المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نهضة أمة لا يصنعها فرد



احمد عبد الرشيد عبد الباقي
15/11/2008, 06:07 PM
نهضة أمة لا يصنعها فرد
ليس ثمة شك في أننا جميعا ً نعيش الأزمة الحضارية الراهنة التي تعاني منها الأمة الإسلامية والعربية.. ونرى بأعيننا حجم الفجوة الهائلة بين عطائنا الحالي للإنسانية وعطاء الآخرين.
ولا شك – كذلك – في أننا جميعا ً نعاني من وضعنا الحالي في المشهد العالمي الذي أصبح وضعا ً عبثيا ً يستوجب إعادة النظر في ذلك الوضع..وإعادة ترتيب أوراقنا المبعثرة وترتيب أولوياتنا وتحديد أهدافنا.
الأمر المثير اللافت للنظر أننا في خضم ذلك التردي لم نفتأ ننادي بضرورة عودة القائد المخلِّص الذي يتولى زمام أمورنا.. ويقيلنا من عثراتنا.. ويحافظ لنا علي هويتنا.. وينطلق بنا نحو مستقبل أفضل.
ومع افتراض حسن النية في هذا النداء فإن فيه تسطيحا ً للأمور وقفزا ً علي مراحل هامة..وإغفالا ً لحقائق راسخة.. لأن هذا المخلِّص لن يهبط علينا هكذا من السماء ولن يخرج من أعماق البحار.. ولن تنبته الأرض كما تنبت الزرع.. لأنه ليست هكذا تكون طرق بناء الأمم وصناعة التاريخ.
إننا دائما ً نبحث عن صلاح الدين – مثلا ً ونناديه أن يهب لنجدتنا.. لدرجة أنني أشعر أننا أثقلنا علي الرجل في قبره.. وننسي أن نحاول أن نكون مثل رجال صلاح الدين الذين شاركوه صناعة التاريخ ومواجهة التحديات الحضارية التي واجهتهم .. لأنهم كانوا علي وعي تام بالمرحلة التاريخية التي عايشوها.. ومن ثم فقد قاموا بدور لا يقل أهمية عن دور صلاح الدين في صناعة فترة تاريخية هامة جدا ً ومن أخصب فترات التاريخ الإسلامي والعربي.
الأمر الذي أراه هاما ً في هذه المرحلة هو أن نرحم أنفسنا من ذل النداء والاستجداء هذا.. ونبدأ سويا ً العمل على إدراك عدة أمور هامة حتى نستطيع أن نتعامل مع الواقع الذي نحياه معاملة صحيحة تدفعنا للعمل الفعلي الذي يقودنا نحو تغيير وضعنا الحالي.. وبناءً عليه أعتقد أنه يجب أن ندرك الآتي:-
1- يجب أن ندرك أننا نعيش في مرحلة تتميز بهيمنة العولمة الأمريكية علي تاريخ البشر الذين يحيون هذه المرحلة عبر تبني فلسفة القوة للهيمنة علي العالم .. وفرض مفاهيم ونظريات للتعاطي معه .. وتقسيمه إلي محورين أحدهما محور خير والآخر شر.. ذلك طبقا ً للمواصفات الأمريكية.
ولن تظل هذه المفاهيم والنظريات حبيسة عقول أصحابها.. بل هي الآن تقود الجيوش الأمريكية وتوجهها حيث تكون مصلحة الأمريكان .. وأصبحت فلسفة القوة هي العامل القاطع الحاسم لإنهاء أي صراع تكون الولايات المتحدة طرفا أو صاحبة مصلحة فيه.
2- وبالرغم من سطوة تلك الهيمنة الأمريكية وتسلطها التي نقف نحن في العالم العربي والإسلامي إزاءها وقفة المستسلم الخاضع المفوض أمره لعدوه .. ينتظر في أي وقت من سيقتله من هؤلاء.. لدرجة أن محللين سياسيين يضعون ترتيبا مسلسلا للدول التي ستسقط الإدارة الأمريكية أنظمتها.
