المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تلك الذئاب الجائعة.. من أطلقها ؟



احمد عبد الرشيد عبد الباقي
16/11/2008, 02:39 PM
تلك الذئاب الجائعة.. من أطلقها ؟
حدث ذلك في قلب مصر، وفى أهم وأشهر أحيائها وشوارعها، وعلانية على مرأى ومسمع من الجميع، بدون خجل وبدون خوف من عقاب أو مراعاة لحرمة ! .
- لنقرأ أولا النبأ ، الذي أصابنا بالذهول والدوار ، وجعلنا نجأر لرب الأرض والسماوات بالتوبة والاستغفار ؛ .
- فطوال أيام عيد الفطر ، كانت هناك قطعان من الذئاب الجائعة المنفلتة ، تتربص بالفتيات والنساء بشارع جامعة الدول العربية وبولاق الدكرور بمنطقة المهندسين بمحافظة الجيزة ! .
- وتمكن فعلا ً قطيع مسعور من تلك القطعان من النيل من بعض الفتيات، وتجريدهن من ثيابهن وتحسس أجسادهن، وكادوا يهتكون أعراضهن.
- وقد أمرت النيابة بحبس أكثر من ثلاثين شابا ً ممن قبض عليهم على ذمة التحقيق، وإخلاء سبيل الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما، بعد أن وجهت لهم النيابة تهمة التحرش الجنسي الجماعي بالفتيات بالطريق العام ومحاولة هتك أعراضهن بالقوة .
- هذا هو ملخص ما حدث مساء ثاني أيام عيد الفطر في قلب مصر " المسلمة " ! .
- والسؤال الوحيد الذي أردت طرحه هنا لمحاولة الإجابة عليه هو : من أطلق تلك الذئاب الجائعة لتنهش اللحوم وتهتك الأعراض في الشوارع والطرقات على الملأ ، بهذه البجاحة والسفالة ؟
- لن أطيل ولن أعيد ما قيل في هذه القضية المخزية؛ إنما هو سؤال وحيد:
- من أطلق تلك الذئاب الجائعة ؟ من هيجها وأثارها لتخرج هكذا في الشوارع تعتدي على الحرمات وتهتك الأعراض ؟
- وكيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الجرأة والبجاحة والسفالة ، بحيث لم يعد الاعتداء على الأعراض واغتصاب الفتيات بعيداً عن الأعين في أحد الأماكن المهجورة ، أو في إحدى الشقق ، ولكنه أصبح اليوم في الشارع وعلى الملأ .. وعن طريق مجموعات متحدة ومتعاونة ومتفقة على ارتكاب الجريمة في زمان ومكان محددين ! .
لا شك أ- ننا أمام طور جديد من أطوار تلك الجرائم الأخلاقية ، التي طالما حذرنا منها .. ومن أسبابها ودوافعها ، والتي استخف بها أصحاب الشأن ، وتركوا أمر وسائل الإعلام والتثقيف على ما هو عليه ، وأعطوا القائمين على إنتاج الأفلام والمسرحيات وغيرها مزيداً من الحرية ، ليقدموا لشبابنا جرعات زائدة من مشاهد الجنس والابتذال والشذوذ ، حتى وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه من ضياع وانحلال وتيه ، وحتى فوجئنا بهذا المشهد المأساوي وتلك الجريمة العلنية المركبة .
- اليوم لم نعد نشكو – كما كنا بالماضي – من مجرد شاب مخنث مائع، أو من آخر رقيع يتشبه بالنساء، أو ثالث يلبس ثياباً ضيقة ملونة ويقلد الأوربيين في السلوك والأخلاق.
- اليوم لم نعد نشكو من بعض الجرائم والخطايا الفردية التي ترتكب هنا وهناك بين الحين والآخر ، ولكننا نشكوا الآن تشكيلات عصابية هائجة جنسيا ً ، متعاونة على الإثم ، رسمت الخطة وحددت الزمان والمكان .. وتجمعت فيه فوج بعد الآخر حتى تكاثرت وتآزرت، ونفذت ما خططت له.
