المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَهرماتٌ ِمنْ الضَّحكِ



محمد سامي البوهي
19/12/2006, 02:08 PM
َأهْرَاْماتٌ الْضَّحكِ
اهتز باب الشقة بدقات هادئة ، ظننت أنها فلول هاربة من عاصفة عابرة ، علمت أنها بصمة من بصمات حضوره المميز ، عندما انطلق الجالسون بصيحة واحدة ، زينتها الدهشة لهول المفاجأة ، انفجرت أفواههم بنطق اسمه تباعاً : "حازم ثابت " !!، التعجب كان حليف ذكر اسمه دائماً ، السخرية المخضبة بالانبهار المتبوع باسترجاع أفعاله الغريبة تاجاً من تيجان سيرته الغائبة ، كنت قد التحقت بهم بعد الإعلان عن حاجتهم لمرافق يشاركهم مسكنهم ، عرفتهم نفسي ، عرفوني بأنفسهم ، بدأ التأقلم مع عادات كل واحد منهم يبني بيوتاً صغيرة لهم داخلي ، لكل منهم سمة تميزه ، عاداته الخاصة المختلفة التي ينفرد بها كل شخص عن غيره ، إلا أنهم اجتمعوا جميعهم على وليمة السخرية ، و التهكم حتى من أنفسهم أحياناً ، تعرفت على "حازم ثابت" من خلالهم ، شاركتهم الضحكات عندما كان يشرع أحدهم بتقليده بطريقته المضحكة التي تستدعي استجلاب مشاعر الهزل ، لترسم نفسها على معالم وجهي ، لم أحظ برؤيته من قبل ، لكني رأيت ما تركه خلفه من كتب باللغة الإنجليزية على مكتبه الصغير ، رأيته من خلال أشيائه غير المستقرة ، سرير سفاري ، دولاب رحلات صنع من جلد مصقول ، كرسي أشبه بكراسي البحر ، حاولت العبث خلسة في كتبه ، لكنها كانت تتعدى فهمي للغة الإنجليزية ، استنتجت من رحلة تصفحي القصيرة أنها كتب تختص بالهندسة ، والاقتصاد ، أشارت بعض لقيمات الكلمات التي التقطها ، والرسوم البيانية ، والتصميمات إلى ذلك ، رسم مجموع هذه الأشياء صورة " كركاترية " له بذهني ، لونها المقلد البارع "ياسر على" أحد فرسان الوليمة الساخرة ، بل وأمهرهم في امتطاء الشخصيات ، والعدو بها من حولنا ، لم يترك فيه شيئاً إلا وأصابه ؛ رأسه الحليق دائماً ، مشيته الكسولة ، عينيه المقفلة ، طريقته عندما يجد صعوبة في تذكر أسمائهم ، ملابسه التي لا تغادر جسده حتى أثناء نومه ، حقيبة كتبه التي تشبه أكياس الشحاذين ، كوبه الضخم ، ملعقته ، صحونه التي تتصدرها صورة الفأر الأمريكي الشهير ، حتى حذائه العسكري الطويل لم يسلم من إصاباته ، وسط هذه المسرحيات ، يقرأون على قوانين المعيشة بينهم ؛ مشاركتهم "جمعية مكافحة الجوع " ، هي جمعية فيدرالية من تأسيسهم ، يشترك فيها كل مقيم بينهم بسهم شهري من أجل شراء الطعام ، تركوا لي حرية اختيار يوماً من أيام الأسبوع لممارسة الطبخ ، يوماً آخر لغسيل الأوعية ، ويوماً لإشغال الغسالة بملابسي ، ركن أحدده من أركان الشقة يكون تحت سيطرتي التنظيفية ، الغريب في هذا الأمر أن "ثابت" كما يلقبونه ، كان بعيداً عن هذه القوانين ، على وجه الخصوص بند "جمعية مكافحة الجوع " ، أخبروني بأنه يأكل طعاماً من نوع خاص ، يشتريه من مطاعم تصنعه له خصيصاً ، يعتمد اعتماداً شبه كلياً على العصائر ، المعلبات ، الشيكولاتة ، بعض أنواع المكسرات ، لايسمح لأحدهم بمس متعلقاته الشخصية ، إن وقع واحد منهم في خطأ المساس بشئ من أشيائه تركه هدية له ، أو حذفه من حياته بصندوق المهملات ، بعدها يغسل يديه بجميع ماركات المعقمات ، كثيراً ما يغيب عنهم لأيام لا يعلمون عنه شيئاً خلالها ، يمحي اتصالاتهم فور ظهور رقم أحدهم على شاشة استقبال جواله القديم ، يثور لو تطرق متطفل منهم بسؤاله : أين كنت ؟ ، إلى أين أنت ذاهب ؟ ، لوائح قوانينهم واضحة ، بل وصارمة في بعض بنودها إلى حد لا يقبل المناقشة ؛ سداد الإيجار في موعده أول كل شهر ، عدم التخلف عن جدول الطبخ ، والنظافة تحت أي ظرف ، لكن ما أثار انتباهي ، أن عادات "حازم ثابت " الشاذة المضحكة ، كانت خطاً رئيسياً لقبولها ضمن لوائح هذه القوانين ، سألتهم عن غيابه أجابوا بصوت واحد : لا نعرف أين هو الآن ، غاب منذ أيام ولا نعلم عنه شيئاً ، لكنه يوما ما سيتحفنا بحضوره ، طارقاً علينا الباب ، ورغم انه يحمل مفتاحاً ، إلا أنه لا يستعمله أبداً ، زاد فضولي بسؤالهم عن دراسته ، أجابوا بنفس اللهجة السابقة : لا نعرف ماذا يدرس , ولا لأي كلية ينتمي ، يوماً نستقبله بكتب في الأدب ، يوماً يدخل علينا حاملاً أدوات هندسية ، وآخرها دخل علينا وعلى ذراعه معطف طبيب ، لا يسمح بالأسئلة أن تتسلل إليه ، وإن طرحت يتجاهلها كأنه فقد السمع ، انسحبت من هذا الاستحضار الذي غزاني ، تعلقت بالباب ، لأكشف إلى أي مدى وصل بي خيالي ، أردت أن أطابق الصورة بالواقع ، تقدم "مصطفى حسين " نحو الباب ، خلعه من مكانه ، كان أكثر فرسان الوليمة حكمة وعقلاً ، يصنع "إيفيهات " محبوكة ، تستدعي التفكير قبل الدخول في غيبوبة الضحك ، يستخدم دراسته لعلم النفس في إطلاق مسميات مختلفة علينا ، توجه بنظره محذراً "ياسر على " بأن يضع لسانه بالعلبة بدلاً من العفريت ، التزم الجالسون الصمت المحشو بطلقات الضحك ، تحرك الباب كي يكشف عن وجهه الملطخ بضباب الشتاء البارد ، بدأت مقاييس التطابق ترتفع ، تنخفض داخل ذاكرتي ، و نظرة مهيبة لتحرير النتيجة من قفصها,بدأ ظهوره يبدد الضلالات المتكتلة أمامي ، أثبت "ياسر على" - طالب الحقوق- أنه مصور من طراز راق ، الصورة كائنة كما وصفها تماماً ، ألقى علينا السلام كصدى صوت يرتد إليه ، رُدت إليه التحية بتواترات صوتية مختلفة ، كانت أقرب إلى لغة الوليمة الساخرة ، لم يتجرأ عليه أحد بالسؤال عن سبب غيابه خلال الأيام الماضية ، أضاع عليهم فرصة التمادي في محاورته ،دخل غرفته التي أتقاسمها معه ، غاب لحظات بالداخل ، كأنه أراد الاطمئنان على مصير أشيائه ، خرج معلقاً الكتابين رفقائي في رحلة التصفح القصيرة بأطراف أصابعه ، توقف أمام صندوق المهملات دفنهما داخله ، ثم هوس المعقمات ينهال به على مكتبه ، ويديه ، لفني الذهول وسط الغمزات ، واللمزات المتتالية ، كيف علم بأن يداً غريبة تلاعبت بكتبه أثناء غيابه ، سحب "مصطفى حسين " سؤالاً وصوبه نحوي ، هل لمست كتبه ؟ ، لجمني الذهول بالصمت الذي اقتحمه "حازم ثابت " بسؤال آخر ، طالباً به الكشف عن شخصية صاحب السرير الذي يرافق سريره داخل الغرفة ، أنقذني " أحمد عبد الله " أحد المقيمين معنا ، ومن أبرز رواد الوليمة ، بل هو المحرك الأساسي لها ، صاحب إشعال فتيل السخرية الأول دائماً ، أشار بكفه الأيمن نحوي ، قدمني له ، وقدمه لي ، فانزلق بنظره إلى أسفل قدمي ، ارتفع يتفحص وجهي ، هز رأسه أمامي، بادلته ترحيبه بقلق ، و خجل ، حيث كنت أستعد للإجابة عن سؤاله القادم عن سبب تطفلي على كتبه التي فقدها منذ لحظات ، خذلني ، انسحب بهدوء نحول الداخل ، كان لابد لي من تهيئة نفسي للتعايش مع هذا الكائن المريخي كما يصفونه دائماً ، خلعت جسدي من مكانه مصطحباً حفنات من الفضول ، فرضت نفسي عليه داخل الغرفة المشتركة ،كان ممدداً على سريره دون أن يخلع ملابس خروجه ، بيده كتاباً باللغة الإنجليزية ، تظاهرت بترتيب ملابسي ، لم يعبأ بوجودي ، شهقت شهقةً داخلي ، استعداداً لغزو فضاء هذا الكائن ، لكنني فوجئت به يسبقني بسؤاله عن مدى حبي للقراءة ، و التداخل مع عالم الكتب ، فهمت ما يرمي إليه بالطبع ، يستخدم طريقة محقق المباحث في استدراج المتهم للإيقاع به ، يريد الوصول بطريقة غير مباشرة لمعرفة المتسبب في فقده لكتابين من كتبه ، أجبته بالإيجاب ، لكني نفيت عن نفسي حبي لقراءة الكتب الأجنبية ، صمت لحظات ، لم أدعه خلالها يخوض بالتفكير في سؤال آخر ، صممت ألا يصل إلى ما يريد ، وانهلت عليه بسؤالي بعد أن سبقني بضربته الأولى :

