقتي وما أفظع جنوني
-ماذا أضعت ياآنسة ؟
- ضاع عمري كله بنصل السكين

ففي زمن كزماننا، سِمته الأساس صراع الحضارات والثقافات، وتوتر العلاقة -ليس مع الآخر فقط، بل مع الذات أيضا، من جَلدها إلى هدم رموزها وهويتها وتجاوزها، أقول في زمن كهذا لا بد من تصاعد التيارات النهضوية، وتنامي الجدل الفكري والفلسفي حول السبل الباعثة لقوة الفعل والمشاركة الكونية.. ومن الطهطاوي وعبده والأفعاني إلى الجابري وأركون والعروي وغيرهم كثير ظل سؤال السلف والخلف أو سؤال التراث مثيرا لجدل كبير.
البطلة في القصة وهي الساردة، في الطريق إلى المدرسة، إنه الطريق الحضاري والمشاركة والعطاء، ومع أن المسافة التي تفصلها عن الوصول هي " خطوات قصار" إلا أن الطريق طويل ومشجر وموحش.. الساردة تستحضر الماضي /التراث، وتحاوره في لحظة هدوء أو في لحظة توتر، لكن التراث هذا حين "غضب" فلأنه تنبأ بالفقدان، فقدان الحقيبة، "مكمن الثروة والهوية" (سرقوا أوراقي وهويتي وجنسيتي والمفاتيح) وفقدان " الوطن والأهل والأصدقاء والهوايات والاهتمامات والشعور بالأمان"... وحين يتم استحضاره مرة أخرى فإنه يرمي الساردة للمساءلة "مع الشرطي"، ثم لا يحضر بعد ذلك إلا مودعا، لكن المساءلة لا تمنح إلا اعترافا هو أقوى بالتأكيد لكنه لا يكفي على مستوى النهضة "فما أعظم طاقتي"..
والاستنتاج في الختام أنه "ضاع العمر كله بنصل السكين"، ..السكين قاطع، والضياع من قطيعة ما، القطيعة مع الماضي/الحبيب والثراث ، والقطيعة مع الهوية والأوراق وكل شيء/ الحقيبة.
الحبيب/التراث لا يحضر إلا كوهم، كخيال، إنه لا عقلاني.. وحين تُخلق العلاقة المتوترة معه (غضب الحبيب) فإنه يغدو معبرا للواقعية وللعقلانية (الواقع). يقول الجابري: "ما لم نؤسس ماضينا تأسيسا عقلانيا، فلن نستطيع أن نؤسس حاضرنا أو مستقبلنا بصورة معقولة".
إن ما أسميناه "قوة الطبيعة" أشبه بالتأريخ، قوي، واقعي، وسريع في عبوره، ثم إنه لا يتوقف ولا يعود، ويشتغل مع "قوة الحضارة" في الشارع الطويل (المشجر الموحش) في بعث السؤال حول الذات والآخر والتراث.
وعلى مستوى الشكل، فالسرد –كما هو الحال في كل القصص التي قرأتها للأستاذة صبيحة- هو سرد واقعي تتدرج فيه الأحداث بأسباب منطقية شبيهة بالحياة الحقيقية، ويتسم هنا "بمونولوغ مسرّد".. وربما تتميز فيه الكاتبة – على الأقل في منتدى واتا- باستعمال ضمير المخاطب بكثرة، وهو ضمير ذو جمالية خاصة (لا أدعي أنه أفضل من غيره)، وهو يشبه ضمير الغائب من حيث اشتغاله على "السرد من وراء" إذ الكاتب يكون أعلم من الشخصية، ولعل أشهر من استعمل ضمير المخاطب كان "ميشيل بيطور".
واستعمال هذا الضمير في هذا النص ربما كان موفقا في الأغلب، لتناوبه مع ضمير المتكلم، ذلك أن الفقرات الطويلة مع ضمير المخاطب تحيل النص إلى ما يشبه الخاطرة، وهي على مستوى التلقي والشحنات والانفعال تنفصل كثيرا عن القصة القصيرة. (وهذه ملاحظة شخصية فقط أرجو أن يتسع لها صدر المبدعة)

مع مودتي.