- إذن لم يعد ذلك النوع من الجرائم مجرد عمل فردى يقوم به أحدهم نتيجة ظروف نفسية واجتماعية واقتصادية يمر بها ، بل أصبح اتفاق بين متعاونين على الإثم والعدوان .
- دعونا لا نقف هنا عند حد المطالبة فقط بتطبيق شرع الله على تلك الذئاب الجائعة التي تنتظر المحاكمة، وبعدها الحبس بضع سنين ، وبعدها يطلقون بعد أن علفتهم وغذتهم السجون ! .
- لن أتوسع هنا في التحسر والبكاء على شريعتنا المضيعة، ولن أكرر ما سطره العلماء قديما ً وحديثا ً في دور الحدود والعقوبات الشرعية في الدفاع عن المجتمع وحمايته وتنقيته من الجراثيم الضارة.
- ولن أعيد وأزيد حول ما ألفت من أجله مجلدات في سماحة الشريعة ورحمتها وشمولها واكتمالها وأهدافها السامية في خلق مجتمع نظيف آمن، لا يهتك فيه عرض، ولا تهدر فيه كرامة، ولا تستباح حرمة.
- لن أتكلم عن ذلك الآن ، فأنا موجوع بما حدث ، ومفجوع لحدوثه في مصر بالذات .. مصر منارة الإسلام ، ومستقر العلماء وقبلة الدعاة ! .
- إذن دعونا من تلك الذئاب الآن ، دعونا من محاسبتهم ومحاكمتهم وعقابهم ؛ فقد ثبت أن الفكر الجنائي الإسلامي لا يقيم بناءه على العقوبات والحدود فحسب ، بل على الوقاية من حدوث تلك الجرائم ، وعلى السعي ابتداء ً إلى تربية العقول وتهذيب النفوس والارتقاء بالأرواح وتطهير الضمائر ، فتتحرج القلوب من ارتكاب الجرم المنهي عنه شرعاً .
- فمطالبتنا اليوم بتطبيق الحد الشرعي على هؤلاء الذئاب لن تحل المشكلة ، ولا معنى لها ولا قيمة ، ولا محل لها من الإعراب في ظل مجتمع لا يجرم العرى والتهتك والتبذل ، ويسمح بعرض الأفلام الفاضحة والمسرحيات المسفة ، ونشر الروايات المكشوفة ... الخ.
- ومعلوم أن الأصل في العقوبات في الفقه الإسلامي – كما اتفق العلماء – إنما جعلت لتنفذ عندما يكون نظام الدولة قائما ً ومؤسسا ً على أصول الإسلام .. وأن الحدود جعلت لتطبق في مجتمع نظيف خال من الأمراض والأوبئة، وخال من كل ما يثير ويسهل ويشجع على ارتكاب الجرائم.
- فالعقوبة في هذه الحالة دفاع شرعي عن هذا المجتمع النظيف المتكامل، ولا محل لشرعيتها إلا فيه، ولا مجال لتطبيقها في غيره.
- وقد ضرب المثل بعقوبة الرجم والجلد للزاني المحصن وغير المحصن ، وعقوبة القطع للسارق ؛ فعقوبة القطع – على سبيل المثال - لا تطبق في مجتمع لا تؤدى فيه زكاة الأموال إلى مستحقيها ، ويغلب عليه التعامل بالربا ، ولا يلتزم فيه الحاكم والمحكوم بشرع الله ، لأن تنفيذها حينئذ يجافى حكمة الشرع ومقصده .