- حضرتك تقرأ كتب أجنبية فقط ؟
- نعم . واسمي "حازم" بدون حضرتك.
- شرفت بك .
- أهلاً.
أعرض برأسه داخل الكتاب كالنعامة ، قررت أن استمر في خوض المعركة ، رغم إجاباته المختصرة جداً ، والمحدودة ، كثفت الأسئلة مع استعدادي لتحمل النتائج :
- تقرأ أدب انجليزي؟
تظاهر بعدم السمع ، الإصرار كان يلح على بالمواصلة ، أعدت عليه السؤال :
- حازم . تقرأ أدب انجليزي ؟
رمقني بنظرة خافتة من خلف كتابه ، ازدادت حدة كأعين القطط السوداء بالظلام ، أعقبها بشرود غريب :
- هل تقرأ أنت أدب انجليزي ؟
- أقرأ روايات مترجمة .
- لمن ؟
- لـ (تشارلز ديكنز ، شكسبير ، أجاثا كريستي ).
- الترجمة لا تشعرك بلذة ما أبدعوه بلغتهم .
- أعلم ذلك . لكني لا أجيد الإنجليزية .
- واضح أنك تحب القراءة .
- أعشقها منذ الصغر .
- قلت لي ما اسمك ؟
- أخوك "عمر محمود ".
- أحب اسم عمر .
- أكرمك الله ، من لطف ذائقتك.
- هل قرأت عبقرية عمر ؟
- نعم . قرأتها .
- ما رأيك بالعقاد ؟
- العقاد مفكر وفيلسوف رائع ، أتفق معه في أشياء ، وأختلف معه في أخرى .
- تتفق معه ، تختلف معه ؟!
- نعم . وهل في الأمر غرابة ؟
- قلت لي ما اسمك ؟
- اسمي عمر . عمر محمود .
- آه . تذكرت .
- لا عليك .أعرف أنك تنسى سريعاً .
- من قال لك ذلك ؟
- الأخوة هنا بالشقة .
- هل حدثوك عني ؟
- نعم ذكروك بكل خير .
- وهل يعلمون عني شيئاً لينسبوا إليه الخير ؟
شعرت بوقوعي في خطأ جسيم , كاد أن يزج بي في براثن الوقيعة , وبذلك أكون مثل لاعب كرة القدم الذي سجل هدفاً في فريقه , لملمت الحديث , طويته سريعاً , لكنه هرب مرة أخرى إلى كتابه , أراد أن ينهي المعركة في جولتها الأولى . صممت أن أحقق انتصاراً أولياً في هذه الجولة , لن أدعه يفارقني دون عودة , لكن لابد ، وأن أنفرد به في ساحة أخرى بعيداً عن حصونه هذه التي يتحصن بها ، و يرواغني من خلالها :

