المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرثية حلم .. للشاعر فاروق جويدة



احمد عبد الرشيد عبد الباقي
15/11/2008, 06:35 PM
قصيدة " مرثية حلم " .. للشاعر: فاروق جويدة
* عديدة هي مواجعنا .. عميقة هي جراحنا.. كلما هممت أن أكتب عن نصر أكتوبر شيئا ً مشاركة للقافلة .. وتمشيا ً مع سياسة بني قومي التي أخذت على عاتقها أن تعيد الأمور إلى نصابها .. وأن ترد شيئا ً من الاعتبار إلى أبطال هذا النصر الذي تاهت معالمه .. وذابت فواصله بين إفراط قوم وتفريط آخرين.
* ومع رغبتي الجامحة في مشاركة القوم فيما شرعوا في الكتابة فيه وذلك تكفيرا ً عما كنت أعتقد زمنا أن المشاركة فيه إثم يستوجب الكفارة ومعصية تستحق الغفران " .
* غير أنني رجل تأسرني المآسي وتستوعبني معانيها ولربما كان ذلك – إن أريد الحق – بعض طبائعي .. فضلا ًعما تمر به أمتنا من ظروف تستعصي على الوصف في عصر التسلط الأمريكي الذي لا يعرف شرف الخصومة !! .
* ولذا قررت ان أصرف وجهتي شطر بكائية لا نظير لها .. من بكائيات الشاعر العملاق " فاروق جويدة " بكائية جمع فيها الشاعر فأوعى .. جمع بين ألوان السقوط وأنواع التردي .. ومظاهر الإمراض المستعصية التي يعاني منها جسد أمتنا المترهل وأعراضها .. بكائية برع فيها الشاعر في تصور وقائع الواقع بكل تفاصيله .. ولم ينس الإشارة إلى زمن العمالقة الذين حملوا الإيمان إلى البشرية جمعاء مشعلا ً وهاجا ً فتحول بهم وتحولوا به إلى شعلة مضيئة.. نجح الشاعر في تسليط الأضواء على المسالب والثقوب التي تتسرب منها الكوارث والأزمات .. وأشار صراحة إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو الذين ابتليت بهم هذه الأمة في الآونة الأخيرة .. فكانوا أضر بها من الذئب الضاري على قطيع من الغنم !! .
* والقصيدة في التحليل الأخير – أحدى روائع الشاعر المبدع " جويدة" إذ تتدفق أبياتها كالنهر الجاري في سلاسة وانسيابية ويسر خالية من غريب اللفظ .. مجردة عن وحشي العبارة .. تدفع بعضها بعضا في تناسق وانسجام عجيبين وهي في النهاية آية على عبقرية الشاعر .. ودليل على ألمعيته .
* وإليكم البكائية كاملة .. وعليكم السباحة في الأقاصي البعيدة للمعاني ...

دعني وجرحي فقد خابت أمانيــنا
هل من زمان يعيد النبض يحييــنا
يا ساقي الحزن لا تعجب في وطني
نهر من الحزن يجري في روابيـنا
كم من زمان كئيب الوجه فرقــنا
واليوم عدنا ونفس الجرح يدميـنا
جرحي عميق خدعنا في المداويـنا
لا الجرح يشفى ولا الشكوى تعزينا
كان الدواء سموما في ضمائرنــا
فكيف جئنا بداء كي يداوينــــا
****
هل من طبيب يداوي جرح أمتــه
هل من إمام لدرب الحق يهدينــا
كان الحنين إلى الماضي يؤرقنــا
واليوم نبكي على الماضي ويبكيـنا
من يرجع العمر منكم من يبادلنـي
يوما بعمري ونحيي طيف ماضيـنا
إنا نموت فمن بالحق يبعثــــنا
لم يبق شيء سوى صمت يواسيـنا
صرنا عرايا أمام الناس يفزعــنا
ليل تخفى طويلا في مآقيـــــنا
صرنا عرايا وكل الأرض قد شهدت
أنا قطعنا بأيدينا أيادينـــــــا
****
يوما بنينا قصور المجد شامخــة
والآن نسأل عن حلم يواريـــنا
أين الإمام رسول الله يجمعـــنا
فاليأس والحزن كالبركان يلقيــنا