- دعونا إذن نتساءل – كما تساءلنا من قبل في تعليقنا على حادثة مشابهة -:
- هل تربى هؤلاء " الذئاب " – قبل أن يصبحوا ذئابا ً – في بيوتهم وبين أسرهم تربية إسلامية متكاملة ؟
- هل وجدوا في المدارس والمعاهد والجامعات من يوجههم ويحتويهم ويكفكف من غلواء غرائزهم ؟
- هل أخذ أحد بأيديهم في فترات المراهقة ووضعهم على الطريق الصحيح ؟
- هل تمثلت أمامهم في حياتهم القدوة الصالحة التي يقتدون بها ؟
- وهل قابلوا يوما أحدا يحببهم في الطاعة والخير ويحثهم على الفضيلة ؟
- ثم هل تجولوا يوما في طرقات مدينة كالقاهرة أو الإسكندرية أو الجيزة أو غيرها ، فلم يروا فحشا ً ولا فجورا ً ولا دعارة ً ولا استخفافا ً بالدين وأحكامه وثوابته ، ولا مجاهرة بإثم أو رذيلة ، أم أنهم تربوا في أحضان من يهدم مبادئهم ويعتدي على قيمهم ويشوه أخلاقهم ويبدل فطرتهم .. ويمسخ هويتهم.. ويزيف تاريخهم .. ويسخر من ثوابتهم .. ويميت هممهم .. ويهيج غرائزهم ؟
- إنه لمن السخف أن يحاكم هؤلاء الذئاب دون أن يحاكم ويعاقب من هيجهم وأثارهم وأطلقهم، لينهشوا في اللحوم ويهتكوا الأعراض.
- ولمعرفة من أطلق هؤلاء الذئاب وهيجهم وأثارهم ، أعود بكم إلى حادثين مشابهين لما وقع بالمهندسين ثاني أيام عيد الفطر ؛ فقد وقعت جريمة جماعية مشابهة قبل عامين بمنطقة وسط البلد ليلة وقفة عيد الفطر أمام إحدى دور العرض السينمائي التي كانت تعرض أحد الأفلام الساقطة ، عندما رقصت إحدى الراقصات الشهيرات أمام جمع من المراهقين رقصة ساخنة هيجتهم ، فقاموا بالتحرش الجماعي العلني بكل من قابلهم من نساء وفتيات .
- وحادث آخر مماثل وقع داخل إحدى دور العرض السينمائي، التي كانت تعرض فيلم " حين ميسرة " الذي يحوى مشاهد جنسية شاذة، فقام الشباب بالتحرش بالفتيات الموجودات داخل صالة العرض ! .
- هؤلاء إذن هم من يهيجون الشباب ويثيرون غرائزهم، ويحولونهم إلى ذئاب ضارية مفترسة.. نعم هؤلاء القائمون على إنتاج وترويج ونشر وإشاعة الفاحشة بين شباب المسلمين هم أول من يستحق العقاب.
- فالعدل في الإسلام يقتضى تطهير المجتمع أولا ً من بذور الفساد .. ومثيرات الانحلال والفوضى ، قبل أن ينزل عقابه العادل على من تهتك وابتذل وفجر واعتدى على الحرمات .
- وإذا أردتم حكم الإسلام ، فافتحوا المصاحف على سورة النور واقرءوا قول الله عز وجل : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " ( النور 19 ) .
- ويقول المولى جل شأنه من سورة المائدة : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " ( المائدة 33 ) ، فهذه الآية وإن نزلت في قطاع الطرق الذين يغتصبون أموال الناس وممتلكاتهم ، فهي أولى بالتطبيق – بواسطة الحاكم المسلم أو من ينوب عنه – على قطاع الطرق الذين يغتصبون النساء ويعتدون على أعراضهم ، وهى أولى بالتطبيق على من حرضهم وشجعهم وهيجهم وأثارهم وهيئ لهم المناخ لارتكاب جرائمهم ، التي أخافت الناس وأفزعتهم ، وجعلتهم لا يأمنون على بناتهم ونسائهم وأعراضهم .
- والاختيارات متاحة أمام الحاكم المسلم بحسب حجم الجرم المرتكب والآثار المترتبة عليه .