- ما رأيك بأن نخرج ليلاً نغير من جو الشقة ؟
- نخرج إلى أين ؟!
- نجلس على المقهى الشعبي بشارع الألفي .
- أنا لا أجلس إلا على "كوفي شوب" بمدينة نصر .
- اتفقنا . ولك ما طلبت .
**** **** ****
على المقاعد الجلدية الفخمة ، بركن احتوانا سوياً ، بتلك المقهى المحلاة بالطابع الأوربي ، انفردت به بعيداً عن المسرح الكوميدي ، الذي عج بالاندهاش فور اجتماعنا للخروج سوياً بهذه السرعة ، حمل معه حقيبة كتبه القماشية ، الملقبة بكيس الشحاذين ، أخرج كتاباً غريباً ، تصدر غلافه رجل وسيماً ، ببذته الأنيقة ، حاولت ألملم عنوان الكتاب الذي كتب بخط "الكوميك" الإنجليزي ، لكنني وجدت صعوبة بالغة في فك طلاسمه ، فكان السؤال عن اسم الكتاب دافعاً قوياً لبدء الجولة :
]- ما اسم هذا الكتاب ؟
- اسمه (Forex Made East )
- ما ترجمته العربية ؟
- سوق تداول الأوراق المالية .
- اقتصاد؟
- نعم . للمليونير (جيمس ديكس )
- جيمس ديكس ؟!
- نعم . هل سمعت عنه ؟
- يخيل لي ذلك .
- أتمنى أن أصبح مثله ، رجل مكافح ، بنى نفسه بنفسه ، أبوه كان "مالتي مليونير " ، رغم ذلك اعتمد على نفسه ، عمل في كل شئ ، بدأ من نقطة الصفر ، حتى حقق ما يريد .
- حازم . ماذا تدرس ؟
- تشرب قهوة ؟
- ليس عندي ما يمنع ذلك .
- أحب القهوة الأمريكية كثيراً .
- وأنا أحب أن أجربها .
- سأقوم أحضر الطلب ، هنا قانون اخدم نفسك ، مثل قانون شقتنا.[/color]
شاركته ضحكاته ، كانت هي المرة الأولى التي ألحظ فيها شفتيه تنفرجان للضحك ، قام لإحضار القهوة ، حام حولى الشرود في هذه الشخصية المحيرة ، أحياناً يطل من نافذة الانتماء الغربي ، أحياناً يحدثني عن العقاد ، عقر دار الأدب العربي ، والآن يقرأ لمليونير إنجليزي ، يتخذه قدوة له ، يتلون كل دقيقة بلون مختلف ، يصعب علي تحديد هويته وسط هذا الغموض الذي يتشرنق به ، عاد حاملاً صينية عليها قدحين من القهوة الأمريكية ذات الرغوة الكثيفة ، تنفذ من وجهه سعادة خفيه تستفزني ، كنت أقترب منه ، أنجذب نحوه ، رغم معرفتي حداثة معرفتي به ، جمد بحضوره سيل التفكير المنصب على رأسي ، انشغل بفتح كيس من السكر ، صب محتوياته بقدحه ، نظر نحوي ، يلتهم ملامحي ، انطلق من صمته :
- تريد أن تعرف ماذا أدرس ؟
- نعم . إن كان لا يضايقك ذلك.
- قل لي ، ماذا تتوقع أن أدرس ؟
- أتوقعك طالب بكلية التجارة ، أو الهندسة .
- لا هذا ولا ذاك ، خاب توقعك .
- إذاً ، ماذا تدرس ؟
- أنا طالب بمعهد الفنون المسرحية .
- معقول ؟!
- دراسة فريدة . أليس كذلك ؟
- نعم . هي كذلك لكن ...
- أعرف سؤالك القادم . لكل مخلوق حيله الدفاعية ، ولكن السائد الآن من هذه الحيل بين بني البشر ، حيلة الضحك ، نهرب من أنفسنا ، من التفكير في هموم مستقبلنا بالضحك ، بل نبني منه أهراماً داخلنا ، انظر حولك لهؤلاء الناس ، كل واحد منهم داخله هرم استغرق في بنائه ليدافع به عن نفسه أمام تلك المعتقدات المجتمعية التي تهاجمه .
- لكنك نادر الضحك .