هذا الوضع يذكرني بفترة غزو التتار لبغداد.. عندما كان التتري يوقف المسلم في الشارع حتى يذهب ويحضر سيفه ليقتله وهو منتظر خاضع ذليل.
بالرغم من ذلك فإن هناك تجارب حية واقعية في مناطق أخرى من العالم تمثل تحديا شجاعا مدروسا في مواجهة النموذج الأمريكي.. مثل تجارب الصين واليابان والهند ونمور أسيا.. وهناك دراسات جادة تتنبأ بتحول العالم من العصر الأمريكي إلى العصر الأسيوي.
3- وبناء على ذلك فإنه يجب أن نعمل على الأخذ بأسباب النهوض الاقتصادي والعلمي والاجتماعي والتقني.. وأن نقوم بعمل جهد في دراسة تلك النماذج المشرقة والمشرفة لهذه الدول التي كانت في ذيل قائمة التقدم.. بل كانت ضمن قوائم التخلف كاليابان وكوريا ونمور أسيا والصين ..علما بأن هذه الدول نجحت في أن تظل محافظة على هويتها وتراثها وأصالتها في ذات الوقت الذي دخلوا فيه إلى عصر التطور والحداثة بقوة نابعة من الثقة في الذات.
4- علينا أن ندرك أننا نعيش في عالم يعي جيدا أن كل منطقة لها خصوصيات.. وتشترك في جملة مشتركات تعبر عن شخصية مستقلة وثقافة مميزة ينبغي عليها أن تعمل على توحيد قدراتها وتجميع مواردها وطاقتها لمواجهة تحديات العصر الرهيبة.
وأعتقد أن المقومات الإسلامية والعربية في هذا الصدد أكبر بكثير من المقومات التي جمعت الأوربيين وجعلتهم يقدمون للعالم نموذجا هاما لتوحيد قارة شاسعة على أسس سليمة.. ونحن لا نفتقر إلى المقومات الوحدوية التي تجعل منا وحدة سياسية واقتصادية جديرة بأن يحسب لها حساب.
5- علينا أن نعيد النظر في الأساسيات التي نقيم عليها وحدتنا أو تكاملنا أو حتى تفاهمنا حول القضايا والملفات المشتركة.. ولا شك أن لدينا أساسيات ومشتركات غير قليلة أهمها بالطبع وحدة العقيدة.. كما أن لدينا مشتركات حضارية أخرى هامة وضرورية كوحدة اللغة والثقافة والتاريخ والإنجازات الحضارية المختلفة.. وكذلك رغبة الشعوب العربية والإسلامية في أن تجمعهم راية واحدة.
ورغبة الوحدة ليست رغبة كمالية بل هي رغبة أساسية.. وتستحق العمل الدءوب لتحقيقها والتضحية من أجل إنجازها.. لأن كل دولة مهما حققت على مستواها القطري تقدما تنمويا وهو أمر شبه منعدم في عالمنا العربي.. فلن تستطيع الدخول إلى حلبة المنافسة الدولية دون ارتباط مع وحدة أو تكتل.. ليساعد أطرافه على التكامل والقدرة على المنافسة.
والوضع الراهن للدول العربية والإسلامية وضع خطير لأنه ليست هناك أدنى درجات التضامن الحقيقي التي تساعد على مجابهة العدوان الأمريكي الذي تنتظره - للأسف كل دولة باستكانة منقطعة النظير.
ولست أرى أن قيام وحدة كتلك سوف تنجز بين ليلة وضحاها.. إنما ذلك يتطلب العمل على مراحل مختلفة ومحاور متعددة.. لأن الرغبة الصادقة وحدها لا تكفي بل تحتاج لتفعيلها إلى وسائل و إستراتجيات تراعي فقط تحقيق الهدف العام لا تحقيق أحلام وأماني القيادات.