- فطبقوا ما عندكم من قوانين ، وهاتوا ما لديكم من عقوبات ( عطوفة رءوفة ) ، بل استوردوا يا قوم المزيد والمزيد مما أنتجته عقول الغربيين ، وحاولوا بها علاج ما أصاب مجتمعنا من مصائب وكوارث ، وأنا على يقين بأنكم ستعودون يوما لتعترفوا بألسنتكم : أنه يجب علينا العودة بأسرع ما يكون إلى شريعتنا لاستئصال الفساد وحماية المجتمع .
- لقد أثبتت حادثة المهندسين بالجيزة وقبلها بعامين حادثة وسط البلد ، بأن الفجور والعهر قد بلغ حد التوقح والتبجح .
- لقد ولى إذن زمن الستر والخفاء والحياء والخوف من الفضيحة عند ارتكاب الخطيئة، وجاء اليوم الذي نرى فيه من يشكل تنظيما ً يزيد على المائة شخص يقطعون الطرق ويتوسطون الشوارع، ويهتكون أعراض الفتيات ويفجرون بالنساء.
- وإذا تأملنا جيدا لوجدنا ارتباطا ً وثيقا ً بين ما يعرض على شاشات السينما وخشبات المسارح وشاشات القنوات الفضائية وبين ما يجرى عمليا على أرض الواقع .
- فقديما كان القائمون على إنتاج الأفلام وإخراجها يلجئون إلى الإيماء والإيحاء والإشارة ليرمزوا إلى الفعل الجنسي ، وينتهي المشهد عند هذا الحد ، ليتخيل المتلقي بقية التفاصيل ،
- أما اليوم فلا أقل من المشهد كاملا من مبدئه إلى منتهاه ، فلم يعد هناك مجال للتخيل والتصور ، ولم يعد يرضى جميع الأطراف المشتركة في هذا العمل الوقح ، بداية من المنتج الذي يتربح من ورائه وانتهاء ً بالمتلقي الذي يدفع ليتعلم ألوانا جديدة من الفسق والشذوذ ، لم يعد يرضيهم أقل من عرض كل صنوف الإثارة والتهييج .
- وعلى أرض الواقع نجد ظلا ً لتدرج ومرحلية المشهد السينمائي والثقافي عموما ً.. ففي البداية كانت هناك حالات فردية على استحياء، ثم بعد ذلك مجموعات – لا تزيد عن الخمسة أو الستة – تتعاون فيما بينها ، وتقتاد فريستها إلى مكان موحش مظلم بعيدا عن أعين الناس ، أو في إحدى الشقق ، وتقوم باغتصابها .. ثم تطور السلوك الإجرامي بتطور الطرح الإعلامي ، وتشبع بوقاحته واكتسى بفجاجته وبجاحته وجرأته ؛ فوصل إلى ما حدث في المهندسين بالجيزة ، حيث أكثر من مائة ذئب يجتمعون على مرأى ومسمع ، ليعلنوا عن فجورهم وغيهم ، وليرتكبوا إثمهم بكل بجاحة ووقاحة .
وأخيرا هذه كلمتي لمن يهمه الأمر ...
- فقبل أن تحاكموا المتحرشين وتعاقبوهم، حاكموا أولا من أطلقهم وهيجهم وأثارهم.
- امنعوا الخمور والمخدرات ، وجرموا الفجور وحرموا التهتك والعهر والتبذل والفسق في الطرقات والملاهي والمسارح والسينمات والمتنزهات ووسائل الإعلام .
- طاردوا المخربين والمفسدين والفجار والمعتدين على الأعراض والحرمات .
- عودوا إلى شرع الله وطبقوا أحكامه ، ونفذوا حدوده ؛ فحد واحد من حدود الله جدير بأن يعيد الثقة والطمأنينة إلى القلوب الفزعة ، وجدير بإلقاء الرعب في قلوب الأشقياء ومعتادى الإجرام .
- افعلوا ذلك الآن .. نعم الآن، وليس بعد يوم أو يومين، أو شهر أو شهرين، أو عام أو عامين؛ فقد حدث ما حدث اليوم وقد رأيتم بشاعته وهوله، فماذا ننتظر حدوثه غدا ؟
اللهم هل بلغت اللهم اشهد

منقول لعموم الفائدة