المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأوبن بوفيه..... و ثقافة الأبونيه



وليد الأزهرى
18/11/2008, 02:09 PM
البوفيه المفتوح - و الذى يتعارف على تسميته ببوفيه الأكل حتى الإشباع - هو أحد أشكال التسويق و العروض الترويجية فى عالم المطاعم و الفنادق.


و فى حين أن "فلسفة" البوفيه المفتوح تكمن فى أن الزبون سيكون مسموحاً له بتناول كل ما يستطيع تناوله , فإن الغالبية الساحقة من الزبائن لا تحب التفلسف و تدخل رأساً فى الموضوع , و الموضوع هنا بالطبع هو : إلتهام كل ما هو مُتاح إلتهامه (حتّى ولو كانت الكمّية التى يقدم الزبون على إلتهامها أكبر بكثير من طاقة معدته).


بالطبع... فإن الزبون - "المفجوع" - و الذى يغتال البوفيه مع سبق الإصرار و الترصّد يظل يحشر الطعام حشراً فى جوفه و كأنه يسابق عقارب الساعة , و هكذا......فإنه من الطبيعى أن ترى هكذا زبون و قد أطبق الطعام على "مراوح قلبه" فكتم أنفاسه , ليتحوّل الزبون فى نهاية "وصلة" الـ"أوبن بوفيه" إلى كائن لاهث الأنفاس متحشرج الكلمات جاحظ النظرات وكأنه على وشك توديع الحياة بعد أن أصبح فى حاجة الى من يضعه على كرسى متحرّك لمغادرة صالة الطعام .....والمثير للتعجّب و الدهشة هو أنه عندما يكون الزبون على وشك مغادرة صالة الطعام وهو فى هذه الحالة المزرية من التشبّع الغذائى المفرط , فإنه لا يقوم بإنزال عينيه من على أوانى الطعام أثناء مغادرته - وكأنه يودّعها بنظرات الهيام والشوق التى يودّع بها العاشق محبوبته .


وفى العادة , فإن الهجوم الكبير على أوانى الطعام يكون من خلال هرج ومرج كبيرين وكأن يوم الحشر قد أصبح موقعه هو صالة الطعام التى تروّج لنفسها عن طريق تبنى أسلوب الأوبن بوفيه.....ففى هكذا لحظات تاريخيّه فى حياة "الأكّيلة" فإن الزبائن تجرى فى إتّجاه أوانى الطعام وهم لايلوون على شيئ , فتجد هذا يدفع ذاك , وهذه تقوم بإعطاء كتف قانونى لتلك , أما لو قادتك الأقدار للإنخراط فى أحد تلك البوفيهات المفتوحة (و هو شيئ منتظر على أى حال إذا ما وجدت نفسك مدعواً لأحد أفراح الدور العسكرية) فستكتشف و أنت تراقب المشهد أن أحدهم قد غرق طرف قميصه المتدلّى خارج بنطلونه فى الصلصة وسلطة الطحينة أثناء إنبطاحه فوق المناضد التى يوضع فوقها أوانى الطعام بعد أن ألقى بنفسه فى "الحلل" كمن يقوم بضرب غطس فى حمّام سّباحه , و ستلاحظ بالطبع ذلك الشخص الآخر وقد تلطّخ قميصه من الخلف بالكريم شانتيه من جرّاء إلتصاق زبون آخر بظهره و هو يحمل طبق الحلويّات الخاص به أثناء التدافع على الفخذة الضانى (فهناك زبائن ناصحين يقومون بالمباغتة والهجوم أوّلا فى إتّجاه الحلويّات لكى يعبّ منها عبّاً لا هوادة فيه , ثم يقومون بالإندفاع بعد أن قاموا بــ"تأمين" خزين "الحلو" للمشاركة بمعنويات مرتفعة و بسريرة مطمئنة فى معركة الأوانى المستطرقه المصطفة على مناضد البوفيه الرئيسيّه).