- نعم. اتخذت شكلاً آخر للدفاع عن نفسي من تلك المعتقدات التي تلفنا ، أبني هرمي بطريقة مختلفة ، بقراءة غيري ، العيش مع شخصيات المسرح ، أنسى من أكون ، وماذا أريد ، أفكر بتفكير ، الطبيب ، الضابط ، المهندس ، الفلاح ، المحامي ، وأحياناً اللص ، أفكر كما الشخصيات الأجنبية المترجمة التي تقرأها ، رسمت بأقلام كتاب يعرفون ما يكتبون ، أنسى بينهم التفكير في ذاتي ، همومي المستقبلة ، أحزاني الماضية .
- أنت إنسان غامض ؟
- كيف تتهمني بالغموض ، وأنا أكشف لك نفسي الآن .
- لكن هل ترى أن حيلك هذه ...
- عمر . أجدادنا الفراعنة مثلاً ، كان محور التفكير عندهم ينصب على قطبين ، قطب الحياة ، قطب الموت ، همهم المستقبلي هو الحياة الأخرى ، همومهم لم تكن مثل همومنا ، فقد حققوا كل شئ ، وعجزوا عن الخلود في الدنيا ، لذلك بنوا لأنفسهم أهراماً يدافعون بها عن أجسادهم ضد فكرة الزوال، كان همهم الأكبر هو الحياة ، الخلود ، حضارتهم هذه لم يصنعوها من أجلنا ، ولا من أجل الأجيال القادمة كما نعتقد ، بل صنعوها من أجل حياتهم القادمة بعد الموت .
- أنت تعتبر أهرامهم حيلة دفاعية ضد الموت؟
- نعم. ونجحوا في تخليد أسمائهم ، لكن أهرام الضحك التي نبنيها الآن نبنيها للهروب من الواقع المرير ، ومن شبح حاجات الحياة الذي يهددنا ، نتباهى بأهرامهم الشامخة، وننسبها إلينا، ونسخر من أهرامنا ، لا نحترمها .
- لذلك قررت أن تبني لنفسك هرماً بطريقتك .
- نعم . هرماً أحترمه .
- لكنك بذلك تغلق على نفسك كهفاً ، قد تنسى فيه ، تعيش مع غيرك ، لا تعيش نفسك .
- لم تشرب قهوتك .
- حازم . أليس من الغريب أنك لم تسألني عن نفسي طوال حديثنا .
- ياصديقي ، ما تحويه نفسك لن يفيدني .
- لكني انتصرت على غموضك ، ونجحت في الوصول إليك في ساعات معدودة .
- تقصد ساعات ماضية ، لكن هل تعلم ما سأفعله في ساعاتي القادمة ؟ .
- أنت ...
- أنا أتلون كل يوم ، كل ساعة ، كلما توصلت إلى ، سبقتك إلى شكل آخر ، لن تنتصر على بهرمك هذا التافه أبداً .
- هرمي ؟!
- أشرب قهوتك . فالوقت قد طال ، أفضل الانسحاب .
**** **** ****
لا أفهم شيئاً مم يقال في المحاضرة ، كانت أفكاره تحاصرني ، استقبالي للمعلومات يتلعثم ، تخلى عني التركيز ، كانت فكرة بنائه لهرمه تسيطر على ، مسحت الوجوه من حولي ، وجوهاً سلمت نفسها للأيام ، تشكلها كما تشاء ، لا يفهمون سوى لغة واحدة ، لغة اجتياز الامتحانات ، الشهادات ، الأوراق ، لن يعيشوا سوى داخل أنفسهم ، ولو تقمصوا آلاف الشخصيات ، لن ينسوا أهرام الضحك التي سيطرت على عقولهم ، تركتهم خلفي يخادعون بعضهم البعض ، يسخرون من بعضهم البعض ، عدت لهرمنا الأكبر ، شقة الهزل التي تجمعنا ، الخشية من لقائه تقتحمني ، ترددت كثيراً قبل أن أدير مفتاح الباب ليفسح لي الطريق للدخول ، استعرت الجرأة من قلب آخر ، غير قلبي الذي يتهشم بالخوف ، تهيأت للقائه ، تظاهرت بالثبات ، دلفت بخطوات بليدة نحو غرفتنا المشطورة ، كي أجدها خاوية إلا من سريرى الخشبي الراسخ ، خزانة ملابسي الثقيلة ، مكتبي القديم .
محمد سامي البوهي