محمد اللغافي
28/01/2007, 05:03 PM
شيء بارد يقف على رقبتي ، سكين حاد نصلها تقطع حقيبتي اليدوية وهي على كتفي ، صوت قهقهة مكتومة يسخر مني
- بمن تحلمين أيتها العجوز ؟؟
أسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد ، ألحظ راكبها من الخلف ، يبدو مجعد الشعر أسوده ، يرتدي الجينز ، لم أستطع تسجيل رقم الدراجة ، كل ما فعلته أنني صرخت :................................................. ...................
أسلوب رائع منفلث من كيان صادق ..بنبرة تحاكي النثر الروائي ..
دمت متألقة سيدتي

عبدالرحمن الجميعان
28/01/2007, 06:36 PM
قصة فيها حسرة المرأة وغضبها وآلامها تجسدها كاتبة في صورة من صور رزايا المجتمع..السكين هي النصل الذي تقتل به أمثال هذه المرأة شر قتلة، ولكنها ليست سكينا كما نتعاطاها نحن، بل هي رمز وظفته الكاتبة لتدل به على عمق المأساة التي كانت تعانيها..!
نهايتها هي تعبير صادق عن المعاناة التي (
-ماذا أضعت ياعانسة ؟
- ضاع عمري كله بنصل السكين)..انتظار بلا أمل ، وضياع لحياة مفعمة بالحيوية والحركة، ثم يتحطم كل شئ على صخرة من الوهم ...نص مفعم بالفلسفة الحياتية، وهواجس المرأة وهموم المجتمع النسوي خاصة.

صبيحة شبر
29/01/2007, 05:45 PM
إذا كانت القصة القصيرة "شكلا أوليا" كما يعلن "إيخنباوم"، فلأنها سليلة طقس بدائي شفهي ارتبط بالأسطورة وصِلاتها، وحافظتْ على الكثير من سمات "السرد الأسطوري" كالرمز والتكثيف وأدمجت به "سرد السمة" – كما في الرواية- ( ج. كريستيفا)، ولأنها قصيرة فإن التوتر الفني فيها مرتبط باشتغالها على محوري الجمال والمشابهة للحقيقة على السواء، ولأنها ومضة -لا علاقة لها بما قبل أو بما بعد- فإنها مفارقة للتقاليد الواقعية.
وقصة "سطو" في اشتغالها على محورمشابهة الحقيقة تنطلق بدءً بزمن ومكان محددين جدا (ظهيرة شديدة القيظ -حزيران ،في الرباط ،شارع طويل موحش، مشجر، والمدرسة على بعد خطوات قصار)، إنه الاشتغال التأريخي للحدث، وواقعية سرعان ما ستتخلى بعدها القصة عن تآفقية الزمن، وبالتالي ستزاوج عناصرها على طول ما يتبقى من النص مستعينة بأدوات عديدة كالشذرية والقطع والقفز والإيقاع المتسارع.
القصة رحلة داخلية، سفر في عالم الساردة، لا فكاك من حلمها، تفكيرها متشبث بها، طاغ، متجاوز- في الحدث وفي مساحة القصة- للحاضر، إنه زمن ماض لا ينكسر إلا في لحظتين بالغتي الحساسية وغريبتين: (لحظة "نصل السكين على الرقبة" و لحظة "صوت الشرطي في المخفر")..
ولنتأمل:
اللحظتان سمتهما المشتركة هي "القوة"، لنسمِّ الأولى "قوة الطبيعة" (بالمفهوم الفلسفي للطبيعة مقابل الثقافة) وتتمرأى من خلال النص عبرثلاث ثنائيات:

1--------امرأة/رجل------ الساردة: خرجت ..قاصدة المدرسة
---------------------ألحظ راكبها ..مجعد الشعر أسوده

2-------الحلم/الواقع-------بمن تحلمين أيتها العجوز؟


3-------البطء/السرعة-----لم أستطع تسجيل رقم الدراجة
---------------------أسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد

ولنسمِّ القوة الثانية "قوة الحضارة"، إنها تقابل القوة الثانية لكونها ثقافية من جهة، ولكونها حوارية من جهة ثانية (حوار الشرطي متصل/ تواصلي، فيما حوار اللص منقطع، اللص والساردة لا أحد يرد عن خطاب الآخر: جملتان في الفراغ).
ولنستخلص أن العودة للواقع وقطع حبل الحلم يتم عبر معبرين –هما فاعلان- : قوة الطبيعة، وقوة الحضارة.
ويقدم النص لحظتين متجاورتين على مستوى الخطاب، متباعدتين على مستوى الحقيقة ودراما النص، هما لحظتان زمنيتان: الحاضر والماضي؛ يرتبط الحاضر –بدلالة الحدث- بالعنف أوالسلطة (اللص والمخفر)، فيما يمتد الماضي على بساط الحلاوة والجمال واللذة والمتعة (أنا جذلى أزغرد، حديثك عذب يحييني، وأنا أتشبث عل اللحظة تكبر وتستطيل ، أشعر أنني أسير بين النجوم...)
ولننتبه أن زمن الحكاية هو زمن ماض، لذا يبدأ النص بأفعال مصرفة في الماضي، لكن زمن السرد هو زمن حاضر، غير أن الساردة تتشبث بالأفعال المضارعة على طول النص، باستثناء الفقرة الأولى.. وشخصيا أقرأ هذا كاستحضار للماضي الجميل مع الحبيب، وتعلق به، وإعادة عيشه الآن..
وهنا لا أقصد "بالماضي والحاضر" أزمنة الفعل، بل الحدث. هناك "حاضر" متمثل في السير إلى المدرسة، وفي المخفر، وهناك ماض هو ذكرى الحبيب.
والملاحظ أن الانتقال من الحاضر إلى الماضي في النص تم في محطتين: الأولى هادئة "وصف شارع طويل مشجر"، والثانية متوترة عند "-أيها اللص ، أعد إلي حقيبتي".. فيما أن الانتقال من الماضي إلى الحاضر يتم عند غضب الحبيب: فقرتيْ "أأنت غاضب؟" و "أما زلت غاضبا مني؟".
وبقي أن ننظر إلى الفقرة الأخيرة، وهي فقرة ذكية استطاعت الخروج من النص بشحنة أكبر من العاطفة والتفكير معا:
فما أعظم طاقتي وما أفظع جنوني
-ماذا أضعت ياآنسة ؟
- ضاع عمري كله بنصل السكين

ففي زمن كزماننا، سِمته الأساس صراع الحضارات والثقافات، وتوتر العلاقة -ليس مع الآخر فقط، بل مع الذات أيضا، من جَلدها إلى هدم رموزها وهويتها وتجاوزها، أقول في زمن كهذا لا بد من تصاعد التيارات النهضوية، وتنامي الجدل الفكري والفلسفي حول السبل الباعثة لقوة الفعل والمشاركة الكونية.. ومن الطهطاوي وعبده والأفعاني إلى الجابري وأركون والعروي وغيرهم كثير ظل سؤال السلف والخلف أو سؤال التراث مثيرا لجدل كبير.
البطلة في القصة وهي الساردة، في الطريق إلى المدرسة، إنه الطريق الحضاري والمشاركة والعطاء، ومع أن المسافة التي تفصلها عن الوصول هي " خطوات قصار" إلا أن الطريق طويل ومشجر وموحش.. الساردة تستحضر الماضي /التراث، وتحاوره في لحظة هدوء أو في لحظة توتر، لكن التراث هذا حين "غضب" فلأنه تنبأ بالفقدان، فقدان الحقيبة، "مكمن الثروة والهوية" (سرقوا أوراقي وهويتي وجنسيتي والمفاتيح) وفقدان " الوطن والأهل والأصدقاء والهوايات والاهتمامات والشعور بالأمان"... وحين يتم استحضاره مرة أخرى فإنه يرمي الساردة للمساءلة "مع الشرطي"، ثم لا يحضر بعد ذلك إلا مودعا، لكن المساءلة لا تمنح إلا اعترافا هو أقوى بالتأكيد لكنه لا يكفي على مستوى النهضة "فما أعظم طاقتي"..
والاستنتاج في الختام أنه "ضاع العمر كله بنصل السكين"، ..السكين قاطع، والضياع من قطيعة ما، القطيعة مع الماضي/الحبيب والثراث ، والقطيعة مع الهوية والأوراق وكل شيء/ الحقيبة.
الحبيب/التراث لا يحضر إلا كوهم، كخيال، إنه لا عقلاني.. وحين تُخلق العلاقة المتوترة معه (غضب الحبيب) فإنه يغدو معبرا للواقعية وللعقلانية (الواقع). يقول الجابري: "ما لم نؤسس ماضينا تأسيسا عقلانيا، فلن نستطيع أن نؤسس حاضرنا أو مستقبلنا بصورة معقولة".
إن ما أسميناه "قوة الطبيعة" أشبه بالتأريخ، قوي، واقعي، وسريع في عبوره، ثم إنه لا يتوقف ولا يعود، ويشتغل مع "قوة الحضارة" في الشارع الطويل (المشجر الموحش) في بعث السؤال حول الذات والآخر والتراث.
وعلى مستوى الشكل، فالسرد –كما هو الحال في كل القصص التي قرأتها للأستاذة صبيحة- هو سرد واقعي تتدرج فيه الأحداث بأسباب منطقية شبيهة بالحياة الحقيقية، ويتسم هنا "بمونولوغ مسرّد".. وربما تتميز فيه الكاتبة – على الأقل في منتدى واتا- باستعمال ضمير المخاطب بكثرة، وهو ضمير ذو جمالية خاصة (لا أدعي أنه أفضل من غيره)، وهو يشبه ضمير الغائب من حيث اشتغاله على "السرد من وراء" إذ الكاتب يكون أعلم من الشخصية، ولعل أشهر من استعمل ضمير المخاطب كان "ميشيل بيطور".
واستعمال هذا الضمير في هذا النص ربما كان موفقا في الأغلب، لتناوبه مع ضمير المتكلم، ذلك أن الفقرات الطويلة مع ضمير المخاطب تحيل النص إلى ما يشبه الخاطرة، وهي على مستوى التلقي والشحنات والانفعال تنفصل كثيرا عن القصة القصيرة. (وهذه ملاحظة شخصية فقط أرجو أن يتسع لها صدر المبدعة)