دين من النور بين الخلق جمعـنا
ودين طه ورب الناس يغنينـــا
يا جامع الناس حول الحق قد وهـنت
فينا المروءة أعيتنا مآسينــــا
بيروت في اليم ماتت قدسنا انتحـرت
ونحن في العار نسقي وحلنا طيـنا
بغداد تبكي وطهران يحاصرهـــا
بحر من الدم بات الآن يسقيـــنا
هذي دمانا رسول الله تغرقنــــا
هل من زمان بنور العدل يحميــنا
أي الدماء شهيد كلها حمــــلت
في الليل يوما سهام القهر تردينـا
القدس في القيد تبكي من فوارسها
****
دمع المنابر يشكو للمصلينــــا
حكامنا ضيعونا حينما اختلفـــوا
باعوا المآذن والقرآن والدينـــا
حكامنا أشعلوا النيران في غدنــا
ومزقوا الصبح في أحشاء وادينـا
مالي أرى الخوف فينا ساكنا أبـدا
ممن نخاف ألم نعرف أعادينــا؟
أعداءنا من أضاعوا السيف من يدنا
وأودعونا سجون الليل تطوينــا
أعداؤنا من توارى صوتهم فزعا
والأرض تسبى وبيروت تنادينـا
أعدائنا أوهمونا آه كم زعمــوا
وكم خدعنا بوعد عاش يشقينـا
قد خدرونا بصبح كاذب زمنـا..
فكيف نأمل في يأس يمنينـــا
****
أي الحكايا ستروى عارنا جلـل
نحن الهوان وذل القدس يكفينـا
من باعنا خبروني كلهم صمتـوا
والأرض صارت مزانا للمرابينـا
هل من زمان نقي يف ضمائرنـا
يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينـا
يا ساقي الحزن دعني إنني ثمـل
إنا شربناه قهرا ما بأيدينــــا
****
عمري شموع على درب المنى احترقت
والعمر ذاب وصار الحلم سكينــا
كم من ظلام ثقيل عاش يغرقنــا
حتى انتفضنا فمزقنا دياجينـــا
العمر في الحلم أودعناه من زمن
والحلم ضاع ولا شيء يعزينــا
كنا نرى الحق نورا في بصائرنـا
والآن للزيف حصن في مآقينــا
كنا إذا ما توارى الحلم عانقنــا
****
حلم جديد يغني في روابينـــا
كنا إذا خاننا فرع نقطعــــه
وفوق أشلاءه تمضي أغانينــا
كنا إذا ما استكان النور في دمنا
في الصبح ننسى ظلاما عاش يطوينا
كنا إذا اشتد فينا اليأس وانكسرت
منا السيوف ونادانا.. منادينــا
عدنا إلى الله عل الله يرحمنــا
والآن نخجل منه من معاصينــا
الآن يرجف سيف الزور في يدنا
فكيف صارت كهوف الزيف تؤوينا
هل من زمان يعيد السيف مشتعلا
لا شيء والله غير السيف يبقينـا
يا خالد السيف لا تعجب ففي زمني
باعوا المآذن والقرآن راضينــا
هم من ترابك يا ابن العاص في دمنا
ثأر طويل لهيب العار يكوينـــا
قم يا بلال وأذن صمتنا عـــدم
كل الذي كان طهرا لم يعد فينــا
هل من صلاح بسيف الحق يجمعنا
في القدس يوما فيحييها.. و يحيينا
هل من صلاح يداوي جرح أمتـه
ويطلع الصبح نارا من ليالينــا
هل من صلاح الشعب هده أمــل
ما زال رغم عناد الجرح يشفينــا
هل من صلاح يعيد السيف في يدنا
ولتبتروها فقد شلت أيادينــــا
****
حزني عنيد وجرحي أنت يا وطني
لا شيء بعدك مهما كان.. يغنينـا
إني أرى القدس في عينيك ساجدة
تبكي عليك وأنت الآن تبكينـــا
آه من العمر جرح عاش في دمنا
جئنا نداويه يأبى أن يداوينـــا
ما زال في العين طيف القدس يجمعنا
لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينـا
لا القدس عادت ولا أحلامنا هدأت
وقد نموت وتحيينا أمانينــــا
ما أثقل العمر.. لا حلم ولا وطن..
ولا أمان ولا سيف ... ليحمينــا
" منقول للفائدة "