زاهية بنت البحر
19/12/2006, 04:27 PM
دخلت القراءة وقلبي منقبض لطول القصة ,وما أن خطوت بعض الخطوات فوق السطور ببطئ ,وجدت نفسي أقفز مسرعة بقطع المسافة عبر المتصفح بشغف ..أحسست كأنني أقرأ مذكراتي في بيت الطالبات حيث عشرات الفتيات يجتمعن من كل أنحاء الوطن العربي للدراسة في الجامعات ..وعندما وصلت السطر الأخير من القصة ,وقرأت النهاية تذكرت إحداهنَّ ,فقد كان لها من صفات محمود الكثير ..
من الجميل أن يكون لكل شخص هرم خاص به, على أن يلتقون جميعًا في هرم واحد يبنونه بإهراماتهم المختلفة بشرط أن تكون لكل هرم أبواب ونوافذ يطلون من خلالها على عوالم بعضهم بعضًا بما يساعد على تماسك الهرم الأكبر وطنًا وسكانا..
بارك الله بك أخي الكريم المبدع محمد سامي البوهي ومن تقدم إلى الله
دمت بخير
أختك
بنت البحر

ايمان حمد
03/01/2007, 07:08 PM
السلام عليكم

الاديب الفاضل / محمد سامى البوهى

ايه يا سيدى القصة الطويلة اوى اوووى دى - حرام عليك !
بس بينى وبينك عجبتنى - جديدة فى الفكرة والفلسفة
برافو عليك اخى محمد

لا ادرى هل قراتها صح ام خطأ !

ارى اولا ان المقدمة كانت طويلة جدا وليتك دخلت فى الموضوع على طول كما علمتنى ولخصت الجو العام فى جملتين مثل :مجموعة من الشباب يعيشوا معا وكل له خصوصيته ووجب الاحترام لكل .
بصراحة ارى الاشخاص كلهم ثانويين فى القصة الا انت والبطل !ولو كنت ركزت عليكم انتم بس كنت سابقى اكثر سعاده

ولكن فكرتك هذه خلتنى افكر : هل معقولة فى انسان بيعرف يعيش كده ( مثل حازم ) ؟
على فكرة اسمه مش لا يق على فعله .. كان حقك سميته : ضايع هارب خايف مش حازم ثابت !
ده بهذه الطريقة يضيع نفسه ويشك فى كل من حولة لدرجة تخليه عنده وسواس
وتوقعاتى كانت تماما موافقة لما كتبته انت ( انه عنده وسواس بدرجة عجيبة )
لا احد اخى يستطيع ان يعيش فى تخوف دائم من الناس ويضع نفسه طول النهار فى مكانهم علشان يشوف بيفكروا ازاى .. دى مش عيشة ابدا !
المفترض حسن النية فى الناس الى ان يثبت العكس - هكذا يعيش الفرد السوى !

