المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضيمياء



حسن عجمي
11/11/2008, 11:30 PM
التشكيك في مركزية الإنسان على الأرض

كتب - محمد الربيع

كتاب «الضيمياء» لحسن عجمي الصادر حديثا عن الدار العربية للعلوم، ناشرون، يشكك في الأسس التي انطلقت منها مقولات قرون الحداثة وما بعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة، المؤسسة على مركزية الانسان في تحليل الظواهر الطبيعية والتاريخية.

انه يقول ببساطة بوهم التحليلات القائمة على هذا الأساس، اذا لا شيء أورث العالم «ضيما» أكثر من هذه المقولة، لأنه لا شيء مرتهن مثلما تم التعارف عليه في الفكر الانساني المعاصر، بالعلاقة بالإنسان، لأن كل شيء مرتهن بذاته وبقوانينه الذاتية ويعرف عجمي الضيمياء بأنها مذهب فلسفي يعنى بدراسة الضيم الذي نوقع على الأشياء والظواهر من خلال النظر اليها على انها مجرد ادوات لدينا. الضيمياء فلسفة الظلم التي تدرس كيف اننا نحلل ونفسر الحقائق والظواهر على ضوء مركزية الانسان وفي هذا ظلم قاتل نظلم به معارفنا. من هنا الضيمياء ضرورة معرفية كي نخرج من سجون مسلماتنا الجاهزة ونتحرر من قيود يقينياتنا الكاذبة.

الموقف الاصدق هو ان كل شيء يسعى فقط الى تحقيق ذاته واستمراريته. ولذا تتكامل الاشياء وتتكافل او تتنافس وتتصارع لتحقيق ذلك. فأي شيء هدف وأداة لذاته فقط. ولا توجد وظيفة اخرى غير تحقيق ذاتية الذات واستمرارية الموجود. من هنا لا تهدف الموجودات الى نفعنا او ضرنا بل هدفها ذاتها فقط. على هذا الاساس لابد ان نعري الكون من مصطلحاتنا ومنا. الضيمياء دراسة الضيم الذي يقع على الفكر. وبذلك وظيفة الضيمياء هي اظهار الظلم الفكري وازالته. ويراجع عجمي في ضوء هذه الرؤية، المقولات المكرسة حول المفاهيم الكبرى حول العلم والعقل فيقول:

تكمن الضيمياء العلم في اعتبارنا الخاطئ بأن العلم في خدمة الانسان وانه مجرد اداة لتنفيذ مصالحنا. لكن الحقيقة هي ان الانسان في خدمة العلم، فالعلم في خدمة نفسه فقط. العلم يسعى نحو تحقيق وتطوير ذاته وان كان على حساب اي شيء آخر. وبما ان العلم يسعى الى تحقيق وتطوير ذاته والاستمرار على قيد الحياة. اذن من الطبيعي ان يتنوع وينقسم الى ميادين علمية عديدة ومختلفة وان تتنوع نظرياته في الميدان المعرفي ذاته وتختلف لأن بذلك يضمن بقاء البعض من ذاته اذا زال بعضه الآخر. هكذا تفسر هذه الفرضية لماذا تتنوع وتختلف النظريات العلمية والميادين المعرفية فنجد ميكانيكا الكم مختلفة عن نظرية النسبية لأينشتاين ونجد العلوم المتنوعة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات والعلوم الانسانية المختلفة الخ. كما ان الكائن الحي ينجب كائنات حية عدة ومختلفة للحفاظ على جنسه يقوم بذلك ايضا كل شيء كالعلم مثلا لكي يحافظ على بقائه واستمراره. من هنا ينقسم العلم الى علوم مختلفة فإن مات علم قد يبقى آخر، ولذا ايضا ينقسم الميدان المعرفي ذاته الى نظريات مختلفة فإن ماتت نظرية قد تبقى اخرى.

هكذا يحافظ العلم على بقائه وحياته وكل ما يهتم به العلم هو الحفاظ على ذاته. على هذا الاساس العلم يستغل الانسان لكي ينتج الانسان العلم بدلا من ان يستغل الانسان العلم فلو ان الانسان يستغل العلم من اجل مصلحته ما كان ادى العلم الى اي ضرر وهذا خلاف الواقع فبالعلم نبني تكنولوجيا القتل ايضا.

ويشكك في مركزية العقل بقوله: تكمن ضيمياء العقل في اننا نعتبر خطأ بأن العقل اداة لخدمة الانسان لكن الحق هو ان الانسان في خدمة العقل، فالعقل ليس اداة في خدمة احد، بل العقل يخدم ذاته فقط ويستخدمنا من اجل تطوير ذاته وتحقيقها وإبقائها على قيد الحياة.