و بالطبع , فإن الأمر لا يخلو من طرافة ومواقف كوميديّه , إذ أنك إذا أسعدك الحظ و وجدّت لنفسك ممرّا آمنا يكسبك موطئ قدم على منصّة التتويج أمام "حلل" الجمبرى, فإنّك –و إذ تمسك بالمغرفة وتهم بوضعها فى الحلّه لتضع فى طبقك ماتريد- فإنّك تكتشف أن المغرفة لا تتحرّك وكأنها مربوطة بسلسلة حديدية إلى عامود نور , وعندما تحاول تبيّن الأمر تكتشف أن أحدهم ممسك بيد من الفولاذ بالمغرفة (التى هى بالفعل فى يدك) ويقوم بالشعلقة بإستماتة بها , وعندما تنظر له نظرة إستياء من فوق نظّارتك فإنّه يعاجلك بإبتسامة صفراء لا تخلو من التناحه ليتبعها بقوله :



" أنا بس عايز أغرف حاجة"


(وكأنك كنت ممسكا بالمغرفة كنوع من أنواع التفاؤل وليس لكى تقوم أنت أيضا .....بــ..غرف "حاجه" ). ويزداد الطين بلة بدخول العنصر النسائى إلى حلبة النزال, فقد يدفع القدر زبونة فى طريقك لتقوم بدفعك و إلقاء نفسها عليك وحشر جسدها بينك وبين المنضدة ,لتجد نفسك واقعاً تحت تأثير تكتيك "حزام التابو" المحرّم , فتنقض عليك شحنة كهربائية تدفعك إلى الخلف من الوضع طائراً و أنت تترك مكانك –مجبراً- لها خوفاً من أن تتّهمك بأنك كنت تحاول التحرّش و الإحتكاك بها ( و بالطبع فإن الأمور تسوء أكثر عندما تدعو تلك الزبونة زوجها وأطفالها – وأحياناً جميع أصدقاء الأسرة المتواجدين- للتسلل تحت غطاء جسدها أمام المنضدة , لتكتشف- بقدرة قادر- أنك قد أصبحت بصورة مفاجئة خارج الكادر بالكامل بعد أن تجد نفسك وقد تقهقرت -إمّا إلى باب المطعم الخارجى أو إلى باب الحمّام فى أحسن الأحوال-). أما إذا كنت ممّن يحترمون أنفسهم ,فإنّك تقرّر فى الأغلب الجلوس على منضدتك فى إحترام لحين إنقشاع غبار المعركة على أمل أن تتمكّن بعد ذلك من وضع طعامك فى طبقك بعيداً عن الزحام و فى ظل إمكانية متاحة للحفاظ على ملابسك من البهدلة وقلّة القيمة و شظايا الطعام الطائشة المنطلقة كالأعيرة النارية أثناء إختلاط الحابل بالنابل.

فــ......تجلس وتنتظر و تنتظر
و تنتظر
و
تنتظر....



و تظل تنتظر , بينما معركة الأوبن بوفيه تظل على إحتدامها وحرب البوفيه المفتوح مستعرة , وأنت تتسائل فى دهشة علام هذا التدافع طالما كان البوفيه مفتوح وسينال كل زبون مراده فى النهاية. ثم....... عندما تهدأ الأجواء ويبدأ غبار ساحة الوغى فى الإنقشاع وتنزاح الأجساد التى كانت قد إجتاحت أوانى الطعام , تقوم من على الكرسى, وتخطو - واثق الخطوة تمشى ملكاً - فى أناة و تؤدة تجاه أوانى الطعام المصطفّه على مناضد الأوبن بوفيه, وتقترب, و...و..تقترب أكثر.......لتكتشف...... أنه..... لا يوجد سوى .....الخواء , وأن أوانى الطعام فارغة بالكامل بعد أن أتت جحافل الزبائن عليها. حينئذ.... تظل تنتظر فى خجل لمدة خمس دقائق بجانب مناضد البوفيه المفتوح وأنت تلقى نظر شاخصة على مناضد الحلويّات التى تم نسفها هى الأخرى...ثم ...تستجمع شجاعتك لتسأل أحد العاملين بصالة الطعام فى براءة عمّا إذا كانوا سيقومون باعادة ملئ تلك الأوانى الفارغهأم لا , فإذا بك تذوب خجلاً أمام تلك النظرة الناريّه التى يرمقك بها دون أن يرد عليك قبل أن يعطيك ظهره وينصرف وهو يهزّ رأسه محتقراً زبائن المحل فى شخصك ,فتظل متجمّداً فى مكانك لفترة,ثم تستجمع شجاعتك مرّة أخرى لتسأل نفس الرجل نفس السؤال,لينطق فى هذه المرّه موبّخا ايّاك بقوله:



الله يقطعكم , هوّه إنتم لسّه ليكم عين تطلبوا تأكلوا حاجة ثانية بعد المهرجانات دى؟؟!!


وهنا..... تسلّم بالأمر الواقع..... وتتقمّص دور منقّبى ومستكشفى الذهب فى الغرب الأمريكى القديم.... وتظل تحوم حول البوفيه المفتوح ,حتّى تكتشف بعض السلطات المنسيّة وكسرات الخبز المدفونه وسط أنقاض و ركام المعركة , فتقوم بلملمتها فى طبق , وتنزوى بها على منضدتك لتتناولها بعد أن زال عجبك من سبب هذا التدافع الهستيرى على أوانى الطعام (إذ أن مجتمعنا سيظل مصاباً على ما يبدو بعقدة النُدرة و الحرمان و نفاذ المتاح قبل إستيفاء الحاجة , وهى العقدة التى حفرتها بوجدان ذلك المجتمع طوابير الجمعيّه و ترسخت بطوابير العيش ) , ورغم أن نظرة سريعة إلى صالة الطعام الفاخرة لا بد و أن يوحى بأنه لابد من التخلّص من هواجس تلك العقدة,إالاّ أن ذلك السلوك التدافعى التزاحمى المقيت والمخجل ما يلبث أن يكشف لك أنه كان نتاج تردّى السلوك العام للزبائن بقدر ما كان أيضاً نتاج التردّى فى نوعية الخدمة التى يقدّمها المطعم بتقاعسه عن الإلتزام بواجباته تجاه زبائنه , فاذا به يفشل فى أن يبعث داخلهم شعوراً بالطمأنينة على صعيد أنه إذا حدث و أن فرغت الأوانى فسيتم إعادة ملئها.




و بهذا.... فإنّك تجد نفسك أمام طرفى نزاع كلاهما كان مذنباً.وفى ظل تلك الحالة المترديّة لأمنك الغذائى بعد أن فشلت فى الحصول على أكثر من كسرة خبز وبعض السلطات , فإنّ فكّك يتدلّى ليسقط فى حجرك من الإستياء و الحسرة على سلوكيّات الزبائن عندما تجد أحدهم وقد بدأ فى إعداد سندوتشات ليضعها فى كيس نايلون أخرجه من جيب بنطلونه بعد أن فشل فى الإجهاز على أطنان الطعام التى حشدها فى طبقه الذى أصبح هرمى الشكل فى دلالة على إعتزازه بحضارة السبعة آلاف عام.و إذا كان ذلك الزبون الـ"دنى" قد غرف فى طبقه ما يفوق طاقته بكثير, فها هو يحاول الإفلات الآن ببعض السندوتشات ليجهز عليها على إنفراد فى منزله بعد"تايم آوت" تتخلّص فيه معدته من الحمل الثقيل الذى تنوء به , و ليس من المستبعد فى هكذا مواقف أن تكتشف أنك قد نسيت نفسك وأطلت الحملقة فى ذلك الزبون لدرجة أنه قد لاحظ ذلك, و حينئذ فإن السيناريو المتوقع هو أن يتحفّز إليك ويصوّب سهام نظراته الوقحة إليك ردّا ً على نظرات إستيائك , ليتبع نظراته النارية بفتحه لفمه المحشو بالطعام و هو يقوم بمخاطبتك و التطجين فى وجهك موجّهاً لك كلمة "اللمبى" الشهيرة المصحوبة بتعبيرات الوجه الجامعة بين التناحة و البلطجة :



http://www.arabswata.org/forums/imgcache/1412.imgcache.jpg