هذا الشخص عايش فى هروب تاااام - و ضياع كبير لانه لم يعد يجد نفسه

والدليل فى اول مواجهة بينك وبينه ( رغم انه من كشف لك عن هويته بارادته ) هرب منك
عارف ليه ؟ لانه لم يستطع ان يضع نفسه فى شخصيتك لانك شخص حقيقى ومش وهمى مثل الذين يقرأ عنهم

صدقنى - عمله فى المسرح لم يؤثر على ضياع شخصيته - بل فلسفته العقيمة هى السبب

يجب ان يعيش مثل باقى الناس ويستأمنهم - الى ان يثبت العكس
ويجب ان يحيا حياة سوية كما امرنا الله
ويجب ان يكون نفسه ومش حد تانى علشان يقدر يتعامل مع الواقع

القصة والفكرة حلوة - ولكن سامحنى شكلى انى ( عجزت بقى ولم يعد عندى نفس للقراءات المطولة )

دمت فى عطاء ايها الاديب القدير

محبتى وسلامى لكم ولزوجكم الكريم
وفى انتظار ولى العهد القاص احمد ان يشرف لنحتفل به ونكرمه مع والده هنا


الى اللقاء مع شخصية وقصة جديدة


ا

محمد سامي البوهي
03/01/2007, 08:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله

الأخت الفاضلة / بنت البحر

لأبيك البحر هنا وجوده ، مع ردك هذا الجميل ، دائما تربطين بين ما تقرأيه وبين ما تعيشيه ، هذا هو سر خلود البحر .

محمد سامي البوهي
03/01/2007, 08:24 PM
الأخت الكريمة / إيمان

تعرفين أني انتظر ردودك دائماً ، لكن ألا يكفيك متعة السرد في الإطالة ، هذه قصة ، وليست قصة قصيرة ، لابد من عمل فرشه للشخصية الرئيسية ، مع القاء الضوء على الشخصيات الثانوية ، ردودك ساحرة ، عايزك تعلمي ابني أحمد كيف يرد بعون الله ، فهو لك .

ايمان حمد
20/01/2007, 08:33 PM
الأخت الكريمة / إيمان

تعرفين أني انتظر ردودك دائماً ، لكن ألا يكفيك متعة السرد في الإطالة ، هذه قصة ، وليست قصة قصيرة ، لابد من عمل فرشه للشخصية الرئيسية ، مع القاء الضوء على الشخصيات الثانوية ، ردودك ساحرة ، عايزك تعلمي ابني أحمد كيف يرد بعون الله ، فهو لك .



اعمل اية بقى ؟ اصلى لقيت القصة فى بوابة القصة القصيرة قلت لا - دى قصة اطول بشبر كده :)


اما بالنسبة لأحمد فى عنيا فهو ابن اخى محمد واختى ولاء - بس ماليش دعوة ان طلع لمض حبتين مثلى ( هههه )

اما رايك فى ردودى فهو محل تقديرى وافتخارى

مودتى

ثروت الخرباوي
21/01/2007, 03:08 AM
الأستاذ المبدع محمد البوهي

يبدو أنني أصبحت مدمنا لقصصك ... قصتك هذه جميلة جدا جدا

على فكرة أنا أعرف واحد إسمه حازم ثابت .. سأطبع هذه القصة وأعطيها له .. وقد يفكر الرجل في رفع قضية على المؤلف .. ويطلب تعويض ... تدفع كام حتى أخفي عنه هذه القصة

تقديري لك فقد أمتعتني هذه القصة

محمد البوهي
21/01/2007, 04:10 PM
المفكر الأديب
الأستاذ / ثروت الخرباوي
أشكر ك جدا على ردودك هذه الأكثر من رائعة ، أما من ناحية القضية وحازم ثابت ، فياريت تخفي القصة عنه ، لأن تسعيرتك غالية جداً يا أستاذنا الرائع .

غالية مقاما ...

محمد