لذا العقل قد يؤدي الى معارف تضرنا كما قد يؤدي الى معارف تفيدنا فالسلاح النووي الذي اوصلنا اليه العقل يهدد بقاء الجنس البشري كله. وارتفاع درجة حرارة الارض من جراء تطبيق معارفنا تكنولوجيا قد يؤدي الى موت الارض وموتنا. من هنا العقل يسعى الى تحقيق وتطوير ذاته فقط وان على حساب الانسان.

فكل شيء هو مركز كل شيء آخر وكل شيء تدور حوله كل الاشياء الاخرى وكأنها صنعت من اجله فقط وبذلك لا يوجد شيء خلقت الاشياء من اجله ولا يوجد شيء هو محور الاشياء الاخرى. وبما ان العقل يهدف الى تحقيق ذاته وتطويرها وبقائها اذن تتنوع العقول وتختلف بين البشر وبين الانواع الحيوانية المختلفة فإن مات عقل يبقى آخر هكذا نفسر لماذا تتنوع العقول وتختلف.

أما اللغة فيرى في موقفنا منها اننا نعتبر خطأ ان اللغة اداة للتعبير عن الحقائق او اداة للتخاطب فيما بيننا من هنا ننظر الى اللغة بنظرة استعلائية وكأننا الآسياد وهي من عبيدنا لكن الحقيقة هي ان اللغة ليست أداة لخدمتنا بل اللغة تخدم ذاتها فقط وتستخدمنا لخدمة ذاتها فقط. فاللغة كالجين همَم البيولوجي الذي يسعى الى بقائه واستمراره من دون الاهتمام ببقاء الجسد الحي ككل الذي يحيا فيه. من هنا اللغة كائن حي هدفه او وظيفته ان يبقى حيا. الآن بما ان اللغة تسعى الى بقائها واستمرارها وتستخدمنا لهذا الغرض اذن لا بد ان تحافظ على بقائنا من خلال التعبير عن الحقائق وتحقيق امكانية التخاطب والتفاهم فيما بيننا لأن من خلال بقائنا تبقى. هكذا نفسر لماذا تنجح اللغة في التعبير عن الحقائق وفي تحقيق التخاطب والتفاهم بين البشر. من جهة اخرى بما ان اللغة وظيفتها ان تستمر على قيد الحياة اذن لابد ان تتشعب الى لغات وان تلد لغات عدة مختلفة فان ماتت بعض اللغات تبقى اخرى هكذا نفسر تشعب اللغات واختلافها وبما ان اللغة تسعى الى تحقيق ذاتها وتطورها وبقائها واستمرارها اذن من المتوقع وجود بعض من اللغة لا يفيدنا ابدا بل قد يضرنا.

ويصل عجمي الى خلاصة حول علاقة معرفتنا بالكون من خلال هذا الالتباس إذ يرى ان ضيمياء الكون كامنة في اننا نظن خطأ ان الكون قد نشأ من اجلنا بالذات. لكن الحق هو اننا نحن من نشأنا من اجل الكون.

فالكون غير محدد لكن وعينا يحدده كما تؤكد ميكانيكا الكم.

وبذلك وجدنا من اجل تحقيق الكون من خلال تحديده ولذا كان من الضروري ان يكون الكون مناسبا في مواده وقوانينه الطبيعية كي ننشأ ولذا نشأنا هكذا تتمكن هذه الفرضية من تفسير لماذا الكون مناسب في مواده وقوانينه كي نوجد ولذا نوجد اصلا وبما اننا نحن من وجدنا من اجل الكون بدلا من العكس اذا لابد ان نحافظ عليه من دون استغلاله وتحطيمه او افقاره من هنا لهذه الفرضية موقف اخلاقي فبما اننا وجدنا من اجل الكون ولم يوجد الكون من اجلنا اذن لابد من التخلي عن انانيتنا ما يضمن اخلاقية افعالنا تجاه الآخرين وتجاه الطبيعة وما فيها من مواد ونبات وحيوان.

ويورثنا الخطأ في الأسس خطأ في المعاني يقول عنه عجمي ان من ضيمياء المعنى اننا نظن خطأ ان المعنى وظيفته او هدفه افهام عقولنا والتعبير عن الحقائق كي نعرفها بل الحق ان المعنى يخدم نفسه فقط كي يبقي على ذاته ويطورها من هنا نتمكن من تفسير بعض الحقائق كلماذا بعض العبارات غير محددة في معناها. بما ان المعنى في خدمة ذاته كي يستمر ويبقى اذن من الطبيعي ان تتنوع المعاني وتختلف فإن زال معنى يبقى معنى آخر هكذا نفسر تنوع المعاني واختلافها وبما ان المعنى خادم نفسه فقط كي يبقى اذن من الطبيعي ان توجد عبارات بمعان محددة كي يستمر استخدامها وان توجد عبارات بمعان غير محددة كي يتم البحث الدائم عن معناها وبذلك يستمر المعنى في التداول والوجود هكذا نفسر تنوع العبارات وانقسامها الى عبارات بمعان محددة وعبارات بمعان غير محددة.