مع مودتي.
المبدع القدير الناقد والاديب حسام الدين نوالي
نقد بناء وجميل وجهته الى قصتي القصيرة من ناحية الافكار
والصراع بين التراث والمعاصرة
ومن ناحية الشكل
اسعدني كثيرا نقدك البناء النزيه
الشكر الجزيل لك ايها الاخ العزيز

صبيحة شبر
29/01/2007, 05:47 PM
شيء بارد يقف على رقبتي ، سكين حاد نصلها تقطع حقيبتي اليدوية وهي على كتفي ، صوت قهقهة مكتومة يسخر مني
- بمن تحلمين أيتها العجوز ؟؟
أسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد ، ألحظ راكبها من الخلف ، يبدو مجعد الشعر أسوده ، يرتدي الجينز ، لم أستطع تسجيل رقم الدراجة ، كل ما فعلته أنني صرخت :................................................. ...................
أسلوب رائع منفلث من كيان صادق ..بنبرة تحاكي النثر الروائي ..
دمت متألقة سيدتي
المبدع العزيز محمد اللغافي
الشكر الجزيل على الثناء العطر
مودتي الخالصة

صبيحة شبر
29/01/2007, 05:50 PM
قصة فيها حسرة المرأة وغضبها وآلامها تجسدها كاتبة في صورة من صور رزايا المجتمع..السكين هي النصل الذي تقتل به أمثال هذه المرأة شر قتلة، ولكنها ليست سكينا كما نتعاطاها نحن، بل هي رمز وظفته الكاتبة لتدل به على عمق المأساة التي كانت تعانيها..!
نهايتها هي تعبير صادق عن المعاناة التي (
-ماذا أضعت ياعانسة ؟
- ضاع عمري كله بنصل السكين)..انتظار بلا أمل ، وضياع لحياة مفعمة بالحيوية والحركة، ثم يتحطم كل شئ على صخرة من الوهم ...نص مفعم بالفلسفة الحياتية، وهواجس المرأة وهموم المجتمع النسوي خاصة.
المبدع العزيبز عبد الرحمن الجميعان
اسعدتني قراءتك الجميلة للنص
والاضاءة التي اكتسبتها قصتي من ردك
الشكر الجزيل لك ايها الاخ العزيز