6- يجب أن ندرك أننا نحيا في عالم أصبح يؤمن أكثر من أي وقت مضى بأهمية التفعيل.. وخطورة الدعاية الجوفاء الفارغة من أي مضمون.. فإن كثرة الحديث عن التغيير وضرورته وعن دور المؤسسات وأهميتها في قيادة مسيرة البلاد لا يفيد كثيرا إذا كان الجو العام تسيطر عليه أفكار بائدة من قبيل شخصية القائد الملهم الذي يقيد جميع الحريات الفعلية.. ويطلق الحريات الثانوية (الديكورية) التي لا تقدم حلولا لمشكلات المجتمع بقدر ما تزيد من مشكلاته.
7- يجب أن نعمل على التخلص من آثار مرض خطير مزمن سيطر علينا وما زال.. وهو يمثل في تقديري عائقا شديدا يمنعنا من متابعة مسيرة التقدم الإسلامي العربي ومواكبة التطورات الحديثة.. وهو الإحساس المبالغ فيه بالخوف من الوقوع فيما يعتقده البعض من الشرك المنصوب لنا من الآخر الذي يحاول السيطرة علينا حضاريا.. وإخضاعنا لتبني قيمه وأنماطه الثقافية والاجتماعية المغايرة لنظمنا الحضارية وقطعا تلك المحاولات بوجوده.
لكن العلاج قطعا ليس في تجاوز مرحلة الانتماء والهوية وتخطي الحدود الجغرافية.. وتجاهل الخصوصية الثقافية والحضارية من أجل الانضمام والانصهار في بوتقة الثقافة الكونية الجديدة على حساب الانتماءات الدينية والقومية والثقافية.
وليس كذلك العلاج في التقوقع على الذات.. والعيش في وهم الانغلاق داخل حدودنا بالانعزال عن مجريات الأحداث التي تدور من حولنا.. اعتقادا بأن ما لدينا يكفينا رافضين بشكل مطلق التعامل مع كافة الأفكار التي تأتينا من هنا أو هناك.
رغم أن هذا الطرح يتناقض مع الواقع العلمي المخجل.. حيث أننا نعيش اعتمادا علي ما ينتجه الغرب في كافة المجالات التكنولوجية والعلمية في شتى الفروع من رياضيات وفيزياء وكيمياء وطب وهندسة.. وحتى العلوم المرتبطة بالآداب والرواية والقصة والشعر صرنا فيها تبعا للغرب مع أن الأمر أسهل بكثير من ذلك.
ولنا تجارب ثرية عبر مراحل تاريخنا تفاعلنا خلالها مع الآخر تأثيرا أو تأثرا ايجابيا.. فنحن لا نعيش في جزيرة منعزلة عن باقي العالم.
8- يجب أن ندرك خطورة أن توظف دولة مثل إسرائيل ميزانية للبحث العلمي تزيد على أضعاف ما توظفه الدول العربية في هذا الشأن.
وكذلك خطورة هجرة عقولنا النابهة للعمل في المراكز البحثية العالمية.. ومن ثم تحقق لها نتائج علمية باهرة.. وهو ما سيؤدي إلى ضمور العملية البحثية لدينا أكثر مما هي عليه الآن.
ولا شك أن مثل هذا الأمر الخطير لن يكون في صالح عملية التنمية البشرية الاقتصادية التي تحتاج إلى تضافر جهود كل القطاعات لتؤدي دورها في عملية التخطيط البعيد المدى الذي لن نستطيع بدونه القضاء على مشكلات مجتمعاتنا المزمنة الجاثمة على صدورنا كالفقر والبطالة والمجاعات المنتشرة في مناطق كثيرة من عالمنا.
ولا شك أن ذلك كله لا يحتاج فقط إلى جهود قائد فذ -على أهمية ذلك- إنما يحتاج إلى جهود كل فرد مهما كانت مسئوليته ضئيلة.. ومهما كان يرى قدراته ضئيلة.. لأن الحمل الثقيل وإذا سقط فسيسقط علينا جميعا.
" منقول للفائدة "